• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : لماذا الغدير هو العيد الأكبر ؟ .
                          • الكاتب : عزيز الابراهيمي .

لماذا الغدير هو العيد الأكبر ؟


لو أرجعنا شريط الزمن إلى الوراء, وقدر لنا أن نعيش في تلك الأجواء, التي  كانت تضم أنفاس رسول الله صلى الله عليه واله, وهو يبين آي القرآن الكريم, ويربط قومه بوحي السماء, ويرفع من همتهم, بعد أن كانوا أذلة خاسئين, قد أنهكتهم الخلافات, وأطاحت بقوتهم الأطماع, فيحطم في عقولهم قناعات الخضوع لأصنام من صنع أيديهم,  ويزيل من أنفسهم صفات الخنوع لساداتهم, وكبرائهم, بما يبثه فيهم من العقائد الحقة, والأخلاق الكريمة, والأفعال الشريفة , لعرفنا عندها, إن دور الرسول الأعظم ليس مبلغا لوحي السماء وحسب, بل هو القدوة الحسنة, والمبين لإحكام الله, والمفسر لآيات القرآن, والمدافع عن المستضعفين, والمؤسس لدولة العدل, والراد لعدوان الظالمين, والطامح إلى أن يذيق العالمين حلاوة العدل الإلهي, وان يزيل عن وجهة البسيطة كل مظاهر الشرك, والظلم, والاستعباد ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً )  إذن فدور النبي الأعظم كان هو الإمامة, وخلافة الله في الأرض, بكل ما تحمل هذه الوظائف من مهام جسيمة, ومستمرة, لا تنتهي بإبلاغ الرسالة وانقطاع الوحي.

عندها من المنطقي لكل ذي عقل سليم, أن يتسأل عن خليفة الرسول الأعظم, في كل تلك الأدوار الخطيرة, والحال إن اغلبها غير منتهية, ولم تُثمِر كل المساعي التي قدمها الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم في إزالة كل ترسبات التاريخ من عقول أغلب المسلمين, وأخلاقهم, فترى بوادر الردة متأصلة في كثير منهم, رغم كل الثقافة التوحيدية التي بثها الرسول طيلة بعثته المباركة, وقد أشار القرآن الكريم من محاذير الانقلاب على الأعقاب بعد موت النبي, أو قتله, كما إن مساعي النبي الحثيثة في تعليمهم لم تُلَين قساوة الجهل في عقول بعضهم, حتى مل عليه السلام(وهو أوسع الخلق صدرا) من كثرة ما راجعه احدهم ليستفهم عن معنى الكلالة, و جهل البعض ممن كان قريبا من النبي في معرفة معنى الاب في قوله تعالى (وفاكهة وابا), دليلا واضح على إن المسلمين في أمَس الحاجة إلى استمرار دور المرشد فيهم . من المنطقي أن نتسائل عندها؛ عن الذي يشغل هذا الدور العظيم بعد الرحيل المحتم للرسول الأعظم, وهذا القرآن الكريم يصرح ليل نهار في نواديهم (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ), وهذا السؤال ليس ترفيا, بل هو من إسقاطات العقل السليم, ويقع في خانة العقائد التي تمثل عماد الإسلام, فمن يقوم بالتزكية, والتعليم, ومن يمثل القدوة الحسنة, ليكون مرشدا بفعله, وقوله, ومن يقوم بالقيادة لخير امة, حتى تأخذ بيد الأمم الأخرى, كلها أسئلة تتفرع من سؤال مركزي عقائدي, يمثل اختبار في مستوى العقيدة, على الأمة أن تتجاوزه,  وهو من يخلف الرسول الأعظم في وظائفه ؟

لو تأملنا في أعياد المسلمين, لوجدناها تأتي عقب اختبار يلقى على عواتقهم, فتكون نهاية هذا الاختبار فرحةً وعيداً,  فبعد شعيرة الصيام, يأتي عيد الفطر, وبعد مواقف الحجيج, يأتي عيد الأضحى, إلا إنها أعيادا مشروطة بقبول الأعمال السابقة, فيكون فيها الفرح ليس خالصا, بل مشوبا بالحذر, والرجاء في قبول الأعمال, لذا والله العالم فانه يحرم في تلك الأيام الصيام ( الذي تندب إليه  الثقافة الإسلامية  في مواطن الفرح )؛ لان اللبيب لا يمكنه الفرح, وفي البين احتمال لعدم قبول عمله, ويمكننا أن نستظهر أيضا,  إن بعض الأعمال التي تندب في تلكم الأعياد, تقع في خانة طلب قبول الأعمال, كزكاة الفطرة, والأضاحي .

أما عيد الغدير الأغر, فانه ليس اختبارا على مستوى الشعائر العبادية, بل على مستوى الأمور الاعتقادية, ولا يخفى تقدم وشرف العقائد على العبادات, فهو اختبار لمدى وعي الأمة لضرورة استمرار دور الإمامة؛ لاستمرار وظائفها, وهو اختبار لمدى تسليمهم, وانقيادهم لإرادة الله تعالى ورسوله الكريم. في عيد الغدير, تكون الفرحة خالصة؛ لأنها تتعلق بعقيدة محددة, وقبول العقيدة ليس فيه من شروط الصحة, والقبول, ما في الشعائر العبادية, فيكفي فيها الوعي لها والتسليم بها, لذلك كان هذا اليوم يوم فرح يندب فيه الصيام, حيث يعادل كما ورد صوم الدهر, والأدعية المخصصة لهذا اليوم, ملئها الشكر, والحمد, والإقرار بالنعمة, التي توفر عليها حدث الغدير الخالد.

فالغدير هو العيد الأكبر؛ لأن موضوعه عقائدي, له آثار مستمرة على حاضر المسلمين, ومستقبلهم. وليس شعيرة تختص بزمان محدد , والغدير هو العيد الأكبر؛ لأن الفرحة فيه متمحضة, لا يشوبها الشك بعدم القبول, والغدير هو العيد الأكبر؛ لاكتمال الإسلام فيه, وبقاء دور النبي صلى الله عليه واله  معطاءً, على مر الزمان, والغدير هو العيد الأكبر؛ لاختيار أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه واله  علماً, وزهداً, وعبادةً, وشجاعةً, وحرصاً على الإسلام, ورأفةً بالمسلمين, وقوةً في ذات الله, وليس ذاك إلا علي (عليه السلام). 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=68129
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28