• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : دعوة الله والحسين للمنكوبين الى بيوتهما .
                          • الكاتب : بهاء الدين الخاقاني .

دعوة الله والحسين للمنكوبين الى بيوتهما

تتعالى الأصوات بل وتوحّدت بدعوات الاِصلاح، وكانت رايتها في ذلك مبدأ الحسين الاِصلاحي، فاِن لم نرتقي لها بايواء نازح وحماية مهاجر وتغذية فقير وكفالة يتيم وستر أرملة ووو.. ، فصدقوني ستتوقف أقلام الملائكة عن سجل اليمين للتحول الى سجل الشمال، ونعوذ بالله من سجل الشمال، لأننا لم نكن قادرين على اِكرام هموم هؤلاء المبتلين واستجابة كريمة لأمنياتهم البسيطة، وعندما نستكثر على هؤلاء الذي أنعم الله علينا بالابتلاء بهم كاِخوة في شدّة، فلم نَصُن الحسين (ع) ودمَه في هذه النعمة، بل وسيمسي طموحنا الوطني بوصف ليس من شيمنا، وحاشاكم من ذلك، فحذاري من الحديث النبوي الشربف:
( إنّ أخوَفَ ما أخافُ عَليكُم الشركُ الأصغَرُ)، وهو الرياء..
فقد رهن شبابنا النفس دون بخل بالدماء اِنتصاراً للحق والوطن والأعراض، فكانوا مصداق الأية الكريمة: (( رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه))(الأحزاب)..
 فلابد للجبهة الثانية الشعبية من البسطاء أن تنحاز للبسطاء من النازحين والمهجرين وأبناء الشهداء والأرامل والأيتام وووو، لتكون أيضا مصداقا لنفس الآية، دون الوقوع في مصداق سورة الماعون:
((أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ))..
هذا تحذير ربانيّ، كيما يكون رفع الشعارات صادقا عمليّا، ومنها لبيك يا حسين، كما صَدَق الشهيدُ بها من أن يكون اذان الحق عاليا ...
بعيدا عن العصمة والاِمامة والاِصطفاء فاِن الحسين (ع)، هو طموح واُمنية اِصلاحية لكل انسان ببساطة الفكرة وسهولة تطبيقها، ويقدر الناس تلمسها بعقل بسيط ومشاعر أبسط. اِنّ مقياس الاِنتماء الحسيني هو ما يلمس من احترام الجميع وما يشاهد من محبّة الحق وعشق الوطن.
عندما يكون المسجد اِيواء لعائلة نازحة أو الحسينية حماية لأسرة مهجرة ومائدة الحسين تغذي محتاجين وخبز العباس تكفي أرامل وصينية القاسم تسعد الأيتام، والنذور تشبع المحتاجين، فبمدى هذا القرب من العطاء، سيكون الله عزوجل ونبيه وأوصيائه من آل البيت، فضلا عن سيد الشهداء جميعهم عليهم السلام بعد الله عزوجل قريبين منا، فماذا يمكن أن نوصف خذلان هؤلاء؟ وحاشاكم من هذا الوصف ..

لا يمكن أن نكون صادقين لرمز السماوات الخالد الاِمام الحسين (ع) ولا أوفياء لرسول القضية الاصلاحية في الاسلام سيد الشهداء (ع) اذا نامت عائلة نازحة في خيم تتهالك بالأمطار ومكثت اُسرة مهجرة بين جدران الخرائب وذهبت الأيتام الى الاسترزاق في المعابر دون مقاعد الدراسة ومدت أيديها الأرامل لذلّ الفقر والاِستجداء، عندها أقول قد خانت الجميع الذاكرة ضد ما علمتنا المنابر وأعطينا ظهورنا لملحمة الطف رغم موائد القيمة والرز وخبز العباس وصينية القاسم والنذور، وما استهدفت من عزة البشر عموما دون تحديد،.
