• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بغداديات الحلقة الثانية :من دعوة الى الهجرة المعاكسة, بعنوان: ( خيارات صينيّة ) .
                          • الكاتب : بهلول الكظماوي .

بغداديات الحلقة الثانية :من دعوة الى الهجرة المعاكسة, بعنوان: ( خيارات صينيّة )

 

بودّي وأنا احلم بصوت مسموع أن يسمع ندائي هذا المسؤولين في العراق الجديد حاثّاً ايّاهم أن يطلبوا العلم من الصين حسب الحديث الشريف .
فالصين اليوم قد غزت كلّ اوربا بمنتجاتها الصناعية و الزراعية.
بل وصل غزوها الاقتصادي هذا حتى الى الولايات المتحدة الامريكية.
و بما اني اكتب عن موضوع طلب علم ليس لافراد محدودين , بل لايجاد توجّه عام ترعاه الدولة, لتشجيع الصناعات الزراعية في قرانا واريافنا العراقية, وهذا ما هو موجود في الصين و يمكن الاستفادة من تجاربهم في هذا المضمار و طلب هذا العلم رسميّاً منهم ( طلب العلم فريضة على كل مؤمن و مؤمنة- حديث شريف ) .
فانا العبد لله تصلني عروض لمكائن و لمعامل متكاملة و بعروض و اسعار مغرية, و هذا ما يحصل معي فكيف اذا كان التعامل مع مؤسسات الدولة العراقية الجديدة.
اذكر في سنيّ السبعينات كان اتحاد الصناعات العراقي بالتعاون مع وزارة الزراعة و الاصلاح الزراعي في نيته (وربّما حصل) اقامة دورات تدريب مهنية زراعية كتربية الدجاج البياض و الدجاج المجمّد و حقول تسمين العجول ومراعي الاغنام و المسامك و المناحل.....الخ, وحصل حينها زملاء لي على دراسات متكاملة لذلك.
امّا انا كاتب هذه السطور وقد كنت صناعياً بالاضافة لمحلي التجاري المجاور لعشرات المحلات التجارية لعائلتي في باب الاغا في بغداد, وكنت مسجلا في اتحاد الصناعات العراقي و مديرية التنمية الصناعية , فآخر ما اشتريته من الاتحاد كان ثلاثة دراسات لمشاريع صناعية متكاملة,
الاولى لمشروع معمل سيراميك ( كاشي فرفوري و مواد صحية ) و كانت نصيحة دراسة اتحاد الصناعي بنصبها بمدينة العمارة نظراً لوجود المادة الاساسية للعجينة التي تتكون منها مادة السيراميك, اما المشروع الثاني فهو لمعمل متكامل لتعليب الفواكة و الخضر , وكانت تنصح الدراسة في اقامته في محافضة ديالى, اما الدراسة الثالثة التي اشتريتها فهي لمعمل انتاج غاز الاوكسجين من الجو وتعبئته في انابيب للاغراض صناعية تستعمل في اللحام و لاغراض صحية تستعمل في المستشفيات.
واتذكر كان من ضمن الدراسات ايضاً دراسة لمعمل مطاط ( كفوف عمال البناء و جزمات مزارعين و بالونات لعب اطفال...الخ و معمل متكامل لصناعة المعادن المسبوكة كالابازيم و القوبجات و الاكرات والقبضات كيدّات الابواب و الشبابيك...الخ).
تتضمّن الدراسات هذه حتى اسماء الشركات الموّردة لمكائن و آلات هذه المصانع كوحدات متكاملة و عناوينها و ارقام تلفوناتها و العنوان البرقي ( التلغرام ) و التلكس حيث لم يكن جهاز الفاكس و البريد الالكتروني معمول به يومذاك, و كانت أسماء هذه الشركات لا تقتصر على دولة واحدة , بل مصادرها تتنوع على دول اوربية عديدة بعضها اوربية شرقية و بعضها اروربية غربية حتى كان من بينها الهند و الصين و اليابان على ما اذكر, وحتى تتضمن دورات تدريبية و خدمات ما بعد البيع وكلف انشائها.
