• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : لا اريد دبابة اخر ما تبقى من اجابة .
                          • الكاتب : عقيل العبود .

لا اريد دبابة اخر ما تبقى من اجابة

ربما هيَ أمنية لا تختلف عن غيرها من الأمنيات تلك التي كانت تلازم ذهن الصبي؛ فرحان لم يكن كَأِسمهُ فرحاً؛
-------
 كانَ عابساً حزيناً حينَ باغت حزنهُ سؤالٌ مفاجيء، يوم سألَه عن أمنياتهِ البسيطة ذلك الصحفي، لم يجبْ بسرعة كما يفعلَ الآخرون، فقد راودهُ صمتٌ كثيف، كأنه قد أستفزه قبل أن ينطق، بينما بقي السؤال  فاتراً ينتظر رداً مختصراً، برهةً حتى أطلقَ إجابته البسيطة: أمنيتي، أمنيتي أن لا أرى دبابة.
-------
وقف السائل  نظرة متأمل بكل ما يحيط من حوله، الدبابة تلك الكتلة المخيفة، ذات السرفة الكثيفة، تلك الصورة التي توحي بالقتل، اوتلك المشاهد من الحراب، والبنادق، والخوذ الفولاذية، يتبعها صور أخرى من الخوف؛
------
المارة تلك الاجساد الواهنة، الطفلة التي كانت تربتُ على ذراع أمها المتشحة بالسواد، اوتعانقها على ما يبدو، أطفال فارقوا الحلم بعد أن تلاشى فجأة صوت معلمهم الذي غادرهم دون وداع. 
-------
الشوارع المتعبة، أصحاب العربات، أولئك الذين ما انفكوا يحملون أكداساً مجهولة من الحمولات، النفايات التي تحمل أمنيات، فارقت ما تبقى لها من حنين.
-------
أنين تحمله دموع لا تعرف معنى البكاء، 
البنايات المهشمة، الاعمدة المتساقطة، المحلات المغلفة، اللافتات السوداء، البلاط، الخوف، الوجوه الشاحبة، النساء، الجالسون عند عتبات تلك الأزقة، الجدران الكونكريتية، محمود العم الذي فقد ذراعيه، المقهى التي قررت أن تفارق حكايات أحبتها.
-------
السيارات المارقة بسرعة جنونية، المتسربون، المتسولون، المهاجرون داخل الوطن، الجنازات التي أُعِدت لتحملَ بين أروقتها أطباق جديدة من التفاصيل، الجثث تلك التي كانت تنتظر دورها هي الاخرى، كأنها جوازات سفر منجزة تنتظر أصحابها لتسافر، الأكفان بالمقابل عبارة عن ملفات من الأسئلة، وتلك أشلاء بشرية لم يتم دفنها.
-------
إنفجارات في مناطق متفرقة، مُفخخون يمتهنون حرفة السياسة، ملثمون يمارسون فنون القتل والترويع، عسكريون رجال شرطة، مدارس معطلة، حراب، قتل، ديناميت محلي الصنع، وزراء معطلون، تمثال الرصافي بلا قصيدة، صمت، أخبار مفبركة مواضيع لا علاقة لها بما يجري، سيناريوهات غير مألوفة.
-------
الشوارع، الماء، الكهرباء، الجمهور،
ضحايا يُسرقُ منها نوعين من الدم؛
العراق يستغرق مرة أخرى في دوامة حزنه القديم.
-------
المشاهد لا تختلف بطبيعتها عن تفاصيل إستغاثات تبحث عن قلوب تخفق لإجلها، عن مشاعر تلتقطها.
-------
لقد باتت تلكَ الصور بحاجة إلى ضمائر تنطق لأِجلها، فلم تَعُدْ هنالك كاميرات قديم على عهد أيام زمان.
-------
الكاميرا في السابق كانت بلونين فقط هما الاسود والابيض، لم تكن العدسات تنطق بالالوان الرمادية كما في يومنا هذا، الكاميرا في السابق تحملها عين واحدة، قلب واحد، شعور واحد، كانت تمارس دورها بنقاء مطلق، كانت جزء من مشروع يحمل في نواياه رسالة صحفي  يكتب فقط لأِجل أولئك الذين يبحثون عن دفء يأويهم؛
-------
فهي لم تكن تحملها أكتاف مترف اومهرج يبحث عن شهرته في فنادق الخمس نجوم، لقد تغير كل شيء؛ شاشات التلفاز، الموضوعات، القيم، الحلم ذاك الذي كنا نبتغيه أيام زمان تغير هو الاخر،
كانت أحلامنا تحلق بنا نحو السماء، المعلم كان يسألنا السؤال المعهود ماذا تحب ان تكون، فيجيبُ بعضنا أن أكون طبيباً، أومهندسا.
-------
لقد تم إستبداله ذلك الحلم ببطاقات لا تنتمي إلى حقائق طفولتنا، وجوداتنا تلك البراءة الحالمة.
-------
ففرحان حلمه، ليس كأحلامنا ايام زمان، ما يبتغيه هو أن لا يرى دبابة، ولهذا لم يسترسل الصحفي بأسئلة اخرى، بعد أن أستدرك أنه وحدهُ ذلك الصغير كان قد أدلى بكل ما بحوزته من إجابة بإيجاز ذكي وفطنة متميزة.
-------
إنصرف الصحفي حاملاً معه كل ما يدور بذهنه من أسئلة، ليلوذ بعدها خلف أمنيات تحمل معنىً كبيراً، فاجابة فرحان تكفي لإعداد ملفات لا حصر لها من الموضوعات.
--------
ساندياكو
نشرت على موقع النور 2009
نقحت من قبلي: 11/7/2015



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=69882
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29