• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : تأمُّلات في نص زيارة الإمــــــــــــام موســـــــــى بن جعفــــــر(صلوات الله عليه) .
                          • الكاتب : كاظم الحسيني الذبحاوي .

تأمُّلات في نص زيارة الإمــــــــــــام موســـــــــى بن جعفــــــر(صلوات الله عليه)

 لقد نقل لنا (رواة حديث) الأئمّة الأطهار نصوصاً أملاها عليهم الأئمّة المعصومون (صلوات الله عليهم) وفي مختلف شؤون الحياة والممات ، ولقد صانَ أولئك الأفذاذ الميامين هذه النصوص وحافظوا عليها بدمائهم الغالية ،وما قصّة ابن أبي عُمير إلاّ خير شاهد على ما أذكر هنا . ولذا نجد الخبر المروي عن الأمام الغائب صلوات الله عليه أنه يأمر الأمّة بالرجوع إلى هذه الطائفة من الشيعة ( وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم ، وأن الرادّ عليهم كالراد على الله) . على هذا أرى ضرورة التأمّل في هذه النصوص التي تمثّل رسالة الأئمّة الكرام بوصفهم ورثة الأنبياء وتراجم وحي الله وعـَيْبـَة علمه الذي أودعه رسوله المصطفى صلى الله عليه وآله . ومن النصوص التي ينبغى المواظبة على التأمّل فيها نصوص الأدعية والزيارات للأئمة الأطهار كزيارة الجامعة الكبيرة وزيارة أمين الله والزيارة المعروفة بالزيارة الرَّجبية ( الحمدُ للهِ الذي أَشهدَنا مَشهدَ أوليائه في رَجب ... إلخ) وزيارة الوارث(ع) وزيارة مسلم بن عقيل بن أبي طالب وزيارة العبّاس بن أمير المؤمنين ، وغيرها بالاعتبار المتقدّم . وكذلك بالنسبة للأدعية الشريفة والأذكار الواردة بهذا الطريق . وكم استوقفتنا مقامات عاليات وردت في هذه التحف القدُّوسيّة ما جعل أعين السامعين وأعيننا تدمع  لها ساعات طوال ،وأنفسنا تُذعن لروعتها مطأطئين لعظمة مُنشئيها رؤوسنا !!

