• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : عوامل النصر الذي حققته الثورة الحسينية .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

عوامل النصر الذي حققته الثورة الحسينية

 لقد حققت الثورة الحسينية نصراً كبيراً ضل خالداً و سيبقى إلى الأبد , لذا فإن من يتهم هذه الثورة العظيمة بعدم تحقيق أهدافها , و عدم انتصارها فإنه مخطأ قطعاً , و لا يفهم حقيقة النصر , فليس النصر يقاس بالمقاييس العسكرية المادية فقط , فهنالك النصر المعنوي الذي هو أكبر أنواع النصر الذي يبقى ما بقيت الدنيا . أما بخصوص عوامل النصر في الثورة الحسينية فنقول : إن من عوامل النصر الذي حققته الثورة الحسينية أمور كثيرة تحققت فيها , و بعدها تعكس انتصارها الحقيقي , لا المادي ( العسكري ) , و من أهم ما يؤيد ذلك :
1ـ كتاب الأمام الحسين ( ع ) إلى بني هاشم بما سيحققه من فتح : ـ
فقد كتب ( ع ) كتاباً إلى بني هاشم في المدينة قال فيه (( بسم الله الرحمن الرحيم . من الحسين بن علي إلى محمد بن علي و من قبله من بني هاشم . أما بعد فإن من لحق بي استشهد , و من لم يلحق بي لم يدرك الفتح )) .
فما المراد من الفتح ؟ و ما هذا الفتح ؟
لعل المراد بالفتح هو الفتح للدين و للدعوة الإسلامية التي أراد بني أمية ذبحها و إنهاء وجودها , لكن الأمام الحسين ( ع ) فتح الدين و نشره من جديد كما فعل جده المصطفى ( ص ) .فهو ( ع ) يقول في دعاءه يوم عاشوراء : (( اللهم أن كنت حبست عنا النصر , فاجعل ذلك لما هو خير في العاقبة , و أنتقم لنا من القوم الظالمين )) .
يقول الشيخ ( محمد عبده ) : ( لولا الأمام الحسين لما بقي لهذا الدين من أثر ) .
كما و تقول الكاتبة الإنكليزية ( فريا ستارك ) : ( إن كان الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية , فأنني لا أدرك لماذا أصطحب معه النساء و الصبية ؟
أذن فالعقل يحكم أنه ضحى فقط لأجل الإسلام ) .
قال المستشرق الفرنسي ( لويس ماسينيون ) في الأمام الحسين ( ع ) : ( أخذ الحسين على عاتقه مصير الروح الإسلامية , و قُتل في سبيل العدل بكربلاء ) .
و لعل المراد بالفتح شيء آخر أسمى و أنبل من ذلك لا يمكننا إدراكه , و ليس في دار الدنيا بل في الآخرة من علو المنزلة و عظمة الشأن .و لعله النصر الأجل , بانتصار المبادئ التي قاتل من أجلها , و ليس القياس قياساً عسكرياً .
يقول الكاتب و المفكر و المستشرق الإنكليزي ( توماس كارلايل ) : ( أسمى درس نتعلمه من مأساة كربلاء هو أن الحسين و أنصاره كان لهم أيمان راسخ بالله , و قد أثبتوا فعلاً بعملهم ذاك أن التفوق العددي لا أهمية له وقت المواجهة بين الحق و الباطل , و الذي أثار دهشتي هو انتصار الحسين رغم قلة الفئة التي كانت معه ) .
كما و قال المؤرخ الأمريكي ( واشنطن أيروينغ ) في الأمام الحسين ( ع ) : ـ
( كان بميسور الأمام الحسين النجاة بنفسه عبر الاستسلام لإرادة يزيد , إلا أن رسالة القائد الذي كان سبباً لانبثاق الثورات في الإسلام لم تكن تسمح له الاعتراف بيزيد خليفة , بل وّطن نفسه لتحمل كل الضغوط و المآسي لأجل إنقاذ الإسلام من مخالب بني أمية , و بقيت روح الحسين خالدة , بينما سقط جسمه على الرمضاء اللاهبة . أيها البطل , و يا أسوة الشجاعة , و يا أيها الفارس يا حسين ) .
و لعل الفتح هم بخلق جيل جديد صالح , يميز الحق من الباطل , و يتربى التربية الإسلامية الحسينية .
