• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مَنْهَجُنْــــــا ... ( 6 ) .
                          • الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي .

مَنْهَجُنْــــــا ... ( 6 )

بسم الله الرحمن الرحيم
6. دولتنــــــــــــا
دولتنا التي نعمل على تأسيسها هي دولة إيمان لا دولة إلحاد ظاهر او مبطن تحت غلاف العلمانية.
لقد اخترنا رفع شعار (دولة الايمان) في مقابل شعارات اخرى يرفعها الآخرون كدولة القانون ودولة الانسان ، ولسنا في محل نزاع شعاراتي إنْ صح التعبير ، كما ان "الاجواء الفكرية" التي نرى انفسنا ننتمي اليها هي اجواء الشباب العراقي المؤمن بمبادئه المعلنة ، وهو ليس تياراً سياسياً بل هو تيار ايماني ولذلك فهو ايضاً ليس حزباً سياسياً وكل علاقته بالسياسة هي العلاقة الكامنة بالمقولة الخالدة: (الاسلام دين عبادته سياسة وسياسته عبادة) ، والسياسة التي نعرفها هي خدمة المسلمين ، ولذلك فنحن سياسيون ولكن ليس بالمعنى الاحترافي المهني بل بالمعنى الايماني.
ونحن نرى ان كلا الشعارين والهدفين (دولة القانون) و(دولة الانسان) يجب ان ينبعا اسلامياً من منبع واحد هو منبع الايمان ، فلا قانون الا القانون النابع من الايمان او الخاضع للايمان او الدائر في فلك الايمان ، كما إنَّ الانسان الذي نطمح ان يكون نموذجاً في دولة تحمل اسمه هو الانسان المؤمن او الانسان الدائر في فلك الايمان والمتمحور حوله. فالايمان هو اساس الحياة الكريمة التي نطمح اليها ، ولذلك يجب ان تكون الدولة دولة مؤمنة وليست حيادية بين الايمان والالحاد تحت ذرائع العلمانية والليبرالية وضغوط العلمانيين والليبراليين.
وقد سبق لنا ان رفعنا شعار (دولة الاخلاق) في مقابل بعض المظاهرات التي قادها الماركسيون (اصحاب الرايات الحمراء !) والتي كانت تطالب باطلاق بيع الخمور واطلاق فتح محلاته في بغداد رغم اننا في دولة ينص دستورها على ان دينها الرسمي هو الاسلام الذي يحرم بيع وتناول الخمور. وفي الحقيقة فان (الاخلاق اولاً) اعتماداً على إنَّ للحريات دستورها الذي تستند اليه وقد يصح ان نقول ان الاخلاق هي الدستور للحريات العامة ، فيجب ان تستند الحريات العامة لدستورها الاخلاقي. اذن الاخلاق اولاً.
اما بخصوص تبني مفهوم الدولة الاسلامية ، فلسنا في محل عمل في هذه المرحلة من اجل اقامة دولة اسلامية وفق المفهوم الكلاسيكي لها ، بل نحن نعمل من اجل تثبيت القيم الاخلاقية للمجتمع المسلم لتكون تلك القيم ضمن اطار الدولة وجزء لا يتجزأ منها ، ولا سيما ان الدولة تعلن في دستورها صراحة ان دينها هو الاسلام. فالدولة العراقية في مختلف اطوارها كانت دولة متدينة بدين الاسلام ولم تكن حيادية بين الاديان من جهة او حيادية بين الاسلام والالحاد من جهة اخرى ، غير انها كانت في زمن الطاغوت البعثي تعتبر عبارة (الاسلام  دين الدولة) مجرد عبارة بروتوكولية عقيمة. 
اما اليوم وبعد التحرر من الطاغوت البعثي نجد ان عبارة (الاسلام دين الدولة الرسمي) المضمنة في الدستور ليست عبارة عقيمة غير منتجة وليست عبارة بروتوكولية إنْ صح التعبير بل هي عبارة اساسية تتحدث عن وجود دين رسمي للدولة وعليه فالدولة في المحافل الرسمية يجب ان تسير وفقاً لخطى دينها. والمحافل الرسمية للدولة هي المحافل القانونية والقضائية والدوائر الحكومية والجامعات والسياسات الداخلية والخارجية والسياسات الاقتصادية والتجارية والمالية.
