• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ماذا يعني سرقة ثورة الربيع؟ .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

ماذا يعني سرقة ثورة الربيع؟

لا زال السؤال يعيد طرح نفسه بإلحاح: هل هي ثورات مفتعلة تآمرية أم هي فقط ثورات تمّت سرقتها؟ فقد كان الجواب عن هذا السؤال يستند ليس على المعطيات والتحليل العميق لصيرورة التحولات التاريخية والاجتماعية، بقدر ما يستند على مغالطات تكمن خلفها ألاعيب أممية..ليس للمؤامرة هنا موضوع لأنّ التراشق بهذه التهمة لم يعد له من أهمية في هذا اللجاج الذي وسم مرحلة ربيع عربي مغالط. يكفي أن تجد دهاقنة الربيع ومستثمريه من القادة الذين تم انتقاؤهم بعناية من مبولات الحانات أو سراديب الظلام، حينما يريدون دفع التهم عن كل المعطيات التي تؤكّد على ارتباطاتهم الإقليمية والدولية التي ندرك الكثير من معطياتها، لا يجدون غير التذرّع بعبارة: أنتم أصحاب نظرية المؤامرة..لقد أصبحت نظرية المؤامرة مفهوما أجوفا مائعا مفرغا من كل معانيه سوى عنصر حجاجي يستعمل للهروب من الموقف..هذا بينما حينما يتحدّثون عن محور الممانعة العربية يتسامحون حتّى الثمالة مع كل صنوف التهم والظنون فترقى نظرية المؤامرة إلى حالة السكر حينما يتعلق الأمر بما يسمونه مضادات الربيع العربي..والحقيقة أنّ نظرية المؤامرة هي نظرية حقيقية..بل علم كامل القوام..ولكنه يستعمل هنا من وجه في نوع من الكيل بمكيالين.. ازدواجية المعايير لدى منظّري الربيع العربي أصبحت ظاهرة ملازمة لكل مواقفهم من الأحداث والأفكار..الربيع العربي الحقيقي يعاني من مشكلتين: إمّا أن يجهض ويقاوم بعنف كما حصل مع نماذج كثيرة اعتبر فيها الحراك الاجتماعي مؤامرة..وهذه من مفارقات الربيع العربي حيث لا زال الكثير من دهاقنته يعتبر ما جرى في البحرين مثلا مجرد مؤامرة إيرانية، وإمّا يستعجل ضمن مخطّط جيوستراتيجي الهدف منه بتر الثورة عن سياقها التاريخي الطبيعي مما يفقدها الكثير من عناصر الجدوى والمصداقية والنفاذ..هكذا استعجلوا الثورة ووضعوا لها سياسات وأغراض وقادة تربوا في مراكز أعدت لهذا الغرض وأخضعوا لعميلة غسيل دماغ بالغة الذكاء..هذه الكائنات المسرنمة التي لا تحسن النظر والتأمل سوى ترديد هوسي: حرية..حرية..ارحل ..ارحل..ولكنها تبتلع لسانها أمّام القضية الأساسية التي تشكل الشرط الموضوعي للحرية، ألا وهي قضية التحرر الوطني..الجاهلون بالتطور التاريخي لفلسفة الثورة والحرية حتى في أوربا يجهلون أنّ الشعور الوطني ظهر مع ميلاد الأزمنة الحديثة قبل أنشوذة الحرية بمعناها المتطور من التأسيس إلى حالة التفنن في الرغبة..لقد غاب خطاب التحرر الوطني من أدمغة الربيعيين بل فجأة تشكل في أذهانهم إحساس غريب مفاده أنّ التحرر الوطني معيق للتحرر الاجتماعي..تراجعت القضية الفلسطينية إلى أدنى مستوى في اهتمام الملّة الربيعية وبدت القسوة الجامحة لتدمير النظم يقابلها تسامح رهيب مع أرباب الاحتلال..كان برنار هنري ليفي وهو يتسكّع في طرابلس يسمع من بين حوارييه الربيعيين من يقول بأن القذافي من أصول يهودية بينما ـ والتعبير لبرنار هنري ليفي نفسه ـ لم يلتفتوا إلى أن برنار هنري ليفي هو أيضا يهودي..سعار التطبيع مع إسرائيل تطور بشكل ملفت خلال الفترة الربيعية..ففي تونس التي كانت الثورة بالنسبة إليها حاجة تاريخية سرعان ما انقضّ عليها من لم يشاركوا فيها..ليس هنا سرّاقا للثورة غير الذين سرقوا أمل الشعب في بدايات الحراك..لقد اجتهد الغنوشي ليتماهى بالخطاب مع الناتو..وهكذا قدّم كل معاني حسن الطاعة للناتو والتي تعني: أنّ تحدد موقفك من القضية الفلسطينية وأن تقدم عربونا على تسامحك مع إسرائيل..يكفي للتدليل على تراجع الموقف من القضية الفلسطينية التصريح بعدم أولويتها..