يقول الكاتب و المفكر الغربي ( هربرت سبنسر ) في الأمام الحسين ( عليه السلام ) : ـ
( إن أرقى ما يأمل الوصول أليه الرجال الصالحون هو المشاركة في صناعة الإنسان الآدمي , أي : ـ الاشتراك في خلق جيل صالح , بينما مدرسة الحسين ليست فقط مدرسة تنبذ المذنبين , و لا يمكن لها أن تكون من صانعيهم , بل أنها لا تكتفي بكونها تسعى لخلق جيل صالح , أنها مدرسة لتخريج المصلحين ) .
أو غيره , لكن الأمام ( ع ) أخبر بالفتح و الحقيقة إن كل ما تحقق بعد الثورة الحسينية المباركة هو فتح , و هو انتصار , فالمكاسب التي تحققت عظيمة جداً و خلاف التوقعات البشرية المحدودة .
2ـ ما أخبر به الأمام السجاد ( ع ) من أنتصار أبيه الأمام الحسين ( ع ) : ـ
فقد قال إبراهيم بن طلحة للأمام السجاد ( ع ) : (( يا علي بن الحسين من غلب ؟ )) .
فقال له زين العابدين ( ع ) : (( إذا أردت أن تعلم من غلب و دخل وقت الصلاة فأذن ثم أقم ))
يقول علي شلق : ( بقي الحسين بن علي ( ع ) يذكر حياً , نضراً , فواحاً , كلما ذكر محمد و آل محمد و رسالة محمد ( ص ) , في كل صلاة , و في كل تسليم ) .
فقد حافظت الثورة الحسينية على الدين و على الصلاة التي هي عمود الدين , و التي أرادت طغمة بني أمية محوها , و يكفيك ما قاله أبو سفيان : ـ ( تلاقفوها يا بني أمية فأنه الملك و لا جنة و لا نار ) , و بالتالي لا دين و لا صلاة .
و ما قاله معاوية بن أبي سفيان لما سمع المؤذن يقول أشهد أن محمداً رسول الله : ـ ( إلا دفناً دفنا ) . , أي أنه سوف يسعى لدفن هذا الدين بدفن الأذان و دفن الصلاة , و دفن ذكر محمد ( ص ) , بل دفنه بدفن آل بيته ( ع ) . و كذلك ما فعله من سبه و لعنه للإمام علي ( ع ) على المنابر علناً , و هو بذلك و كما يقول الدكتور سعيد عاشور المصري : ( و كلنا نعلم ماذا كان يقول زياد ابن أبيه و غير زياد من سباب هو في حقيقة الأمر ليس موجهاً إلى علي بقدر ما هو موجه إلى المسلمين كافة و إلى نبي المسلمين , إلى رسول الله ( ص ) ... ) .
فهو بسب علي ( ع ) يسب النبي ( ص ) و يسب دين الإسلام , و الأحاديث واضحة جلية تشير بما لا يقبل الشك إن من يسب علي فهو يسب الرسول , و من يسب الرسول فهو يسب الله تعالى . فهل تحقق لبني أمية مبتغاهم , و هل نجحوا في سعيهم و أمانيهم و خططهم ؟
الجواب يأتي بالنفي ؛ و ذلك لأنهم حاربوا الله تعالى بحربهم للنبي ( ص ) و آل بيته ( ع ) ومن يحارب الله خائب خاسر جزاءه الخزي في الدنيا , و العذاب الأليم في الآخرة .
3ـ زلزلة عرش بني أمية و عدم استقرار ملكهم .
فحين أقدام بنو أمية على قتل نجل السلالة المحمدية , و حامل شعلة الرسالة , و وريث التعاليم المحمدية الأصيلة , و صاحب المكانة الدينية العليا في عصره , و انتهاك حرمته و هذه هي الجريمة الكبرى و المصيبة العظمى التي حلت بالإسلام و المسلمين , و التي أدت إلى زلزلة عرش بني أمية و كل الطغاة , و أبقت شعلة الإسلام وقادة و أزلية .
قال المستشرق الانكليزي المعروف ( نيكلسون ) في الأمام الحسين ( ع ) : ـ
( كان بنو أمية طغاة مستبدين , تجاهلوا أحكام الإسلام , و استهانوا بالمسلمين , و لو درسنا التاريخ لوجدنا أن الدين قام ضد الطغيان والتسلط , و أن الدولة الدينية قد واجهت النظم الإمبراطورية , و على هذا فالتاريخ يقضي بالإنصاف في أن دم الحسين في رقبة بني أمية ) .