فالنظرية السياسة التي نؤمن بها هي ان تكون الدولة متناغمة مع الاسلام وان لا تتبنى اي تشريع يخالف الشريعة الاسلامية. بإختصار نطمح لدولة ترعى الايمان وتطبق متطلباته بدلاً من ان تعتقله.
إننا نعي جيداً أنَّ شعار (الثورة الاسلامية) بمعنى التحرك الثوري لاسقاط الانظمة الفاسدة وتأسيس دولة اسلامية تحكم بأسم الاسلام وصولجانه يقودها انسان غير معصوم ، هو شعار ليس له مقبولية في الشارع العراقي ، وعلى حد علمنا لا توجد جهة سياسية تتبنى رفع شعار (الثورة الاسلامية) بل الجهة الوحيدة التي كانت تحمل اسم "الثورة الاسلامية" ضمن اسمها الرسمي قد تخلت عنه. ان هدف (الثورة الاسلامية) هو هدف سامي يستحقه الشعب العراقي لأنه شعب شريف واصيل ، غير اننا نرى ان شعبنا بعيد الان عن امكانية تبنيه لموقف ثوري اسلامي بطريقة التحرك الشعبي التغييري المستند لمفاهيم اسلامية كالذي حصل في ايران سنة 1979م واطاح بالطاغوت الشاهنشاهي هناك. كما ان طريق الثورة الاسلامية ليس هو الطريق الوحيد الذي يمكن ان يوصل الشعب الشريف لغاياته الاسلامية الكريمة ، فالفسحة الديمقراطية التي يعيشها الشعب اليوم تمكنه من نقل خياراته الايمانية الى كافة مفاصل الدولة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وقد يبدو للوهلة الاولى ان طريق الديمقراطية اسهل في بلوغ الاهداف الايمانية لأن الشعب يمكن ان ينتخب الاشخاص المؤمنين الكفوئين ، غير ان المشكلة تكمن في ان شعبنا ما زال يعيش فترة النقاهة وما زال في طور الشفاء من جراح الطاغوت البعثي المستبد ومن جراح الاحتلال الامريكي- البريطاني البغيض. ولذلك نجد ان بلوغ الاهداف الايمانية في حالتنا العراقية الحالية اصعب من مثيلتها ايام الثورة الاسلامية في ايران سنة 1979م لأن الشعب الايراني هناك في تلك الفترة كان على درجة عالية من الوعي بالاهداف الايمانية التي يسعى اليها والتي قدم من اجلها تضحيات كبيرة. اما اليوم في العراق فالشعب الجريح ما زال في طور تضميد الجراح نظراً لتنوع المآسي التي ما زالت تتكالب عليه تباعاً. ولذلك فليس واضحاً لنا انه يمكن الاعتماد على الديمقراطية وحدها حالياً في بلوغ هدف (دولة الايمان) بل يجب ان يكون هناك تثقيف واسع بضرورة التحرك الشعبي من اجل الاخلاق والقيم والمباديء الاسلامية الاصيلة المتجذرة في شعبنا العراقي الابي.
ان ايمان الشعب بـ (دولة الايمان) هو الكفيل بظهور هذه الدولة في ارض الواقع. وبغير هذا الايمان والعمل من اجله لن يمكن ان تكون صناديق الاقتراع وحدها كافية لبلوغ المقاصد الايمانية لأن المنتخبين حينئذٍ سيلجأون الى خيارات اخرى غير ايمانية.
إنَّ النظام السياسي الذي يجب ان ينهض في ظل دولة الايمان هو ما يمكن ان نطلق عليه اسم نظام (سلطة الشريعة) – وهو شيء آخر غير نظام سلطة رجال الدين الذي يسمونه النظام الثيوقراطي – فـ "سلطة الشريعة" تعني حكم الشريعة بدلاً من (الديموقراطية) التي تعني حكم الشعب. ويمكن ان نسميه أيضاً نظام (النوموسقراطية) حيث ان كلمة (نوموس nomos) يونانية الاصل وتعني (الشريعة) وقد تم تعريبها الى كلمة (ناموس) ، فيكون معناها (سلطة الناموس) او (سلطة الشريعة). ونقصد بهذا النظام هو ان يكون دستوره وقوانينه ، مستمدة ، ومستندة ، وغير متعارضة مع الشريعة الاسلامية. هذا بإختصار شديد رؤيتنا للنظام الذي يجب ان يقوم في دولة الايمان ، اما قضية من الذي يتولى السلطة فهي قضية تعود للانتخاب الشعبي بشريطة التزام المنتخَب بالنظام النوموسقراطي.
 
