• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إنهيار التنظيم العالمي لحزب الدعوة الحلقة الثانية والعشرون من كتاب حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي .
                          • الكاتب : د . علي المؤمن .

إنهيار التنظيم العالمي لحزب الدعوة الحلقة الثانية والعشرون من كتاب حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الإجتماع الديني والسياسي

حزب الدعوة يخلق محورية عالمية للعراق
      بعد أن كان العراق تابعا من الناحية السياسية طيلة قرون من عهود الاحتلال المتوالية؛ فإنه استحال محورا عربيا وإسلاميا بفعل مؤسستين سياسيتين ايديولوجيتين عابرتين للحدود؛ هما:
1- الجناح اليميني لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي حول العراق منذ عام 1968 الى محور للحركة القومية اليمينية البعثية في جميع البلدان العربية.
2- حزب الدعوة الإسلامية الذي حول العراق منذ اوائل الستينيات الى محور للحركية الإسلامية الشيعية في كل البلدان التي يتواجد فيها الشيعة بسبب امتداداته التنظيمية والفكرية في هذه البلدان.
    والمحورية العراقية التي خلقها حزب الدعوة وحزب البعث؛ تقابلها المحورية المصرية التي خلقتها جماعة الإخوان المسلمين والقيادة الناصرية، والمحورية السورية التي خلقها الجناح اليساري لحزب البعث، ولذا فقد أضاف حزب الدعوة للعراق إضافة نوعية في هذا المجال، ولو كان حزب الدعوة قد تأسس في بلد آخر غير عراق البعث، وزمان آخر غير زمن صدام؛ لكافأته الدولة على عطائه هذا؛ إلّا أن الدولة التي لا تحترم علماءها وعظماءها وتعدمهم، وفي مقدمهم المفكر الإنساني العالمي الكبير السيد محمد باقر الصدر؛ فإنها لا تتردد في تدمير عشرات التنظيمات الفكرية التأسيسية العابرة للحدود من أمثال حزب الدعوة؛ من أجل حماية نفسها من أي خطر محتمل مهما بلغت قيمته الإنسانية.
 
عوامل إنحسار التنظيم العالمي للدعوة
      وقد أثرت عوامل ذاتية وخارجية على فقدان حزب الدعوة بريقه العالمي، بدءا من أوائل الثمانينيات، وذلك بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتفاعل الشيعة في كل العالم معها، وتمدد نفوذها الديني والثقافي والسياسي في جميع الأوساط الشيعية الإسلامية الحركية والمتدينة في العالم، ومن بينها تنظيمات حزب الدعوة في معظم البلدان، وقد تزامن ذلك مع التنحي التدريجي لمعظم الفقهاء وعلماء الدين الكبار عن قيادة حزب الدعوة؛ سواء بوفاتهم أو تصديهم للمرجعية الدينية أو تسنمهم مواقع قيادية في مؤسسات غير عراقية، أو اختلافهم مع توجهات حزب الدعوة السياسية والفكرية الجديدة، ومن أبرزهم: السيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ محمد مهدي الآصفي، وكذلك خروج معظم القيادات غير العراقية من التنظيم؛ كالشهيد محمد هادي السبيتي والشيخ علي الكوراني، ثم بروز العامل الموضوعي المتمثل بانهيار تنظيمات حزب الدعوة في البلدان الأخرى؛ والتي فقد إثرها حزب الدعوة قيادات تاريخية بحرينية ولبنانية؛ كالشيخ صبحي الطفيلي والشيخ محمد يزبك والشيخ حسين الكوراني والشيخ نعيم قاسم والشيخ عيسى قاسم والسيد عبد الله الغريفي والشيخ عبد الامير الجمري وغيرهم، في حين أن وجود القياديين والكوادر غير العراقيين، ولاسيما اللبنانيين وذوي الأصول الإيرانية؛ بالنظر لتنوع خبراتهم الاجتماعية وكفاءاتهم الثقافية؛ كان سببا أساسيا في سطوع حزب الدعوة وانتشاره وقوته.   
     ومن جانب آخر؛ أسهم البعد الذاتي المتمثل بانحسار الشخصيات العلمائية النجفية في القيادة والكادر المتقدم؛ بدور مهم في انحسار الهم العالمي لحزب الدعوة، وتحوله الى حزب عراقي وطني، مع احتفاظه بقواعده العقادية النظرية الإسلامية الأخرى، ولاسيما بعد سقوط النظام السابق وتسلم الحزب للمفاصل الأساس في الحكومة بعد عام 2003، وهنا تعامل حزب الدعوة تعاملا واقعيا مع من تبقى من أعضائه وأنصاره من غير العراقيين؛ فقد ألغى ارتباطهم به؛ بهدف دفع الضرر عنهم في بلدانهم؛ كي لا يتهموا بالارتباط بحزب حاكم في دولة أجنبية، وكذلك الحيلولة دون ضرب الواقع العراقي الجديد؛ بحجة وجود أجنحة غير عراقية لحزب الدعوة، وكونه حزبا غير وطني.
 
