عند التامل في هذا المصطلح ( عقلية القطيع ) تتجاذبني عدة اتجاهات في الكتابة ، منها ما بجرني الى بيان مفهومه و اصله و كيف يحاول هؤلاء االملتبسون سحب خصائصه على المجتمعات المتدينية، بتمحل و تكلف غير مدعوم بالرؤى العلمية لعلم النفس و الاجتماع.

 فهو مصطلح مقتبس من علم الحيوان و يعني: انصياع الفرد في سلوكه مع سلوك المجموع بدون تفكير او تامل، فمثلا عندما تفر مجموعة من الابقار لوجود حيوان مفترس فانها تسلك هذا السلوك بشكل جماعي بحيث ان الحيوانات التي لم تستشعر هذا الخطر تتعاطى مع الموضوع بشكل تلقائي لمجرد ان المجموع قد سلكه ، و كما هو واضح فان هذا المعنى مختص بعالم الحيوان ، نعم ، استخدمه بعض علماء الاجتماع و علم النفس لوصف حالة المجموعات البشرية في المظاهرات الحاشده مثلاً عندما تتحول الى مظاهرات عنفية و فوضوية بما يعرف بعلم نفس الحشود ، و لكن هذا بعيد جدا عن الحالة الايمانية التي هي في اغلب حالاتها اوضاع هادئة و مستقرة هذا من جهة.

 و من جهة اخرى فانهم – الملتبسون – يستغلون الشبه القائم بين هذا المصطلح الماخوذ من علم الحيوان و المصطلح المستخدم في علم الاجتماع  المعروف بـ (الضمير الجمعي) او ( الوعي الجمعي)، و وجه الشبه هوالسلوك الجماعي المتماثل للمجموعة، الا انه في المجموعات البشرية و كما يفسره من ابتكره، وهوعالم الاجتماع والنفس الفرنسي إميل دوركايم(1858-1917) حيث اشار به الى المعتقدات والمواقف الأخلاقية المشتركة والتي تعمل كقوة للتوحيد داخل المجتمع، يسير بعكس المصطلح الاول بصورة كاملة، فبينما ينطلق مصطلح علم الحيوان من السلوك الجماعي المشترك الى الاعتقاد و الوعي الفردي، بمعنى ان الوعي و الاعتقاد ناشئ و مبتني على السلوك، بينما نجده في المصطلح الاجتماعي ينطلق من الوعي و الاعتقاد المشترك لينتج سلوك جماعي، بمعنى ان السلوك الجماعي مبتني و ناشئ من الاعتقاد و الوعي الفردي المشترك، وهذا الفرق شاسع و كبير بين المصطلحين كماهو واضح.

و بعبارة اخرى ان افراد المجتمع المؤمن قد كونوا عقيدتهم و وعيهم كافراد أولاً بعيدا عن عقيدة و وعي المجموع، و لكون السلوك و التصرف و الفعل لكل فرد هو نتاج وعيه و عقيدته و مبتني عليهما، فمن المنطقي و الطبيعي ان يكون تصرفهم و سلوكهم مشترك ...يتبع