7. قضيتنــــــــــا
قضيتنا المقدسة هي ديننا الاسلامي المحمدي الحنيف ، ومدار الدين هو التوحيد ، ومن التوحيد ننطلق نحو عبادة الله سبحانه وحده لا شريك له ، ووسيلتنا اليه هم آل البيت الاطهار (عليهم السلام) الذين بينوا لنا العقيدة الحقة والتوحيد الصحيح. فبهم نتمسك وبتعاليمهم نتعبد. 
إنَّه دين الثقلين ، وعقيدة الثقلين ، وفقه الثقلين ، فنحن اتباع الثقلين العظيمين. وكما تعلمون فقد بيّن لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان التمسك بالثقلين وهما القرآن الكريم والعترة الطاهرة ، ينجي المتمسك بهما من الضلال.
فمن اجل عقيدتنا المقدسة ضحّى اعظم البشر واطهرهم وازكاهم ، بذلوا مهجهم في سبيله وارواحهم ودمائهم ووجودهم من اجله ، انهم أهل البيت المعصومين الاطهار (صلوات الله عليهم) الذين اناروا للانسانية صراطها المستقيم ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ.
قضيتنا المقدسة هي الشهادتين (اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) ، فمنها ننطلق ومنها تبدأ شجرة حياتنا بالنمو والإثمار. 
قضيتنا هي قضية الاسلام المحمدي الاصيل حيث التوحيد الذي يقوده آل البيت الاطهار (عليهم السلام).
قضيتنا هي القضية التي سكبت من اجلها اطهر الدماء في الكون كله ، دماء علي والحسين (عليهما السلام).
قضيتنا هي القضية التي من اجلها ضحّى ائمتنا الاطهار بحياتهم من اجلها ، فكانوا مقتولين بالسيف والسم في سبيلها ، فقضيتنا هي سبيل الله سبحانه الذي سلكه ائمتنا الاطهار (عليهم السلام) وضحّوا من اجله.
سبيل الله عزَّ وجل الذي ننشده هو الصراط المستقيم ، هو طريق بإتجاه واحد نحو الله العليَّ العظيم ، طريق لا نهاية له الا ما شاء الله سبحانه.
طريقنا مستقيم وواضح ، طريق لا اعوجاج فيه ... طريقنا مستقيم وليس قوس صعود وقوس نزول ، فلا تصوّف ولا عرفان غنوصي ، نستلهم من طريقنا التوحيد والتقوى والايمان ونبثه من حولنا ونحن سائرون متمسكون بالعروة الوثقى ومنهاج الصالحين ، في طريق مستقيم واضح هو طريق آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم). طريق يتحقق فيه التكامل والمزيد من التكامل كلما تقدمنا فيه.
قضيتنا ناصعة حنيفية محمدية علوية فاطمية حسنية حسينية سجادية باقرية صادقية كاظمية رضوية جوادية هادويّة عسكريّة مهدوية ، قضيتنا ملتصقة بمحمدٍ وآله الاطهار (صلى الله عليه وآله) ، فلا سبيل عندنا للاخذ من سواهم (عليهم السلام) ولا إمكانية للتمسك بغير الثقلين العظيمين الكتاب والعترة الطاهرة (صلوات الله عليها). 
ففي قضيتنا ومنهجنا لا مجال لافكار غنوصية ولا عرفانية ولا صوفية ، فلا ابن عربي ولا ملا صدرا ولا كشفية ، ولا تطبير ولا تشويه لديننا الاسلامي المحمدي العظيم. فشعائرنا الحسينية هي شعائر طاهرة ومقدسة نتبناها كما هي في عهد الائمة الاطهار (عليهم السلام).
 
