• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الحسين في ديوان العرب(10) .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

الحسين في ديوان العرب(10)

في كربلاء أعاد شعر الرثاء اكتشاف رهافته وكأنه يولد لأوّل مرّة في الشعر العربي..خلّد الشعر العربي تراجيديا الحسين وأهل البيت..فاض الشعر ها هنا بقدر فيض الدّماء..فالشاهدون على الفاجعة هم أقرب الناس وأشعر النّاس..ودائما مع الشعراء النساء الذين ذهبوا مذهبا عميقا في النعي والرثاء ينطلق من صدورهن كالدمع إذ يذرف من المحاجر..من الرباب زوجة الإمام الحسين وبنت امرئ القيس إلى السيدة سكينة ابنت الحسين والرباب إلى السيدة أم كلثوم..لقد عرفت كربلاء حضورا لهؤلاء العظيمات اللاّئي منحنا كربلاء نفسا حزينا ورقيقا من خلال خطاباتهن وأشعارهن التي نعوا بها أبا عبد الله الحسين..لم تشهد كربلاء زينب الكبرى وحدها..بل كان ثمة زينبان..زينت الكبرى وزينب الصغرى المكنّاة أم كلثوم..مرّة أخرى نتساءل حول هذه القلوب التي احتضنت كل هذه الفاجعة..أم كلثوم التي شهدت مقتل أبيها الإمام علي بن أبي طالب، وأخيها الحسن وأخيها الحسين..مسلسل تراجيدي مكثف..أي كائن يتحمّل كلّ هذا إلا أن يكون من بيت يسكنه أهل الأسرار.. لعل معجزة تحمّل كل هذه المأساة هو في نظري اكبر دليل على إمامتهم..فلا يتحمّل امرؤ شيئا مما تحمله هؤلاء فرادى وجماعات إلاّ وفقد لبّه وبلى قلبه..سبق لأم كلثوم أن نعت أباها عليّا حين التفت بكل من الحسنين فيما ذهب إليه أبو مخنف قائلة:
ألا يا عين جودي واسعدينا +++ ألا فابكي أمير المؤمنينا
وتبكي ام كلثوم عليه +++ بعبرتها وقد رأت اليقينا
ألا قل للخوارج حيث كانوا +++ فلا قرت عيون الحاسدينا
كانت في التنمّر مثل أختها زينب..وفي سمتها مثل أمها الزهراء..وهي من النساء الأركان في هذا البيت الشريف..ففي كربلاء قضى أخوها وبعلها أيضا عون بن جعفر..وعلى ذكر عون ابن جعفر وهو زوجها الذي بقي زوجا لها حتى قضى بكربلاء ما يجعلنا نستبعد كونها زوجت عمر بن الخطاب..فهذه القضية لا أدري لماذا الإصرار عليها مع انّها لم تثبت بالقرائن التاريخية..على الأقل حتى لو استبعدنا مقتل عون بكربلاء، فإننا نجد فيما يقرّ بن حجر في الإصابة وان عبد البر في الاستيعاب من أنّ عون بن جعفر قتل يوم تستر بينما مات عمر بعد تستر بسبع سنوات..ليبقى السؤال: كيف سيتزوج عون أم كلثوم بعد عمر؟؟؟؟.. بينما أمام اضطراب تلك الروايات نحن امام إقرار بأن عون ممن قتل بكربلاء كما في مروج الذهب للمسعودي والدر المنثور..وقد ذيّل الذهبي على رواية النيسبوري في المستدرك على الصحيحين حول هذا الزواج بوصف الرواية: قلت منقطع..قضية الزواج لا علاقة لها بالعواطف والميول..وثمة تفاصيل أخرى تجعلها رواية بالغة الغرابة والتناقض..فهي من الواقعات التي تثبت بدليل..ولكن لا دليل على ذلك..ظلت أم كلثوم ملازمة بيت أبيها والهاشمين..وكانت قريبة من أبيها حين فاضت نفسه المقدّسة..وحينما قتل الحسين خطبت في أهل الكوفة:
