• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : اراء لكتابها .
                    • الموضوع : الرد على رسالة الأخ السيد علي محسن العلاق المحترم (الحلقة الأولى) .
                          • الكاتب : محمد توفيق علاوي .

الرد على رسالة الأخ السيد علي محسن العلاق المحترم (الحلقة الأولى)

 ألأخ ألسيد علي العلاق المحترم
 
ألسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
 
شكراً على رسالتك التوضيحية، وهذا ما كنت أأمله منك قبل أكثر من عام لإثراء النقاش في هذا المجال لتقديم الخطط من قبل  كافة المهتمين بهذا القطاع الإقتصادي المهم في هذه المرحلة الخطيرة والمفصلية في تاريخ العراق لحماية البلد من إنهيار إقتصادي له آثار مدمرة ليس على الوضع ألإقتصادي العام للبلد، بل على الوضع المعيشي للفرد العراقي ودخل الأسرة العراقية بشكل خاص وإنعكاساته على الأوضاع السياسية والعسكرية والخدمية والإجتماعية لمختلف القطاعات من سكنية وتعليمية وصحية وزراعية وصناعية…. الخ
 
كما تعلم إني لم أتطرق إلى هذا الموضوع بسبب خلاف شخصي معك، وإنما العراق هو بلدنا، بلد آبائنا وأجدادنا، وبلد أهالينا ثم بلد أبنائنا وأحفادنا، والدفاع عنه وحمايته وألإهتمام بأهله مسؤولية كل إنسان شريف يقدم المصلحة العامة على مصالحه الخاصة، ومن هذا المنطلق تصديت لهذا الأمر وتحدثت في الإعلام وكتبت عدة مقالات، وقد أطلعت على رسالتك التي تحوي على الكثير من الحقائق، وإني في ردي على ما ذكرته من الفقرات لا أبتغي الرد نقطة بنقطة بهدف الدفاع عن وجهة نظري قبال وجهة نظرك، فهذا جدال عقيم لا طائل منه، بل أبتغي من ردي إنضاج منهج إقتصادي ونقدي للتخفيف من ألآثار  المتوقعة بسبب الظرف الصعب الذي سنواجهه كنتيجة طبيعية لتقلص موارد البلد بسبب ألإنخفاض الكبير بأسعار النفط العالمية وإنعكاساته الخطيرة على مستقبل البلد، كما أحب أن أؤكد على إن إنقاذ الوضع لا يعتمد على سياسات البنك المركزي فحسب، بل يجب وضع خطة إقتصادية متكاملة للبلد يجب أن تشترك الكثير من مؤسساته للنهوض بالواقع الإقتصادي للبلد وإمتصاص الآثار الخطيرة للإنخفاض العالمي لأسعار النفط وهنا سيعلب البنك المركزي دوراً مفصلياً لهذه الخطة ولكن ليس دوراً خاصاً منفصلاً عن السياسة العامة وعن باقي مؤسسات الدولة.
 
إن الجواب على رسالتك ومناقشة فقراتها قد يستغرق عدة رسائل وهذا ما سأتناوله بالتدريج وبحلقات متتالية، لأن هذا الشأن سيكون من إهتمام الكثير من المسؤولين والمهتمين بالوضع الإقتصادي، ولعل رسالتك ومناقشة مفرداتها قد تكون منبراً لتدخل من يريد من ألإقتصاديين والمهتمين بالشأن الإقتصادي ممن يعتقدون أن لديهم القدرة في إغناء هذا الموضوع والنهوض بهذا القطاع الإقتصادي المهم بشكل خاص وشأن البلد وشأن مستقبله بشكل عام، كما أرجوا أن تتقبل نقدي (وليس إنتقادي) بروح رياضية بهدف البلوغ بالبلد لشاطيء البر والأمان من أجل المصلحة العامة للبلد، نعم قد أضطر أن أرد على بعض الفقرات خارج الموضوع الإقتصادي مما لا أرغب ولكني قد أكون مضطراً لذلك لضرورة المقام كما سيتبين فأرجو أن تعذرني.
 
ذكرتم أنكم أبلغتم أحد أصدقائي للحوار بشكل خاص، لم أعلم من تقصد ولم يتحدث معي أي شخص بهذا الشأن؛ قلتم أنكم لستم مفروضين على السيد العبادي، أنا لم أئت بهذه المقولة من بنات أفكاري وإنما خاطبت بها الأخ العبادي، فهو الذي قال ذلك، ويعلم لمن قاله، ويعلم من أوصل إلي هذه المقولة، فأرجو أن تسأله ليعطيك الجواب، وطبيعتي أن لا أتحدث خلاف الحق مذ علمت أن الميزان بين المؤمن وغير المؤمن هو الصدق، فإني لا أعرف أن أنطق بأمر لست متيقناً من صحته.
 
قلتم أنتم شخص لا ينتمي لحزب، حسب علمي أنكم كنتم من حزب الدعوة، أما إذا تركتم الحزب إنطلاقاً من مبدأ إن الإنسان العامل في الدولة يجب أن لا يكون حزبياً، فأقول بارك الله بكم فهذا ما يمكن أن نعهده من الأشخاص الذين يسعون أن لا يتحركوا عندما يتسنمون مركزاً في الدولة من منطلقات حزبية ضيقة بل يغدوا هدفهم ألإخلاص لبلدهم ووطنهم وليس لحزبهم.
 
