• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مع (المتعصرنين ) في نقدهم .
                          • الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو .

مع (المتعصرنين ) في نقدهم

بعضُهُم خرج علينا في صفحته على الفيس واتحفنا بخبر ,قال انه لم يلطم على الامامِ الحسين عليه السلام طوال عمره ,ولم يبكِ ,ولكنه يفهم الحزن على الامام الحسين عليه السلام بطريقته الخاصة.
وقبل ان تستفهم من جنابه ماهي طريقته الخاصة سيقول لك:-
انه حسينيٌّ لان من ضمن ممارساته الحسينية انه لايسير عكس السير,ولايرمي النفايات في الشارع.
اللهم صلِّ على محمدٍ وال محمدِ ,اذن كان صراع الامام الحسين عليه السلام مع يزيد حتى لايمشي فلانٌ من الناس عكس السير.
وكان سرُّ هذا التخطيط الإلهي لهذه الملحمة الدموية الكبرى المعطرة بأريج البطولة, والمفعمة بمسك التضحية من اجل جزئية مرورية صغيرة.
وكان أسر زين العباد علي بن الحسين ,وسبيُّ عقيلة الوحي زينب بنت علي لكي يرمي فلانٌ من الناس النفايات في الحاويات لافي الشارع.
إذن ماأغلى قيمة سيرك على الشارع في الاتجاه الصحيح ,وأثمن تسعيرة رميك للنفايات في الحاوية بحيث يستشهد سبعون من خيار الناس يقدمهم سبط رسول الله صلى الله عليه واله لأجل هذين الامرين.
في بعض الاخبار عندما أمر الله تعالى ابليسَ بالسجود لآدم عليه السلام ,قال له ابليس ما سأذكره بصورة (حضارية) :- آسف ,لااستطيع السجود لأدم ,فالسجود ظاهرة ليست عصرية حيث يكون استي أعلى من رأسي ,ونحن نعيش في عصر رفع الهامة ,اترك الامرَ لي ياإلهي وسوف اعبدك عبادةً لم يعبدها ملكٌ مقربٌ ولانبيٌّ مرسلٌ ,ولاعبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان.
وحيث ان الله تعالى عنده إحاطةٌ بالزمان والمكان,وهو تعالى فوق الزمان والمكان, فهو لايعترف بمعاصرة وغير معاصرة ,لذا قال لابليس مامضمونه : ان عبادتي من حيث اريد,لامن حيث تريد.
لأنَّك إذا اردت ان تعبد الله تعالى ,فعبادتك له من حيث يريد الله نفسه ,والله اراد كما اخبر بذلك رسوله صلى الله عليه وآله ان نبكي وننلطم على الامام الحسين الشهيد عليه السلام.
ونحن نحبُ ان نهمس في اذن هذا المتحضر ,ان كلامه ليس معاصرا حتى على مستوى فهم المعاصرة ,فهذا الهراء تفوَّه به ابن تيمية قبل مئات السنين حيث قال مانصه: ( وصار الشيطان بسبب قتل الحسين – رضي الله عنه- يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ، والبكاء، والعطش، وإنشاد المراثي، وما يُفضي إليه ذلك من سبّ السلف ولعنهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب - إلى أن يقول - وكان قصد من سنّ ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة، فإنّ هذا ليس واجباً ولا مستحباً باتفاق المسلمين ، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرّمه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم-).
ولكن ابن تيمية - على صفاته الخسيسة - كان اشجع من ذلك القائل حيث صرَّح بمراده انه لايريد اللطم ولايرى البكاء.
ولكن ,قبل ان نعرِّج على مناقشة قول ابن تيمية ,لابأس ان نناقش هذا الشخص وفق منطق تحضره , اليس من العجيب ان يتقبل النَّاسُ بكاء لاعبي فريق كرة القدم على قطعةٍ من ذهبٍ في نهائي بطولة الكأس مثلاً ولايتقبلون بكاء غيرهم على قطعةٍ من قلب رسول الله صلى الله عليه واله وهو الامام الحسين عليه السلام؟
لعله سيقولُ انهم لايبكون على هذه الكأس الذهبية بما هي معدن ,بل بما تمثله من قيمة معنوية تسجل في دفاتر التاريخ بانهم احرزوا البطولة الفلانية في السنة الفلانية,
نقول لهم ,نحن كذلك ,نبكي على الامام الحسين عليه السلام بما هو ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله ,وبما هو - من جهة اخرى - قيمة معنوية من قيم النضال في سبيل تحرير الناس من نيِّر الاستعباد,وربقة ألاستغلال بغض النظر عن كلِ جنسٍ ولون ,وقومية وعرق, ولذا ترى في جيشه من كان عثمانيَّ الهوى ,ونصرانيَّ الديانة ,وحبشيَّ المولد, وسوداويَّ اللون.
