• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الحلف الرباعي بين روسيا وإيران وسوريا والعراق .
                          • الكاتب : د . عبد الحسين العطواني .

الحلف الرباعي بين روسيا وإيران وسوريا والعراق

 قبل الدخول بموضوع الحلف الرباعي بين روسيا وإيران وسوريا والعراق لابد من إشارة بسيطة لتاريخ العلاقات بين كل من روسيا والعراق , وروسيا, وسوريا ففيما يخص العراق لم يرتبط الاتحاد السوفيتي السابق والعراق بعلاقات دبلوماسية قبل الحرب العالمية الثانية , وفي عام 1941 وخلال الوزارة الأخيرة لرشيد عالي الكيلاني , اتفق البلدان على إقامة علاقات دبلوماسية , بيد أن الكيلاني فقد السلطة مباشرة ولم يجر تبادل السفراء حتى 1945 , وفي ك 2 1955 قبل شهر من إبرامه المعاهدة مع تركيا , قام العراق بتعليق العلاقات مع الاتحاد السوفيتي , بعد قيامه بإغلاق مفوضيته في موسكو , وقد علل نوري السعيد هذا الأجراء لاحقا بقيام المفوضية السوفيتية في بغداد بإثارة المشكلات في البلاد ,واستؤنفت العلاقات الدبلوماسية في 19 /7 /1958 .
أما فيما يخص العلاقات الروسية – السورية فقد كان الاتحاد السوفيتي السابق من أولى الدول التي اعترفت باستقلال سوريا وأقامت علاقات دبلوماسية معها عام 1944 , وتعززت العلاقات بشكل كبير لترتقي إلى مستوى التحالف الإستراتيجي عند وصول الرئيس السوري حافظ الأسد إلى سدة الحكم في 1970 , وإعلان انطلاق ما عرف بالحركة التصحيحية التي كرست حكمه في استفتاء عام 1971 بعد طرد السوفيت من مصر اضطر الكرملين للبحث عن بدائل أخرى في الشرق الأوسط آنذاك , كان كل من سوريا والعراق اللذين يحكمهما حزب البعث العربي الاشتراكي آنذاك أفضل تلك البدائل .
دخل العراق الكويت بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية واعتبرته شأنا داخليا لا يعنيها , وقد عبرت السفيرة الأمريكية في العراق بوضوح عن ذلك , ما لبثت أن اعتبرت هذا الدخول سببا لإعلان الحرب وتحشيد القوى من جميع أنحاء العالم لتحرير الكويت وكانت بالتالي حرب الخليج الثانية .
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفتيت المعسكر الاشتراكي , ولد عالم من نوع جديد , الأمر الذي انعكس على جميع دول العالم , واثر تأثيرا عميقا في العلاقات الدولية وفي موازين القوى , ولذلك فان من كان ممكنا قبل سقوط الاتحاد السوفيتي لم يعد كذلك بعد سقوطه , وهذا ما دفع أمريكا باعتبارها العامل الأساسي في إسقاط المعسكر الاشتراكي إلى الاستفادة من الوضع الجديد لإعادة ترتيب المنطقة وفق مصالحها واستراتيجياتها .
وعلى الرغم من الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالأمريكيين خلال فترة وجودهم في العراق بعد 2003 , إلا أنهم لجأوا إلى كل الأساليب التي من شأنها إدامة سيطرتهم لأطول فترة ممكنة , بما في ذلك محاولة انتقال المعارك بين الفئات العرقية والمذهبية بحجة عدم جاهزية الجيش العراقي من استلام زمام الأمور , لكن الوعي الشعبي , والوطنية الحقة كانا ينأيان بالجماهير عن الانحدار إلى هذا المستنقع , وهذا يفسر التضامن المتين الذي ظهر خلال الاحتقان الطائفي خاصة في عام 2006 وما تلاها من أحداث , إذ أبعدها عن الانزلاق إلى الفخ الطائفي , وفي هذا احد أهم أسرار قوته , عكس مجتمعات أخرى كانت سهلة الانجرار إلى المناخ الطائفي .

