• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : *محاضرات رمضـــ🌙ـــانية14* ◾اﻹمام علي (ع) الجرح النازف على طول التاريخ .

*محاضرات رمضـــ🌙ـــانية14* ◾اﻹمام علي (ع) الجرح النازف على طول التاريخ

  بسم الله الرحمن الرحيم
 
 جعل الله تعالى لنبيه الخاتم محمد صلى الله عليه واله اوصياء اثني عشر ، وأولهم صهر النبي وابن عمه علي بن ابي طالب عليه السلام ، والذي بلغ النبي صلى الله عليه واله بإمامته وخلافته في مختلف المواطن والأوطان وتباين الازمنة وتعدد المواقف ، وإن ابرز هذه التصريحات التي صرحت بذلك هي حادثة الغدير والتي حدثت من بعد عودة النبي صلى الله عليه واله والمسلمين من حجة الوداع والتي هي آخر حجة حجها رسول الله صلى الله عليه واله في طريق عودتهم في مكان يقال له غدير خم ، وحيث ضجت الكتب  وعجت المؤلفات بذكر هذه الحادثة ، وتزاحمت النصوص وتواترت الاحاديث فيها من قبل الفريقين وحيث ذكرته صحاح السنة وحيث قال النبي صلى الله عليه واله في حق ابن عمه وصهره واخيه علي بن ابي طالب عليه السلام : ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيثما دار ...)).
 
▪لم تعرف الانسانية في تاريخها الطويل رجلاً - بعد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ولم يسجّل لأحد من الخلق بعد خاتم الرسل (ص) من الفضائل والمناقب والسوابق، ما سجّل للامام علي (ع)، وكيف تحصى مناقب رجل كانت ضربته لعمرو بن عبد ود العامري يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين، وكيف تعد فضائل رجل أسرّ أولياؤه مناقبه خوفا، وكتمها أعداؤه حقداً، ومع ذلك شاع منها ما ملأ الخافقين، وهو الذي لو أجتمع الناس على حبه - كما يقول الرسول الأكرم (ص) لما خلق الله النار.هو أفضل الأمة مناقباً، وأجمعها سوابقاً، وأعلمها بالكتاب والسنة، وأكثرها إخلاصاً لله تعالى وعبادة له، وجهاداً في سبيل دينه، فلولا سيفه لما قام الدين، ولا أنهدت صولة الكافرين.
وقد سعت أبواق اعلام بني أمية الجاهلية والمضللة ورواة زورهم وكذبهم ودجلهم ونفاقهم كل سعيهم لإخفاء مكارم ومحاسن وفضائل الحق والحقيقة والصراط المستقيم والعدالة السماوية والانسانية والايمان ذلك القرآن الناطق ووصي رسول رب العالمين (ص) وخلفه من بعده دون فصل الامام علي بن أبي طالب (ع) فلم يتمكنوا وأجبروا على نقلها من جيل الى جيل كما جاء العشرات منها في كتاب "فضائل الصحابة" للامام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل – الجزء الأول والثاني ، وأخريات في كتاب "جمل من أشراف الانساب" للامام أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، وعشرات الكتب المعتبرة الاخرى ناهيك عما جاء في المستدرك والنيسابوري والصحيحين وغيرهما.الحديث عن أمير المؤمنين الأمام علي بن ابي طالب عليه السلام طويل، لا تسعه المجلدات، ولا تحصيه الأرقام، حتى قال ابن عباس "لو أنّ الشجرَ اقلامٌ، والبحرَ مدادٌ، والإنس والجن كتّاب وحسّاب، ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام.لقد جاءت أكثر من (70) آية في القرآن الكريم بذكر فضائل الامام علي (ع) منها المائدة 3و55و67، والبينة 7، والسجدة 18، والرعد 7، وهود 17، والصافات 130، والاحزاب 33، والبقرة 127-128،و الضحى 5، والرعد 28، و...