و بذلك ترسخ للناس حقيقة أن طاعة بني أمية ليست من الدين بشيء , بل على العكس من ذلك , فإن الدين الحقيقي يدعوا إلى البراءة منهم , و الوقوف بوجههم , و محاربتهم , و الإطاحة بهم
يقول الكاتب المصري ( عباس محمود العقاد ) : ـ( ثورة الحسين واحدة من الثورات الفريدة في التاريخ لم يظهر نظير لها حتى ألان في مجال الدعوات الدينية أو الثورات السياسية , فلم تدم الدولة الأموية بعدها حتى بقدر عمر الإنسان الطبيعي , و لم يمض من تاريخ ثورة الحسين حتى سقوطها أكثر من ستين سنة و نيف ) .
4ـ التعريف بالدين , و العودة للإسلام الحقيقي .
لقد كان للثورة الحسينية الأثر البالغ في التعريف بالدين على حقيقته , و إيضاح معالمه , و رفع الشك و الارتياب و الحيرة عنه , و الشاهد على ذلك الزيارات الخاصة بالأمام الحسين ( ع ) و ما بها من توضيح لما قام به الأمام ( ع ) من أجل رفعة الدين الإسلامي و بقاءه .
فنقراء في زيارته ( ع ) : (( ... فأعذر في الدعاء , و بذل مهجته فيك , ليستنقذ عبادك من الضلالة و الجهالة و العمى و الشك و الارتياب إلى باب الهدى من الردى )) .
و الكثير من الزيارات لمن أراد الإطلاع عليها و الواردة عن المعصوم .
يقول العالم الأمريكي الأنثروبويولوجي (كارلتون كون ) في الأمام الحسين ( ع ) : ( دلت صفوف الزوار التي تدخل إلى مشهد الحسين في كربلاء و العواطف التي ما تزال تؤججها في العاشر من محرم في العالم الإسلامي بأسره , كل هذه المظاهر استمرت لتدل على أن الموت ينفع القديسين أكثر من أيام حياتهم مجتمعة ..) .
5ـ فاجعة الطف صرخة الحق بوجه الباطل .
ما حققته فاجعة الطف من كونها الصرخة المدوية التي هزت كيان الأمة , و أخرجتها من سباتها العميق , و نبهتها من غفلتها , فزعزعت أسس الظالمين , و دكت عروشهم , و أفشلت مخططاتهم القديمة و المستقبلية , و أكبر دليل على ذلك الثورات التي تلت الفاجعة و التي لم تقف إلا بإسقاط ملك بني أمية إلى الأبد .
يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء : ( نهض الحسين ( ع ) تلك النهضة الباهرة , فقشع سحب الأوهام , و أنتزع النور من الظلام , و أصحر بالهدى لطالبه , و بالحق الضائع لناشده ... و يتفرع من هذه المزية مزايا تفوق حد العد , و يحصر عنها لسان الحصر ) .
بل إن الثورة الحسينية أصبحت شعاراً للثوار و المظلومين و المضطهدين في كل دول العالم , باختلاف لغاتهم , و ألوانهم , و دياناتهم , فحتى غير المسلم يستلهم العزم من الثورة الحسينية فهذا ( غاندي ) يقول : ( تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر ) .
و هذا الزعيم الأفريقي ( نيلسون مانديلا ) يقول : ( تعلمت الثبات و الصمود و الصبر من الحسين و عائلته و أصحابه ) .
كما و قال القائد و المناضل الصيني ( ماو تسي تونغ ) في الأمام الحسين ( ع ) حينما زاره وفد من منظمة التحرير الفلسطينية برأسة ياسر عرفات , و ذلك بعد نكسة ـ خيانة ـ حزيران 1967 , و ذلك للحصول على الدعم , و للتعرف على أساليب النضال و سبل الكفاح الثوري في التجربة الصينية , فقال ( ماوتسي تونغ ) لياسر عرفات : ـ ( عد إلى وطنك فعندكم أيها العرب الثورة الحسينية فتعلم منها كما تعلمنا منها !!!؟ ) .
