• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : ولوج في حُبيبات المطر .
                          • الكاتب : جاسم المعموري .

ولوج في حُبيبات المطر

كنتُ أرقبُها .. أنا الوحيد دون ربعي من الصغار, جالسا عند عتبة الباب, باب الغرفة الخشبية المطلة على ساحة الدار ( الحوش ) وأمامي بركة ماء صغيرة  تسقط عليها او فيها  حبيبات المطر , فتصنع فقاعات هي اروع ما كنت أتخيله وانا ألجُ فيها عندما كنت طفلاً صغيراً .. أكاد الساعة أراها - أقسم بالله - وأسمعها .. ثم اشتغل البرق والرعد .. لا أدري أيهما يسبق الاخر , ولماذا يصرخان ويعربدان ويمتزجان رغم انهما يختلفان كثيرا , فهذا رعد وذاك برق .. ومازال المطر من أكثر الأشياء دهشة بالنسبة لي في هذا الكون الكبير , وعندما كانت السماء تجود بخيرها كنت من اكثر الناس فرحا ومسرة , فتراني أخرج الى الشارع ماداً ذراعي راكضاً هنا وهناك , صارخاً مطر مطر مطر , حتى تبتل ثيابي  ويغتسل وجهي وشعري به قبل ان يتوارى , بل لن أرتاح وأجزم بأنه مطر حقيقي حتى أشم رائحة الأرض العطشى الهامدة وهي تهتز وتربى .. ربما يعزى حبي الشديد الى المطر الى ان بيئة مدينة النجف الصحراوية يشح فيها المطر كثيرا .. نعم , كنت اراقب تلك البركة الصغيرة في ذلك الصباح الجميل , وانا طفل صغير لم أتجاوز الخامسة من عمري بعد .. ثم شعرت ان يداً شجاعةً دفعتي للخروج تحت المطر, وتحت الرعد والبرق , وكأن هاتفا يهتف بي : انظر .. انظر .. فقلت : اين .. ؟  فوق , فوق .. في السماء .. فنظرت والمطر يسقط على عيني بكثافة , واذا بي أرى سيفا  في السماء _ ذا حدين _ يصنعه البرق , كنت أراه بوضوح يكفي تماماً لرؤية تفاصيل النقوش والزخرفة المرسومة على قبضته .. سيفاً عظيماً ممتداً من الافق الى الافق , أو يكاد ,  أضاء الدنيا كلها , وعندما صرخت لأخبر والدي اختفى كل شيء , الا أن أحدا لم يصدقني منذ ذلك الحين , وهكذا صار ذلك الامر هو شغلي الشاغل طوال حياتي , كنت كلما نزل المطر أصعد الى سطح الدار أبحث عن ذلك السيف كلما لمع البرق فلم أره , وكنت أقول للناس اني رأيت سيف الامام علي ع في السماء  , وكانت نظرات أغلبهم لاتخلو من الشفقة أو عدم التصديق , وكنت أعاني من ذلك أشد المعاناة , كنت أريد من أحد ما أن يصدقني , أو يفسر لي ما رأيت , أو يقنعني بأن ما رأيته كان محض خيال, أو صورة عادية شكلها البرق تشبه ذلك السيف الى حد ما , بالرغم من اني رأيت سيفا بكل تفاصيله الدقيقة , وعندما كبرت قليلا اقتنعت بنصيحة أبي ان لا أروي ما رأيت الى أحد , ولكن بقيت تلك الحادثة جزءاً من حياتي , وأهم ذكرى من ذكريات طفولتي التي يقشعر لها بدني , ويرتجف لها قلبي , وتهفو بسببها روحي شوقا الى علي عليه السلام  , وأهل بيته ومواقفه وشجاعته , وعدالته ورحمته , وتاريخه الذي شكل الصورة الواضحة للايمان , والذي ضرب من خلاله من الأمثلة الانسانية الراقية ما يجعل الانسان يفتخر بانسانيته , الى الحد الذي جعلني أعتقد ان تكريم الله تعالى لبني ادم لم يكن بالعقل كما يفسرها المفسرون فحسب, بل انه سبحانه كرمهم بمحمد وأله على جميع خلقه من الجن والملائكة ومما لا نعلم   , والا ما فائدة العقل ان لم يؤمن بالله وبرسوله ويحب عليا عليه السلام ؟ .. نعم ,ان حب علي عليه السلام جزء مهم من رتب الايمان , ولا يكتمل ايمان امرء الا به , والحب المقصود هنا هو ليس تلك المشاعر الجياشة لامام أدى ما عليه وحسب , وانما هو في اقتفاء أثره أيضا , ومحاولة الاستفادة من تجربته في الايمان والعمل , والعبادة والصبر , والجهاد والشجاعة , والرحمة والكرم , والحكمة البالغة, والعلم الواسع, والتصدي لقيادة الامة , ونظرته الى السياسة والاقتصاد والعدالة والمساواة بين الرعية , والايثار, والخلق الكريم , فهو صاحب تراث عظيم وفريد , لم تنجب الدنيا مثيلا له على الاطلاق .. تلك هي نظرتنا لهذا الانسان القدوة لانزيد ولا ننقص ولا نغالي , ولكننا نلتزم بعهد قطعناه الى الله تعالى , وهو عهد الموالاة له ولاهل بيته , فلا نقدر ان نكون الا بجانبه , وحسبنا هذا الشرف العظيم اننا لم نخن العهد رغم قلة عددنا , وكثرة عدونا , وتكالب الزمان علينا .. فسلام على سيدنا ومولانا وشفيعنا وفخر امتنا ورمز ديننا , راية الحق وشعلة الحرية , وشهيد الكرامة , امام المتقين , وسيد الوصيين , وابي الحسنين السبطين , سيدي شباب اهل الجنة , والضارب بالسيفين , ورحمة الله الى العالمين , مواسي الفقراء والمساكين , ومناصر العمال الكادحين , ومنصف الرعية من المظلومين , سيد البلغاء والمتكلمين , ومعلم العلماء والمؤمنين , اسد الله وحبله المتين , والعروة الوثقى لمن اراد النجاة الى يوم الدين ورحمة الله وبركاته .
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=79245
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 06 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19