• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : يقال: شو جاب المغربي على الشامي...بل أحرى القول: شو جاب المغربي على الأستانة؟؟ .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

يقال: شو جاب المغربي على الشامي...بل أحرى القول: شو جاب المغربي على الأستانة؟؟

ربما جزء من جهل الناس بتاريخ المغرب كونه استقلّ في زمن مبكّر عن المركزية السياسية للخلافة بالمشرق منذ هارون الرشيد حتى اليوم..هذه الأرض تعاملت مع كلّ الأقوام لكنها رفضت الاستعمار..انفتحت حضاريا على الفينيقيين والرومان ولكنها تصدّت لكل محاولة للاحتلال..أعود لأصل الحكاية وأنا أتحدث من الرباط التي شيدها المنصور الموحّدي..كما شيد روائع كثيرة لا زالت شاهدة على فنّ العمارة المغربية: صومعة الكتبية بمراكش وعزم على بناء أكبر مسجد ومعلمة دينية بالرباط لولا وافته المنية ولا زالت أعمدة مسجد حسان وصومعته في منتصف التشييد تعطيك فكرة عن عظمة المشروع، ثم بنى صومعة لاخرالدا في الأندلس فضلا عن الترسانة العسكرية والجيش الذي كان له دور كبير على صعيد العالمين العربي والإسلامي..وأنا في إسطنبول أو الاستانة كما سماها الفاتح أتساءل ماذا لو تمّ فتحها في العصر الموحّدي حيث كان ذلك مفترضا قبل أن يفتحها الفاتح قبل قرنين وربع..لكان المغرب ينتهي إلى الاستانة (اطنبول)..أطلقت ساقي للخيال هنيهة فإذا بي أتخيّل أسطنبول المغربية..وأياصوفيا المراكشية..وإذن لكان للتاريخ وجهة أخرى لا يمسكها إلاّ الرحمن..كنت أتخيّل جامع الفنا بسلطان أحمد ولكن لنذكّر أنّ صلاح الدين الأيوبي كان على وشك التنازل عن القدس لريتشرد قلب الأسد لولا تدخل المنصور الموحدي بـ 180 سفينة حربية (أسطول كامل) لخوض معركة مظفرة (معركة الأرك)..هي المعركة الحاسمة التي أعقبة معركة حطّين وأنقذت المنطقة حين حاصرت وحالت بين وصول الأساطيل الأوربية..هنا أحب أن أجيب عن سؤال: شو جاب المغربي على الشامي..فأقول أنّ المنصور الموحدي فك الحصار عن عكّا وصور ومنع احتلال سوريا من قبل أساطيل الفرنجة..هذا هو تاريخ المغرب المشرف قبل قرون من التدعّش..كان الأسطول المغربي هو السد المنيع ضد دخول الصليبيين لسوريا..أمّا صلاح الدين الأيوبي فقد طلب النجدة من المنصور الموحدي الذي كان سببا في إكمال كل الانتصارات..رسالة صلاح الدين للمنصور وثيقة تاريخية زاخرة بالمعاني..فلقد مدح صلاح الدين الايوبي المنصور الموحدي وأطنب، ولكنه تجنب أن يسميه أمير المؤمنين لأنّ المنصور كان في حكم المارق عن دولة الخلافة العباسية التي بايعها صلاح الدين..يفهم المنصور ذلك على الرغم من أن ابن المنقذ وهو رسول صلاح الدين قرأ قصيدة من 40 بيتا في حق المنصور تفيض مديحا لدولته وشخصه مطلعها:

سأشكر بحرا ذا عباب قطعته 

الى بحر جود ما لآخره ساحل

لكن المنصور أعطى ابن المنقذ مالا بمقدار ألفا لكل بيت وصرفه قائلا:"انما أعطيناك لفضلك ولبيتك"..وهو ما يعني أننا أعطيناك لفضلك أنت وليس لصلاح الدين. فالعبارات والتوصيفات كان لها وقع كبير.. فلقد تجنب المرابطون أنفسهم اعتماد إسم أمير المؤمنين بعد أن بايعوا العباسيين لكن الموحدين رفضوا تلك البيعة وأطلق سلاطينهم على انفسهم أمير المؤمنين وهو ما كان يعني الاستقلال الكامل عن الخلافة..

لذا لم يجب المنصور رسول صلاح الدين، وتأخّر قليلا في الجواب ولكن سرعان ما استجاب نزولا عند الصالح العام فبعث بالجند..وكان الجنود المغاربة يومها سادة البحار لهم هيبة وصولة وكانوا يسمونه الجهاد البحري..وكان الأسطول الموحدي هو من أوقف كل اساطيل أوربا التي جاءت لاحتلال الشرق العربي..أما المؤرّخ ابن جبير فقد علّق بالقول: "عمروا المراكب بالرجال البحرية ذوي التجربة من أهل النخوة للدين والحمية مع أنجاد من المغاربة البحريين”...

كان الجهاد البحري طقسا حربيا للمغاربة في أعالي البحار..به أدّبوا كبرى أساطيل الفرنجة والجرمان والانجليز وغيرهم..يحجون عاما ويجاهدون عاما..فرضوا المكوس والضريبة على أساطيل أوربا..مقاومة الاحتلال هي دين قديم للمغاربة..أتعاطف مع من سموها الملكة الكاهنة التي قادت المقاومة ضد بعض الأمويين الذين طغوا في البلاد، أقصد الغزو الأموي للمغرب قبل أن ينقذ الموقف الفاطميون وابن الهواشم ادريس بن عبد الله الذي أرسى التعايش السلمي وكفّ يده عن الخراج..كان الوندال وهم قوم متوحشون من إيرلاندا حاولوا احتلال المغرب لكنهم ردّوا ردّا عزيزا..ولعله من هؤلاء الفندال ذوي الأصول البربرية الأوربية تشكلت أندلوسيا..ثم جاء الرومان وعجزوا..وكان الفينيقيون ساعة فساعة يحبون أن يجربوا حظّهم في الحرب كما جربوا حظهم في التجارة لكنهم عجزوا..(فكانوا مهضومين بجد) وجاء الأمويون وعاثوا فسادا ضد الأهالي المحليين فتصدى لهم الأمازيغ قبل أن يصاهروا العرب ويؤسسوا دولة مستقلة ويصبح الأمازيغ هم سادة العربية من أحفاد ابن آجروم الأمازيغي صاحب متن الأجرومية..وجاء الفرنسيون والإسبان وكانت المقاومة لعلها الأشرس في تفاصيلها لو قيض للمرء أن يتتبعها..هذا تاريخ مجيد رغم عجره وبجره..كل شيء يهون مادام الشموخ مبدأ ثابتا..لعله من المؤسف أنّ ترى البلاد العربية والمسلمة تتحوّل إلى حالة من الاصطفاف والتخندق..لكم هو مؤلم أن نرى الكراهية تحفر أخاديد بين العربي والفارسي..العربي والتركي..العربي والأمازيغي..بين الفرق والمدارس والتيارات..في زمن السوبرإمبريالية..في زمن يسعى فيه الاستعمار أن يحول الجميع إلى قطيع أو محاور ضد بعضهم البعض..إنّ أي تحليل خارج القوة التفسيرية لعامل الاستعمار سيجعل المنطقة تنتحر بين يدي المحلّي نفسه..إنّه هذيان وجنون التدمير الذّاتي..لذا كان التاريخ ضرورة لعودة الوعي والصّحة للسياسة..وقبلها يجب أن نعرف كيف نقرأ التاريخ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=73732
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 01 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29