8. مســيرتــــنـــــــا
مسيرتنا قد تتضمن مراتب عدة ابرزها:
المرتبة الاولى: سعي المثقفين لنشر الفكر والثقافة
المرتبة الثانية: جذب الجماهير الملتصقة بالامل والمستقبل. 
المرتبة الثالثة: مرحلة التطبيق وديمومة الفكر والحركة والسلطة.
 
فمسيرتنا ليست مسيرة مرحلية بل هي تمر بثلاث مرتبات رئيسية متتالية ومتوازية في نفس الوقت وتوازيها الموافق لتواليها يعني انها حركة نامية متسعة لتبقى في حالة استقطاب للجماهير بصورة متصلة ، لتبقى الجماهير في حالة عنفوان قبل وبعد تمكنها من ادارة الدولة.
فمن خلال الفكر والثقافة يتم جذب الجماهير ومن خلال الجماهير المنجذبة الى فكرنا ومنهجنا وثقافتنا نتمكن من تطبيق اهدافنا وافكارنا ومقرراتنا الايمانية والسياسية والاخلاقية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن الواضح ان مسيرتنا الحركية بمراتبها الثلاث مستمدة من مسيرة الاسلام المحمدي العظيم في الفترتين المكية والمدنية. ففي البداية كانت المهمة هي اعلان العقيدة الاسلامية ونشرها بين الناس من خلال النبي (صلى الله عليه وآله) وتلاميذه المؤمنين والذين بدأوا هم بدورهم بنقل العقيدة الاسلامية الى الآخرين عبر نشاطهم التبياني التبليغي الدعوي. وبعد تكوين جماعة الجماهير المؤمنة انتقل العمل الى انعطافة تأسيس الدولة وتسيير السلطة الايمانية. وبقيت هذه الانعطافات الثلاثة مستمرة متتالية ومتوازية مما دفع الدولة الاسلامية للاتساع بصورة مستمرة.
 
9. قوتنــــــــــــا
قوتنا التي لا تقهـر:
لطالما حاول الطغاة والظلمة البطش بنا وتدميرنا واهلاكنا ومحونا والقضاء علينا واستخدموا كل ما اتيح لهم من وسائل القتل والفتك والتهجير والتشريد والطمس الحضاري والمقابر الجماعية والوعيد والاغراء ولكنهم لم ينالوا من عندنا شيء سوى اننا نزداد تجذراً ونزداد قوة ونزداد انتشاراً في كافة بلدان العالم ، حتى بدأ شيوخ السلاطين يجأرون من خوف المد الشيعي وانتشار التشيه وحركة الاستبصار في كافة القارات.
فمن اين جئنا بكل هذه القوة التي لا تقهر ، كيف تمكنّا ان نصل الى هذه الدرجة العظيمة من الثبات والتجذر بحيث لم يعد يخيفنا الطغاة ، اليس ذلك لأننا الوحيدون الذين هدانا الله سبحانه للصراط المستقيم حيث ولاية محمد وآله (اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد) ، حيث العلم والشجاعة ، حيث الحكمة والحلم ، وكل الصفات الحميدة العظيمة التي يمكن ان يتصف بها انسان. 
قوتنا من توحيدنا ، قوتنا من عقيدتنا ، قوتنا من ولائنا لآل البيت (عليهم السلام) وإتِّباعنا لهم إتِّباع الفصيل لاثر امه.
هل يمكن ان ينتصر طاغية على (لا إله الا الله محمد رسول الله) ؟ لم يحدث ذلك سابقاً ولن يحدث ابداً ، فالوعد الالهي في القرآن الكريم يؤكد ان المؤمنين هم المنتصرون ...
في سورة غافر: ((إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ )).
في سورة آل عمران (عليهم السلام): ((إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ )).
وفي سورة المائدة: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )).
وفي سورة الصافات: (( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ )).
وفي سورة الاعراف: (( وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )).
 
