• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : للأسف ، الفتى مَن قال : كان أبي ؟ .
                          • الكاتب : كريم الانصاري .

للأسف ، الفتى مَن قال : كان أبي ؟

 أنا ابن زيد ، فأبي رمزٌ ، أُمّي رقمٌ ، أخي عَلَمٌ ، وُلْدي نخبٌ ، قبيلتي ،عشيرتي ، أُسرتي ... مَن أنا ؟ قد أكون لاشيء ، فبفضل أُولاء أنا صفرٌ على اليمين ، بدونهم أنا صفرٌ على الشمال .
 
يالتعاستي ، فَرِحٌ مسرورٌ أنا : أُدعى ، أُكرَّم ، أُحترَم ، أُفاخِر  ... بظلّ عباءة غيري أعلو وأتغطرس وأنتفخ ، يأخذني الزهو والخيلاء وأفعل الكثير .. هنا المَثَل العراقيّ الشعبيّ يقف شاخصاً " الگرعة تتباهه بشَعَر اختهه " ..
أيُّ مجدٍ هذا الذي أنا بيُمنه فَرِحٌ وسعيد ، أيُّ جناحٍ هذا الذي يطيّرني ويحلّق بي حيث يريد ..  فما حالي إذا انكسر هذا الجناح المطيار ،  سأسقط وفي قاع الفشل أهوي ولا من فرار  .. لاغرابة ، فهذا ثمن العزّ الآليّ المستعار. 
 
للأسف ، إنّه مرضٌ مزمنٌ لن نُشفى منه مادمنا على هذا الحال ..
 
لعلّ الضابط والميزان في العزّ الذاتيّ الواقعي :  ما أصنع أنا ، ما عنواني ، ما نتاجي ، ما ثمار أفكاري ، ما حقيقة إيماني ... هلّا تأمّلتُ وساءلتُ النفس : ماذا لو لم يكن هذا أبي ونسَبي وحسَبي ، في أيّة رتبةٍ ياتُرى أنا ،  أكفوءٌ ذاتيٌّ أنا أم كفوءٌ اكتسابي ؟ هنا يتجلّى ملاك النبل والشرف والرقيّ الحقيقي .. فالجنّة غير محجوزة سلفاً لأحد ، فقد تحفل بالعبد الحبشي ، كما النار كذلك ، فقد تصيب السيّد القرشي .
 
يعيب علينا " فرانسس بيكون " رائد النهضة الأُوربّية الحديثة : أنّنا ننام ونستيقظ على أوهامٍ منها : أوهام القبيلة ..
ونحن إذ نرفض بدورنا منهج وعقيدة " بيكون " جملةً وتفصيلا ، كونه حذف أوّل ماحذف " الله" من خارطة الطريق ، طريق العلم والمعرفة والحياة والمصير ، فتمسّك بالتجريبية المحضة " الأمبريقية "القائمة على ملاحظة ظواهر الطبيعة فقط ، أمّا ماوراء الطبيعة فيراه وهماً وخيالاً وسخافة .  هكذا بنى " أُورجانونه الجديد " وفلسفته في فهم الكون والحياة وأسرارها ..
 لكنّنا إزاء تساؤلٍ كبير : هل يحقّ لنا فتح ومناقشة ملفّ " أوهام القبيلة " على ضوء فهمنا نحن لهذه الأوهام لاعلى ضوء فهم " بيكون " ؟ 
علينا الاعتراف : إنّنا غير جاهزين حالياً -ولعلّنا لن نجهز قريباً - لمثل هذه المرحلة ؛ لوجود المانع وفقدان المقتضي .. إلى ذلك : فالمقدّمات الأنثروبو - سوسيولوجية غير متوفّرة في ظلّ الفضاءات الراهنة .
إلّا أنّ الإلحاح بتكرار إثارة هذا السؤال بحدّ ذاته قد يساهم يوماً ما في خلق الآفاق المناسبة لهكذا نقاشاتٍ لاشكّ ستعطي ثماراً مفيدة ونتائج جديدة على صعيد إعادة تكوين الشخصيّة الإنسانية عموماً والإسلامية خصوصاً ، القائمة على الخصائص والمؤهّلات الذاتية .. فيكون آنذاك للمعنى الاستقلالي المعهود حضوره الفاعل ومحتواه الشاخص الذي يميّزه عن المعنى الحرفيّ الآلي المعهود .. حينها تشمخ " الأنا الموجبة النافعة " بفضل خصالها لاخصال ماسواها .. وبذلك تضمر أو تندحر الكثير من العادات والصور الاجتماعية السيّئة الصيت ، التي طالما أضرّت ولازالت تضرّ حتى بواقعنا الديني، ناهيك عن مردوداتها السلبية وآثارها المخرّبة على سائر محاور الحياة الهامّة .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=80018
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16