• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : موعد خلف الشبهات .
                          • الكاتب : وليد كريم الناصري .

موعد خلف الشبهات

ما أقصر الليل لمن يَملك مَوعداً؛ نَظرات بين فَينة وأُخرى، تُبعثر معها رحلة النوم من محطة عيني، تملأ معالم حجرتي الصغيرة، إبتداءً من كف نافذتي، يبيعني الضوء خيوطاً من خلف أصابعه بالمجان، إنتهاء الى هاتفي، الذي يرقد بجنبي هو أيضاً، يعاني حالة الأرق، تنهش غفوته ملامح الخوف من دقات أميال الساعة، وكأنه على موعداً لييقضني.
 
لا أعلم حينها، أنا ,أم الهاتف, أم الموعد أيقضنا، إنتبهنا سوية، نعالج معالم غفوتي، أصابعي تمزق صورة النعاس الذي مازال يسامر عيناي، ذاكرتي تستجمع قواي للموعد، جميل هو اللقاء لكنني بخوف، لعلها عظمة اللقاء مع "سعاد"، التي أحتفظ بصورة إولى عن ملامحها في مخيلتي، منذ الطفولة، حيث كان أبي يكلمني عنها، وعن عائلتها وتراثها، صورة ثانية! كان بعض الناس يصورها لي، بأنها مغرورة, فاتنة, تتملك ما لا ليس لها, وتتكلم بما ليس تفعل.
كيف ستكون "سعاد "تلك؟ وهل بردة كعب إبن زهير،("تُجلي بها عوارض الدهر لو إبتسمت")؟ أي الصورتين أصدق، قصة العشق التي في ملامح مخيلتي، تباريح عواطفي، نكز أبي، ونسائم عطر كلامه عندما يذكرها، أم من يتشدق بحضرتها، ويغمض عينيه بغضاً، بذكر أحرف أسماءها، ملائكة تؤذن بها، وشياطين من تحت ثياب الملائكة يصرخون، إذن لابد أن اتهيأ الى موعدي الأول، الذي يجعلني أخرج بإحدى الصورتين، ليس لقتل الشك بداخلي، بل لأزدد يقين، إبراهيم؛ لا ينقصه في معرفة الله إحياء الطيور.
 
وأعود الى حجرتي، مرآة صغيرة، تركن وسط إطار من خشب، يشوب أطرافها نقط سوداء، بقايا من حشرات ميتة، أستجمع نفسي وسط ألمرآة، عليها مسؤولية إختيار ملابسي، كانت ترفض وبشدة بعض ما أرتديه، حتى أجبرتني على إستبدال ثيابي مرات ومرات، المرأة وأرضية حجرتي على خلاف، تبعثر ملابسي في الحجرة، المرآة لا تعرف ما تحب "سعاد"، لكني تذكرت كلام لأبي، "سعاد" تعشق القرأن، وسأذهب لها من حيث تحب.
 
معركتي مع المرأة إنتهت، خرجت بقميصي الأبيض، وربطة العنق الصفراء، يتدلى وشاح جميل على كتفي، غلب عليه ما يسر الناظرين، يتوسطه علم يمثل هويتي وبلدي، أعبلت كتفاي بقوة، وأكهلت نفسي من داخلي، تتطاير أطراف الوشاح، لتلتهم نظرات المحدقين بي، أشعر بأطنان الكلام من حولي، تحمله همسات ومشاعر الناظرين، أستنشق بين نسائمه، روائح الصورتين، (قرابتي, صداقتي, معرفتي بهم, ثقتي بنفسي, إعتزازي بعقيدتي) تمنعهم من أن يتكلمون عن رحلتي بسوء.
 
سجيل حملتني الأبابيل، سأقتل زوبعة أفكاري بيدي، أم سأمزق أفكارهم المنحرفة، أتطاول بإطراف عيناي، وقلبي عبر نافذة السيارة، لعلي أخفي قليلاً من الإرباك الذي بداخلي، صوت من المقعد الخلفي،"الطريق الى دجلة" حيث "سعاد" في الجادرية، نسائم دجلة تعانق أنفاسي، حاملة معها ذكرى "سعاد"، وعشق أهلها، تقاطرت عيناي بالدموع، لا أعرف السبب، ذكريات تغزو مخيلتي، كأن آبي يكلمني، وطن معدم، شعب مشرد، ذكريات بلون الدماء، وبلوحة المقابر الجماعية، أدركت بعدها إن أهل "سعاد"،غيبوا مع تلك الذكريات.
 
زُمُج دجلة، تنعق ألحانها فوق الجادرية، إذن أين من قال لا صوت إلا صوت "سعاد؟ حمائم البيوت يملأ الأسطح والشوارع بصوت الأطفال، أين من قال لا بيوت إلا بيوت "سعاد؟ معالم الحياة وطبيعة العيش، تعطي صورة عن منطقة أنا أعيش بها، أين من قال لا حياة إلا لسعاد؟ أرض وبيوت يتملكها ألاف من ألبغداديين، إذن أين من قال لا ملك إلا لسعاد، "سعاد" بقية من علم وجهاد، أيعقل إنها لم تدفن شهداءها الى اليوم؟
 
كلما إقتربت من الموعد، تسقط شبهة عن "سعاد"، وكأن أحد طيور إبراهيم الأربعة عاد حياً، الجادرية بعنوانها لسعاد، لماذا صورة رئيس حزب الإتحاد الكردستاني، تتقدم احد المقرات؟ لماذا مقرات منظمة بدر تشغل بعض المباني؟ لمن جامعة الجادرية هناك؟ لمن فندق بابل ونادي الجادرية ومجمعاته؟ لمن تلك الدور الأهلة بالسكان؟ دققت في مقر سعاد المؤجر، لم أجد سوى شارع تحت جسر، بعرض مساحة دار، وإمتداد لا يتجاوز قصر السندباد، أو بيوت طويريج أو الخضراء! أو المقرات الأخرى.
 
باب خشبي من الصاج، يبدأ بنهاية الرحلة، سأجد خلفه بقايا طيور إبرهيم، العائدة من رحلة اليقين، ( اللهفة والشوق وحب اللقاء) تمزق أشرعة الخجل والإرتباك، وأبحر بلا شعور لأفتح الباب، لم أعرف نفسي حينها، (أحسست إني وطن تائه, أني شعب جريح, أحسست إني أبي والذكريات, أحسست إني عائد من مقبرة جماعية, إني كتلة من الألم والوجع)، والتي وجدت ضالتها، لم أحتضن سعاد بذراعي، بقدر ما إحتضنتها (بمشاعري, وعواطفي, وضميري)، ومع كل دمعة سقطت مني، جرفت معها ألف شبهة عن سعاد.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78789
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19