• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التعيين الانتخابي فساد برعاية رسمية؛ هتك مؤسسات واقتصاد الدولة .
                          • الكاتب : د . عبد القادر القيسي .

التعيين الانتخابي فساد برعاية رسمية؛ هتك مؤسسات واقتصاد الدولة

المشكلة لدينا في العراق هي الفساد المعارض للعدالة، الذي وصل الى مرحلة خلق منه سلطة موازية للسلطة الرسمية، وقد يكون موظفاً صغيراً او فراشاً اقوى من سلطة المسؤول، والفساد من نوعان، فساد الحيتان الكبيرة المتآلفة مع الكتل السياسية المتنفذة، وفساد السمكات الصغيرة في كل دائرة حكومية، ولدينا هيئة للنزاهة ومفتش عام ، ولكن بحكم ضعفهما القانوني والسياسي، فإنهما مسخرتان لتتبع الفساد الصغير ولا يمسان الحيتان، وآلية عمل هيئة النزاهة هو العقاب كرادع للفساد، ولكنها تفتقر الى الآليات التي تعالج بها حواضن الفساد.
السمكات الصغيرة الفاسدة تستطيع ان تفلت من شباك النزاهة لأنها تسبح في بحر هائل من البيروقراطية، وهي بيروقراطية امست غير مهنية ومفتقدة لقيم الخدمة، وقد خانت امانتها الا وهي تسهيل حياة المواطن.
التعيينات في المواسم الانتخابية تَفنن يمارسه سياسي السلطة
اعيد بناء مؤسسات الدولة الانتقالية فيه بشكل عشوائي وغير مدروس في غير القليل من المجالات، وتورمت هياكل ومؤسسات الدولة بشكل لا مثيل له، أكثر من سبعة ملايين موظف، وصاحبه عجز شامل في اداء الواجبات الاولية، على صعيد الامن والخدمات وإدارة الدولة وغيرها.
ان الموظف محمي ضمن منظومة بيروقراطية مترهلة، ولا يخاف على وظيفته، لأن الاتجاه السائد هو اضافة في التعيينات؛ لأنها اصبحت آلية سياسية يرام بها تعزيز النفوذ السياسي لدى حزب معين او مسؤول مهم جدا.
ولأن التعيين والتوظيف أصبح سلاح سياسي، دائما يتزامن بإصدار تعيينات جديدة تعلن عنها الوزارات المختلفة، مع قيام الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية، فخرجت الوظيفة الحكومية من اطارها الخدمي الى أطار آخر، فالوظيفة اليوم تعني راتب جيد، وتقاعد مضمون، وعمل سهل، وبالنسبة للكثيرين، فرصة للفساد والربح، وبالنسبة للسياسي هي تحشيد اصوات من تكرم عليهم بتعيين ما.
أنَّ التعيينات في المواسم الانتخابية، تقتصر على قوائم مُحددة بأسماء، بعيدا عن مفاهيم الوطنية وتعد تجسيدا صارخا لإساءة استعمال السلطة العامة وتسخير الوظيفة العامة للكسب الخاص.
ومنذ عام 2003 الى اليوم تم اضافة ملايين التعيينات في الجهاز البيروقراطي، وتتفاوت التقديرات بين مليوني الى ثلاثة ملايين وظيفة جديدة تم اختلاقها ودفع ثمنها من الميزانية، التي كبل نصفها او أكثر، بدفع رواتب الموظفين.
 دوائر الدولة العراقية المترهلة تعاني من تخمة في الموظفين أثر موجات من التوظيف القائم على دوافع سياسية انتخابية وظاهرة المحسوبية، فعدد التعيينات في الدولة تجاوزت في السنوات الماضية 120% عن حجم الجهاز البيروقراطي في زمن النظام السابق، واكبتها طفرة في الرواتب وصلت الى حد 400 بالمئة في بعض الفئات، في حين ان حاجة العراق الفعلية هي مجرد 15 بالمئة من هذا العدد لغاية ادارة الدولة وتوفير الخدمات اللازمة.