ذكرتم أن مزاد البنك المركزي كان جارياً منذ عام ٢٠٠٣ فلماذا لم نعترض، كما تعلمون منذ عام ٢٠٠٣ حتى عام ٢٠١١ لم يكن هناك سعرين للدولار وإنما فرق قليل هو عمولة طبيعية للبنك، ولكن منذ أواسط عام ٢٠١١ إزداد الطلب بشكل غير طبيعي على الدولار بسبب الحصار الإقتصادي على إيران والأحداث الدموية في سوريا، ونتيجة لزيادة الطلب على الدولار بهذا الشكل صار هنالك سعران للدولار وبدأ ألفرق يزداد شهراً بعد شهر، لقد علمت في حينها خطورة هذا الوضع على إقتصاد البلد فتحدثت مع الدكتور سنان الشبيبي في أواسط عام ٢٠١٢ الذي شاركني  في الرأي، وكان رأيه أيضاً أتخاذ خطوات عملية لإزالة هذا الفرق، ولكن كما تعلم أن هذا الفرق الكبير كان سبباً لغنى بعض من إستفاد من التذبذب في العملة وهذا الفرق الكبير بين السعرين ، لذلك لم يلائمهم بقاء الدكتور سنان الشبيبي بعد أن إكتشفوا خطته الإصلاحية لأنه سيغلق الباب أمام هذه السرقات، وألسيد المالكي كما تعلم كان متضايقاً من الدكتور سنان الشبيبي بسبب رفضه لإقراض الحكومة، فإجتمعت مصلحة الطرفين السراق والمالكي، ففبركوا عليه تهم باطلة تبين براءته منها لاحقاً، الخطورة هو إستمرار هذا الفرق بين السعرين مذ خروج الدكتور سنان حتى يومنا هذا، وإستمرار السرقات.
 
قد ذكرتم أمور كثيرة أخرى في رسالتكم تبريراً لما ذكرته وذلك يستدعي طرح هذه المبررات ومناقشتها وهذا ما سأتناوله في الحلقات القادمة إن شاء الله.
 
محمد توفيق علاوي
 
(تتبعها الحلقة الثانية)
 
 
 
ندرج في ادناه رسالة السيد علي العلاق والتي نشرها موقع شفقنا 
 
رسالة مفتوحة الى السيد د.محمد علاوي المحترم
 
تحية طيبة ..
 
    كنت أود ان نخوض غمار النقاش والحوار المباشر ، وطلبت ُ ذلك عبر احد اصدقائكم قبل فترة طويلة ، ولكن لم يحصل ذلك ، لعل من كلفته بذلك لم يخبركم بذلك ، وكانت رغبتي بذلك تنطلق من طبيعتي في عدم الخوض في الاخذ والرد عبر الاعلام خاصةً في مواضيع تخصصية ، تقتضي الوقوف على كثير من الخلفيات والتفاصيل .
 
  إنني وبحكم معرفتي بكم أضع آراءكم في اطار المصلحة والحرص، ولهذا اوضح لكم ، واعذرني مقدماً عن الاطالة رغم محاولتي في الاختصار ، الا ان الضرورة تقتضي توضيح جوانب متعددة تتعلق بالسياسة النقدية ومايحيط بها من ظروف وتحديات .
 
1-    التكليف بإدارة البنك : –
 
تم تكليفي بأدارة البنك المركزي بناءاً على قرار مجلس الوزراء وتم التصويت عليه بالإجماع في آخر جلسات مجلس الوزراء السابق ، بعد ان عرض رئيس الوزراء طلب السيد  د.عبد الباسط تركي بالاحالة على التقاعد لبلوغه السن القانوني ( وكان في حينها مكلف بإدارة البنك ) , وكان ( د.عبد الباسط ) هو الذي اقترح تكليفي بذلك , وحاول في ذلك لمدة اكثر من سنة مع رئيس الوزراء ولم تكن لدي الرغبة في ذلك , كما ان رئيس الوزراء ( المالكي ) كان يجد صعوبة في ذلك لعدم وجود بديل لادارة الامانة العامة لمجلس الوزراء ، حاولت عدم الانفكاك من الامانة ، على الاقل الى حين تشكيل الحكومة الجديدة في حينها لتقرر ماتراه مناسباً ، الا ان صدور امر آخر بتكليف السيد د . حامد خلف اميناً عاماً لمجلس الوزراء ، اضطرني للانفكاك والمباشرة في البنك المركزي ، على ان يكون ذلك تكليفاً مؤقتاً حيث ورد في اصل قرار مجلس الوزراء بتكليفي بالمهمة الى حين تشكيل الحكومة .
 
لذلك فإني لست مفروضاً على السيد العبادي ( كما ورد في مقالتك الاخيرة ) لان اصل القرار يتيح له اتخاذ مايراه بعد تشكيل الحكومة ، كما اني شخص مستقل لا انتمي الى حزب ، فربما يكون الانتماء عائقاً امام السيد العبادي في التغيير، الامر الذي لاينطبق على حالتي ، اضافة الى عدم رغبتي في الاستمرار من البداية والى الان ، وانا اؤكد للسيد رئيس مجلس الوزراء بأني جاهز لمغادرة الموقع في اي لحظة يقرر فيها ذلك ، واني لم اسعى خلال الفترة الماضية الى ترويج تثبيتي في هذا الموقع او حتى في موقعي السابق حيث بقيت لثمان سنوات اميناً عاماً لمجلس الوزراء وكالة ، دون ان اكلَف احداً من الحكومة او البرلمان بأمر تثبيتي في الموقع ، علماً بأن حالات مماثلة لحالتي تم التصويت عليها في البرلمان لتبني كتلها السياسية لها ، وانت تعلم بذلك حين كنت في مجلس الوزراء .
 