"يا اهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه وانتهبتم امواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه فتبا لكم وسحقا.. ويلكم أتدرون أي دواهِ دهتكم ، وأي وزر على ظهوركم حملتم وأي دماء سفكتموها ، وأي كريمة اصبتموها ، وأي صبية سلبتموها ، وأي اموال انتهبتموها ، قتلتم خير رجالات بعد النبي ونزعت الرحمة من قلوبكم ألا ان حزب الله هم الغالبون وحزب الشيطان هم الخاسرون"..
نفس زينبي واحد..بل قل هو نفس فاطمي واحد..بل تلك هي نبرة عليّ وبنيه..ذكورا كانوا أم إناثا..صغارا كانوا ام كبارا..فهم أهل حجاج حاسم..وأهل فروسية ونخوة لا تضارع..أبكت الجموع يوم نعت أباها الذي قضى على يد أشقاها..وأبكت الجموع يوم نعت أخاها الحسين..وكأنّ هذا البيت صمم ليكون أهله قرابين بين يدي الله..قالت أم كلثوم:
قتلتم أخي ظلماً فويل لأمكم+++ ستجزون ناراً حرها يتوقد
سفكتم دماء حرم الله سفكها +++ وحرمها القران ثم محمد
فهم انتهكوا الحرمات..وقتلوا المقدّسين..ولم يبالوا بما فعلوا..الناس من حولها تعجّبوا لأنّهم لم يكونوا ليدركوا أنّ آل سفيان هم منافقون متربّصون ينتظرون التمكين ليس إلاّ..وهذا حال الناس البسطاء دائما في الأحداث السياسية..فهم يتعجبون ولا يستوعبون وربما بسبب عجزهم عن استيعاب الحدث يعمدون إلى التبرير والبحث عن الأعذار للمجرمين..سبب حيرة الناس هو أنّهم لا يعرفون كيف يميزون بين أهل الحق وأهل النفاق..تنطلي عليهم الحيل فيخلطون بين أهل الله وأهل إبليس..وعادة ما يساوون بينهم..وفي التسوية بين أهل الحق وأهل النفاق دجل قديم وبهتان عظيم وخذلان كبير..فعند أهل الحق والتحقيق لا يستوون..وفي القرآن(أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون)..وقضية الحسين هي هذه..إنّه أهدى نحره لله لأنّ لا طريق لإيجاد فيصل بين أهل الحق وأهل النفاق إلاّ بفاجعة..لقد اخترق المنافقون كل الأطر والمديات..وباتوا أهل الدار..بل أهل البيت..ولم يكن أمام الحسين سوى أن يمضي إلى نهاية التحدي..ومع ذلك بقي وراءه من يساوي بين الحسين ويزيد ويعتبر أنّ ما حصل بينهما هو نزاع سياسي كما يجري في الأحزاب السياسية..ثورة الحسين كانت بحجم تغلغل النفاق..بحجم بلادة الشعور الرعاع التي لا تفرق بين كوعها وبوعها..لا بدّ من حدث دراماتيكي حتى لا يختلط الحق بالباطل، فعل الأقل تبقى ملامح الفروق موجودة.. في نعي أم كلثوم قيمة احتجاجية كسائر المرثيات التي صدرت عن شعراء أهل البيت..لقد بات أهل البيت طرائد وأغراب ومشردين بين الديار..وماذا تبقى في دار الإسلام إن كان المنافقون أخروا منها أهل البيت وهم أهل الدار؟ تقول أمّ كلثوم في بيت يقضّ المضاجع وتنقطع له الأنفاس..وهو من أجود الرثاء الذي تجفّ من هوله الدموع:
مدينة جدنا لا تقبلينا +++ فبالحسرات والاحزان جينا

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=69714
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 11 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19