وكشف تقرير للأمم المتحدة صدر قبل فترة ان اعداد الموظفين في المؤسسات والدوائر الحكومية العراقية تضاعفت منذ العام 2005 بحيث باتت تشكل حاليا 43% من مجموع الوظائف في العراق.
هناك ترهل في دوائر الدولة مخيف وتضخم حقيقي، خاصة في اعداد المفصولين والشهداء السياسيين الذين وصلت اعدادهم الى حوالي(أربعون الف) واعداد الحمايات الهائل، وأعداد المتقاعدين تراكمت وتكلف ميزانية الدولة مبالغ كبيرة، والعراق تفرد بين دول العالم بصرف راتب تقاعدي لعضو البرلمان وعضو مجلس المحافظة وعضو المجلس المحلي حتى وان كانت خدمة بعضهم اياما أو شهورا، وأعدادهم تراكمت طوال الدورات الماضية للحكومات والبرلمان، وتكلف ميزانية الدولة مبالغ كبيرة، والحل، في التعاقد مع شركات تخصصية عالمية، تعمل على تبسيط الاجراءات الروتينية، فمثلا، بدلا من اربعة موظفين لإصدار هوية أحوال مدنية، ان يتم الاجراء كله من قبل موظف واحد، وبدلا من سبعة تواقيع واربعة اختام لمعاملة تسجيل عقاري، يتم تبسيط الاجراء بتوقيعين وختم واحد، وهلم جراً الى حين جعل هذه المؤسسات مطابقة لتوصيفات الـ “أي اس او” الدولية، وننشئ هيئة حكومية مستقلة جديدة، تتمتع بصلاحيات واسعة، في تطبيق هذه الاجراءات الجديدة، وبالتنسيق مع لجنة برلمانية متخصصة بإلغاء او تعديل القوانين السارية التي تتعارض مع الاجراءات الجديدة.
ان معايير الدولة الفاشلة هو إذا كانت ميزانيتها التشغيلية أكثر من 40%، في حين ان غالبية قوانين الميزانية العراقية للأعوام السابقة، كانت نسبة النفقات التشغيلية وبينها الرواتب، أكثر من 70%، ونحن الدولة الوحيدة في المنطقة التي تدفع مخصصات لأربعة ملايين شخص (تصريح عادل عبدالمهدي).
وذكر تقرير دولي، أن نسبة موظفي الدولة في العراق إلى مجموع السكان هي الأعلى في العالم (سبعة ملايين إلى 25 مليونا)، والعالم المتحضر يسير في اتجاه تقليص عدد الوظائف الحكومية، لتخفيف العبء المترتب على ميزانية الدول المنتجة، والتي تجبي الضرائب كالمورد الاساسي لتمويل اعمالها.
 تحولت ظاهرة تزوير الشهادات في العراق إلى أبرز مظاهر سلوكيات الأحزاب المتنفذة للهيمنة على السلطة عبر توظيف أكبر عدد من أعضائها في دوائر السلطة التنفيذية بما فيها القوات الأمنية في وزارتي الداخلية والدفاع، وتحولت هذه الحالة الى باب واسع للفساد أربك الأداء الحكومي في جميع الملفات الأمنية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، وهناك عدداً لا يستهان به من أعضاء برلمان عراقي ودرجات خاصة، قدموا وثائق دراسية مزورة وبعضهم لا زال يتقاض راتب تقاعدي، بينهم قادة بارزون في الأحزاب المتنفذة، وكانت لجنة النزاهة النيابية كشفت في جلسة غير علنية للبرلمان في آذار من عام 2010، عن وجود 20 ألف شهادة دراسية مزورة لموظفين في مؤسسات الحكومة الحالية، وتشكل الوثائق الدراسية الصادرة من إيران، الجزء الأعظم من مشكلة الشهادات المزورة لا سيما تلك المقدمة من أعضاء في أحزاب دينية، وكشف تقرير لمكتب المفتش العام لوزارة التعليم العالي العراقية ان «2769 وثيقة دراسية مزورة تم كشفها خلال العامين (2010 -2011) في عموم المؤسسات التعليمية التابعة للوزارة.