من جهة اخرى ، فإن مقتضيات الامانة تلزمني بالرد على الايحاء بأن هنالك مصلحة ما لدى السيد المالكي في موضوع تكليفي ، حيث اشهد بأن الرجل لم يطلب مني او يكلفني بأي امر فيه مصلحة معينة خاصة او عامة طيلة فترة تكليفي في ادارة البنك ، ولا التقيه الا في مناسبات عامة ، وحسبي انك تعرفني جيداً …
 
نافذة بيع العملة الاجنبية (الدولار) :-
 
قبل ان ابين القواعد التي تحكم عمليات بيع العملة الاجنبية ، اود الاشارة الى :
 
ان سياسات البنك المركزي ومنها سياسة سعر الصرف وبيع العملة وتعليماتها يضعها مجلس ادارة البنك المركزي المكون من خبراء ومختصين من داخل وخارج البنك ، ولايملك المحافظ صلاحية وضع تلك السياسات او التعليمات لذلك فأن توجيه النقد الى المحافظ شخصياً يجانب الحقيقة .
ان نافذة البيع وعمليات البيع ، تجري منذ سنوات ( بعد عام 2003 ) ، فلماذا يتم التعرض لها الان وبعد تكليفنا لمهمة ادارة البنك ، رغم ان اجراءات عديدة تم اتخاذها منذ تولينا المهمة لضبط تلك العمليات كما سيرد !
القواعد التي تحكم بيع العملة الأجنبية ( الدولار ) :
 
ان عملية بيع العملة الاجنبية (الدولار) من خلال نافذة البنك المركزي العراقي تحكمها القوانين والمبادئ الآتية :
أ‌-    قانون البنك المركزي رقم 56 لسنة 2004 ، الذي حدد في المادة (28) منه عمليات السوق المفتوحة والتسهيلات القائمة ، والتي منها ما ورد في الفقرة (ب) : الشراء او البيع البسيط غير المشروط (النقدي او الآجل) للنقد الاجنبي .
 
ب‌-    المبادئ التوجيهية الصادرة عن صندوق النقد الدولي ، والتي وافقت عليها الدول الأعضاء (ومنها العراق) ، وكان من بين تلك المبادئ عدم وضع قيود على عمليات بيع او شراء العملة الاجنبية .
 
  ج-  دستور جمهورية العراق الذي وضع الاقتصاد العراقي في اطار اقتصاد السوق والمنافسة   وحرية ودعم نشاطات القطاع الخاص ، ويترتب على ذلك تفعيل قوانين السوق ومنها العرض والطلب .
 
د‌-    قانون مكافحة غسل الاموال رقم 93 لسنة 2004 ، والذي يـلزم الـمـؤسسات المـالية كــافــة (المصرفية وغير المصرفية) بالتحري عن هوية الزبون عند فتح حساب او اجراء عمليات مالية ، وابلاغ البنك المركزي عن المعاملات التي يشتبه بها ، ويراقب البنك المركزي مدى التزام تلك المؤسسات بذلك .
 
إستناداً الى ما سلف يتعامل البنك المركزي مع عمليات بيع وشراء العملة الاجنبية على انها :
 
أ‌-    عمليات مفتوحة ويتوجب على البنك المركزي عدم تقييدها بقيود .
 
ب‌-    مراقبة المصارف والمؤسسات المالية الاخرى للتأكد من مدى التزامها بقانون مكافحة غسل الاموال وتحريها عن العملاء ومصادر الاموال لمنع استخدام القنوات المصرفية او المالية لتمرير معاملات مشبوهة قد تنطوي على جرائم غسل الاموال او تمويل الارهاب.
 
إضافة الى القوانين والقواعد التي مر ذكرها _ التي تحكم عمليات بيع وشراء العملة الاجنبية ، فأن طبيعة ايرادات وتمويل الانفاق الحكومي ، وتمويل التجارة الخارجية وسد العجز في ميزان المدفوعات ، تفرض واقعاً معيناً ومحدداً لعمليات بيع وشراء العملة الاجنبية ، حيث ان معظم واردات وزارة المالية هي بالعملة الاجنبية (الدولار) ، ومعظم نفقاتها بالدينار العراقي _ كما هو ملاحظ في الموازنة العامة للدولة _ فتقوم الوزارة ببيع الدولار الى البنك المركزي ، الذي يتولى بدوره اعادة بيعه الى القطاع الخاص ، للحصول على الدينار حيث يغطي القطاع الخاص استيراداته بالدولار المشترى ، إضافة الى تغطية الطلبات الاخرى بمختلف انواعها ، وهكذا فإن ما يقوم به البنك المركزي تفرضه احتكارية مصدر الدولار بشكل اساسي ، ومن خلاله يتم تمويل موازنة الدولة وتغطية العجز في ميزان المدفوعات ، وعندما يكون الطلب على الدولار اقل مما يحصل عليه البنك المركزي يذهب الفائض (الفرق) الى احتياطي العملة الاجنبية ، وعندما يكون الطلب على الدولار اعلى من المورد الدولاري يستخدم البنك المركزي احتياطي العملة لتغطية العجز (الفرق) ، لذلك فالاحتياطي يرتفع وينخفض تبعاً لتلك العلاقة وضمن هذه العملية يتحقق الحفاظ على سعر الصرف ، وتتحقق الوظيفة الاساسية للاحتياطيات الاجنبية . وليس لدى البنك المركزي من ادوات لخفض الطلب على العملة الاجنبية سوى رفع سعر الصرف الرسمي للدولار تجاه الدينار ، والذي يمثل خياراً صعباً لان الزيادة تنعكس في الاسعار وتزداد معاناة الفئات واطئة الدخل ، فضلاً عن تأثيره على الجوانب الاخرى .
كما ان تقليص مبيعات العملة الاجنبية للقطاع الخاص ، وبغض النظر عن تكييفه القانوني والتنظيمي ، يعني اتساع الفجوة بين عرض العملة الاجنبية والطلب عليها في السوق ، ومن نتيجته زيادة الفارق بين السعر الرسمي وسعر المشتري الاخير ، وارتفاع اسعار المستوردات ، وبالتالي ترتفع مكاسب فئة الوسطاء الى مستويات غير معقولة على حساب الاقتصاد الوطني والموازنة العامة والمواطن .
 