و ما قاله المناضل ( موريس دوكابري ريس ) في الأمام الحسين ( ع ) : ـ
( يقال في مجالس العزاء أن الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف و أعراض الناس , و لحفظ حرمة الإسلام , و لم يرضخ لتسلط و نزوات يزيد , إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة لنتخلص من نير الاستعمار , و أن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة ) . و غيرهم .
يقول الكاتب المسيحي ( أنطوان بارا ) عن تأثير الثورة الحسينية في الحس الثوري العالمي : ( المظلومون و المضطهدون و المقهورون و المروعون من كل المذاهب و البقاع يتجهون في كل رغباتهم إلى جوهر ثورة الحسين ففي اتجاههم الفطري ورود إلى منبع الكرامة و الأنصاف و العدل و الأمان ) .
كما و قال ( ونستون تشرشل ) وزير الحرب البريطاني في الكلمة التي ألقاها في مجلس اللوردات البريطاني , حول ما لثورة الأمام الحسين من أهمية في الإبقاء على روح الإسلام الأصيلة : ( ما دام للمسلمين قرأن يتلى , و كعبة تقصد , و حسين يذكر , فأنه لا يمكن أن يُسيطر عليهم ) .
و يقول القائد الألماني ( أدولف هتلر ) و هو يحث قواته على الصمود في القتال : ( أثبتوا في القتال كما ثبت الحسين بن علي سبط محمد و أصحابه في كربلاء و هم نفر قليل بين ألوف تفوقهم عدداً فنالوا بذلك المجد الخالد ) .
و لقد صرح ( عمرو بن الحجاج ) عن حقيقة أصحاب الحسين ( ع ) و شجاعتهم , و عزمهم على الموت إذ يقول لأصحابه محرضاً : ( أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان المصر , و أهل البصائر , و قوماً مستميتين لا يبرز إليهم أحد منكم إلا قتلوه على قلتهم ... ) .
و قيل لرجل شهد الطف مع أبن سعد : ( ويحك أقتلتم ذرية الرسول ؟ ! فقال : عضضت بالجندل , إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا , ثارت علينا عصابة أيديهم على مقابض سيوفهم كالأسود الضارية تحطم الفرسان يميناً و شمالاً تلقي نفسها على الموت لا تقبل الأمان و لا ترغب في المال و لا يحول حائل بينها و بين المنية أو الاستيلاء على الملك , فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها فما كنا فاعلين لا أم لك ) .
و قد أجاد السيد باقر الهندي ( رحمه الله ) بقوله :
لو لم تكن جمعت كل العلى فينا لكان ما كان يوم الطف يكفينا
يوم نهضنا كأمثال الأســــود به و أقبلت كالدبا زحفاً أعاديــنا
جاؤوا بسبعين ألفاً سل بقيتـهم هل قابلونا و قد جئنا بسبعينا
و من أدلة النصر التي كانت للحق يوم كربلاء هو طلب عزرة بن قيس و هو على الخيل التي كانت في جند أبن سعد للمدد بعد أن رأى الوهن بادٍ في أصحابه , فمده بالحصين بن نمير مع خمسمائة من الرماة .
و كذلك اعتراف شبث بن ربعي بأحقية الثورة الحسينية , و ضلال من حاربه : ( قاتلنا مع علي بن أبي طالب , و مع أبنه من بعده ـ أي الأمام الحسن ( ع ) ـ آل أبي سفيان خمس سنين , ثم عدونا على ولده و هو خير أهل الأرض , نقاتله مع آل معاوية و أبن سمية الزانية ؟ ! ضلال يا لك من ضلال . و الله لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً , و لا يسددهم لرشد ) .
يقول إبراهيم بيضون : ( ... فلقد وضع الحسين في استشهاده العظيم قانوناً للشعوب التي ترفض الأنصياع للظلم و تأبى إلا أن تكون لها الحرية و الكرامة و القضية . و ما زال دمه الثائر يطارد الطغاة و يدك عروش الظالمين في كل زمن ... و يزيد نفسه الذي هو بُعيد كربلاء إنما سقط في تلك اللحظة و من هذا المكان بالذات , و ما تبقى منه لوقت قصير لم يثبت غير ذلك , و إن تمادى في الترهيب و أستباحة المقدسات ) .