لا ازال اذكر سعر الدراسة الواحدة كانت خمسة دنانير لا اكثر و هي تسعيرة تشجيعية حتماً لا تساوي الجهد المبذول في تجميع معلوماتها و تعبّر عن مدى حرص العقل العراقي و اخلاصه في بناء مجتمعه آنذاك قبل أن تأتي و تستأثر عصابة المقبور صدام على الحكم و تشغل البلد في حروب طاحنة ترهق ميزانية الدولة و تقضي على التصنيع و على الزراعة, حتى وصل بنا الحال بعد السقوط و دخلت فيها الى بغداد و طلبت من صاحبي ان يذهب بي الى معمل الزيوت النباتية لاجده عبارة عن خرائب يسكنها من لا سكن له من الفقراء و المعدمين بعد ان كان ينتج لنا ارقي الصابون و الزيوت ,
فمن منا لم يستحم بصابون جمال, ومن منا لم يذق الطبخ بدهن الراعي او لم ينضّف اسنانه بالفرشات مع معجون الاسنان بسمة.
خنقتني عندها العبرة فروّحت عن نفسي بقراءة الفاتحة للمرحوم محمد حديد ( ابو الصناعة العراقية ) مؤسّس هذه الشركة العامة للزيوت النباتية رغم انه لا يمت لي بصلة القرابة ولم انتفع منه شخصياً الا انه كان قد رفع رأسنا ابناء العراق في ايامنا الغابرة, ولربما ترك اثر ودراسات ستبقى بعده ماكثة في الارض لتنفع الناس بعد ان يذهب الزبد جفاء انشاء الله تعالى.
عزيزي القارئ الكريم:
اكملت المسودة لهذا المقال و انا اروم طباعته واذا بي اسمع خبر سفر السيد رئيس الوزراء الى جمهورية الصين الشعبية ارجو من الله أن تكون زيارة موفقة مكلّلة بالفلاح و النجاح والسداد, وكان لي رغبة ملحّة في كشف و تعرية سلبيات تجار زماننا الردي الذي ابتلينا فيه باناس جشعين لا ذمّة و لا ضمير لهم اسائوا الى تجار العراق و الى المستهلك العراقي, بل اسائوا الى الانسانية بجلبهم (زبالة الصين ) البضائع الصينية الرديئة, بل و التالفة و التي لا تصلح للتداول او للاستهلاك.
و هذا لا يعني ان كل ما تنتجه الصين هو بضاعة سيئة ليس الّا, ففي الصين وفرة في الانتاج الجيّد و العالي الكفائة بصورة مهولة, اعزي انا اكبر اسبابها هو عدم استهلاك وقت العائلة الصينية بتربية الكثير من الاطفال, اذ غير مسموح ان يكون للعائلة الواحدة اكثر من طفل واحد مما يوفر وقت و جهد هذه العائلة للانتاج الصناعي و الزراعي يضاف لذلك التشدّد و الصرامة في استثمار الوقت للعمل الدؤوب و عدم هدر اي دقيقة من دقائقه ثم قلّة العطل و الاجازات, وبناءً على ذلك سوف نجد أن العيب ليس بالبضاعة الصينية بقدر ما هو في نفسية الجشع و الطمع الكامنة في تجار آخر زمن في العراق.
اعذرني عزيزي القارئ الكريم:
لربّما يختلف البعض معي في الرأي حول اطلاق حرية التجارة بأي بضاعة كانت, حتى و ان كانت فاسدة أو ضارّة, و لكن لربّما تكويني و بيئتي تتدخل لتدفعني في محاربة الغش و التزوير و التلاعب باقوات الناس, فانا ابن زمن غابر ابحث عنه فلا اجده, كما ابحث عن الصدق و التفاني و الوفاء و الايثار لاجده قليلاً نادراً كندرة البغدادي في بغداد و البصراوي في البصرة والكربلائي في كربلاء و هلم جرا, حيث تبدلت الوجوه و اختلفت العادات و التقاليد التي تربينا عليها بفعل الحروب و الازمات و تدني دخل الفرد و التدخلات الخارجية التي القت بضلالها على اخلاق و تصرفات الناس.
فلا زالت صورة المرحوم والدي و كان تاجراً للاصباغ و المواد الانشائية , لا زالت صورته شاخصة امامي و هو يجري تجاربه على عينات من الاصباغ المعروضة عليه لاول مرة, فاتذكّره يدهن به الحائط الاسمنتي ثم يدهن به الحائط المبيض بالجص و البورك او الطين و كذلك الخشب بنوعيه الخشن و المصقول ثم الحديد و يسجل زمن نشفان ويباس المادة عليه و تغطية الالوان له و هل تحتاج عملية الصباغة لمرة واحدة او مرتين , ثم يعمل مثل ذلك كله في الشتاء كما عمله في