ومثلما ان البنك المركزي لا يستطيع التأثير في الطلب على العملة الاجنبية ، كما تقدم ، فهو ايضاً لا يستطيع التحكم بحجم العملة الاجنبية التي تصله من وزارة المالية او الجهات الاخرى (على ضآلة إسهامها) ، ولهذا السبب نقول ان البنك المركزي لا يتحكم بحجم الاحتياطيات الاجنبية، أي ترتفع وتنخفض لعوامل خارج سيطرته، وبالتالي يتوضح مما مر بأن عملية بيع العملة الاجنبية تحكمها طبيعة دورة الموارد المالية وعوامل الطلب والعرض ، ويؤدي البنك المركزي دور التوازن بينهما حفاظاً على سعر الصرف وبالتالي حفاظاً على الاسعار العامة والقوة الشرائية ، وهذه هي المهمة الاساس للبنك المركزي التي نص عليه قانونه ( الحفاظ على مستوى العام للاسعار ) .
 
ان الكلام يدور في الغالب حول سبب مبيعات البنك المركزي من الدولار (العرض) ، ولايتم الحديث عن سبب المشتريات من الدولار (الطلب) ، في حين أن البحث والتحليل في جانب الطلب يؤدي إلى تصحيح الفجوات والاختلالات الحاصلة في الاقتصاد الكلي والسياسة المالية ، وغيرها من الظواهر المؤثرة ، ان قوة الطلب على شراء الدولار يعود إلى عدة أسباب خارج إرادة البنك المركزي ، ومنها :
ضعف أو محدودية القاعدة الإنتاجية وأحادية الموارد ، وعدم وجود رؤية أو نموذج للاقتصاد الكلي ، ومن تبعات ذلك الاعتماد على استيراد السلع والخدمات بشكل يكاد يكون كلي .
هروب رؤوس الأموال إلى الخارج ، استثماراً أو ادخاراً بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني ، والتحديات الكبيرة التي تواجه بيئة العمل .
ضعف وفساد الأجهزة الضريبية والجمركية ، مما يخلق دخولاً عالية تتجه نحو الاستهلاك المفرط أو الهروب إلى الخارج وكلاهما يشكلان ضغطاً مباشراً على الطلب لشراء الدولار.
محدودية التحويلات من الخارج و الإخفاق في جذب الاستثمارات إلى داخل العراق.
ضعف الجهاز المصرفي وعجزه عن تعبئة الموارد لأغراض تنشيط القطاعات الاقتصادية ، وارتفاع نسبة السيولة لديه لإحجامه عن  تقديم القروض بسبب الأوضاع واقتصار نشاطاته وخدماته على عمليات هامشية واستثمارات محدودة .
قصور الخدمات الصحية والتعليمية والسياحية في داخل العراق ، مما يدفع الكثير للسفر خارج العراق لتلقي تلك الخدمات .
هجرة اعداد كبيرة من المواطنين إلى دول أخرى بعد بيع ممتلكاتهم وتحويلها إلى الخارج ، خاصة بعد ما تعرضت العديد من المناطق إلى جرائم الإرهاب والعمليات العسكرية .
التلكؤ الشديد في تطبيق القوانين التي تحد من سياسة إغراق السوق العراقية بالسلع المستوردة وتحفيز الإنتاج الوطني ومن تلك القوانين :
–    قانون التعرفة الجمركية .
 
–    قانون حماية المنتج المحلي .
 
–    قانون حماية المستهلك .
 
إضافة إلى الخلل المزمن في إدارة المنافذ الحدودية الذي ينجم عنه الضعف الشديد في   تطبيق القوانين والتعليمات ومعايير السيطرة النوعية .
 
ان تحليل مبيعات البنك المركزي من الدولار وتحويلها إلى الخارج على أنه يتعلق حصراً بالاستيرادات وان ارتفاع مبلغ المبيعات عن الاستيرادات المقدرة يوضع تحت طاولة الشبهات ، تحليل يهمل الأغراض الأخرى للتحويل ، فهناك نسبة مهمة من التحويلات تمثل هجرة الأموال إلى الخارج إضافة إلى أغراض متنوعة شخصية أخرى وحتى حيازة العملة الأجنبية داخل العراق .
من الأخطاء الشائعة مقارنة إيرادات الحكومة من الدولار بالمبيعات من الدولار ، حيث يفترض البعض بأن المبيعات يجب أن تتطابق أو تقل عن الإيرادات من الدولار ، من منطلق أن واردات الحكومة تتحدد بشكل أساس من بيع النفط ، وبالتالي يكون التفكير بأن الحكومة لا تنفق أكثر من مواردها النفطية ، وبالتالي من أين يأتي الطلب على الدولار .
وهنا نوضح : بأن الطلب على الدولار يأتي من العملة المحلية (الدينار) ، والكمية التي تعرض من العملة المحلية ليس مصدرها فقط استبدال وزارة المالية موردها الدولاري بالدينار ، بل أن هناك انفاق حكومي يُغطى من حوالات وسندات الخزينة والقروض المحلية (من المصارف الحكومية) والقروض الخارجية ، وعلى سبيل المثال فأن مجموع ما اقترضته الحكومة (من المصادر المذكورة) يبلغ حوالي 26  ترليون دينار لتغطية العجز الحاصل خلال سنة 2015 وهذه السنة  ، وهذا المبلغ في غالبيته يتحول إلى طلب على السلع والخدمات وهي في الغالب مستوردة ، وهكذا فأن ربط مبيعات البنك المركزي بالمورد النفطي ربط غير دقيق لأنه لم يأخذ بنظر الاعتبار عرض النقد (بالدينار) المتأتي من المصادر المذكورة ، إضافة إلى القروض التي تمنحها المصارف إلى القطاع الخاص والجمهور ، ونشير هنا إلى أن مشروع قانون الموازنة لسنة 2016 ، تضمن تمويل الموازنة بقروض وسندات وأخرى بمبلغ يزيد على 20 ترليون دينار تقريباً لسد العجز المتوقع .
 