هنا غاب عنا التساؤل لماذا نحب الحسين؟
ألم نجده في غربة المهجرين ونكبة النازحين ويتم المحتاجين، وهو يوجهنا عليه السلام بالاِستجابة لهؤلاء المساكين؟
ألم يعز عليّنا هذا الوصف لأنهم عراقيون؟
أليس هم مجاورون لوطن الأنبياء والأوصياء ولعاصمة المنقذ السماوي؟
ألسنا ندعي اِننا خدام الحسين وأهل البيت ورسالات السماء، لأي قوم كانوا ومن أي مدينة ومذهب ودين؟ 
أليس بكاءنا على سيد الشهداء (ع) ولطمنا عليه، هو ان نأخذ عِبرة لابتلاءات هؤلاء الناس والتهوين عليهم؟
بعد هذه الاسئلة أقول اِن لم نترحم على الحسين عملياُ باحتضان اِخوتنا هؤلاء في شدتهم، ماذا سيكون وصفنا؟ وحاشاكم من ذلك الوصف ..

هؤلاء المبتلين هم أقرب الى الحسين (ع) بسبب ابتلائهم، لأنهم شعروا بمذابح أبنائهم عبر مذابح الطف، وبموكب السبايا في قوافل سباياهم من مدنهم المهدمة، اِنهم يستشعرون الاِمام وأصحابه بهمومهم. أبتلاهم الله بهذه الشدة كي تتواضع جراح أبنائهم أمام جراح شهداء كربلاء، وأن تلامس أحزان ثكالى أهل البيت هموم هؤلاء وآلامهم لفقدهم الأعزاء أطفالا ورجالا وسبايا نساء.
لأقول ما عدا شهدائنا وأبطال جيشنا وحشدنا ومنزلتهم التي تفوق الجميع دنيا وآخرة، فنحن أقل درجة ايمانية وحسينية من هؤلاء المهجرين والنازحين حتى واِن لم ينتمي البعض الى مذهب أهل البيت، فكم فيهم كالحرّ الرياحي أو زهير بن القين أو جون المسيحي، ومن الذين لم يكونوا أتباع أهل البيت، ولكن بالاِنتماء الحسيني حسنت عاقبتهم وأصلح باِصلاح الحسين سلوكهم، لأنهم وجدوا اِنسانا ارتقى بهم الى مكارم الأخلاق السماوي، واِن كان الثمن الاِستشهاد.

هذه فرصتنا أن نحتضن من مرّ عليه ضباب لمعتقده أو خوف منا أو خشية على نفسه، ليعود اِصلاحا اِنسانيا، وسيعود مادام هو ابن حلال، فلا نخشى من هذه الفرصة، فنحن لا نريده تابع لمذهب أهل البيت بل نريد أن نصنع منه انسانا بناء محبا حضاريا لوطنه، ويعود الى بيته منتصرا في ذاته ومشيّدا في حيانه، بعد أن أهدى له أحرار العراق وشبابه هدية النصر على الاِرهاب ومنهج الانقلاب على الأعقاب، فاِن كانت سلوكيتنا خلاف ذك، نعوذ بالله من ردّة كردّة الشمر وعبيدالله بن زياد والانحدار لسوء العاقبة، كمن خان الاِمام الحسن المجتبى أو أولئك الذين خانوا أهل البيت وهم يرفعون رايات الحسين ثائرين ضد الأمويين ليؤسسوا دولتهم العباسية، أو من ثار ضد العباسيين وغيرهم ليصرخ الاِمام جعفر الصادق بهم: (لا أنتم من رجالي ولا الزمان زماني)...
 والتاريخ يحدثنا بالكثير من سوء العاقبة، وحاشا الشعب العراقي من هذا الوصف ...
دعونا نترك الزعماء والقادة والرؤساء، فمع الأسف هناك من له القدرة على تمثيل الطيبة في سبات الضمير، لأنهم بقصد وغير قصد يعيشون وهما من أنهم أكبر من تضحية سيّد الشهداء بل ويتوهمون أن منهجهم أبلغ اصلاح من اِصلاح النهضة الحسسينية،، فخذلوه بمواقفهم كما ظنوا بأنفسهم، فتخلف الاقتصاد واستفقرت الموارد وغرقت الشوارع وجف الضرع ويبست الزراعة وانتكس التعليم وقحلت المعامل ووو.. فكونوا أنتم بهذه الخطوة شعب العراق الحسيني نهضة ونهجا واِحياء فكرة وواجبات وحقوق، ففي الوقت الذي انسلخ القادة والزعماء عن نهج الاِصلاح الحسيني فأنتم كنتم أعمدة الاِحياء الحسيني بدماء أبنائكم، فعليكم استكمال المسيرة باِيواء المبتلين، ليكون المجلس الحسيني ظاهرة عالمية بحماية الناس بالناس، واجعلوا رايات العراق الحسيني المنتصرة تتوثق بسواعد أبناء هؤلاء المُضَيفين في أحضانكم، وطهروا بالبكاء على الحسين وشهداء الطف اِعادة توطين لمشاعر هؤلاء الى النهج الصحيح، لا يهم من أي مذهب كانوا أو دين واتجاه، لأن الاِصلاح الحسيني عالمي انساني، ولينشأوا بخطابات المنابر والمنشدين تعليما وتربية ومدرسة مجانية لجموع هؤلاء بين ظهرانيكم، سيكون هذه هي ترجمة سيرة الحسين (ع).