عشرات غيرها .لم يزل الرسول الأعظم (ص) منذ بعثته وحتى وفاته يشيد بأمير المؤمنين عليه السلام في كل ناد ومجمع، ومنتدى ومحفل، ولا يمكن إحصاء ما جاء من أحاديث الرسول الأعظم (ص) في الإمام(ع) ، وليس من كتاب يتعرض للحديث أو للسيرة إلاّ وبين دفتيه أحاديث جمّة في فضل أميرالمؤمنين (ع)، وقد عقد أرباب الصحاح، وعلماء الحديث فصولاً في كتبهم فيما جاء في فضله (ع)، وقد أفرد جمع كبير من علماء المسلمين كتباً مستقلة في فضائله(ع)، وتدوين ما ورد فيه من سيد المرسلين (ص)، وتمشياً مع هذا المختصر فقد سجلنا ثمانية أحاديث في فضله (ع):" عنوان صحيفة المؤمن حب علي" و" حامل لوائي في الدنيا والآخرة علي" و"أنا المنذر و الهادي من بعدي علي"، و"علي الصديق الأكبر"، و"علي الفاروق بين الحق و الباطل"، و"علي كفه و كفي في العدل سواء"، و"علي باب حطّة من دخله كان مؤمنا"، و"علي إمام البررة و قاتل الفجرة منصور من نصره ومخذول من خذله، و"علي إمام المتقين وأمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين" و"علي منزلته مني كمنزلة هارون من موسى"، و"علي حقه على الأمة كحق الوالد على ولده"، و"علي مع القرآن و القرآن مع علي"، وعشرات من الاحاديث الاخرى .كل ذلك يدلل على عظمة ومنزلة ومقام الامام علي (ع) وحياته وعلمه حيث كان مصدر إشعاع للفكر، ومنهل عذب للخير، وينبوع فياض بالحكمة، ورصيد ضخم في الكمال والمعرفة، وطاقة جبارة في العلم والأدب تستوحي الأمة منها الإيمان الصادق، والعقيدة الحقة، والذود عن المبدأ، والخلق الكريم، والمُثـل والكرامة، ومدرسة كبرى للإنسانية، ومعالم وضاءة لتحقيق الحق والعدالة.الأمر الذي دفع بالقوی الطامعة والانتهازية التي خسرت مواقعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تتحرك ضد الامام علي أمير المؤمنين (ع) وأخذت تتکاتف کل عناصر الشر والشرك والنفاق واليهودية والجاهلية التي شارکت بنحو واخر في مقاتلة "عثمان" والتحريض عليه بالأمس، لترفع اليوم شعار المطالبة بدم "عثمان" مندَدة بسياسة الامام علي (ع) العادلة والحکيمة والنزيهة فنکثت طائفة وقسطت اخری ومرقت ثالثة وحملته عشرات الحروب المدمرة والغزوات أريق خلالها دماء عشرات آلاف المسلمين ظلماً وزوراً سعياً من بني أمية وحلفائها العودة بالامة الى عهد الجاهلية قبل الاسلام .لقد أعطى أمير المؤمنين الامام عليّ(ع) كلَّ نفسه لهداية الأمة الحؤول دون انحرافها وانجرارها نحو الضلالة والظلمة؛ فأعطى من فكره فملأ الحياة فكراً، وأعطى من بطولته فملأ الحياة فتوحات، وأعطى من قوته فارتفع بالضعفاء الى مواقع القوة، وأعطى من كلِّ حركته في الحياة عندما حكم، فأخرج الحكم العادل الذي لا يهادن ولا يجامل في خطِّ الله تعالى. فمن أين انطلق علي(ع)؟ انطلق من الاسلام المنفتح على الله سبحانه وتعالى، لأنّه مستمدٌّ من الله سبحانه وتعالى، ويتحرك في طريقه، وهو الذي تتلمَذ على الاسلام والقرآن الكريم وعلى يد رسول الله(ص)، فكانت حياته في مدرسة الاسلام المحمدي الاصيل، ولهذا استطاع(ع) أن يفهم القرآن الكريم فيما لم يفهمه أحد، وأن يفهم رسول الله(ص) وسنّته كما لم يفهمها أحد.