6ـ مراسم باقية ما بقيت الدنيا , فكل يوم عاشوراء , و كل أرض كربلاء .
من أدلة انتصار الثورة الحسينية أن كل الطغاة في العالم يمنعون أقامة مراسمها و مراسم تذكرها , في حين يحيون كل المناسبات الدينية , لكن فاجعة الطف ممنوع تذكرها و ممنوع أحياها , و ممنوع ذكرها أو جعل ذكر لها في التاريخ , كل ذلك لأنها الشبح الذي يخيف الطغاة , و الصوت الذي يصك أسماعهم , و النور الذي يعمي أبصارهم , و هي بحق ملك الموت الذي يتربص بهم , فأن أرادوا التخلص من كل ذلك فلابد من التخلص من فاجعة الطف و كل ما يتعلق بها , و هذا ما جرى عليه طغاتهم و وعاظ سلاطينهم من حرمة ذلك و المنع منه .
يقول المؤرخ و الكاتب المسيحي الأمريكي ( فيليب حتى ) في الأمام الحسين ( ع ) : ( أصبح اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي يوم حداد و نوح عند المسلمين , ففي مثل هذا اليوم ـ أي يوم عاشوراء ـ من كل عام تمثل مأساة النضال الباسل و الحدث المفجع الذي وقع للأمام الشهيد , و غدت كربلاء من الأماكن المقدسة في العالم , و أصبح يوم كربلاء و ثأر الحسين ( ع ) صيحة الاستنفار في مناهضة الظلم ) .
فأحياء فاجعة الطف مما يثير حفيظة الظالمين , مما حدا بهم إلى منع ذلك و التنكيل بمن يفعله , و الإنكار له , و التشنيع بمختلف الطرق و الأساليب عليه .و ما زاد ذلك الشيعة و المحبين إلا إصراراً و عزماً على مواصلة ذلك , بل إن الطغاة مارسوا بالإضافةِ للقتل و التشنيع و الترويع سياسة التهجير و الأبعاد مما أدى إلى انتشارِ مذهب التشيع و الفكر الحسيني و فاجعة الطف في جميع دول العالم و بذلك أنقلب السحر على الساحر .
يقول المستشرق الانكليزي ( وليم لوفتس ) في الأمام الحسين ( ع ) : ( و هل ثمة قلب لا يغشاه الحزن و الألم حين يسمع حديثاً عن كربلاء ؟ و حتى غير المسلمين لا يسعهم إنكار طهارة الروح التي وقعت هذه المعركة في ظلها ) .
كما و يقول الرئيس السابق للمؤتمر الوطني الهندي ( تاملاس توندون ) الهندوسي في الأمام الحسين ( ع ) : ( هذه التضحيات الكبرى من قبيل شهادة الأمام الحسين رفعت مستوى الفكر البشري , و خليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد , و تذكر على الدوام ) .
7ـ بقاء قبر الأمام الحسين ( ع ) علماً للمؤمنين , و مناراً للثائرين , و شوكة في عيون الظالمين و الحاسدين أبد الأبدين .
فهذا قبر أبي عبدالله ( ع ) منار و مزار من سالف الزمان و إلى قيامه , فأين قبور الطغاة , بل أين قصورهم ؟ . أن قتلة الأمام الحسين ( ع ) ليس لهم قبر في الدنيا يدل عليهم من يزيد إلى أدناهم , فهم قد مسخوا في الدنيا و الآخرة .
يقول الشيخ محمد حسين المظفر : ( .. و لو رأيت اليوم القبور العلوية المشيدة في دمشق عاصمة بني أمية , مع اندراس قبور بني أمية , لعرفت كيف يعلوا الحق , و إن أجتهد أعداؤه طول الزمن في طمسه ) .
و أشنع من ذلك ما فعله بهم بنو العباس إذ أخرجوا جميع جثث بني أمية المدفونة و أحرقوها كلها .و يصور الشاعر الطرطوسي السوري ( محمد مجذوب ) خريج الأزهر ما شاهده عندما زار النجف الأشرف و رأى قبر أمير المؤمنين ( ع ) , و ليقارن بذلك قبر معاوية بن أبي سفيان , لذا فقد وقف على قبر معاوية و قال :
أين القصور أبا يزيد و لهوها و الصافنات و زهوها و السؤددُ
أين الدهاء نحرت عزته على أعتاب دنيا سحرها لا يـــــنفدُ
ثم يقول :
هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه لأسال مدمعك المصير الأسودُ
كتل من الترب المهين بخربة سكر الذباب بها فراح يعربدُ
ثم يقول :
قم و أرمق النجف الشريف بنظرةٍ يرتد طرفك و هو باكٍ أرمدُ
تلك العظام أعز ربك قدرهــــــا فتكاد لولا خوف ربك تعبدُ
أبداً تباركها الوفود , يحثــــــــها من كل حدبٍ شوقها المتوقدُ .
