• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ليلة القدر .. ليلة البحث عن الذات .
                          • الكاتب : طارق الغانمي .

ليلة القدر .. ليلة البحث عن الذات

 

يا إلهي كم هي ليلة عظيمة ونحن غافلون عنها، ما هذه الغفلة؟ وما هذا الكسل؟ هل من المعقول أن نترك أفضل ليلة يقدر ويدبر الله فيها كل شيء لنا..!! ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى، ليلة تُقدر العمر، وليلة تُقدر أرزاق العباد ومقاديرهم، وليلة يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، وليلة يفرق فيها كل أمر حكيم كما أشار إلى ذلك (جل شأنه) في سورة الدخان. 

إنها ليلة واحدة عبر الأزمان لا غيرها؛ أي أن في تأريخ الكون الذي يبلغ عمره - حسب تقديرات العلم الحديث - ملايين السنين، ليلةً واحدةً اسمها (ليلة القدر)، وما يتكرر في كل عام إنما هي ذكرى لهذه الليلة العظيمة كما هو الحال في أية ذكرى أخرى متكررة كل عام. 

عجيبٌ للمرء أن يترك هذه الليلة التي قدر الله سبحانه وتعالى فيها كل ما كان ويكون إلى يوم القيامة. فعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أنه قال: قال: لي رسول الله (ص): (يا علي؛ أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلت: لا يا رسول الله، فقال: إن الله تبارك وتعالى قدر فيها ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكان فيما قدر (عز وجل) ولايتـك وولاية الأئمة من ولدك إلى يوم القيامة. (بحار الأنوار: ج14/ص18). 

نعم إنها هي ليلة التقدير، والليلة التي جرى فيها القلم على اللوح بكل شيء؛ بالمنايا والبلايا، بما يحدث وبما حدث، وبما كان وما يكون، وفي كل سنة تأتي ليلة تحاكي ليلة القدر الأصلية وتوازيها وتذكر بها، وحتى ليلة نـزول القرآن والوحي على قلب رسول الله (ص)، ولعلها تكون ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان فإنها حكاية عن الليلة التي كانت عند الله تبارك وتعالى.

و(القدر) يعني التقدير، وهناك من يقول إن القدر يعني العظمة على اعتبار أن هذه الليلة عظيمة، وقيل أيضاً إن ليلة القدر هي ليلة الضيقة؛ لأن الأرض تضيق بالملائكة عندما تنزل فـي هذه الليلة. 

فهناك ثلاثة تقديرات للإنسان؛ أي أن الله سبحانه وتعالى يقدر للإنسان أموره في ثلاث مراحل؛ فالتقدير الأول كان في اللوح في بدء الخلق وهذا تقدير كلي؛ وهناك تقدير آخر في ليلة القدر وهو أن أمور السنة تقدر فيها، ففي خلال كل سنة يقدر ما سيحدث للإنسان، هذا ما ذكره الإمام جعفر الصادق )عليه السلام(، إذ قال: )ليلة ثلاث وعشرين الليلة التي فيها يفرق كلُّ أمر حكيم، وفيها يكتب وفد الحاج وما يكون من السنة الى السنة(. 

وفي ليلة القدر يشعر الإنسان بحالة روحانية عجيبة، وشعور مفعم بالراحة والسعادة، إذ الشياطين مغلولة فيها، وفرص السمو والكمال متوفرة للإنسان، فعلى الإنسان المؤمن أن لا يغفل عن هذه الليلة العظيمة، وأن لا يقول إني سأحييها في العام القادم، فما أدراه أنه سيعيش في السنة القادمة، وما أدراه أنه سيكون من الأحياء أم الأموات، وهل يستطيع أحد أن يضمن أنه سيعيش حتى السنة القادمة؟ فعلينا أن نجتهد كثيراً في هذه الليلة، فلعل اسمه أن يكون في ديوان الأشقياء - لا سمح الله - والفرصة الوحيدة؛ لأن يجعل اسمه في ديوان السعداء في ليلة القدر.

فقد أعطى الله (عز وجل) في هذه الليلة العظيمة خيراً عظيماً يماثل فضل وخير ألف شهر، فالعبادة وكافة وجوه الخير في هذه الليلة تتضاعف وتكون لنا رصيداً وافراً من الأجر والثواب نستعين به على قصر آجالنا التي مهما غنمنا فيها من الخير فلن نصل إلى ما فيه مضاعفة أجورنا من قبله تعالى بمثل هذا العطاء وهذه المكارم الربانية.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=80224
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19