كما يكفي عربونا على التسامح مع إسرائيل تقديم خطاب من منبر إيباك..ولا زال الغنوشي يداري إسرائيل حين كان وجماعته قد صمتوا لمّا تمّ تصديق وزراء خارجية العرب في تونس على قرار مجلس التعاون باعتبار المقاومة اللبنانية منظمة إرهابية..عبارة سرقة ثورة الربيع العربي برزت في تلفزيون الجزيرة..وبالتالي كان المشرف الأول على هذه الثورات يعتبرها حقّا محفوظا له..وأنّ الثورة حين تم تحويل مفاعيلها لمخطط جيوسياسي إقليمي آخر عدّ ذلك سرقة..لنتحدّث إذن عن أنّ الأمر هنا يتعلق بسرقة جيوسياسية بين اللاعبين الذين تنافسوا على احتواء الربيع العربي بعد أن أذن الراعي الأمريكي بتحريك المياه الراكدة في المنطقة العربية..تحريك يهدف بناء جسور الثقة بين أمريكا والجمهور العربي المتعطّش للحرية والحقوق..ولكنهم شارطوه بطريقة غير مباشرة على هذه الحرية والشروط..ربيع انتقائي ومشروط وله خطوط حمراء تقوده إلى التنازل عن حقوق أخرى لا زال دهاقنة الربيع العربي عاجزون عن تهجّيها..إنّ زعيق هؤلاء الربيعيون ينتهي حين يصل الأمر إلى إعلان الموقف من الاحتلال..هم يدركون بالغريزة والانتهازية أنّ المشرف الإقليمي والدولي على ثورتهم يرفض منهم أن يصبحوا مقاومين للعبة الأمم..هي مقايضة موضوعية بين حرية شكلية لا تتعدّى انفراجات في واجهة المجتمع المدني وتدبير السلطة مقابل تنكّر تاريخي لتحرر اجتماعي لا زال لم ينجز بعد، ومن دون إنجازه سنكون عبيدا في صورة أحرار..أحرار في لعق الأي سكريم ولكن عبيد في قول لا للاحتلال..لا توجد سرقة للثورة بقدر ما هناك سرقة بين السراق للمسروق..وربما وكما يقول المثل: إذا اختلف السارقان ظهر المسروق..فالثورة سرقت منذ الوهلة الأولى حين أخرجت عن السياق الطبيعي للثورات التاريخية..لقد تاجروا في معاناة الإنسان العربي واستهتروا بالقطيع الجماهيري الذي يجهل تفاصيل لعبة الأمم واستغلوا رعبتهم في التغيير، وكل هذه الرغبات كانت تابوها للرجعية العربية ولا زالت تابوها للرجعية العربية حينما يتعلق الأمر بمجتمعاتها..ربيع جعل التعايش مع التطرف ممكنا..وكادوا يوما في مؤتمر أصدقاء سوريا أن يمرّروا مخطّطا بمقتضاه كانت ستكون النصرة مدافعا عن الشعب السوري، وهي الخطة التي أخفقوا فيها..وكان القرضاوي الذي يدعم مسار الحريات والديمقراطيات هو من يبارك للنصرة ، حتى أنّ المؤذّن سابقا ـ أحمد منصور ـ الذي أظهر الكثير من التمسرح الثوروي في ميدان التحرير وغيرها من الساحات هو نفسه الذي حرص أن يقدم الجولاني للجمهور العربي في لقاء تلفزيوني وفي سياق بروباغوندا الربيع العربي..قلت المؤذن، لأنّه كذلك ولكن للتذكير بحقيقة :(ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون)..جاء أحدهم إلى أحد الصلحاء وسأله: رأيتني أوذن، فقال له إنك ستحج..وجاء رجل آخر وقال له: رأيتني أؤذن، فقال له أنت سارق..وحين اندهش الحاضرون كيف كانت الرؤية واحدة والتأويل مختلف، قال لهم الرجل الصالح: لقد تفرست في وجه الأول فودته رجلا صالحا ، فأولتها بقوله تعالى:(ووأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق..) وتفرست في الثاني فوجدته رجلا غير صالح فأولتها بقوله تعالى:(ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون)..إنّنا بعد أن تفرّسنا في وجوه دهاقنة الربيع العربي وفككنا خطابهم وحللنا فصالهم ووصالهم وارتباطاتهم ومنحنيات مواقفهم وأفكارهم، أوّلنا بالربيع الكاذب، المسروق..يكفي أنّ مؤذّنا فاسدا تغنّى به لنؤوّله : (ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون)...




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75364
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28