ان انخفاض أسعار النفط بنسبة تجاوزت الـ 70 % حوالي لا يصحبه انخفاض في حصة الشركات الأجنبية المستخرجة للنفط ، لأن تلك الشركات تتقاضى حصتها من كمية الإنتاج بغض النظر عن سعر البيع للبرميل ، وهذا يعني انخفاضاً مباشراً وحاداً في المورد الدولاري للحكومة وبالتالي انخفاض الوارد من الدولار إلى البنك المركزي ، واذا اخذنا بنظر الاعتبار أن هناك ما نسبته حوالي 25% من المورد الدولاري يذهب مباشرة من وزارة المالية إلى تسديد استيرادات الحكومة والتزاماتها وديونها الخارجية فأن حجم الانخفاض في الدولار المستلم من البنك المركزي سيكون كبيراً ، ومع الاستمرار بصدور الموازنة العامة للدولة بعجز كبير يمول بشكل أساس من القروض والحوالات والسندات الداخلية ، فأن ذلك يعني انخفاضاً في الواردات من الدولار لا يقابله انخفاض في الانفاق بنفس الدرجة وتغطيته بتلك الإصدارات بالعملة المحلية أي أن الطلب على الدولار سيبقى مرتفعاً (بإرتفاع الانفاق) لا يقابله وارد دولاري بنفس المستوى ، وهذه ظاهرة مزمنة في الدول النفطية ،     ( العراق النموذج الابرز في هذه الظاهرة ) تغطيها عندما تحدث باستخدام احتياطي العملة الأجنبية ، كما حدث في سنة 2009 ، حيث بلغت نسبة مبيعات البنك المركزي من الدولار إلى واردات البنك من الدولار ، بلغت نسبة 148% ويتم تعويضها في السنوات التي ترتفع فيها الموارد النفطية.
الرقابة والسيطرة على عمليات بيع العملة الاجنبية :-
 
ان الدور الذي كان يتحتم على البنك المركزي القيام به هو الرقابة الوقائية بشكل اساسي من خلال الرقابة على مشروعية الاموال الداخلة في عمليات شراء الدولار ، من خلال تطبيق القواعد واجراءات مكافحة غسل الاموال ، وتطبيق مبدأ ( اعرف زبونك ) ، بتفعيل ماورد في قانون البنك المركزي وفي قانون مكافحة غسل الاموال لسنة 2004 ، الذي نص على تشكيل مكتب الابلاغ عن غسل الاموال ، ومع الاسف لم تقم ادارة البنك بتفعيل هذه المسؤولية وهذا المكتب رغم مرور سنوات عديدة على تشريع القانون ، بل كانت الادارة غير مقتنعة بأداء هذه المهمة ، وقد كنت ومنذ سنوات سابقة احاول مع الاخ د. سنان الشبيبي بإقناعه بأهمية وضرورة ذلك ولكن لم تفلح تلك المحاولات رغم تدخل اللجنة الاقتصادية ، وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ، وعندما تم نشر تقرير البنك الدولي في سنة 2012 الذي احتوى على اكثر من 700 ملاحظة حول وضع العراق من ناحية غسل الاموال وتم تقديمه الى منظمة العمل المالي (FATF) ، وهي المنظمة الدولية المعنية بالموضوع ، هذا التقرير كان سيؤدي الى وضع العراق في القائمة السوداء ، الامر الذي يضعه في شبه الحظر في تعاملاته المالية والمصرفية الخارجية ، وهي مسألة خطيرة جداً ، بادرت شخصياً بتشكيل فريق وطني من كافة الوزارات والجهات المعنية
 
( القضائية والرقابية ) ، وترأست الفريق لمعالجة الملاحظات التي وردت في التقرير ، والتي كان 70% منها يحتاج الى تشريع قانون جديد للمكافحة ، عملنا عليه بجهد استثنائي وتنسيق مباشر مع المنظمات الدولية المعنية ، وقد تحقق انجاز المشروع والتصويت عليه في مجلس النواب ، ولتقوية الدور الرقابي في هذا الصدد قمت ومنذ تكليفي بالمهمة بالاجراءات الاتية :
 