ومن تلكم النصوص ، نص زيارة الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) ، ذلكم النص الذي حمل مقامات رفيعات ، وبيانات مبينات، يفضي التأمل فيه إلى الانتقال إلى عالم آخر يزدان بالسمو على عوالم تزخر بالمعرفة، وتكشف المزيد من الحقائق التي لم تشأ مشاعر الشُّرّاح لهذه النصوص أن تنهض بها، لانشغالهم بأدوات الفن من لغة ومن نحو ومن بلاغة وبديع  حسب على طريقة النقاد للنصوص الأدبية في مدارس الحكومات !
وفي هذه العجالة  التي تفرضها جملة عوامل داخلية وخارجية لا تجدنـّي مستغرقاً جميع مقامات هذا النص المبارك ؛ بل سأتكلم ما يتيَسّر لي عن بعض هذه المقامات المنيفات . وفيما يقع تحت يدي من مصادر حديثية لم ينبر ِالمحدِّثون الأكارم الذين أوردوا زيارات الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، إلى ذكر اسم المنشئ لهذه النصوص الشريفة من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم . وقد يكون مبعث ذلك عائد ٌ إلى عوامل التقيّة . 
وأول هذه المقامات ما جاء في الزيارة :( أشهدُ أنـَّكَ  قد بلـَّغتَ عنِ اللهِ ما حَمَّلَكَ ،وحفظتَ ما استودعكَ وحلـَّلْتَ حلالَ اللهِ ،وحرَّمتَ حرام اللهِ وأقمتَ أحكام اللهِ وتلوتَ كتاب اللهِ ...) . المتبادر العرفي عندنا أن معنى تلوت كتاب الله ،هو أنَّ الزائر يشهد بأنّ المزور عليه السلام كان يقرأ القرآن . لكن التأمّل في معنى هذه الجملة تأملاً غير عابر ولا يعتمد اعتماداً كلياً على أدوات النقد الأدبي المعتادة في المدارس ، يتجسد المعنى المراد، وذلك من خلال الوقوف على معنى الفعل (تلى ) ومعنى مصطلح (كتاب الله) في هذا المقام ، على اعتبار أن معنى المفردة يتأثر تأثراً ملحوظاً بقرائن المقام ، حيث تُلقي بظلالها الثقيلة على المعنى المراد . ولو أخذنا معنى التلاوة بالقراءة المعروفة لانفصم عقد لؤلؤ الكلام في هذه العبارة التي أريد لها معنى غير المتبادر لدى القارئ لهذا النص لأول وهلة . فالتلاوة في المقام لا تأخذ غير الإتباع والاقتداء والائتمام والائتمار بأوامر المتبع والمقتدى ،والانتهاء عن نواهيه ومن لوازم ذلك اقتفاء الأثر ، نحو قوله تعالى في الآية 17من سورة هود( ويتلوه شاهدٌ منه)، أو في الآية 2 من سورة الشمس(والقمر إذا تلاها) . من هذا يظهر أنَّ التلاوة غير القراءة . ولو كان معنى التلاوة بمعنى القراءة لما كان للإمام الكاظم عليه السلام أي خصوصية تستدعي هذا أن تُسبق بجملة :
 أشهدُ أنـَّكَ  قد بلـَّغتَ عنِ اللهِ ما حَمَّلَكَ ،وحفظتَ ما استودعكَ وحلـَّلْتَ حلالَ اللهِ ،وحرَّمتَ حرام اللهِ وأقمتَ أحكام اللهِ ؛ إذْ لا توجد ملازمة بين جملة ( تلوت كتاب الله) وبين الجملة التي سبقتها،أذا كان الأمر يتعلق بقراءة القرآن ، وقد حدَّثنا التأريخ الصحيح والمتواتر عن أناس كانوا يقرأون القرآن أكثر أوقاتهم ،لكنه لم يتجاوز تراقيهم !
ومن هنا يقودنا هذا الحديث إلى تلمُّس معنى للمصطلح القرآني(كتاب الله) الوارد في العديد من الآيات الشريفات ، ولقد فصَّلنا القول في معنى لفظ (الكتاب) في كتابنا ( القضيّة القرآنية في سورة الرعد) . 
وبحسب القاعدة التي تبنيناها في استخراج معنى المفردة بعد النظر إلى قرينة المقام ، نجد أن معنى الكتاب غير معنى القرآن ، إلاَّ إذا ساعدت القرينة على تعيين معناه . 
فعند التأمل في الكثير من الآيات المباركات التي ضمّت مفردة (الكتاب) نجد الفرق واضحاً بين معنى القرآن وبين معنى الكتاب . وهنا أورد لكم بعضاً من هذه الآيات على سبيل المثال لا الحصر : ـ 
1ـ  ( وإذْ ءَاتينا موسى الكتابَ والفرقان لعلـَّكم تهتدون) البقرة : 53 .
2ـ (ويُعلـِّمُهُ الكتابَ والحكمة والتوراة والإنجيل) آل عمران : 48 .
3ـ (لقد منَّ اللهُ على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم ءَاياته ويُزكيهم ويُعلـِّمهم الكتابَ والحكمة وإن كانوا من قبلُ لَفي ضَلال مبين) آل عمران :164 .
4ـ (أم يحسدون الناسَ على ما ءَاتاهم الله من فضله فقد ءَاتينا ءَال إبراهيم الكتاب والحكمة وءَاتيناهم ملكاً عظيماً) النساء : 54 .
5ـ يا يحيى خذِ الكتاب بقوّة وءَاتيناه الحكم صبيّاً) مريم :12 . 
فإنك تلاحظ أنّ معنى (الكتاب) يتخطّى بكثير حدود الشيء المكتوب في صحائف ؛ بل هو شيءٌ أكبر من ذلك ، هو قوَّةٌ غيبية لا يعلمها أحدٌ منا باستخدام الأدوات العلمية المتداولة عند أهل الفن ، وهو تعليمٌ من الله سبحانه إلى عباده المقـَرَّبين عبَّر عنه القرآن بتعبير(الكتاب) . 
وأظن أنّ الحسن بن هاني الكوفي (أبو نؤاس) أراد هذا المعنى حينما خاطب الإمام الرضا عليه السلام بهذه الأبيات المعبّرات : ـ 
مطَهّرونَ نقيّاتٌ ثيابهــــــــــم               تجري الصلاة عليهم أينما ذُكروا
مَن لم يكن علوياً حين تنسبه                فماله في قديم الدهــــــــر مفتخرُ
واللهُ لمّا برا خَلقاً وأتقنــــــه                صَفاكـــم واصطفاكـــــم أيّها البشرُ
وأنتم الملاء الأعلى وعندكــم              علـمُ الكتــاب ومـا جاءت به السورُ
انظر إلى قوله السور ، أراد بها سور القرآن ، أما الكتاب فغيرها ،وهو المعنى الذي ذكرته عند حديثي عن الآية الأخيرة من سورة الرعد : ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومَن عنده علم الكتاب . فقد ذكر المفسرون أن معنى الكتاب في هذه الآية هو القرآن ،فيكون معنى علم الكتاب : علم القرآن . وإنك تراه معنى في غاية الوهن ، ذلك أن من المسلمين من عنده علم بالقرآن ،فضلاً عن ادعاء الكثير أنهم كذلك . 
والمحصَّل أنني أحتمل أن المراد بالكتاب هو الكتاب المكنون ، ذلك الذي (لا يمسُهُ إلاّ المطَهّرون) ، على هذا فالإمام موسى بن جعفر بثتفي أثر الكتاب المكنون لأن علمه عنده لا عند غيره من أهل زمانه ، وتلك خصيصة خصَّه الله تعالى بها .
 
كاظم الحسيني الذبحاوي في الخامس والعشرين من شهر رجب الحرام 1431



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=7209
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19