• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عِناقُ الحب ولودٌ ودود .
                          • الكاتب : د . سمير ايوب .

عِناقُ الحب ولودٌ ودود

منذ أن تنامى وعيي بألأيمان برب كل الناس ، عَوَّدْتُ روحي ، على أن أنتبذ ونفسي صبيحة بعض ايام الآحاد ، مكانا في اقرب الكُنُسِ لي حيث اكون . ألأحد الماضي ، مبكرا كنت اجلس وحدي ، على مقعد خشبي انيق ، في احد كُنُسِ مدينةِ مأدبا . استمع لترانيمَ الصلاة مُطاطِئ َالرأس إيماناً وإحتسابا ، مُنصتاً ومستمتعا بما أسمع ، ومستغرقا بمقاصد الرب فيه . قبل نهاية الموعظة سمعتُ نشيجاً مكتوماً بالقرب من يسار رأسي . أدرته باحثا عن مصدر البكاء المحزون . إلتقت عينايَ بعينين يغشاهُما دَمع . عَرَفته على الفور . إنه فادي إبن عبد الله ، رفيق لي في النضال ، لسنوات طوال . شابٌ أظنه في الأربعينيات من عمره ، مهندس طيران على سفر دائم . تغامزنا وانا اطبطب على كتفه بحيرة حنونة . وما ان انتهت مراسم الصلاة ، حتى خرجنا مسر عين يدا بيد ، وانتحينا شجرة زيتون رومانية وارفة ، وتحتها جلسنا على دكة من صخر ، وقبل أن أسأل ، ناولني فادي وهو حزين ، مخطوطة زهرية اللون ، مطوية باناقة ولها شذى ناعم . فضضتها ، و تبصرت ما فيها وكان ما يلي كلُّ ما إحتوته : 
فادي !!!
شاء الله أن يُؤلِمَني بك . فَرزقَني فُرصةً إلتقيتُك بها ، خِلسةً عن قلبي . لَيْتَها ما كانت تلك الساعة . أتمنى على مُقَسِّمِ الأرزاقِ في الحب ، أن يُشفِيَني منك . كما كان قد إبتلاني بك وأشقاني . سأقول لقلبي إن جاء يسألني عنك : لا تَسَلْ عنه ، أضَعتُ عِنْوانَه. فكما تُجيدُ أنت حماقاتُك ، أجيدُ انا فنونَ الأنتظارِ والنسيان . 
عاجلته بسؤال ، ما هذا ؟ ومن هذه ؟
قال وقد تثاقل لسانه ، وفي عينيه شئ من الغيم : من لوريس زوجتي ، التي كُنتَ أنت ، قبل اكثر من 15 عاما ، قد طلبت يدها لي للزواج . وصلني بالبريد السريع ، قبل اغادر البيت الى هنا . فهي في زيارة لأهلها في الزرقاء ، غاضبة منذ اسبوع .
سألت مُستطلعا بدهشة ، عما أوصل الحبيبين العاشقين الى هذا المكان . فقال بتثاقل :
منذ تلك الومضة ِاحببتُها . إلتقيتُ نفسي فيها . وذُهِلْتْ عن مثالِبِها . بل ونَسجتُ في مداراتِها صومعتي . وإتخذتُ من قلبها غارَ حِرائي . رافقني حبها مطولا دون ان يَرفِقَ بي . أكتَوي بها إن غابت ، وأكتوي بها إن حضرت . ودائما هي مُعاتِبَةٌ بلا وُدٍّ . وعِتابُها كَشِباكِ الصيادين ، كُلُّه نوافذ تفتح على كل شئ . عِتابُها تَحْمِلُه عيونُها ولِسانُها وتضاريسُ جسدها . أحاول جاهدا ، أن اخفي حزني الموجوع عن كل من يعرفنا ، ولكني فعلا حزين حد التشبع .
قلت مُخَفِّفاً عن فادي : إعلم يا ولدي ، بأن الوجع أحيانا نصيب ، وأحيانا حصاد ٌ مُرٌّ لما كانت قد جَنَتْهُ يدانا . يمكنك بالطبع ان تحزن امام معارفك ، بإسمِ مستعار كما يقولون . ولكنك في النهاية لا تقدر على الحزن بقلبٍ مستعار . ففي قلب كُلٍّ منا مغارةٌ لعلي بابا ، مُغلَقَة ُالأبوابِ والنوافذ . نخشى طَرْقَ بابها ، أو التَّلَصُصَ عبر شئ من نوافذها ، حتى لا نبكي حزنا .
قال : هل أعاتِبُها ؟
قلت :شرط ان تعلم ، أن كل السواقي في مواسم العتابِ الصاخبِ ، تُصبحُ من المنبع الى المصب وِديانا مُزَمْجِرَه . 
كلما إشتد غبارُ العتابِ او ضبابُه ، عابثاً ومُخَلخِلاً لأنسجامَكُما ونسيج علاقاتِكُما ، غُضَّ الطرفَ ولو مؤقتا . وإجعل لنفسك الصمتَ آيةً . ثم إستولِدْ هُ وفق آداب الخصام . رتبه واقترب من لهيبه . وإلتصق به وراقصه حينا . وأحيانا تقوقع بصبره وتهجد ، والتقي بحزنك فيه . فلا قيمة لصبر لا يحتوي حزنك ، ولا ينتصر لمعاني ولمباني الحب . فالصمت الجميل كالصبر الجميل ، سبب لكل جميل في المشاعر .
قال محتارا : إذن ؟!
قلت مُبتسما مُواسيا ومشجعا : قُمْ إليها يا فادي . إقتَحِمْ غَضَبَها . ولا تحصر هذا الأقتحام ، في جغرافيا ابجديات هذا الغضب . فللغضب الموجوع كالحب الموجوع ، وجوه كثيرة اخرى . 
قل لها بصدقٍ تعنيه ، وكأنك امام مِنَصة القضاء : أحبك ومكانك فارغ . قَبِّلْ راحة يَدِها . وإحمل الدفء الى عينيها . إحتضنها لأكثر من 21 ثانية . دون ان تنسَ ولو للحظة ، ان فمك ليس للثرثرة فقط . إنثر مشاعرَكَ في كل أماكنها وأبجدياتها . وإجعل صهيل أصابعك ، يسابق سنابِكَ لسانك . وتذكر ان الحب لا يُستدامُ إلا بالعناق الصادقِ الحَنانْ . وإعلم ، ان العناق الصادق ، يتوالد ويَسْتَنْبِتُ نفسه ، عشرات المرات . فهو كالحب الصادق ولود ودود .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75146
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29