هذا هو كلام الله العليَّ العظيم ينطق بالحق وبالوعد الصادق للمؤمنين ، وهو وعد واقع ومتحقق بلا ادنى شك او ريب.
اذن هذا هو مصدر قوتنا ، الله ذو القوة المتين هو مصدر قوتنا ، فنحن ننتمي لله عزَّ وجل ، ومن ينتمي له لن يخشى احد سواه مهما تفرعن او طغى او تكالب او بطش. نحن الخالدون في جنّات النعيم وهم الزائلون الى جهنم وبئس المصير.
هذا هو مصدر قوتنـــا ...
 
10. آمـــالنــــــــــــــا
آمالنا الجامحة:
وتتمثل بقوله تعالى في سورة الانبياء: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ )).
انظروا الى هذه الاية العظيمة ، وكل آيات الله عظيمة ، كيف جمعت بين الماضي العريق والمستقبل الزاهر ولا يفهم ولا يتعظ ولا يعي هذا الماضي العريق والمستقبل المنشود إلا الذين وضعوا انفسهم في موضع العبودية لله تعالى ، هؤلاء عباد الله ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ هم الذين يعون هذه الحقيقة ويستوعبونها ويعملون وفقاً لها.
وما دمنا نعبد الله ذو القوة المتين ، وما دمنا ننسب انفسنا لله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ فهل يمكن ان يكون هناك من نخشاه من البائسين اصحاب الاهواء والمشارب السالكين سبل الضلال ، اتباع الطاغوت والجبت ، اتباع ابليس اللعين ، المستغنين عن ذي القوة المتين ، والسالكين سبيل من كيده كان ضعيفاً: الشيطان الرجيم. 
آمالنا الجامحة تتمثل بوراثة الارض كلها بحسب الوعد الالهي بوراثة الارض ، فطموحنا لا يقتصر على مدينة او بلد او دولة ، طموحنا هو الارض كلها ، نعمرها وننشر الخيرات فيها كلها ، نحن عباد الله من يسعى الى هذا الخير والطموح ، وكلما تعمقنا في عبوديتنا لله عزَّ وجلّ كلما اصبحنا اقرب الى وراثة الارض بمشيئة الله سبحانه.
 