الحاضنة النجفية
     جدير بالإشارة إن حزب الدعوة عاد مندفعا إلى النجف بعد عام 1979 خلال تحرك السيد محمد باقر الصدر؛ بعد فترة برود بدأت عقيب وفاة الإمام السيد محسن الحكيم عام 1970. ثم أبعدته الظروف الضاغطة عن النجف بعد إعدام الإمام السيد محمد باقر الصدر عام 1980، واستمر الإبتعاد الجغرافي حتى عام 2003؛ حين عاد الحزب بهدوء وانسيابية الى حاضنته النجفية. ولكن لا تزال هذه العلاقة غير مؤصلة فقهيا وفكريا، كما لم يتمظهر هذا التأصيل سياسيا؛ وإن كانت العلاقة وطيدة وتاريخية منذ عام 2005؛ حين تسلم ممثلو الحزب رئاسة الحكومة العراقية، ولا تزال هذه العلاقة محكمة وقوية، وإن تخللتها ملابسات خلال تشكيل الحكومة العراقية في عام 2014؛ على اثر إبلاغ المرجعية العليا النجفية قيادة حزب الدعوة باختيار رئيس وزراء جديد؛ الأمر الذي أدى الى تنحي نوري المالكي عن استحقاقه الانتخابي لمصلحة محازبه حيدر العبادي. 
      وظل حزب الدعوة بعد عام 2003 يوازن سياسيا في علاقته بين المرجعية النجفية العليا وولاية الفقيه في إيران؛ وإن كانت توجهاته العامة نحو المرجعية العليا النجفية، وهذا التوازن يعود الى وجود تيارات فكرية متعددة في حزب الدعوة بهذا الشأن؛ فهناك تيار يؤمن بولاية الفقيه ومصداقها الإمام الخامنئي، وهناك تيار يعود بالتقليد والتبعية الى الإمام السيستاني، وهناك تيار لا يزال يؤمن بالفكر السياسي للسيد محمد حسين فضل الله. 
 
إلغاء التنظيم العالمي
     لقد بدأ تاريخ حزب الدعوة في فجر أحد أيام عام 1956، وانطلق في ضحى أحد أيام عام 1957، وأخذ يسجل أولى مراحله في ظهيرة عام 1958، وحمل اسم “الدعوة” في عام 1959، وكانت هذه السنوات الأربعة مثل مرحلة بزوغ “الدعوة” وشروقها، ومثل عقدا الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي مرحلة السطوع بالنسبة لحزب الدعوة، واستمرت مرحلة سطوع “الدعوة” في لبنان حتى عام 1982؛ وهو العام الذي غرب فيه حزب الدعوة اللبناني، وكذا حزب الدعوة الإيراني في العام نفسه؛ ثم حزب الدعوة الكويتي في عام 1983، وحزب الدعوة البحريني في عام 1984، وفي السعودية وعمان والإمارات في أواسط الثمانينيات، وفي باكستان أواخر الثمانينيات، وفي افغانستان في عام 1988، ثم توالي انهيار باقي تنظيمات “الدعوة”في الأقاليم والمناطق؛  حتى تم إلغاء القيادات الإقليمية ولجان المناطق غير العراقية، ثم إلغاء القيادة العامة (قيادة التنظيم العالمي)، وإفراز قيادة عراقية فقط؛ عرفت بـ ((قيادة الحزب))، ولم يبق من تنظيمات حزب الدعوة سوى التنظيمات العراقية؛ التي تمكنت بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003؛ من إعادة بناء نفسها ولملمة خطوطها داخل العراق، بعد عودة قيادات الحزب وكوادره من المنافي، والظهور كأبرز الأحزاب الحاكمة.
 
