• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عصر القـراءة والنضــال .
                          • الكاتب : نضال الصباغ .

عصر القـراءة والنضــال

 خلال رحلتي للقارة الأوروبية و أنا في القطار الذي ينقلني من مدينة اميرسفورت  إلى العاصمة أمستردام  استوقفني مشهد مثير . حيث أنني جلست بمقابل رجل في عقده الخامس أي انه قد يكون يبلغ من العمر  بين الأربعين و الخمسين .
ما شد انتباهي هو أن هذا الرجل يحمل كتاباً بيمينه و جهاز هاتف خلوي حديث بيساره.  و أراه أحياناً يمسك في جهازه الخلوي و يقوم بكتابة الرسائل  و أحيانا أخرى يمسك بالكتاب و يقرأ منه. و للحقيقة .. و بما أنني أعشق القراءة استغربت كيف يقوم بذلك ،فأنا مثلاً عندما أبدأ بقراءة كتاب لا أحب أن يشغلني عن ذلك شاغل  فالقراءة عندي مقدسة و لها وقتها  المخصص .. أما أن أقوم بالقراءة و المراسلة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بنفس الوقت فهذا أمر لا يمكن .
الجميل بالموضوع أن هذا الشخص كان مندمجاً جداً مع الكتاب و قررت أن اسأله عن محتواه لأرى هل هو مع الكتاب أم مع الجوال .. و لكنني ما لبثت أن تراجعت عن قراري و نسيت أنني في بلد يكفل الحرية الشخصية و لا يجوز لأحد التدخل بحرية الآخرين .. فعدلت عن قراري و لكن بصميم نفسي أنا مرتبك من قدرة هذا الشخص على الموازنة بين الكتاب و هاتفه المحمول .
 
كنت سابقاً أفرح برائحة الكتاب الجديد الذي اشتريه و خاصة الروايات منها فلرائحتها عبق عطري خاص كنت استمتع به بشكل مؤثر بحيث أنني لا أكتفي من اشتمامه مرة واحدة فقط و كأنني استنشق رحيق زهرة برية عطرة ... وأيضاً يصعب وصف الحالة التي كانت تنتابني عند شراء كتاب جديد فلقد علمني والداي أن الثقافة أساسها القراءة و الاطلاع .
لا أخفيكم سراً أن هذه العادات والتقاليد قد اندثرت في عصرنا هذا و المشكلة قد تكون التكنولوجيا الحديثة التي حلت مكان الكتاب و مكان القلم و الورقة .. و قد تكون المشكلة فينا نحن بأن الكثير منا لم يعلّم أبناءه على ثقافة القراءة و الاطلاع بل تركهم ضحية و فريسة سهلة أمام مغريات التكنولوجيا الحديثة و جميع مفرداتها. 
أعتقد أن هناك الكثيرين ممن يناضلون أمام هجمات التقنيات الحديثة و نضالهم لا يعتبر رفض لها بل وسيلة من وسائل التقنين المدبر لحفظ ما تبقى من تعاليم أجدادنا و آباءنا التي هي أثرى من جميع ما تحمله التقنيات الحديثة في صميمها.
صحيح أنني أعاني أحيانا  من عدم قدرتي على موازنة الوقت و ذلك بسبب أعمالي و كثر انشغالي إلا أنني أناضل و أحاول دائما  تخصيص الوقت لصديقي العزيز الكتاب و لرفيق دربي القلم .
أنا أستطيع أن أقول عن نفسي بأنني سأتابع عادات و تقاليد عائلتي بالتربية و التعليم و سوف أثابر على أن يكون الكتاب صديق أولادي الحميم لأنه ((خير جليس)).
 
ليس هذا هو الأمر الوحيد الذي استوقفني خلال جولتي بل هناك آلاف الأشياء الذي يجب أن نقف عندها لنتعلم منها لنرتقي بمجتمعاتنا نحو الأمام .. لكن رؤيتي لهذا الرجل الذي استطاع أن يوفق بين مشاغل الحياة و تطوراتها، و عدم تخليه عن صديقه (الكتاب) حتى في وقت ضائع في مقصورة القطار، رؤيته كانت كمشكاة نور أنيرت لتذكرني فأذكركم بالتمسك بالمعلم الذي بلا عصا، ولا كلمات ،لا غضب إن أخطأت لا يوبخك، و إن أظهرت جهلك ما سخر منك.. إنه ((الكتاب))
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=77202
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 04 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19