• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هذه فلسفتي 12 .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

هذه فلسفتي 12

 ماذا في وسع الفلسفة أن تقدّم للعالم اليوم..عالم ساهمت ضروب أخرى من فلسفات الإنسان في محق قيمه الجمالية في مستويات عديدة ، لعل الأبرز منها تراجع فكرة العيش المشترك وتحطيم يكاد يكون ممنهجا للنزعة الجماعية؟؟..وبما أن مجال اشتغال الفلسفة هو على المفاهيم، فإنّ أمامها مهمّة تاريخية لمساءلة ما آل إليه وضعها في العالم، ووضع المفاهيم التي باتت صناعة تجارية أكثر مما هي صناعة فلسفية.. ما يمكن أن نسم به الحضارة المعاصرة هو جنوحها اللامحدود للنزعة الأنانية التي هي أساس خراب العمران..الأنانية التي لا زالت وراء تراجيديا انحطاط الوجود والحضارات..كانت الحرب ولا زالت فعلا أنانيّا..وقد تمّ بناء العالم وقيمه على الأنانية الفردية بينما تم تغييب مفهوم الغيرية التي هي أساس انصهار المجتمع..ولا شكّ أنّ الفردية نزعة قائمة بذاتها فينا..ومنذ فجر تاريخ بني البشر وهم يعبّرون عن أنانيتهم بأشكال مختلفة..وفي أزمنة النذرة والدهشة من مواجهة الطبيعة كان الكائن يلوذ ببني جلدته وهو ما نمّى لديه الإحساس الجماعي..قضية المصير البشري المشترك..مجتمع الرفاهية هو الآخر عزّز من نزوع الكائن للفردانية..كانت الرأسمالية لعنة جديدة على العالم لأنها غيرت المفاهيم وكيّفتها مع الرغبة الفردانية، وجعلت فكرة الرفاهية حلما لدى الشّغيلة لن ينالوه ، ولذا وجب عليهم أن يفنوا حياتهم في طلبه عبثا..تعاملت الرأسمالية في بدايتها حين كان وجهها مكشوفا وبدائيا مع العمّال بوصفهم عبيدا..لا شيء تغيّر عن أزمنة العبودية سوى مظاهر المدنية الحديثة..عزّزت الرأسمالية من الرغبات المادية وقتلت ما هو رمزي وعميق في حياة البشر..تماهى الإنسان مع البضاعة وتحوّل إلى طابور خامس للرأسمالية في حروبها السياسية والاجتماعية..حوّلت الرأسمالية النشاط البشري إلى مغامرات انتحارية قاضمة للإنسان والمجتمع والبيئة..ولكنها أيضا لها من الخداع ما يجعلها مقنعة للرغبات بعد أن تعمل على تحريرها من سلطة الضمير..حتى الآن لا زال الحلم بالشكل الجديد للمجتمعات غير مقنع تحت دفق الرغبات التي أوقدتها الرأسمالية بأساليبها البافلوفية..التشكيك المستدام في الجدوى من أي بديل من خارج هذا النموذج الذي يؤكد يوما بعد يوم إفلاسه الكبير..ارتهان مصير النمو البشري في ملحمة السوق ولعبة المصارف والاقتصاد الافتراضي..إنّنا في عصر تحوّلنا فيه جميعا إلى "أولاد السّوق"، العبارة التي نستعملها في لهجتنا المحلّية للتعبير على انحطاط المعيش والسلوك..أين تتموقع تساؤلات الوجود الكبرى في سياق الهمجية المعاصرة التي تستبعد أسئلة المصير البشري وتختزل المستقبل في أرقام الكائن الإيكونوميتري؟..لا مخرج لحضارة الإنسان اليوم بعد افتقادها لما به تقوم إنسانيته إلاّ باستعادة المفهوم الجديد للإنسان..الإنسان الوجودي مقابل الأومو سابان والأمو إيكونوميكس والإنسان اللّعبي..الإنسان الوجودي هو الذي سيناضل في المستقبل ضدّ كل أشكال الضحالة التي تعزّزها أنماط الاختزال..الإنسان الوجودي لا حدود لأسئلته ولا يمكن فرض شروط الاقتصاد السياسي على تفكيره..هو ما تبقّى بعد انهيار الناموس واختلال النظام العام للكون البشري..لا تتحدّد سعادته بالنذرة ..ولا تقاس رغباته بالقيمة الحدّية..ولا تثار رغباته بميديا الإعلام الاستهلاكي..هو كائن ضدّ الاستنزاف .. ولا زال يحتفظ بالمقاومة ضدّ سياسة مسخ الأزمنة البشرية...السؤال الأهم للإنسان الوجودي اليوم هو: إلى أين يتّجه العالم بأسئلته الضحلة؟ ولكنه يحمل أجوبة بإصرار ناذر: بإمكان العالم أن يغيّر من رؤيته للوجود..للزمان..للثروة..للرفاهية..للمجتمع...بإمكان العالم أن يوقف مهزلة قرون من التفكير خارج منطق الإنسان الوجودي، المهدّد بالانزياح إلى التّفاهة الكبرى..ككائن ينزغ نحو الافتراضية..الإنسان الهارب..
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78686
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29