فروع الحزب والبلد الأم
     لقد انحل التنظيم العالمي لحزب الدعوة وهو في أوج سطوعه وقوته، وبظاهرة لا مثيل لها في أحزاب العالم العابرة للحدود الجغرافية، ولكن اللافت أن انهيار التنظيم العالمي للحزب لم يؤثر تأثيرا مميتا على جسد الحزب في بلده الأم؛ العراق؛ لأن الانهيار لم يكن ناتجا عن صراعات فكرية وسياسية وقومية داخل “الدعوة”؛ وإنما ناتج عن الظروف السياسية التي أحاطت بتنظيمات الحزب داخل البلدان التي كانت تتواجد فيها؛ وأبرز مظهر لهذه الظروف هو العلاقة الإشكالية بأنظمة هذه البلدان. 
     وبشأن صعود وهبوط تنظيمات حزب الدعوة في البلدان الأخرى؛ لديّ مشروع كتاب أعمل عليه منذ فترة؛ عنوانه “الحركية الشيعية العالمية: إرث حزب الدعوة الإسلامية في لبنان والكويت والبحرين”، وفيه تفاصيل عن انتشار تنظيمات حزب الدعوة في خارج العراق واستقطابها الكثيف والنوعي للنخب الشيعية، وأسرار الانهيار المفاجئ لهذه التنظيمات؛ وهي في ذروة قوتها. 
 
خلاصة ثنائية العالمية والمحلية
       1- إن حزب الدعوة الإسلامية ليس حزبا عراقيا بالأساس ولا محليا أو إقليميا؛ بل حزب عالمي؛ وإن كان العراق هو جغرافيا التأسيس والانطلاق والقيادة، وتستند “الدعوة” نظريا في عالميتها الى عالمية الإسلام.
2- تأثر حزب الدعوة الإسلامية واقعيا في بناء نظرية العالمية بوجود أحزاب وتيارات قوية في العراق عابرة للحدود؛ كالحزب الشيوعي وجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير والتيار الناصري وحزب البعث.
3- الذي مكن حزب الدعوة من تطبيق مبدأ العالمية في نظريته هو انتماؤه للاجتماع الديني والثقافي والسياسي النجفي؛ إذ تعد النجف عالميا الأنموذج الأبرز للحاضرة العابرة للحدود في تأسيسها وبنيتها الاجتماعية والدينية وتأثيرها المعنوي والسياسي؛ باعتبارها العاصمة الاجتماعية الدينية للمسلمين الشيعة في العالم.
4- يعد حزب الدعوة التنظيم الأم للحركات والجماعات الإسلامية الشيعية في البلدان العربية. 
5- بدأ التنظيم العالمي لحزب الدعوة بالانهيار ابتداءً من عام 1982؛ حين استحال تنظيم لبنان الى حزب جديد حمل اسم حزب الله، ثم انحلال أقاليم ايران عام 1982 والكويت عام 1983 والبحرين عام 1984 وأفغانستان عام 1989، وكل الأقاليم والمناطق والمحليات التابعة.
6- تمثلت أبرز أسباب انهيار التنظيم العالمي لحزب الدعوة في قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتمكن قيادة الإمام الخميني من اجنذاب معظم الإسلاميين الشيعة الحركيين، وقمع الأنظمة الحاكمة، والتجاذبات الفكرية والتنظيمية داخل الحزب.
تحول حزب الدعوة الإسلامية خلال عقد التسعينيات وما بعده الى حزب عراقي، واستبدل اسم قيادته من القيادة العامة الى قيادة الحزب؛ بعد إلغاء القيادة العامة والقيادات الإقليمية، وتكرست عراقية “الدعوة” بعد عام 2003، واستحال حزبا إسلاميا وطنيا كما حدد النظام الداخلي لعام 2008 هويته السياسية.
7- كانت طريقة انهيار هيكلية القيادة العامة للحزب وتنظيماته غير العراقية وحجمها؛ يندر نظيرهما عراقيا وعربيا وإقليميا وعالميا.
(يتبع)...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=79868
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29