تفعيل دور مكتب الإبلاغ عن غسل الأموال في البنك المركزي ، وتم منح المكتب لأول مرة الاستقلال المالي والإداري والمكاني وابدينا استعدادنا للاستجابة إلى كافة المتطلبات المادية والبشرية والفنية التي يحتاجها المكتب لتقوية وتعزيز دوره ، وقد حضي ذلك بتقدير من منظمة العمل المالي (المختصة بإجراءات مكافحة غسل الأموال) .
تفعيل دور اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ويعرف جميع المعنيين بأني كنت اول من اهتم بظاهرة غسل الاموال وتوليت تشكيل وادارة تلك اللجنة في عام 2012 عندما لم توافق ادارة البنك المركزي العراقي العمل على هذا الموضوع  ، واستطاعت اللجنة وبجهود مكثفة واستثنائية من اعداد مشروع قانون مكافحة غسل الأموال وتهريب الأموال والذي تم اعداده على وفق احدث المتطلبات والاتفاقيات الدولية وبتنسيق مباشر مع منظمة العمل المالي والبنك الدولي ، وتم التصويت على المشروع في مجلس النواب ، وسيوفر القانون اطاراً تنظيمياً وقانونياً على درجة عالية لمواجهة النشاطات المالية الإجرامية .
تكثيف الجهود مع المنظمات الدولية المعنية من أجل بناء قدرات عراقية ودعمها بالخبرة  والمعلومات من أجل التعاطي مع تلك الجرائم الخطيرة ، وهناك استجابة دولية وتجري عمليات التدريب والتأهيل حالياً بشكل مكثف لموظفي البنك المركزي وموظفي المصارف المعنيين ، كما يجري السعي لإدخال كافة الجهات المعنية في المكافحة (الأمنية ، الرقابية ، القضائية والجهات الساندة ) .
العمل على تطبيق مقررات لجنة بازل (I,II,III) ، حيث الزم البنك المركزي المصارف كافة باستحداث وحدات لإدارة المخاطر ومكافحة غسل الأموال ، و تنفيذ قرار رفع رؤوس أموال المصارف إلى 250 مليار دينار ، إضافة إلى مراجعة مهام وقواعد الأشراف ومتطلبات الانضباط لتحسين الأداء في سوق الائتمان والعمل المصرفي .
التعاقد مع شركة ارنست ويونغ ، لتدقيق إجراءات بيع الدولار للمصارف وشركات التحويل وشركات الصيرفة ، وتحديد نقاط الضعف وسُبل ضبط تلك العمليات ، وتمخض عن ذلك وضع اجراءات ضبط ومراقبة جديدة من خلال برامج الكترونية ، ومنها ضبط حركة كل ورقة نقدية ( بالدولار ) وتسجيل رقمها والجهة المستلمة لها مع تدقيق متقاطع مع البنك الفيدرالي الامريكي   .
التعاون والتنسيق مع دول الجوار بشأن الحوالات، وتم مؤخراً توقيع مذكرة تفاهم مع البنك المركزي الأردني بشأن التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات ، علماً بأن كافة التحويلات التي تتم عبر الاردن والامارات العربية المتحدة تخضع لرقابة صارمة في الدولتين  .
الزام المصارف وشركات التحويل بتقديم كشف تفصيلي بالمبالغ المحولة يتضمن كافة المعلومات  المطلوبة ، ويقوم البنك المركزي بتزويد مكتب المفتش العام في وزارة المالية ، والهيئة العامة  للضرائب وهيئة الجمارك بنسخ من تلك الكشوفات لأغراض التحاسب الضريبي والمتابعة ، وتم مؤخراً تصميم استمارة خاصة يملأها المصرف لكل طلب تحويل فيها كافة المعلومات والبيانات وتزويد الجمارك والضريبة بها .
تمكنا من القضاء على ظاهرة ما يسمى (بالصكوك الطيّارة ) من خلال تطوير أنظمة المدفوعات التقنية والإجراءات الأخرى ، ومنها الزام المصارف بإيقاف العمل بتمرير الصكوك بعد مرور (3 ) أيام في حالة عدم تأكيد النظام على توفر الرصيد ، ولايجري الآن تمرير أي
صك مالم يحصل التأييد بتوفر الرصيد بغض النظر عن الفترة التي يستغرقها ، وتجدر الإشارة إلى ان البنك المركزي استطاع قبل أشهر إيقاف عمليات احتيال بهذا الشأن كان مجموع صكوكها أكثر من 400 مليار دينار ،  وقد ابلغنا ديوان الرقابة المالية عن بعض الحالات السابقة التي تنطوي على شبهات، ويعمل البنك المركزي بالتنسيق مع الديوان للتحري عن أية عمليات سابقة قد تنطوي على عمليات احتيال باستخدام المال العام للانتفاع الخاص في عمليات مصرفية ، مع العرض ان البنك المركزي يستقطع مبالغ الحوالات بالدينار العراقي من ارصدة المصارف المفتوحة لديه مباشرة وقبل تنفيذ الحوالة وبالتالي فأن
 
تلك الصكوك اذا كان المقصود منها ( صكوك بدون رصيد ) فأنها معاملات تخص المصارف الخاصة والمصارف الحكومية .
 
من أجل توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية المحلية بما يخفف من حجم الاستيرادات وبالتالي التقليل من الطلب على الدولار ، بعد أن عجزت ومع الاسف سياسات الانفاق من تعزيز وتحفيز الإنتاج المحلي ، وكانت في غالبيتها مغالاة في الانفاق الاستهلاكي وبالتالي المزيد من الاستيرادات ، من أجل ذلك قام البنك المركزي بخطوة تأريخية بإقراض المصارف المتخصصة والمصارف الخاصة بمبلغ قدره ( 6 ) ترليون دينار لتمويل المشاريع الصناعية والزراعية والعقارية والمشاريع الصغيرة ، وإذا تم إدارة تلك القروض بشكل مناسب فأنها ستكون قاعدة مهمة لتحفيز النشاطات الاقتصادية داخل البلد وخلق قاعدة إنتاجية كبيرة .
طوّر البنك المركزي ويطور أنظمة المدفوعات ومقاصة الصكوك الكترونياً واعتماده بديلاً عن غرفة المقاصة اليدوية لكافة المصارف الحكومية والخاصة في بغداد والمحافظات ، وكذلك اطلاق البنية التحتية لأنظمة الدفع بالتجزئة والمقسم الوطني ، وتوحيد المواصفات الأمنية للصكوك المسحوبة على جميع المصارف لغرض توفير حماية أكبر للصكوك والحد من عمليات التزوير .
تم التعاقد مع شركة عالمية (أرنست ويونغ) لغرض تقييم المصارف وفق نظام (CAMELS) ، وقدمت الشركة نتائج التقييم لكافة المصارف ، ويوفر هذا التقييم للبنك المركزي وللمتعاملين مع هذه المصارف الوقوف على أوضاع تلك المصارف وبالتالي اتخاذ الإجراءات المناسبة لتصحيح أوضاعها أو تقرير مصيرها ، وهو مايجري العمل عليه حالياً.
تم إبلاغ المصارف وشركات التحويل بالوصف الجديد لمهنة مدير مكافحة غسل الأموال ومعاونه ، باعتبار أن هاتين الوظيفتين من الوظائف المهمة لأي مؤسسة مالية أو مصرفية.
تم وضع معايير جديدة عند تلبية طلبات المصارف للدولار منها مدى التزام المصرف بقواعد واجراءات مكافحة غسل الاموال وتطبيق مبدأ اعرف زبونك ، ومدى التزام المصرف بتزويد
البنك المركزي بكشوفات بحركة الحسابات الخارجية للمصرف لمعرفة المستفيدين الحقيقين من عمليات التحويل ، وغيرها من المعايير ، ولايتم البيع للمصرف اذا اخل بها .
 