وأراكم قد استكثرتم على الناس بكاءهم ولطمهم على مصيبة الامام الحسين عليه السلام ,ولم تستكثروا على بعض المشجعين الذين يعيشون هوس كرة القدم وجنونها إحراقهم انفسهم بعد خسارة فرقهم في مباراةٍ لكرة القدم,ولم أركم قد استغربتم لانتحار الاحاد من الفتيات لوفاة مطربٍ لم يقدِّم لأمته غير مظاهر الميوعة والانحلال ,والسخف والمجون.
ثم ,تعالوا إلى ابن تيمية ,فنقول له :- ماعبت من بكاء الناس على الإمام الحسين عليه السلام؟
ألم يبكي يعقوب على يوسف عليهما السلام؟ الم يبكي آدمُ على ذنبه؟ وداودُ على خطيئته؟
الم يبكي رسول الله صلى الله عليه وآله على الحسين عليه السلام - كما سيأتي -؟
أما لهذا الشخص - وهو شيعيٌّ - فأقول له : عليك بالتأمل في أحاديث ال بيت العصمة عليهم السلام ,فإنَّ لهم في ذكر ثواب البكاء أمراً عجيبا,وهو ان من يبكي على الامام الحسين عليه السلام يكون معهم في الجنة ,فهاك مثلاً قول المعصوم عليه السلام : أن من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا من درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ومن جلس مجلسا يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
فهنا ثلاث بشائر ,
الاولى :- انه مع المعصوم عليه السلام وفي درجته.
الثانية:- انه لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون.
الثالثة:- انه لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
وما عليَّ إذا لم يستوعب البعض هذا الامر ,فإنَّ جود الله وكرمه لاتجري على مقاسات عقلٍ منكرٍ هنا ,ولاعلى قوانين شخصٍ مستغربٍ هناك,ولم الاستنكار على قول الامام ,والاستكبار على حديث المعصوم عليه السلام وهو مؤيَّدٌ بالقران الكريم (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)
فإن العطاء يكون بسعة إناء المُعطى له ,فمن الآنية مايسع سبع سنابل ,وبعضها الاخر مالايعلم سعته الا الله تعالى فيضاعف له العطاء بحسب آنيته التي تحدد سعتها مرتبته.
ثم تعالوا - رحمكم الله - فتأمَّلوا في دعاء الامام السلام للكميت في هذه الرواية (حدّث محمد بن سهل – كما في ترجمة الكميت من معاهد التنصيص – قال: دخلت مع الكميت على أبي عبد الله جعفر بن محمد صادق (عليه السلام) في أيام التشريق، فقال له: جعلت فداك ألا أنشدك؟ قال: (إنها أيام عظام، قال: إنها فيكم، قال: (هات، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقرب، فأنشده – في رثاء الحسين (عليه السلام) – فكثر البكاء، حتى أتى على هذا البيت:
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم* فيا آخراً أسدى له الغي أول.
قال: فرفع أبو عبد الله رحمه الله تعالى يديه فقال: (اللهم اغفر للكميت ما قدّم وما أخر وما أسرّ وما أعلن حتى يرضى).
فانظر كيف ضمن له عليه السلام الجنة ,وذلك لان لازم غفران ذنوب الكميت اما ان يصير الكميت معصوماً ,وهذا خلاف الظاهر جداً ,واما غفران ذنوبه حقيقة السابقة واللاحقة والسرية والعلنية,وهو المراد قطعاً.
وليس الامر كذلك فحسب ,بل الله تعالى يغفر له ذنوبه حتى يرضى ,وتذكر قوله تعالى في حقِّ نبيِّه الكريم (ولسوف يعطيك ربك فترضى) فبخٍ بخٍ له اي منزلة هذي.
اما مشروعية اللطم فقد ورد في (اللهوف) لابن طاووس: إنّه لمّا رجع السبايا إلى كربلاء: (فوجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم، ورجالاً من آل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد وردوا لزيارة قبر الحسين(عليه السلام): فتوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد، إجتمع إليهم نساء ذلك السواد، فأقاموا على ذلك أيّاماً).
ومن المعلوم أنّ الإمام السجّاد(عليه السلام) كان معهم واقرهم على ذلك ,وتقرير المعصوم عليه السلام حجة.
ثم استفهم متسائلاً :- كيف اقول يازينب ,وهناك الف إيزيدية مشردة؟
لاياأخي ,لاتقل يازينب ,ولاتزيِّن شفتيك بهذا اللفظ العذب,ولايترنَّم قلمك بهذا اللؤلؤ المنظوم,
,فإنَّ التراتيل توفيقات ,لكلِ ترنيمةٍ ولسانها الصادح بها ,وقد صدحت بهذه النغمة العذبة رجالٌ هزموا الدواعش في الانبار ,وكسروا اسرائيل في النبطية ,وهزوا عروش الظالمين في لؤلؤة البحرين,اين انتَ عنهم,بل اين انت منهم
دعِ المكارم لاترحل لبغيتها ***** واقعد فانَّك انت الطاعم الكاسي.
ملاحظة : لما سأل عمرُ بن الخطاب حسانَ بن ثابت :هل هجى الحطيئةُ الزبرقانَ بن بدر بهذا البيت؟
قال: بل سلح عليه. 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=68778
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28