وبمقتضى منهج المحاصصة الذي اوجد التعينات الانتخابية، فإن المناصب الحكومية يتم إشغالها من قبل الأشخاص استناداً للولاء للحزب وللطرف السياسي الذي يقود الحزب، وعندما يتم وضع مثل هؤلاء على رأس الوزارات والدوائر فإن الفردية والمزاجية هي الحاكمة بدلاً من العلم والخبرة، والفوضى هي السائدة بدل النظام، ويتم استغلال ضعف الرأس الإداري وافتقاره للخبرة فيتم توريطه بأفعال غير قانونية لإرغامه على السكوت وعدم الاعتراض في مواجهة أفعال يمارسها الأدنى. 
وفي ظل المحاصصة تحولت الدوائر والمؤسسات والوزارات إلى وعاء كبير للتضخم الوظيفي والترهل على حساب الفاعلية والإنتاجية والكفاءة، فلا تحديد للاحتياجات الوظيفية ولا وصف وظائف ولا تقييم أداء؛ إنما الغاية كل الغاية أن توظف أكبر عدد من المحسوبين على حزبك أو من تغريهم بذلك لتضمن أصواتهم وعوائلهم في الانتخابات.
ان الساسة استسهلوا توفر الوارد المالي الناجم عن النفط واعتادوا على التلاعب بميزانيات انفلاقية كبرى مرتبطة بسعر النفط العالي منذ عام 2003.
وبسبب انهيار أسعار النفط فان الدولة ستعجز عن تسديد الرواتب التي اعتاد عليها الموظفين، ولن تستطيع ان تحصل على قروض وقتية او تسهيلات من مؤسسات مالية عالمية لأن وضع بيروقراطيتها الغير منتجة والمترهلة لا تضفي الثقة لدى المصارف والدول بأن العراق لديه القابلية على دفع ثمن هذه الديون ومستحقاتها.
العافية تكمن في حسر حجم البيروقراطية والحد من استفحالها أكثر مما هي عليه وترشيق صفوف موظفي الدولة، تواكبها عملية مدروسة لإعادة تأهيلهم واعادة تدريبهم بخبرات جديدة تمكنهم من التغلب على سوء الادارة والترهل الحكومي، والوقت يدركنا، وقد قطعنا مسافة طويلة في المسار الخاطئ.
فيجب حجر التعيينات الجديدة وتجميدها لمدة عشر اعوام، باستثناء التعيينات الضرورية في وزارات الصحة والتربية والتعليم العالي، والوزارات الامنية.
ان الفساد يصول ويجول بين ردهات الدولة وحقولها الاكثر جاذبية، وعدم الاستقرار وهشاشة الامن، وسطوة وهيمنة المجموعات الارهابية والمليشيات المتسللة الى أخطر المرافق الحيوية في الدولة والمجتمع، ويعد من اهم مهام جهاز الادعاء العام حماية أمن وحقوق واموال شعبه من العدوان والانتهاك بوصفه الوكيل القانوني لهم، واهم واجب ألقي على عاتق الادعاء العام وتنصل أحيانا منه، هو مراقبة المشروعية، أي مشروعية أي عمل تقوم به الدولة، فهو من واجبه ان يحاسب أي محافظ او وزير او قائم مقام او عميد جامعة او أي مدير إذا أصدر قرارا إداريا يضر بمصالح منتسبيه او المواطنين، ويحق له التصدي له وايقافه بموجب قانونه، لكنه سكت عن ذلك؛ مما أدى الى فوضى إدارية وقانونية بجميع مفاصل الدولة العراقية.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74914
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16