وفي أطار الإجراءات الردعية ، يواصل البنك فرض العقوبات والغرامات المالية طبقاً لتقارير هيئات التفتيش الميداني والمكتبي من خلال لجنة فرض العقوبات التي تضم عدد من ممثلي تشكيلات البنك المركزي ، ونشير هنا إلى أن المخالفات التي تم تشخيصها للسنوات الماضية فيما يتعلق بالتصاريح الجمركية قد اُعطيت لها الأهمية والأولوية عند تكليفنا ، واستناداً إلى
عمليات المراجعة وتشخيص المخالفات  فرض مجلس إدارة البنك المركزي عقوبات مالية كبيرة ً تصل إلى أكثر من 15% مــن رأسمــال بعض المـصارف. ولا يــتردد البــنـك الــمركزي
 
في اتخــاذ الاجـراءات الـــرادعة بـل عقوبات صارمة وبشكل مستمر وغرامات بقدر لم يعرف لها  في تأريخ البنك مثيلاً. كما ان هناك العديد من القضايا امام القضاء منذ فترة طويلة .
 
لقد تخلف العراق عقوداً من الزمن في مواكبة التطورات الحاصلة في الانظمة المصرفية والمالية وعن مواكبة المعايير الدولية لتحقيق الاستقرار المالي وادارة المخاطر وضبط اليات السوق وعن استخدام الانظمة التقنية المتطورة في ادارة العمليات والمعاملات والخدمات ، مما نحتاج فيه الى وقت كافي للوصول الى السيطرة واحكام الرقابة ، لوجود تحديات ومعوقات عديدة لامجال لسردها ( وقد تطرقنا اليها في بحث منشور )  .
 
لقد تدرجنا في معالجة الضغط على احتياطياتنا والسيطرة على عمليات البيع عبر اجراءات متواصلة ، وكان من نتائجها انخفاض مبيعاتنا النقدية من الدولار للسنة الماضية بنسبة 70% ، والمبيعات النقدية تمثل المعاملات الاخطر من كافة النواحي ، وانخفضت المبيعات الكلية بنسبة 25% ، اما هذه السنة (2016) فمن المتوقع ان يكون الانخفاض بحوالي 50% .
 
لقد تدارس مجلس ادارة البنك المركزي ، كذلك مجموعة من الخبراء والاكاديمين خيارات عديدة للتعاطي مع موضوع بيع العملة ، وكانت تتفق دائماً على ان وضع مزيد من القيود والشروط يخلق سوقاً موازية بفارق سعر صرف كبير يستفيد منه المضاربون ، ويؤدي الى رفع سعر الصرف وزيادة التضخم والاضرار بالقوة الشرائية للمواطنين كما وان قصور وفساد بعض الحلقات في الاجهزة والمؤسسات التي يمكن ان يقاطع البنك المركزي بياناته معها ، يحول دون تحقيق دورة كاملة في الرقابة  والتحقق .
 
ان البنك المركزي يزود كما بينا هيئة الجمارك وضريبة الدخل بكافة معاملات التحويل لتوفير قاعدة معلومات تكون اساساً للتحاسب الضريبي وكذلك يمكن ان تُعلم البنك المركزي في حالة
 
عدم ادخال البضائع التي غطتها عملية التحويل ، لكن مع الاسف ان تلك الاجهزة لا تقوم بدورها المطلوب ، من جهة اخرى ورغم تأكيداتنا المستمرة على ضرورة قيام وزارة التجارة بوضع منهج استيرادي يحدد المواد المستوردة وكمياتها ، ( كما كان معمولاً به سابقاً ) ، ليكون دليلاً ومرشدا للبنك المركزي في عمليات التحويل ، الا ان ذلك لم يحصل لحد الآن .
 
الإعتمادات المستندية :
 
  لقد اقترحتم في إطار السيطرة على عمليات التحويل الخارجي – إتباع اسلوب الإعتمادات المستندية , وهنا نبين ما يأتي :
 
لقد حاول البنك المركزي تحفيز هذا الإسلوب بعدة اساليب ومنها منح سعر صرف تفضيلي , إلا ان التجار – واغلبهم تجار صغار – تعودوا على طريقة الحوالات لسهولتها وقلة تكاليفها , وهذا الإسلوب متبع في دول عديدة , إلا ان المشكلة لدينا هو فقدان السيطرة والرقابة في المنافذ الحدودية لتأييد صحة الكميات الواردة ومطابقتها مع المبالغ المحولة .
إن الإنتقال الى هذا الإسلوب ( الإعتمادات المستندية ) يتطلب التدرج في تطبيقه , لتجنب ردود الفعل في سوق غير منضبطة, وخشية حدوث إختلالات في سعر الصرف نتيجة لظواهر الإستغلال والمضاربة .
     إننا سائرون بهذا ألاتجاه وفق خطة وعلى مراحل , وهنالك لجنة من الخبراء من داخل وخارج البنك المركزي تقوم حالياً بتطوير إجراءات تطبيقات هذا الإسلوب , وكخطوة في هذا الإتجاه بدأنا نميّز حالياً بين طلبات المصارف من حيث كونها إعتمادات مستندية او حوالات وتكون الأولوية لتغطية الإعتمادات .
 