الصيف, كان يعمل ذلك في داخل الابنية كما كان يعمله في الخارج في اماكن سطوع الشمس و هطول المطر عليها, كل ذلك لاختبار الصلاحية و حرصاً على سمعته و سمعة و شرف المهنة و الصدق في منفعة الزبون المستهلك للبضاعة, وكذلك كان يفعل مع بقية المواد, علماً أن الاصباغ التي رأيته يختبرها هي لشركات يثق بها فهو وكيلها العام في العراق او في الشرق الاوسط كشركة برجر الالمانية و شركة ري كرفل الانجليزية او شركة فاروسيا الهولندية أو شركة كوثر الباكستانية.
اذكر مرّة دخلوا عليه مجموعة لا اذكر من اين قدموا, لربما من النجف او من كربلاء, اذ كان واحداً منهم يعتمر العمامة السوداء و كان مقدما في الدخول و في الحديث على الثلاثة الباقين و كان اثنان منهم يعتقلون العقال العربي و الثالث افندي حاسر الرأس و اخذوا يشرحون له بان صاحبهم الافندي يتيم و قد انهى خدمته العسكرية و تزوج حديثاً وهم في صدد فتح محلاً له لبيع الاصباغ و المواد الانشائية ويطلبوا مساعدته , وبعد الحاح شديد قدروا ان يستحصلوا منه على تخفيض درهم واحد ( خمسين فلساً ) للغالون الواحد من صبغ علامة النسر كنا نحن وكلائه, فحينها قال لهم: اتعلمون كم سيكلفني هذا الدرهم؟ فقالوا له انه خمسة دنانير ثمن تخفيض مائة غالون, فقال لهم لا والله انه اكثر من خمسمائة دينار اذ الموجود اكثر من عشرة آلاف غالون القسم المتبقي عندي في المخازن و القسم الآخر مرسل لتجار آخرين موزعين على انحاء العراق ( بيع على التصريف ) يجب أن اخفّض السعر لكل واحد بعته درهماً بالغالون ليتساووا معكم, ثم امرني بعد ذلك ان افتح ( دفتر الذمّة ) دفتر الديون و اخصم السعر حتى يكون الجميع متساوون في المعاملة, وللعلم كان سعر الفرق ( الخمسمائة دينار في سنة 1967 يساوي بيتاً في ضواحي بغداد ).
و ليس والدي لوحده في هذا الحرص على سمعته و على المستهلك, بل كان هذا هو العرف السائد في الكثيرين من تجار السوق و كان عكس هذه الاخلاق هو الشاذ المستهجن, فعلى سبيل المثال كان لنا خياط (للقوط) للبدلات رأيته وانا صبي, رأيته يختبر متانة الخيط بأن يشد كل طرف فيه الى قطعة صلبة ثم يجر اطرافة ليقطعه و يرى قوة الخيط, ثم حرق وشيعة منه واخذ يشمها ليرى مادتها ما اذا كانت قطنية ام صوفية, وبعد ان اختبرها قال لعماله وجدتها جيدة لحد الآن و لكن بقي ان اغسله لارى هل قصر طوله بالغسيل أم لا.
(اولئك آبائي فجئني بمثلهم …..اذا جمعتنا يا ( جشوع) المجالس ).
عزيزي القارئ الكريم:
الامثلة التي اوردتها لم تكن الا لتقريب الصورة لما كنا عليه و الى اين آلت أليه الاوضاع كما اريد ان اشرح ما تغرق به الاسواق العراقية من بضائع فاسدة يأتي بها تجار آخر زمن من الصين و من الدول المجاورة طلباً للمرابح الحرام لغياب الرقابة و لغياب قانون حماية المستهلك.
و لي مثل بغدادي اريد ان استذكره معكم يقول:
التجّار ثلاثة اصناف و هم :
تاجر , وتجيجير, و زبالة التجّار.
عزيزي القارئ الكريم:
لك عليّ عهد ان افضح هؤلاء الغشاشين وطرقهم في هذا الربح الحرام.
فالى ذلك اللقاء في الحلقة القادمة التي أسميتها بـ (زبالة الصين ) ودمتم لاخيكم : بهلول الكظماوي.
امستردام في 17-7-2011
 
e-mail:bhlool2@hotmail.com
 
bhlool2@gmail.com
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=7806
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 07 / 18
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28