• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : سرطان المخ أهون عليه من الم العراق .
                          • الكاتب : عقيل العبود .

سرطان المخ أهون عليه من الم العراق

من الصعوبة ان يعود صاحبي الذي أصيب بورم سرطاني في مخه الى وضعه القديم، فدوامات الشعور بالالم باتت تأخذ بالتزايد بين الحين والحين، تفترس حالات استقراره، تستفزه، تنهش فيه حتى مع لحظات النعاس والاسترخاء، لكنه رغم ذلك لم يكترث، فهو سيودع الحياة أسوة بغيره، هو لم يختلف عن هؤلاء الذين يفارقون الحياة كل يوم؛ 
 فالم الراس ربما أهون عليه من استغاثات ضحايا الوطن الذي ألمت به الفواجع، وأثقلته الجراح، وحياته لا تساوي ذرة صغيرة من تراب نخلة زرعها الطيبون ذات يوم لتنبض بالوجع الكبير. 
 
 
رغم ان روحه ربما تكاد تكون اكثر هيبة من أرواح أولئك الذين تحصدهم كل يوم أحزمة الموت المفخخ بفتاوى القتلة، خاصة وهو يعيش في بلد يوفر له  جميع مستلزمات الحياة من مأكل ومشرب وعلاج وتعليم عالي، حتى هذا الأمان الذي حرم منه ابناء جلدته  في وطنه الام، تلك البقعة من الحرائق والأشلاء، ذلك الخراب الذي يستنزف كل يوم آلاف الأبرياء، حتى مقبرة النجف تلك التي ذاق ترابها ومائها يوم كان صغيرا، يوم كان يزور الموتى ويحضر مع أهله مراسيم العزاء، لم يساوي لحظة أمان واحدة في بلد منحه اللجوء، بكل ما تحتويه كلمة اللجوء من معنى، حتى المقبرة التي أوصى ان يدفن فيها في بلد اللجوء،  تكاد ان تكون اكثر أماناً من مقبرة النجف التي يعبث اليوم فيها حتى بقبور الموتى.
 
 
هو لا زال ينصت الى نواعي امه التي كانت دائماً تتذكر شقيقه الذي مات صغيرا على اثر حادث مؤسف، اللون الأسود بقي هكذا ماثلا أمامه الى يومنا هذا،  كما تلك التي ما زال يشاطرها الحزن والبكاء، لم يتذكر الا بقايا نظرات اكتحلت كما ثوب امه بلغة السواد. 
اليوم بعد ان كان يحلم كما غيره بوطن امن، صار يخشى كما غيره وطنه الذي لم يزل يشتاق اليه.
 
 
تلك الخارطة التي لم يبق منها الا اسم وذاكرة وأصدقاء، الا تواريخ انشطرت ليودع بعضها الاخر على حين غرة، وبوابة هي الاخرى آلت الى الرحيل والسقوط، لذلك بعد ان أسترسل في حكايته مع نوبات الالم المتصدع، صار عليه ان يحمل أنباء همه الصغير عبر نافذة اعتاد ان يطل عبرها على الاخرين، وبذلك ترتب عليه ان يعد لتجربة تكاد ان تكون أقوى أوأكثر جبروتا من المرض، فكل شيء يهون لاجل هذا الذي لولاه لم نكن، ولا نكون.  



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75233
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28