 
▪الإمام علي امير المؤمنين عليه السلام كان يحمل على عاتقه مهمة الامامة والتي هي مكملة لمهمة النبوة من خلال هداية البشر وارشادهم وانذارهم ، وكان الحق معه وهو مع الحق والله أولى بالحق ، ومن المعتاد ان يكون له اعداء يتربصون به الدوائر ، فكان  اعداء الله واعداء الاسلام واعداء الرسول اللذين كانوا يعبدون الاصنام واللذين كانوا منتفعين ماديا بها من خلال ما يقدم اليها من النذور والقرابين ، واللذين قاتلوا الرسول في معركة بدر واحد وحنين ومعركة الاحزاب وغيرها ولم  يستطيعوا النيل منه ان يجتهدوا في تلاقف الفرصة لقتل الامام علي امير المؤمنين عليه السلام معتقدين بأن قتله هو قتل للنبي ونهاية لوجود الاسلام على الارض ، فإذن قتل الامام أمير المؤمنين عليه السلام كان هو الهدف المنشود من قبل أعدائه وعلى رأسهم معاوية بن ابي سفيان الذي انحدر من تلك الشجرة الملعونة في القرآن ، فقد انحدر من اصلاب لطالما عبدت الاصنام وتولعت في حرب الرسول ومعاداة الاسلام ، وبحسب طبيعة الحال كان معاوية يرى ان وجود الامام امير المؤمنين علي عليه السلام يمثل تهديدا  لوجوده ، وتهديدا لكرسي الخلافة والذي هو يراها ملكا له ، وبعد الحروب والمعارك الكثيرة التي شنها معاوية المتقمص للباس الاسلام والمتستر به على وصي النبي الامام امير المؤمنين عليه السلام وجر المسلمين الى تلك الحروب الطاحنة وإدامة زخم التشتت والتشضي بين المسلمين وسفك الدماء تيقن معاوية ان قتل امير المؤمنين عليه السلام من خلال الحرب أمرا بات مستحيلا ، وأنه لا جدوى منه ابدا ، فعمد الى اللجوء الى المكر والحيلة من خلال الاختيال والتصفية الجسدية ، وبحسب ما ذكرته المصادر اضطر معاوية فتواطىء مع مجرم عظيم الاجرام يسمى بعبد الرحمن بن ملجم لإختيال امير المؤمنين وقتله والخلاص من وجوده على الارض ، وبالفعل جاء المجرم عبد الرحمن بن ملجم في ليلة التاسع عشر من شهر رمضان في سنة 40 للهجرة ، وكان قد اخفى تحت ثيابه سيفا صقيلا مسموما بسم قاتل شديد الأذى ،وكان في مسجد الكوفة  ينتظر ان يحين وقت صلاة الفجر كي يصلي امير المؤمنين عليه السلام وينقطع في توجهه الى الله فيستغل الفرصة فيقتله بذلك السيف الصقيل ، وبالفعل ما إن حان وقت صلاة الفجر وصلى الامام امير المؤمنين عليه السلام بالناس حتى استتر المجرم عبد الرحمن بن ملجم بين صفوف المصلين متظاهرا بالصلاة ، وحينما  رفع الامام امير المؤمنين راسه من السجدة الاولى في الركعة الاولى اذ اسرع المجرم عبد الرحمن بن ملجم شاهرا ذلك السيف الصقيل فضرب الامام أمير المؤمنين عليه السلام على رأسه! فسالت الدماء من راسه ، وتخضبت شيبته ولحيته ، وعجت الناس في المسجد ومن بعدها القوا القبض على ذلك اللعين وأمسكوا به ، وبحسب المصادر قال الامام عليه السلام حينما ضرب : (( فزت ورب الكعبة)).