يقول المستشرق الفرنسي ( جوزف ) عن أسباب ترقي فرقة الشيعة و تطورها : ( اليوم لا يوجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة إلا و يقيمان فيها المآتم , و يبذلان المال و الطعام , رأيت في بندر ( مارسل ) في الفندق شخصاً واحداً عربياً شيعياً من أهل البحرين يقيم المآتم منفرداً جالساً على الكرسي بيده الكتاب يقرأ و يبكي , و كان قد أعد مائدة من الطعام ففرقها على الفقراء ! هذه الطائفة تصرف في هذا السبيل الأموال على قسمين ؛ فبعضهم يبذلون في كل سنة من أموالهم خاصة في هذا السبيل بقدر استطاعتهم ما يقدر بالملايين من الفرنكات , و البعض الآخر من أوقاف خصصت لإقامة هذه المآتم , و هذا المبلغ طائل جداً , و يمكن القول بأن جميع فرق المسلمين منضمّة بعضها إلى بعض لا تبذل في سبيل مذهبها ما تبذله الطائفة , و موقوفات هذه الفرقة هي في ضعف أوقاف سائر المسلمين أو ثلاثة أضعافها . كل واحد من هذه الفرقة بلا استثناء سائر في طريق الدعوة إلى مذهبه , و هذه النكتة مستورة عن جميع المسلمين حتى الشيعة أنفسهم , فإنهم لا يتصورون هذه الفائدة من عملهم هذا , بل قصدهم الثواب الأخروي , و لكن بما أن كل عمل في هذا العالم لا بد أن يظهر له بطبيعته أثر , فهذا العمل أيضاً يؤثر ثمرات للشيعة , من المسلم أن المذهب الذي دعاته من خمسين إلى ستين مليوناً لا محالة يترقى على التدريج ترقياً لائقاً بهم , حتى أن الرؤساء الروحانية , و الملوك و الوزراء لهذه الفرقة ليسوا بخارجين عن صفة الدعوة , فقراء و ضعفاء هذه الفرقة بما أنهم حصلوا و يحصلون على فوائد كلية من هذا الطريق , فهم يحافظون على إقامة هذه المآتم أكثر من كبرائها ؛ لأنهم رأوا في هذا العمل ثواب الآخرة و أجر الدنيا , فلهذا ترك جمع غفير من عرفاء هذه الفرقة أسباب معاشهم , و أشتغلوا بهذا العمل , فهم يتحملون المشاق ليتمكنوا من ذكر فضائل كبراء دينهم , و المصائب التي أصابت أهل هذا البيت ( ع ) بأحسن وجه و أقوى تقرير على رؤوس المنابر و في المجالس العامة .... و من جملة الأمور الطبيعية التي صارت مؤيدة لفرقة الشيعة في التأثير في قلوب سائر الفرق هو أظهار مظلومية أكابر دينهم , و هذه المسألة من الأمور الطبيعية ؛ لأن كل أحد بالطبع ينتصر للمظلوم , و يحب غلبة الضعيف على القوي , و الطبائع البشرية أميل إلى الضعيف , و لو كان مبطلاً و المظلوم منها إلى القوي و إن كان محقاً و الظالم خصوصاً إذا كان بعيداً أو مرت عليه أعوام . و منصفوا أوربا الذين كتبوا تفصيل مقاتلة الحسين ( ع ) و أصحابه ( رض ) و قتلهم مع أنه ليس لهم عقيدة بهم أصلاً , أذعنوا بظلم قاتليهم و تعديهم و عدم رحمتهم , و يذكرون أسماء قاتليهم بالاشمئزاز .و هذه الأمور طبيعية لا يقف أمامها شيء , و هذه النكتة من المؤيدات الطبيعية لفرقة الشيعة ))
8ـ الاستبشار و السرور بالشهادة الموجود في معسكر الأمام الحسين ( ع ) .