 ما يجري علينا أحداث أرادها الله بها اكتشاف الحقيقة لانتمائنا، مثلما كان بلاء هؤلاء في التهجير والنزوح تجربة لتمحيص وعيهم، واذا استمر النازحون والمهجرون والأيتام والأرامل على وضعهم دون تغيير، وان لم نقم بمنجزنا الحسيني التكافلي، أخشى من لون العاقبة الأتية نعوذ بالله، وعافاكم الله من ذلك ...
شعبنا قدّم ومازال يقدم مواكب الشهداء لأجل العقيدة والحرية والسلام، مصابرا علي جراحاته، يسجل عظمة في التاريخ، فعليه أن يجعل هذه المكابرة في نزفه أعمدة للنهوض وترجمة للانتماء لمنهج الحسين عليه السلام، وان كان يستحق قيادة بمستوي تضحياته وعشقه للوطن ومنهجا كالحسين، في الوقت الذي هو طموحنا أن يكون الراعي والرعية على قدر الأمانة التي حُمّلوا بها أو اِدعوها سوية، ولكن يمكن ان يتبصر الشعب عبر هذا المنجز البسيط كما فعل الأنصار (رض) في استقبال النبي (ص) ومواكب المهاجرين (رض) لاقتسام البيت والرغيف سوية، فالعراق بتضحياته أحق بتكرار هذا الموقف التاريخي الذي سجلته السماء، ومن يرتقي لقيادةٍ كقيادة الحسين (ع) له ماديا وروحيا، ودليله هذه المرجعية الدينية في النجف الأشرف التي سددت خطاه ودعمت بالممكن مما تستطيع من هنا وهناك وعبر ممثليها في العتبات المقدسة والتغذية اليومية، فمثل هذا الشعب والذي أكرم أهله وضيوفه من الأخوان والأصدقاء خلال أيام المناسبات وبالأخص شهري محرم وصفر في سفرة الحسين العالمية عطاء وكرما وضيافة وايثارا، يستطيع أن تكون حسينياته ومساجده ومضايفه العشائرية اِيواء وسفرته الحسينية العالمية تمتد لجموع المنكوبين من ابناء هذا الشعب حتى يوم الفرج والنصر وعودتهم، ليسجل الموقف هذا درسا للانسانية وعبرة للمترددين، ولا يأبه اذا خذلته الساسة والقادة المنشغلون بالنرجسية والبرستيج والتهم المتبادلة وغياب الذاكرة، والتفنن بالشعارات دون العمل، ومن المؤسف أن ينطبق عليهم وصف الإمام علي (ع):
(المرائي يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في الناس).
فبالتالي سيكون الشعب هو القائد بأشراف سبط المصطفى (ص) وحصن النهج الرباني للسلام والحرية ونهضة الأمّة، لنكون مصداق من يستجيب لأمر الله عزوجل:
 (( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ))(الضحى) ...
وان شاءالله حقا مصداقا لمفهوم (كما تكونوا يولى عليكم) وانتم وليكم الحسين (ع)..
الشعب العراقي لا يستحق أن يتهم بالرياء أو يتجرء عليه أحدٌ، ويقول أنه منافق أو كذاب في شعاراته ومهرجاناته الحسينية ومجالسه وضيافاته، ولا يستحق ولاة الا بمستوى ما يعتقد هذا الشعب بالِامام الحسين (ع) ومبادئه، ولهذا عليه كما ورد النص: (اِعقل فتوكل)، ومن اِمارات ذلك هذه الخطوة التكافلية، اذا ما تصورنا أكثر من عشرين الف مسجد وحسينية وعباسية وزينبية وحيدرية ومضيف عشائري، يحتضن عائلة واحدة لا أكثر، فالنتصور ما هي المعجزة الاجتماعية الحسينية التي ستدهش العالم، وما هو الأثر الوضعي الرباني لها والأثر المعنوي في السياسة والاِعلام والمجتمع والاِنسانية والاِقتصاد .