 
▪يتحدث المفكر اﻹسلامي الكبير السيد محمد باقر الصدر حول آخر لحظات حياة اﻹمام علي (ع) ومن ثم شهادته :
لنحاسب علياً وهو في آخر لحظة من لحظات حياته (عليه السلام) حينما قال: فزت ورب الكعبة.هل كان علي أسعد إنسان أو أتعس إنسان..؟هنا مقياسان:فتارة نقيس علياً (عليه السلام) بمقياس الدنيا.وأخرى نقيس علياً بمقاييس الله سبحانه وتعالى...لو كان قد عمل كل عمله للدنيا، لنفسه، فهو أتعس إنسان... ومن أتعس من علي (عليه السلام) الذي بنى كل ما بنى وأقام كل ما أقام من صرح ثم حرم من كل هذا البناء ومن كل هذه الصروح؟هذا الإسلام الشامخ العظيم الذي يأكل الدنيا شرقاً وغرباً هذا الإسلام بني بدم علي (عليه السلام) بني بخفقات قلب علي (عليه السلام) بني بآلام علي (عليه السلام)، بني بنار علي (عليه السلام)، كان علي هو شريك البناء بكل محن هذا البناء بكل آلام هذا البناء وفي كل مآسي هذا البناء أي لحظة محرجة وجدت بتاريخ هذا البناء لم يكن علي (عليه السلام) هو الإنسان الوحيد الذي يتجه إليه نظر البنّاء الأول (صلى الله عليه وآله) ونظر المسلمين جميعاً لأجل إنقاذ عملية البناء إذن فعلي (عليه السلام) كان هو المضحي دائماً في سبيل هذا البناء، هو الشخص الذي أعطى ولم يبخل الذي ضحى ولم يتردد الذي كان يضع دمه على كفه في كل غزوة في كل معركة، في كل تصعيد جديد لهذا العمل الإسلامي الراسخ العظيم..إذن شيدت كل هذه المنابر بيد علي (عليه السلام) واتسعت أرجاء هذه المملكة بسيف علي (عليه السلام).جهاد علي كان هو القاعدة لقيام هذه الدولة الواسعة الأطراف لكن ماذا حصّل علي (عليه السلام) من كل هذا البناء في مقاييس الدنيا، إذا اعتمدنا مقاييس الدنيا..؟لو كان علي (عليه السلام) يعمل لنفسه فماذا حصّل علي (عليه السلام) من كل هذه التضحيات من كل هذه البطولات؟ ماذا حصل غير الحرمان الطويل الطويل، غير الإقصاء عن حقه الطبيعي بقطع النظر عن نص أو تعيين من الله سبحانه وتعالى؟ كان حقه الطبيعي أن يحكم بعد أن يموت النبي (صلى الله عليه وآله) لأنه الشخص الثاني عطاء للدعوة وتضحية في سبيلها .أُقصي من حقه الطبيعي قاسى ألوان الحرمان أنكرت عليه كل امتيازاته، معاوية بن أبي سفيان هو الذي يقول لمحمد بن أبي بكر، كان علي كالنجم في السماء في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكن أباك والفاروق ابتزا حقه وأخذا أمره، وبعد هذا نحن شعرنا أن بامكاننا أن ندخل في ميدان المساومة مع هذا الرجل ويقول عن نفسه، يحدث عن مقامه في أيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف أخذ المقام هذا يتنازل بالتدريج نتيجة لمؤامرات الحاكمين عليه، حتى قيل علي ومعاوية.إذن فعلي (عليه السلام) حينما واجهه عبد الرحمن بن ملجم بتلك الضربة القاتلة على رأسه الشريف، كان ماضيه كله ماضي حرمان وألم وخسارة لم يكن قد حصل على شيء منه، لكن الأشخاص الذي حصلوا على شيء عظيم من هذا البناء هم أولئك الذي لم يساهموا في هذا البناء هم أولئك الذي كانوا على استعداد دائم للتنازل عن مستوى هذا البناء في أية لحظة من اللحظات أولئك حصلوا على مكاسب عريضة من هذا البناء أما هذا الإمام الممتحن الذي لم يفر لحظة الذي لم يتلكأ في أي آن، الذي لم يتلعثم في قول أو عمل، هذا الإمام العظيم لم يحصل على أي مكسب من هذا البناء بأي شكل من الأشكال انظروا أن هذه الحادثة يمكن أن تفجر قلب الإنسان، وما الإنسان غير العامل، حينما ينظر في حال عامل على هذا الترتيب يتفجر قلبه ألماً لحال هذا العامل المسكين، لحال هذا العامل التعيس، الذي بنى فغير الدنيا ثم لم يستفد من هذا التغيير ثم تعالوا انظروا إلى المستقبل الذي ينظره الإمام علي (عليه السلام) بعين الغيب هذا ماضيه، فماذا عن مستقبله؟