11. جهادنـــــــــا
للجهاد في سبيل الله سبحانه اشكال متعددة ، فمن اشكاله القتال ضد العدو الصائل الذي يريد الاستيلاء على بلاد المسلمين والمؤمنين وإلحاق الشر بهم وبدينهم وبعقيدتهم وبمجتمعهم وبقيمهم الايمانية. 
ومن اشكاله الجهاد ضد الحكومات الظالمة التي تريد طمس المعالم الاسلامية والايمانية للمجتمع والدولة.
ومن اشكاله الجهاد ضد النفس الامّارة بالسوء.
والمجاهد في سبيل الله تعالى شأنه ضد اعداء الاسلام المحمدي الاصيل يعلم جيداً انه بجهاده بقاء لراية الايمان ، سواء بقي على قيد الحياة او استشهد في سبيل الله ، فراية الاسلام المحمدي الاصيل هي المنتصرة ، ولذلك لن تكون لصعوبات الجهاد او اساليب التعذيب اي وقع في نفوس المؤمنين المتعرضين له فهم يعرفون ان اقصى ما يمكن ان يذهب اليه الظالمون هو قتلهم او اعدامهم ، وفي قتلهم واعدامهم ترسيخ لقضيتهم وايمانهم في نفوس الجماعة والمجتمع الايماني والانساني.
ان للمؤمن وجودين ، وجوده الانساني ، ووجوده الايماني ، فالطغاة يمكن ان يقتلوا المؤمن او يعذبوه ويعدموه ويعرضون وجوده الانساني للزوال من الحياة الدنيا الى الخلود في الاخرة ، غير انهم بقتلهم له انما يرسخون وجوده الايماني ، فبذل المؤمن لدمه بالجهاد ضد اعداء الله ذو القوة المتين  وتضحية المؤمن بنفسه على يد الطغاة وجلاوزتهم انما يعني ترسيخ قضيته الايمانية ، انَّ دماء المؤمنين ترسخ وجود قضيتهم الايمانية ، ونبراسهم في ذلك إمامنا الحسين (عليه السلام) الذي رسّخ بدمه الشريف الاسلام المحمدي كله ، فالاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء. وكلما بذل المؤمنون دمائهم ووجودهم من اجل قضيتهم الايمانية فهم انما يرسخون وجود وبقاء وامتداد قضيتهم عبر الاجيال لتكون مناراً للاجيال القادمة.
 
12. تسامحنـــا
إنَّ من ابرز الملامح الاخلاقية التي يتسم بها آل البيت الاطهار (صلوات الله عليهم) هي التسامح وكظم الغيظ والعفو عن المسيئين ، وتأريخهم الشريف وسيرتهم الطاهرة مليئة بالحوادث الدالّة على ان سيرتهم القطعية متلبسة بالتسامح والعفو وكظم الغيظ. كيف لا وهم القرآن الناطق والعترة الطاهرة التي اذهب الله سبحانه وتعالى عنها الرجس وطهرها تطهيرا ، والله تبارك وتعالى يقول في كتابه الكريم ، في سورة آل عمران (عليهم السلام): ((الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ)).
وقال تعالى في سورة الحِجر: ((فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)).
وقال تعالى في سورة فصّلت: ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ)).
وقال تعالى في سورة المؤمنون: ((ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)).
وقال تعالى في سورة الرعد: ((وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ)).
وقال تعالى في سورة الشورى: ((وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ)).
وقال تعالى في سورة النور: ((وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)).
وفي الكافي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ الامام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق عليه السلام، قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ خَلَائِقِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؟ الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَالْإِحْسَانُ إلى‏ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ، وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَكَ). 
وفي الكافي عن الامام ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (عليكم بالعفو ، فإنَّ العفو لا يزيد العبد إلاّ عزّاً ، فتعافوا يعزّكم الله).
وفي الامالي والخصال كلاهما للشيخ الصدوق (قُدِّسَ سِرّهُ) ، عن زرارة بن أعين قال: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الصادق (عليه السلام) يَقُولُ: إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ مُرُوءَتُنَا الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَنَا).
لذا فإن من اهم مرتكزات المجتمع الايماني هو قيامه على خصلة كظم الغيظ والعفو  والحلم والتسامح ، إذ بها يتماسك بنيان المجتمع وتزدهر اخلاقياته وتتعمق تربوياته.
غير ان التسامح لا يكون في اغفال تطبيق حلال الله وإغفال منع تطبيق حرامه. ولا يكون التسامح مع الذين يرون تسامحك ضعفا وهواناً. 
الخاتمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ
وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ 
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 
صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ
{من سورة الانعام}
 
اللّهُمَّ اقـْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يحَوُلُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ وَمِنَ اليَّقِينِ ما يَهُونُ عَلَيْنا بِهِ مُصِيباتُ الدُّنْيا ، اللّهُمَّ أَمْتِعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا وَاجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثأْرَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا وَانْصُرْنا عَلى مَنْ عادانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا فِي دِينِنا وَلا تَجْعَلْ الدُّنْيا أَكْبَر هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحَمُنا بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78849
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20