إن مشروع الحلف الرباعي بين روسيا , وإيران , وسوريا , والعراق بإعلان الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين ) محاربة عصابات داعش الإرهابية بالتعاون مع العراق من خلال ( مركز تبادل المعلومات في بعداد ) الذي سيبدأ عمله خلال الشهرين المقبلين , وتأكيد الرئيس بوتين بقوله إن الطريق الصحيح الوحيد لمكافحة الإرهاب يتمثل في القيام بخطوات وقائية وتصفية المسلحين الإرهابيين في المناطق التي سيطروا عليها من دون أن ننتظر قدومهم إلى بيوتنا , موضحا أيضا بان موسكو أبلغت جميع شركائها الدوليين بخطتها وخطواتها لمحاربة الإرهاب , داعيا الدول المعنية إلى الانضمام لعمل المركز ألتنسيقي , في الوقت الذي قامت روسيا بإرسال خبراء عسكريين إلى مركز التنسيق في بغداد , وبدأت الطائرات الروسية بمهامها الجوية ضد تنظيم داعش في سوريا منذ يوم 30 /9 /2015 الذي أعلن فيه ( الكرملين ) موافقته على استخدام القوة الجوية لمساندة القوات السورية في حربها ضد الإرهاب .
إن دخول روسيا كلاعب سياسي ومباشر في عملية القضاء على الإرهاب يعطي انطباعا واضحا بعدم جدية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في محاربتها لعصابات داعش الإجرامية , على الرغم من مرور أكثر من عام واشتراك ( 60 ) دولة , فهو دليل واضح على فشل سياسة أمريكا في العراق , لذلك غضت النظر عن التدخل الروسي لمحاربة داعش لإنقاذ الشعب السوري من هذه العصابات الإرهابية والخارجين عن القانون الذي مضى على محاربتهم أكثر من أربع سنوات .
فالشئ المهم الذي نريد أن نصل أليه في هذا المجال نقول لماذا تعالت الأصوات بالانتقادات تجاه الضربات الروسية في سوريا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية , وحلفائها خاصة تركيا , ودول الخليج , يظهر أن هذه الدول وبشكل لا يقبل اللبس لا ترغب القضاء على داعش , لان الخطة المرسومة لداعش وجبهة النصرة هي إسقاط نظام بشار الأسد نهائيا , لمواقفه الرافضة لسياستها المساندة للكيان الصهيوني , ودعم الأسد المتواصل للمقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله , وعلى الرغم من هذه الانتقادات إلا أن روسيا أعلنت الاستمرار بضرباتها المدمرة لتنظيم داعش وقياداته لمدة أربعة أشهر, وكذلك أبدت استعدادها لضرب هذه العصابات في العراق عند الطلب , وهذا مما زاد استياء الدول الراعية للإرهاب واتخذت إشكالا , وتحليلات عدة في مقدمتها اتهام الحكومة بالسماح لروسيا وخاصة إيران بضرب الأبرياء في المناطق المحتلة , فضلا عن الاتهامات الأخرى بان الحلف الرباعي تم خارج الأطر الرسمية , دون أن يقترن بموافقة البرلمان على الرغم من أن الاتفاق بدأ بمركز معلومات ولم يجر أي عمل عسكري روسي في العراق لحد ألان, وكلنا نعرف أن المصدر الأساسي لعصابات داعش هو سوريا لما تتلقاه هذه العصابات من دعم وتمويل وتسهيل دخول الإرهابيين من مختلف الدول عن طريق تركيا , وقد زاد الأمر تعقيدا لد ى هذه الدول , بل وحتى بعض الساسة العراقيين عبروا عن عدم ارتياحهم لتصرح السيد رئيس الوزراء حيدر ألعبادي برغبة العراق في التعاون مع جميع دول العالم , لكونه الدولة الوحيدة التي تحارب داعش , واستغرابه عن تحفظ بعض الإطراف على التعاون مع روسيا , واصفا بأنهم يتصرفون وكأن الرئيس الأمريكي براك اوباما احد أقاربهم , مع تأكيده بلا تحفظات على توجيه روسيا ضربات جوية على داعش في العراق بشرط موافقة الحكومة العراقية .

وفي هذا السياق يمكن القول على الرغم ما أنجز العراقيين خلال هذه الفترة وشكلت ملمحا لقدرتهم على إضعاف مرتكزات التسلط الأمريكي , إلا أن الثقافة السياسية لاتزال محكومة بمنظومة من التوجهات الطائفية السابقة لثقافة الدولة , فالخوض في مستنقع التخوين والتكفير يقوي أوبئة الحروب ونشرها , ويطعن سلمية توجهات التحرر , ويقينا أن سكوت البعض , أو اعتراضهم غير المبرر على التدخل الروسي في المنطقة , والزعم بان طرفا بعينه هو صاحب هذا المشروع , دون النظر إليه بأنه مشروعا وطنيا , والابتعاد عن افتعال الأزمات التي تغذي هاجس عدم الثقة والاستقرار بين صناع القرار .
قد يتوقع البعض أن التدخل الروسي في سوريا وبعده في العراق في جوهره هو شكلا من إشكال المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية في العراق , لكن موسكو أبلغت جميع شركائها الدوليين بخطتها وخطواتها لمحاربة الإرهاب وكما أسلفنا , والوقائع تشير أن الضربات الجوية الروسية الموجعة التي وجهت إلى زمر داعش وتنظيماته في سوريا خلال الأيام العشرة الماضية تعدل ضربات التحالف الدولي لأكثر من سنة مما يؤكد النتيجة التي سوف تنتهي إليها الحرب هو الانتصار الروسي , وهزيمة داعش , ونكسة لأمريكا , وبالتالي سيكون لها تأثيرات إستراتيجية بعيدة المدى ليس فقط على صعيد العلاقات الروسية – الأمريكية وإنما على إعادة التوازن العالمي بصفة عامة , وان الضربات الحالية مرشحة للتصعيد في سوريا بتعزيزها بقوات برية كما أعلن الروس عن استعادهم بإرسال ( 150 ) ألف جندي روسي إلى سوريا .
كما أن العداء بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ليس وليد اللحظة , وإنما يمتد تاريخيا إلى الحقبة التي بدأت فيها الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي, مع أن اغلب الدول الأوربية لا تريد التورط في نزاع عسكري ضد روسيا فهو يتعارض مع مصالح الكثير من دول الاتحاد الأوربي , وقد يؤدي إلى نزاعات داخل الناتو , لذلك ترى الدول الأوربية حريصة على عدم استفزاز الجانب الروسي وتصعيد الصراع معه خاصة وإنها تعتمد بصور ة تكاد تكون كاملة على مصادر الطاقة الروسية , لكن هذه التطورات لا تنفي أن تترتب نتائج على التدخل الروسي تؤثر كثيرا في شكل العلاقات الدولية إذ أصبحت بوادر ( الحرب الباردة ) واردة , وبغض النظر عن الخلافات والمواقف من الأزمة التي تفجرت والدول المشاركة فيها , إلا أن هناك إجماع بأن العراقيين نموذجا نادرا في مواجهة التحديات , وتجاوز الأزمات , وجدير بنا نحن أبناء العراق بكل مكوناته أن نصمد في هذه المحنة , وان نضع سلما جديدا للمهمات والأولويات وان نحول الحرب على داعش إلى حافز للنهوض وإعادة البناء




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=68660
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29