فقد هازل برير عبد الرحمن الأنصاري فقال له عبد الرحمن : ما هذه ساعة باطل ؟
فقال برير : لقد علم قومي ما أحببت الباطل كهلاً و لا شاباً , و لكني مستبشر بما نحن لاقون , و الله ما بيننا و بين الحور العين إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم , و لوددت أنهم مالوا علينا الساعة .
و خرج حبيب بن مظاهر يضحك فقال له يزيد بن الحصين الهمداني : ما هذه ساعة ضحك !
قال حبيب : و أي موضع أحق بالسرور من هذا ؟ ما هو إلا أن يميل علينا هؤلاء بأسيافهم فنعانق الحور .
و كان معسكر الأمام الحسين ( ع ) يطغى عليه التعبد و التبتل , و الصلاة و التهجد , مما أثر في معسكر أبن سعد , ذلك المعسكر الواجم , المظلم , الغارق بالذنوب , و سواد القلوب مع سواد الليل .و لقد أثر معسكر الحسين ( ع ) في أصحاب ابن سعد فخرج منه من ألتحق بمعسكر الحسين ( ع ) لما شاهد سيماء الطاعة و الخضوع لله تعالى عليه . و فعلاً فقد بشرهم الأمام الحسين ( ع ) بالجنة في يوم العاشر من محرم , فلما فرغ ( ع ) من صلاة الظهر من ذلك اليوم قال لأصحابه : ( يا كرام هذه الجنة قد فتحت أبوابها و اتصلت أنهارها و أينعت ثمارها و زينت قصورها و تؤلفت ولدانها و حورها . و هذا رسول الله ( ص ) و الشهداء الذين قتلوا معه , و أبي و أمي , يتوقعون قدومكم عليهم , و يتباشرون بكم و هم مشتاقون إليكم ... )
و قال عنهم رسول الله ( ص ) : ( ... و أعلم يا أبا ذر أن للواحد منهم سبعين بدرياً . يا أبا ذر واحد منهم أكرم على الله من كل شيء خلق الله على وجه الأرض ... ) .
و قال ( ص ) : ( إن أبني هذا ـ يعني الحسين ـ يقتل بأرض يقال لها كربلاء , فمن شهد ذلك منكم فلينصره ... ) .
و قال عنهم أمير المؤمنين ( ع ) : ( ... لا يسبقهم من كان قبلهم , و لا يلحقهم من كان بعدهم ) .
و قال سلمان المحمدي : ( ... فإن القتيل معه ـ أي مع الأمام الحسين ( ع ) ـ يعطى أجر سبعين شهيداً , كلهم كشهداء بدر و أحد و حنين و خيبر ) .
9ـ الثبات الحسيني المنقطع النظير .
قول عبد الله بن عمار بن يغوث : ( ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده و أهل بيته و صحبه أربط جأشاً منه , و لا أمضى جناناً و لا أجراً مقدماً , و لقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها , و لم يثبت له أحد ) .
و قول السيدة زينب ( ع ) لمن قال في مجلس أبن زياد : إن الحسين جاء في نفر من أصحابه و عترته , فهجمنا عليهم , و كان يلوذ بعضهم بالبعض , فلم تمض ساعة إلا قتلناهم عن آخرهم .
فكان جواب السيدة زينب ( ع ) : ( ثكلتك الثواكل أيها الكذاب , إن سيف أخي الحسين لم يترك في الكوفة بيتاً إلا و فيه باكٍ و باكية , و نائح و نائحة ) .
10ـ خوف الأعداء من الأمام الحسين ( ع ) و من أبيه علي ( ع ) .
فالأمام الحسين ( عليه السلام ) يخيف الأعداء حياً و ميتاً
فنجد عمر بن سعد يقول لجيشه : ( هذا أبن الأنزع البطين , هذا أبن قتال العرب ) .
و يقول : ( ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه و حرمه , و الله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم ) .
11ـ كسر الطوق المفروض على الحديث النبوي .