 تجدر الإشارة هنا الى إن هذا الإسلوب في ظل قصور وفساد حلقات لها علاقة بالإستيرادات ودخولها , سوف يبقى قابلاً للاختراق والتحريف والتزوير, ولذلك ما لم تنهض تلك
 
الحلقات بدورها ومسؤولياتها لا يمكن الوثوق بتلك العمليات , وربما يستغلها البعض بمزيد من الإبتزاز والفساد , مثلما حصل في تجارب اخرى مرت علينا .
 
الفواتير المصطنعة :
 
اشارة الى ما اوردته بشإن الفواتير غير الصحيحة , ابين الآتي :
 
إن ظاهرة الفواتير ( المفبركة ) غير الواقعية لها (3) أسباب :
 
السبب الأول : ان البنك المركزي لحد الآن – لم يضع تحويلات اموال المواطنين الى الخارج
 
( ادخاراً او استثماراً في الخارج ) , لم يضعها في قائمة ما يغطيه من طلبات على الدولار , ومع وجود ظاهرة إخراج الأموال الى الخارج بسبب الظروف المضطربة والقلقة للبلد , وضعف التوجه نحو الإستثمار والإدخار الداخلي، فان طالبي التحويل يقومون بتحويل تلك المبالغ عن طريق إختلاق قوائم تجارية , وهذا يتطلب حسم الأمر قانوناً في ما يتعلق بالسماح لتحويلات رأس المال الى الخارج , الذي ما يزال قيد الدراسة و المناقشة في داخل البنك المركزي ومع صندوق النقد الدولي .
 
السبب الثاني : إن حجم التجارة مع ايران يصل بحدود 10 مليارات دولار , وهذه العمليات التجارية غير مسموح تنفيذها عبر الحوالات او الإعتمادات بالعملة الأجنبية بسبب الحظر الدولي والأمريكي , لذلك يتم لجوء طالبي التحويل الى اجراء عمليات التحويل عبر طرق اخرى تمر بحلقات تحويل وبقوائم تجارية اخرى , غير الحقيقية . لذلك رغم الحجم الكبير للاستيرادات من ايران , لا نجد فواتير لها في الواقع .
 
السبب الثالث : التهرب الضريبي الذي يدفع الى تغيير البضاعة المستوردة في القوائم لدفع رسوم أقل او إعفاء من تلك الرسوم , ومثال واحد على ذلك لا نجد فواتير لاستيراد السيارات او ربما بعدد قليل جداً رغم إن استيراد السيارات يمثل رقماً ضخماً واساسياً في عمليات الإستيراد .
 
إن حجم الفساد والتحريف والتزوير في القوائم التجارية والتصاريح الجمركية هو السبب الأساس في تعقيد هذه العملية وصعوبة السيطرة والرقابة عليها , وهو الذي يفسح المجال امام المزيد من التلاعب كما يفّوت الفرصة امام تطبيق التعليمات والإجراءات التي يضعها البنك المركزي بل تحولها تلك الحلقات الى مكاسب خاصة عبر عمليات الإبتزاز والمساومات .
 
الكفاءة في إدارة البنك
 
     في تعرضك لكفائتي في إدارة البنك من الطبيعي ان لا أكون حاكماً على ذلك , ولكن إن اردت الموضوعية وهذا عهدي بك , فبالامكان التحري عن ذلك من كادر البنك المركزي ومجلس إدارتة ومن الجهات ذات العلاقة ومنهم , صندوق النقد الدولي والبنك الدولي , ومنظمة العمل المالي , والخزانة الامريكية , والبنك الاحتياطي الفدرالي , وديوان الرقابة المالية , ومكتب التدقيق العالمي الذي يدقق البنك , كما ادعوك لقراءة استراتيجية البنك لسنوات 2016_2020 التي تعد اول استراتيجية تصدر عن البنك المركزي , من حيث الاعداد والعرض والمحتوى والمبادرات , والتي أُعدت على وفق افضل معايير وأساليب التخطيط الستراتيجي وتحمل أهدافاً تتوافق وادوار البنوك المركزية الحديثة ولاول مرة كما إن سيطرة البنك المركزي على مستوى التضخم وبمستوى تاريخي ( بحدود2% ) في مقابل كل الظروف المحلية والاقليمية والدولية يُعد انجازاً استثنائياً بكل المقاييس , كما يمارس البنك ولاول مرة دوراً متميزاً في دعم وتحفيز الاقتصاد , فضلاً عن تفعيل دوره في الدخول في السوق الثانوية لشراء الحوالات مما يدعم مواجهة الأزمة المالية , وإن شئت اُطلعك على تفاصيل هذا الدور الذي لولاه لكان البلد اليوم في مأزق كبير وتداعيات خطيرة .
 
أخيراً .. مازلت اتمنى عليك الحوار المباشر والاطلاع الميداني على عمل البنك وسنفتح لك كل ماتود معرفتة او الاطلاع عليه … مع خالص التقدير .
 
علي محسن إسماعيل العلاق
 
محافظ البنك المركزي العراقي وكالة
 
 
 
 
 
 
 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=76246
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28