كان يرى بعين الغيب إن عدوه اللدود سوف يطأ منبره، سوف يطأ مسجده، سوف ينتهك كل الحرمات والكرامات التي ضحى وجاهد في سبيلها سوف يستقل بهذه المنابر التي شيدت بجهاده وجهوده ودمه، سوف يستغلها في لعنه وسبه عشرات السنين هو الذي كان يقول لبعض الخلّص من أصحابه انه سوف يعرض عليكم سبي ولعني والبراءة مني أما السب فسبوني وأما البراءة مني فلا تتبرؤوا مني.إذن فهو كان ينظر بعين الغيب إلى المستقبل بهذه النظرة لم يكن يرى في المستقبل نوعاً من التكذيب يتدارك به هذا الحرمان، الأجيال التي سوف تأتي بعد أن يفارق الدنيا، كانت ضحية مؤامرة أموية جعلتها لا تدرك أبداً دور الإمام علي (عليه السلام) في بناء الإسلام.هذا هو حرمان الماضي وهذا هو حرمان المستقبل.وبالرغم من كل هذا قال (عليه السلام): فزت ورب الكعبة، حينما أدرك إنها اللحظة الأخيرة وانه انتهى خط جهاده وهو في قمة جهاده وانتهى خط محنته وهو في قمة صلاته وعبادته قال: فزت ورب الكعبة، لأنه لم يكن إنسان الدنيا ولو كان إنسان الدنيا لكان أتعس إنسان على الإطلاق لو كان إنسان الدنيا لكان قلبه يتفجر ألماً وكان قلبه ينفجر حسرة ولكنه لم يكن إنسان الدنيا، لو كان إنسان الدنيا فسوف يندم ندماً لا ينفعه معه شيء، لأنه بنى شيئاً انقلب عليه ليحطمه أي شيء يمكن أن ينفع هذا الشخص؟ إذا فرضنا أن شخصاً أراد أن يربي شخصاً آخر لكي يخدمه فلما ربى ذاك الشخص ونمى واكتمل رشده جاء ليقتله ماذا ينفع هذا الشخص ندمه غير أن يموت.هذا الرجل العظيم قال: فزت ورب الكعبة، كان اسعد إنسان ولم يكن أشقى إنسان لأنه كان يعيش لهدفه، ولم يكن يعيش للدنيا، كان يعيش لهدفه ولم يكن يعيش لمكاسبه ولم يتردد لحظة وهو في قمة هذه المآسي والمحن، في صحة ماضيه، وفي صحة حاضره، وفي انه أدى دوره الذي كان يجب عليه.هذه هي العبرة التي يجب أن نأخذها.نحن يجب أن نستشعر دائماً أن السعادة في عمل العامل لا تنبع من المكاسب التي تعود إليه نتيجة لهذا العمل.يجب أن لا نقِّيم سعادة العامل على أساس كهذا لأننا لو قيّمناه على هذا الأساس فقد يكون حظنا كحظ هذا الإمام الذي بنى أسلاماً ووجّه امة، ثم بعد هذا انقلبت عليه هذه الأمة لتلعنه على المنابر ألف شهر.نحن يجب أن لا نجعل مقياس سعادة العامل في عمله هو المكاسب والفوائد التي تنجم عن هذا العمل وإنما رضى الله سبحانه وتعالى وإنما حقانية العمل، كون العمل حقاً وكفى، وحينئذ سوف نكون سعداء سواء أثر عملنا أو لم يؤثر، سواء قدر الناس عملنا أم لم يقدروا، سواء رمونا باللعن أو بالحجارة على أي حال سوف نستقبل الله سبحانه وتعالى ونحن سعداء لأننا أدينا حقنا وواجبنا وهناك من لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، لئن ضيع هؤلاء السعادة ولئن ضيعوا فهمهم، ولئن استولى عليهم الغباء فخلطوا بين علي (عليه السلام) ومعاوية، لئن انصرفوا عن علي وهم في قمة الحاجة إليه فهناك من لا يختلط عليه الحال، من يميز بين علي (عليه السلام) وبين أي شخص آخر، هناك من قد أعطى لعلي (عليه السلام) نتيجة لعمل واحد من أعماله مثل عبادة الثقلين.ذاك هو الحق وتلك هي السعادة. 
