• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وتلك الأيام نداولها .
                          • الكاتب : صالح الطائي .

وتلك الأيام نداولها

نتيجة الأزمة المالية الخانقة التي يمر بها العراق، والتي أسهم في حدوثها: انخفاض أسعار البترول إلى مستوى متدني جدا.. واستشراء الفساد المالي بين طبقة السياسيين النافذين.. والكلفة العالية للإنفاق العسكري للتصدي لداعش المجرمة.. وتوقف كافة المعامل الإنتاجية العراقية.. وعدم دخول موارد مالية من التجارة والسياحة.. وزيادة الإنفاق الحكومي والأهلي.. وأخيرا التبذير الكبير والإنفاق غير المحدود في المؤسسات الرئاسية والبرلمانية والوزارية لأغراض الإيفادات والضيافة والاستجمام وكثرة الحمايات والحبيبات. 
نتيجة ذلك اقترح بعض السياسيين أن يتم استحصال مبالغ طائلة من الشعب تسير باتجاهين: الأول: تخفيض الرواتب عن طريق تنوع الاستقطاعات. والثاني: زيادة مبالغ الرسوم المتنوعة التي تستقطع من المواطن تبدأ من أجور الماء والكهرباء، ولا تنتهي برسوم العلاج في المستشفيات الحكومية ولا في منع الشعب من أكل النستلات والموطات والمكسرات، واستخدام الأجهزة الكمالية والمواد التجميلية.
ولبد وأن الذين اقترحوا هذه المنافذ المؤذية كانوا قد سمعوا أو قرأوا عنها في تاريخنا، وكيف أنها أتت أكلها بيسر، لكن الظاهر أنهم لم يسمعوا، ولم يقرأوا تتمة القصة، ولذا أورد لهم القصة كاملة كما وردت في كتب التاريخ لعل وعسى أن ينتبهوا من غفلتهم ويراجعوا حساباتهم ويثيبوا إلى رشدهم قبل أن يكون مصيرهم مثل مصير نجاح بن سلمه والعياذ بالله.
تقول القصة إنه في عام 245 هجرية احتاج المتوكل على الله العباسي إلى المال لا لتسليح قواته الغازية، ولا للترفيه عن شعبه الجوعان؛ الذي سرق الخلفاء والمماليك قوته، وأفلسوه، ولا لنشر الثقافة في المجتمع، ولا لبناء مدارس ودور علم، ولا حتى لتحرير المسلمين الأسرى لدى الروم؛ وهم بأعداد كبيرة من الرجال والنساء، وإنما احتاج المبالغ الطائلة لبناء القصور؛ التي أراد تأسيسها بسامراء، تماما كما فعل القائد الضرورة صدام في أيام العوز والحصار والحرمان، حينما أنشغل ببناء القصور والعربات المصنوعة من الذهب الخالص؛ التي تجرها الخيول. 
وفي ذلك الوقت، كان نجاح بن سلمه على ديوان التوقيع والتتبع على عمال الخليفة، أي بمنصب المفتش العام للقصور الرئاسية والوظائف الحكومية. وبحكم منصبه الرفيع هذا، كان نجاح مخشي الجانب، نافذ الكلمة، فقال للمتوكل: أُسَمِّي لك قوما تدفعهم إليَّ حتى استخرج لك منهم من الأموال ما يكفيك لبناء مدينتك. وسمّى له نحوا من عشرين رجلا، منهم موسى بن عبد الملك وخليفته الحسن بن مخلد وخليفته وعبيد الله بن يحيى الوزير وأخواه وغيرهم من العمال، فأعجب ذلك المتوكل، وقال له: بَكِّر إليَّ غدا لنتداول في الموضوع.
فشعر بطانة الخليفة بالخطر الماحق المحيط بهم، فانبرى الوزير وناظر المتوكل فيما اقترحه نجاح، فقال له فيما قال: يا أمير المؤمنين، أراد نجاح أن لا يدع كاتبا ولا قائدا ولا وزيرا ولا عاملا إلا وأوقع بهم. فمن يقوم بالأعمال يا أمير المؤمنين إذا خسرت كل هؤلاء؟!
قال هذا التحذير، وخرج من عند الخليفة، فدعا موسى بن عبد الملك والحسن بن مخلد، وقال لهما: إن دخل نجاح إلى أمير المؤمنين دفعكما إليه، فقتلكما، وأخذ ما تملكان من المال، ولكن أكتبا إلى أمير المؤمنين رقعة تتقبلان به فيها بألفي ألف دينار، ففعلا، وأعطياه الرقعة. وأوصل الوزير رقعتهما إلى المتوكل، وأعانهما بالقول على القبول، ثم ادخلهما على المتوكل، وحجب نجاحا، فضمنا ذلك المبلغ للمتوكل. وحينما اطمئن الخليفة إلى فرصة حصوله على مال سهل، أراد التخلص من نجاح، فدفعه لهما ليفعلا به ما يحبان، فأخذاه هو وأبته وانتقما منه شر انتقام، وأخذا منه نحو مائة وأربعين ألف دينار، سوى قيمة صورهما وفرشهما ومستغلاتهما بسامراء وبغداد.
فسبحان من قال: {وتلك الأيام نداولها بين الناس}، فهل سينتبه الناس أن الأيام دول، أم أنهم سيبقون سادرين غير ملتفتين إلى ما تجلبه الأيام في دورتها؟! 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74973
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19