اِنّ شعبنا أدرك وأثبت للعالم لولا نهضة الاِمام الحسين (ع) الاِصلاحية لكان قد عرّفَ الجاهلون الاِسلام بالأرهاب عالمياً، ذلك المعنى الذي حذر القران منه الأجيال بالاِنقلاب على الأعقاب، وهذا منجز شعبنا اليوم وهو يبهر العالم بانتشال أخوانه من الشوارع والطوارق وعوادي الدهر والأرهاب والاِفساد ...
اِن ايواء الأسر النازحة والمهجرة والمنكوبة بالأرهاب في المساجد والحسينيات والمضايف، هو مهرجان لمجلس حسيني دائم البركات، ينزل الرزق ويحقق كمال الثواب ويعجل بالنصر بقانون السماء والسنة الربانية لقانون الآثار الوضعية، خيراً فخيراً، وشرا فشرا، لأن الثواب اليوم في تجربة العراق ومواكب شهدائه يحتاج لتحد في الضمير والذات، فبمقدار ما تكون هذه الضيافة منّا جهادا للنفس في تحمل هذه الحشود سكنا وتغذية وحماية وتعليماً، فاِنه في نفس الوقت هي استجابة ربانية لدعاء هؤلاء المبتلين ونتيجة الصبر للنوع الثاني من جهاد النفس لديهم، ليجري الله عزوجل على أيدينا الاِستجابة فيكون الاِيواء نعمة لهم ورحمة لنا ...
فتصوروا ماذا ستكون النتيجة من حبّة تمر ليتيم وشفة ماء لأرملة ووو... الى جانب دعوة مظلوم جائع مشرد لاترد، لأن حسينيو العراق بهذا المعنى شعب مواقف وليس شعارات، هذا اِن كانوا حسينيون حقا، وتصوروا نعوذ بالله وحاشاكم اِن كان عكس ذلك، ستكون أزمة مضافة لابتلاءاتنا هي وصف لا يناسب شعب غيور كريم مضحي، لأن الجمال عليه أن ينطق من خلال الجوهر وليس مجرد المظهر والا كان نفاقاً...
علينا تصحيح التاريخ فلم تنقسم الأمّة بسبب سايكس بيكو بل بسبب خيانة الزعماء، ولم تضيع المقدسات بسبب وعد بلفور بل بأنانية القادة فيما بينهم، ولا توجد مؤامرات استعمار بل انحدار ثقافي يتسيده الجهل ببناء الواقع فيكون مهيئا لهذا وذاك، فلا يقاس الصدق بألوان الحديث لأن للخيانة بريق يدهش الأنظار، ومن أمثلته المعاشة هذا الربيع العربي الذي تحول الى ربيع دماء شباب أمّتنا، صراع بين الجهل والمعرفة، وبين الجنون والعقل، فطالما كانت حلاوة العسل تمكِن السم من قتلنا، لذلك نبهنا الحسين (ع) من أن استشهاده في هذه الأمة جعلها لا تنهزم، ولكي نفهم هذه الحقيقة علينا أن ننصره بالعلم والمعرفة، لنضيء سبيل الحرية وأن لا يسرق منجز هذا الشعب الناهض ويستثمر ضد مصالحه ..
اِذن ستكون مبادرة اِيواء النازحين والمهجرين والمشردين، بوابة الخروج من المآسي السياسة نحو التكافل الاجتماعي الحسيني، فلنا عِبْرَ هذه النفوس المبتلية لأخواننا والتفريج عن شدتهم موعد في الحياة مع الحسين (ع)، عندما يستعرض أعمالنا، حيث هذا المنجز التكافلي دليل الصدق لانتمائنا للاِصلاح الحسينيّ ماديا ونفسيا ووطنيا، لأننا أمناء على بيوت الله عزوجل وأهل البيت ولا يحق لنا منع ضيوفهم من الاِحتماء بها.
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=69920
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28