• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ومضة حسينية.. .
                          • الكاتب : كريم الانصاري .

ومضة حسينية..

 أربعة عشر قرناً مضت على واقعة الطفّ الشهيرة ، ملحمة كربلاء المثيرة ، ففي زمن حكومة يزيد بن معاوية وفي العاشر من شهر محرّم الحرام سنة 61 هـ – الذي اشتُهِر فيمابعد بيوم عاشوراء – قُتل الحسين بن عليّ بن أبي طالب وسبعون ونيّف من صحبه ، في معركة غير متكافئة العدّة والعدد ، طرفها الآخر الجيش الاُمويّ ذو الثلاثين ألف جندي، المدجّج بأرقى وأحدث أنواع الأسلحة والإمكانيّات آنذاك   .
نعم ، هي معركة حُسمت عسكريّاً لصالح الجيش الاُموي خلال ساعات قلائل ، فقُتل جميع مَن في معسكر الحسين بن علي ، وسُبي واُسر سائر مَن بقي من رحله نساءً وأطفالاً ، ولم ينج من الرجال سوى عليّ بن الحسين المعروف بزين العابدين .

إنّ المخيال البشري والذاكرة التاريخيّة تنطويان على العديد من النماذج والمصاديق المماثلة لهذه المعركة وماآلت إليه من نتائج ومآسي ، بل وربماأشدّ تراجيديّةً وعنفاً وقسوةً ، فما أكثر الرؤوس التي ُقطّعت والنساء التي سُبيت والأطفال التي يُتّمت على مرّ العصور والدهور حتى يومنا هذا، بل لازلنا نسمع ونشاهد قطع الرؤوس وسبي النساء وغارة الأموال و… باسم الدين ، مثلما قُتِل الحسين بن علي باسم الدين لمّا عدّه الاُمويّون – بما فيهم أتباع هذا الرأي حاليّاً – خارجاً على إمام زمانه الخليفة يزيد بن معاوية ،المنصَّب توريثاًبقوّة السيف والمال، و الذي تواترت فيه الروايات بارتكاب المحرّمات، كشرب الخمر وقتل النفس المحترمة وزنا المحارم وغيرها من الموبقات .

إذن ، الحسين بن علي إنسانٌ مهزومٌ عسكريّاً ، خارجٌ على إمام زمانه ، ابن قتّال العرب ، فطبق الموازين الطبيعيّة لايُذكَر هكذا رجل إلّا في السجلّ الواطىء من التاريخ ، ولاغرابة في ذلك على ضوء التقييم الظاهري ..لكنّنا لوتفحّصناالحقائق وقرأناالواقع قراءةً معرفيّةً محايدةً لوجدناهما يحكيان إفرازات مذهلة لهذه الواقعة :

نعم ، شهرةٌ تعلّقت بالحسين لانظير لها ، جلالٌ مشرئبّةٌ له أعناق العظام ، مثالٌ يحتذي به رموز العالم الكرام ، حضورٌ مشرقٌ لايعرف الاُفول أبدا ، ألَقٌ لايدانيه الخفوت مطلقا، عشقٌ و ذوبانٌ وهيام ، ألمٌ وحزنٌ وبكاءٌ مستشرٍ على طول السنين والأيّام ، مصنّفاتٌ ، مدوّناتٌ ، بحوثٌ ، مقالاتٌ ، رسائلٌ ، مشافهاتٌ ، خطبٌ ، منابرٌ ، أفكارٌ ،رؤىً، بصائرٌ، ثقافاتٌ ، مناهجٌ، قيمٌ، أخلاقٌ … كلّهامستوحاةٌ من ملحمة كربلاء الحسين .

إذن ، صار الحسين بن علي أصلاً ، مرجعاً ، مصدراً، ميزاناً، مقياساً ، محراراً، مختبراً لصدق الإيمان بالله المتعال والولاء لمبادئ الدين والأخلاق الإنسانيّة الغرّاء .

لك أن تتساءل مستفهماً فاحصاً : تُرى من أنت ياهذا الذبيح ؟!

تسقط مقتولاً فتبسق منتصراً نصراً أزليّاً ؟! لا ! بل وتؤسّس وتبتكر ثقافة انتصار الدم على السيف .. اُختك المسبيّة أمست زينب السرمديّة ، سجّادك العليل زين العابدين بات ثورةً في الوعظ والدعاء والوعي لاتكلّ ولاتستكين .

إذن حريٌّ بك أيّها المراقب أن تكون عادلاً شجاعاً وتقول : أما آنَ للذين كفروا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، أما آنَ لزمن التدبّر والتأمّل الحلول كي يسبر الغور في معنى خلود الحسين المنير ، أيبدو الأمر عاديّاً أن يشمخ المهزوم الخارج على إمام زمانه هكذا شموخ سماوي ويهبط الهازم في الحضيض أيّ هبوط مأساوي ؟! أليس بها معادلةً فوق مألوف التفكير البشري ، أليس تسلسل القضايا وتناسق المواقف وتناغم الأحوال وسير الاُمور وصرخة ” فوالله لاتمحو ذكرنا ” ورواشح الأحداث وديمومة التفاعل واستمرار العطاء ورقيّ الاستلهام وكلاكل الفيض السيّالة وحرارة التواصل الأخّاذة رغم مئات الأعوام المبعادة ، بكافيةٍ في التفكيروالتسليم بكون دم الحسين سرّاً من أسرار الله تبارك وتعالى، تلك التي يتعسّر دركها وحلّ لغزها وإلّا ماكانت أسراراً ؟!

فإن كنتَ – والعياذ بالله تعالى – من الذين اُشربوا العجل فهم على غيّهم باقون .

وأمّا إن كنتَ معرفيّاً ، علميّاً ، قارئاً، مراجعاً ، مستقصياً ، مقارناً، محلّلاً ، مستنتجاً ، منصفاً ، فلاأظنّك -حيث تحلّق في رحاب الحسين وآفاقه المترامية – تخالفني الرأي في كونه ثقافةً ولاأعمق ، نهجاً ولاأروع ، ملاذاً ولاأأمن ، مصباح هدىً ولاأنور ، سفينة نجاة ولاأسرع ، عظيماً ولاأنبل … في أنّ لقتله حرارة في قلوب الشرفاء والأحرار والمؤمنين لاتبرد أبدا… في أنّك تُجري الدمع معي هتّاناًعلى إمامٍ معصومٍ ذُبِح ضمآناً كمايُذبَح الكبش لالذنبٍ منه بَدَر،فكيف يرضى ونرضى لمثله مبايعة فاسقٍ مثل يزيد الأشِر، لذا خرج خروجاً بلا طمعٍ ولا بَطَر ، يرنو الإصلاح في اُمّة جدّه محمّد سيّد البشر، خرج وجوباً لإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

فسلامٌ عليك سيّدي أباعبدالله يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّا .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=69056
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29