• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ربيع العملاء .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

ربيع العملاء

ارتفع منسوب العملاء في ربيع عربي مجهول الأصل مكشوف الغاية..ولم يحدث في تاريخ الثورات أن أصبح قادة الثوار مدللين بينما ازدادت أرصدتهم في البنوك وحدث تغيير ملحوظ في أوضاعهم المعيشية حتى قبل أن تحقق الثورات أهدافها..تكفلت القوى الخارجية بضمان عدم التنكيل أو التعسف ضدّ هؤلاء الثوار..لأول مرة حصل صكّ الثوار: دعه يعمل..دعه يمر..حتى الدول التي واجهت هذه الحراكات كانت تدرك مدى ارتباطاتهم الحقيقية..في مصر لم يكن مسموحا أن يتم محاسبة هؤلاء بعد أن بلغ الإخوان سدة الحكم..لكن واحدة من التهم التي تلاحق مرسي بعد أن تم الإطاحة به ورفعت الحصانة الدولية عنه: تهمة التخابر مع دول أجنبية..كل المتورطين في العمالة إلى تلك الدول التي كانت تعمل لإيصال الإخوان إلى الحكم واستعمال الشباب مطية لتحقيق هذا الحلم كانوا يعتبرون ذلك تعاونا..وكأنّ تلك الدول استكملت ثورتها ولم يتبقّى الآن سوى تغيير المنطقة العربية..خلال الثمانينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي ولا زال الإعلام الرجعي يتهم إيران بتصدير الثورة، بينما أصبح افتعال الثورة هو العقيدة الجديدة لدول لم تشهد ثورة وكأنها تريد أن تؤكّد على أنّها دول معصومة من التغيير وهي منزلة من السماء وليست معنية بالثورات التي تمجدها في الساحات الأخرى..أصبح الفاعلون في الربيع العربي يتحدّثون لغة العملاء..ويتحاشون أي شيء من شأنه أن يستفزّ الإمبريالية وعملائها..لم يحصل استطلاع لنعرف ما هو حجم الثروات التي حاز عليها هؤلاء المتاجرون في ثورات كاذبة..غير أنك تستطيع أن تكتشف كيف تحوّل أولئك الإخوان الذين كانت وضعيتهم ضعيفة إلى مليارديرات في السنوات الأولى من حكمهم..عند التفاصيل نقف على الرشا التي حوّلتهم إلى بورجوازية هجينة حيث دخلوا دورة قطاع الأعمال..الشباب الذين خدعوا بهذه اللعبة الثوروية ألقي بهم في الرصيف وهم يتفرجون على ثورات صفقوا لها وصاحوا ملئ حناجرهم ليسلموها صاغرين لقوى العمالة برسم الاعتدال..هؤلاء بتعبير أدبيات المقاومة بالمغرب نسمّيهم بالمحميين..أولئك الذين كانوا في فترة من الفترات يرفعون أعلام البلاد التي تسلموا منها وثيقة انتماء وحماية..بعض أعلام المغرب سمّاهم في عنوان لكتاب: أهل الباصبور الخثالثة..واليوم ما يعرف بثوار المعارضة السورية المزيفة يرفعون علم الانتداب الفرنسي فيذكروننا بأهل الباصبور الحثالثة ، أو حسب جعفر بن ادريس الكتاني في مخطوط قيم:" الدواهي المدهية للفرق المحمية " ..في سوريا التي تعرضت لهجمة إمبريالية هي الأخطر في هذا القرن بتنا أمام حالة قصوى من الفرق المحمية من أهل الباصبور الحثالثة الذين يرفعون شعارات الشكر لإسرائيل بذات الوقاحة للفرق المحمية.. بعض الدّول الرجعية استعملت ماكنتها الإعلامية لتبشيع الدولة السورية، وذلك لكي تطعى المأساة السورية ويختفي الحديث التسلسلي عن دول وجب أن يكتسحها الربيع العربي..أرادوا أن يظهروا للرأي العام أنهم بالمقارنة مع الآلة الجهنمية للقتل في سوريا هم في حالة أفضل بكثير..لعبة المقارنة بين واقع حقيقي وآخر افتراضي..فلكي أحسن صورتي وجب أن أبشع الآخر بأقصى البهتان..وهكذا بدأنا نسمع أن الأوضاع في البلدان التي لا تتمتع بوضع دستوري وانتخابي بأنها أفضل لانها لا يوجد فيها قتل..وسيتبين أن المواطن السوري يقتله الإرهابيون الذين شكلوا العمود الفقري للربيع العربي كما أريد له في نسخته السورية..لقد كذبوا وكذبوا وكذبوا ليصنعوا ربيعا كاذبا في سوريا بعد أن سلّموا ربيعهم في تونس وليبيا ومصر في بداية الأمر إلى التكفيريين والإخوان والخونة..الحديث عن العملاء والخونة هنا ليس من باب مزمار نظرية المؤامرة التي استعملها هؤلاء أنفسهم لقمع من انتقد مواقفهم وخطاباتهم..المقام لا يتّسع هنا لكي نحصي طرائقهم وعيّناتهم وأسمائهم ميدانيا...ليس الأمر يتعلق بنظرية المؤامرة بل الأمر يتعلق بمتابعة ميدانية والقبض على الحقائق وبالتالي استنباط واقع المؤامرة وليس نظريتها..إنّ مجرد تسليم السلطة لهؤلاء العملاء هو قرينة كبرى على عمالتهم..فالحكومات لا تسلم مجّانا..ولعبة صناديق الإقتراع حكاية لها كيمياؤها السّري في مجتمعات لا زالت تنعدم فيها تقاليد اللعبة الديمقراطية وشفافيتها..السلطة لا تعطى مجانا..ففي الغالب السلطة تمنح للعملاء وأهل الصفقات..والإعلام الإمبريالي لا يدافع عن الثوار، بل هو يدافع عن العملاء..أي عاقل يا ترى يقتنع بأنّ الربيع العربي ليس بدعة في تاريخ الثورات: الإمبريالية تدعمه، إسرائيل تدعمه، الرجعية تدعمه، البترودولار يدعمه، الإرهاب يدعمه، الإعلام المرتبط بمراكز القمار والبزنس يدعمه..يدعمه أوباما والعرعور وأصالة وأوردوغان وبيريز وعزمي بشارة وأبو بكر البغدادي..الكتلة التاريخية الهجينة التي دعمت الربيع العربي لا سيما في سوريا هي أكبر مؤشّر على ضحالته...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=78239
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 05 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18