 
▪نعم فقد فاز الامام امير المؤمنين علي عليه السلام بالشهادة اذ  انه قتل في سبيل الله وفي بيت الله وفي شهر الله ، وعلى يد العن خلق الله اللعين بن ملجم وبأمر من أعدى أعداء الله الطاغية معاوية بن ابي سفيان.وذكرت النصوص ان الملائكة ضجت حينها بالبكاء و هبت ريح عاصفة سوداء واصطفقت ابواب المسجد ،  ونادى سيد الملائكة جبرائيل في تلك اللحظات :((تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء))..
أُدخل ابن ملجم على الإمام علي(عليه السلام) وهو مكتوف، فقال الإمام(عليه السلام): «أي عدوّ الله، ألم أحسن إليك»؟ قال: بلى.فقال(عليه السلام): «فما حملك على هذا»؟ قال ابن ملجم: شحذته أربعين صباحاً ـ يقصد بذلك سيفه ـ وسألت الله أن يقتل به شرّ خلقه.فقال(عليه السلام): «لا أراك إلّا مقتولاً به، ولا أراك إلّا من شرِّ خلق الله».
ثمّ قال(عليه السلام): «النفس بالنفس، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون: قُتل أمير المؤمنين، ألا لا يُقتلنّ إلّا قاتلي.اُنظر يا حسن، إذا أنا متّ من ضربتي هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثّلنّ بالرجل، فإنِّي سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: إيّاكم والمُثلة، ولو بالكلب العقور.
قال عمرو بن الحمق: دخلت على علي(عليه السلام) حين ضُرب الضربة بالكوفة، فقلت: ليس عليك بأس إنّما هو خدش، قال: «لعمري إنّي لمفارقكم»... وأُغمي عليه، فبكت أُمّ كلثوم، فلمّا أفاق قال(عليه السلام): «لا تؤذيني يا أُمّ كلثوم، فإنّك لو ترين ما أرى لم تبكي، إنّ الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض، والنبيين يقولون لي: انطلق يا علي، فما أمامك خير لك ممّا أنت فيه».
وعهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن(عليه السلام)، وطوال تلك الأيّام الثلاثة كان(عليه السلام) يلهج بذكر الله والرضا بقضائه والتسليم لأمره.
كان(عليه السلام) يصدر الوصية تلو الوصية، داعياً لإقامة حدود الله عزّ وجلّ، مُحذِّراً من الهوى والتراجع عن حمل الرسالة الإسلامية.ومن وصيّته(عليه السلام) التي خاطب بها الحسن والحسين(عليهما السلام) وأهل بيته وأجيال الأُمّة الإسلامية في المستقبل: «أوصيكما بتقوى الله، وألاّ تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شيء منها زُوي عنكما، وقولا بالحقّ، واعملا للأجر، كونا للظالم خَصماً، وللمظلوم عوناً.أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونَظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدّكما(صلى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام.الله الله في الأيتام، فلا تُغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم.الله الله في جيرانكم، فإنّهم وصية نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتّى ظننّا أنّه سيورثهم. الله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم.الله الله في الصلاة، فإنّها عمود دينكم.الله الله في بيت ربّكم، لا تُخلّوه ما بقيتم، فإنّه إن تُرك لم تناظروا.الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. وعليكم بالتواصل والتباذل، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيُولّى عليكم أشراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم.
عظم الله أجورنا وجعلنا من المترسمين خطى مولانا ومقتدانا أمير المؤمنين ببركة
محمد وآله الطاهرين والحمد لله رب العالمين.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=80190
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28