فقد تعرض الحديث النبوي للمنع و التزوير , و إن الثورة الحسينية فتحت الطريق لنشر الصحيح منه و الذي خفي عن الأمة بسبب سياسة الخلفاء الثلاثة , و سياسة بني أمية بعدهم و على رأسهم معاوية , و بعد الثورة الحسينية فتح الباب على مصراعيه ليطرح أهل البيت ( ع ) بكونهم الامتداد الحقيقي للرسالة النبوية , و محور الإسلام , و الملجأ الصحيح للناس . بعد أن غفل عنهم الناس و تركوهم و أنكروا حقهم , و حاربوهم . و قد أشار الأمام الحسين ( ع ) لهذا بقوله : ( ... فإن السنة قد أميتت , و البدعة قد أحييت ) .
يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء : ( ... و لولا شهادته سلام الله عليه لكانت الشريعة أموية , و لعادت الملة الحنيفية يزيدية ... ) .
يقول الدكتور علي شريعتي : ( و ها هم بن أمية يلجأون إلى سلاح غير سلاح القهر و القمع و البطش و المال , بل أسلحة أفتك , و أشد و أدهى , فيطلقون تيار (( الجاهلية الجديدة )) لاجئين إلى مخطط جديد يهدف إلى زعزعة الإيمان و تجميد الفكر و شل القيم و إطلاق الرغبات و إشاعة الأبتذال و خنق الحرية و نشر الفكر العبودي . و كان هدف الحملة الجاهلية الجديدة ؛ العقول و النفوس لهدم البناء الروحي الذي كان أحد معطيات الإسلام و شل قواه و طمس معالمه في القلوب . ) .
فكانت الثورة الحسينية الفتح الذي أخذ من خلاله أهل البيت مكانتهم في المجتمع بكونهم قادة و أئمة هدى منصوص عليهم من قبل الله تعالى على لسان نبيه الأكرم ( ص ) .
يقول إبراهيم بيضون : ( ... و في ضوء ذلك , يسقط التفسير الذي توحي به الروايات التاريخية , رابطة تحرك الحسين بموت معاوية القوي , و مجيء يزيد الضعيف , فالمسألة ليست خاضعة في الأساس لهذا الاعتبار , و لم يكن كلاهما , الأب و الابن , هدفاً في حد ذاته , و إنما كانت حالة الانحراف الآخذة في التفاقم , و إن كان الابن قد فرض تسريعاً لهذا التحرك بما يحمله استخلافه من ضرورة للمواجهة , فيما كان حكم الأب ما يزال يمثل في رأي الرافضين له , حالة اغتصابية للخلافة , تم التعامل معها و كأنها حالة مؤقتة لابد من تصحيحها و إن طال الزمن ...و الجماهير الخاضعة رغماً عنها كانت في أمس الحاجة إلى تلك ( الهجرة ) الجديدة , لتحصين الأمة من الأنحراف الذي أستفحل و أستعادة قيمها التي التبست , و تقويم المسار الذي افتقدت معالمه , و كاد ينقطع بها عن ( الهجرة ) الأولى ) .
12ـ أصبحت كربلاء مدرسة للأجيال .
فكربلاء و نظائرها من ملامح التاريخ الإنساني , هي التي سارت بالبشرية نحو الكمال , و خلقت لدى الناس حس التضحية في سبيل الحق و العدل و الإنسانية , فلقد تجلى في ملحمة كربلاء الاستعداد البشري للتضحية عن دين الله , و الكرامة الإنسانية , كما و قد تجلت فيها حقيقة المواجهة مع الظلم و الطغيان أياً كان و كيف كان , فلا حسابات عسكرية , و لا عدة أو عدد فقط ( لا سكوت عن الظلم )
كما و تجلت في كربلاء حقيقة عدم التعلق بالمغريات الدنيوية , أو التمسك بالحياة و الحرص عليها , فقد كان المهيمن عليها ( إن الموت لابد منه ) , ( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ) . فلابد إذاً من الحرص على موتةٍ كريمة كالحرص على الحياة الكريمة بل أكثر , فأن لم تكن هنالك حياة كريمة فهنالك موت كريم , موت به رضا الله تعالى .
و هذا ما جسده الأمام الحسين ( ع ) بقوله : ( ألا و إن الدعي أبن الدعي قد ركز بين اثنتين ؛ بين السلة , و الذلة , و هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون و حجور طابت و طهرت و أنوف حمية و نفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام , ألا و إني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد و خذلان الناصر ) .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=71496
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 12 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19