• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المناهج بين الحرفية و التحريف .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

المناهج بين الحرفية و التحريف

     لقد وصلت حمى التغيير ـ و التي طالت كل شيء ـ حتى إلى المنهج إذ أنه لم يرق للبعض أن يبقى بلا تغيير , و قد أختلفت هذه الدعاوى على إتجاهات متعددة و مختلفة : فما بين ناقدٍ ديدنه النقد الدائم و عدم الرضى عن كل شيء , و بين تقدمي يريد للتطور أن يكون له الكلمة العليا على كل شيء بلا إستثاء , و بين موضوعي لا يعارض التطور لو جاء في وقته و مكانه الملائمين .
ففي مسألة المناهج ثارت دعوات كثيرة للتغير , و التبديل , و الحذف , و الإقصاء , و نحن و حتى لا يقول البعض أننا ذكرنا قضية المناهج , أو المنهجية فقط , و ليس لدينا إطلاع على ما أستجد في هذا المضمار , لذلك قررنا أن نتناول هذا الموضوع ليستفيد منه القارئ الكريم في مجال المعرفة بشكل عام , و في مجال المناهج بشكل خاص .
فنقول : إن أخر ما طالعنا من الدعوات التغييرية , و بالخصوص في مجال المناهج هي الدعوة إلى ( العبر مناهجية ) و ذلك عن طريق محاولة طرحها بصورة تيار أو نظرية , و هنا و قبل الخوض بهذا الموضوع لابد أن نوضح مقدمة مهمة , و لابد أن نبين بعض المصطلحات المهمة المتعلقة بالموضوع فنقول :
1ـ المناهجية : و هي المعتمدة على المنهج , و القائمة على وجود منهج مرسوم واحد فقط تسير وفقه و لا تخالفه أبداً , فالمناهجية تؤمن بكون المنهج أساس من أساسيات وجودها , فوجودها من وجوده , و إنعدامها بإنعدامه .
2ـ التعددية المناهجية : و هي التي تتخطى حدود المنهج الواحد , لكنها و مع ذلك تظل في نطاق البحث المنهجي التقليدي من الناحية الموضوعية .
3ـ ما بين مناهجية : و هي التي تهتم بنقل الطرائق العلمية من منهج إلى آخر , فهي و رغم تمسكها بالأطر التقليدية للمناهج , إلا أنها تمتاز بقدرتها على إستحداث مناهج جديدة , أو تأخذ مناهج من علوم معينة لتسقطها على علوم أخرى , و ذلك وفق دعوى التداخل المعرفي بين العلوم .
4ـ العبر مناهجية : و هي التي تتخطى كل المناهج رافعة شعار توحيد المعرفة بلا قيود , و لا شروط , و لا محددات .
فـ( العبر مناهجية ) في الحقيقة هي مقاربة حديثة العهد ظهرت بعد سبعة قرون من شيوع المناهجية التقليدية , و قد ظهرت في بادئ الأمر على يد الفيلسوف و عالم النفس السويسري ( جان بياجه )  في محاضرات له ألقاها في فرنسا عام ( 1970 م ) , و كذلك في محاضرات المفكر الألماني ( إريش يانتش ) , و الرياضي الفرنسي ( أندريه ليشنير وفيتز ) .
فكان المراد بها  عند دعاتها : وجود ساحة واسعة للمعرفة بلا أي أطر , و خارج نطاق الأختصاصات المنهجية .
و يعتبر العالم الفرنسي ( باساراب نيكولسكو ) المتخصص في مجال الفيزياء من منظري , و دعاة هذه النظرية , و عبر عن ذلك في محاضراته , و مقالاته , و بحوثه , و كتبه التي نشرها حول ذلك فهو يعتبر العبر مناهجية ( ثورة شمولية على النظرة التقليدية للعلوم ) .
و بالإطار العام يمكننا القول : إن كنا نقصد بالعبر مناهجية هو تخطي الأطر التقليدية و الأيديولوجية فلا إشكال في ذلك , لكن الإشكال كل الإشكال حين نؤسس لفوضى معرفية مبنية على إزمات نفسية لبعض الفئات , أو لبعض الأشخاص و ذات أهداف إيديولوجية بحتة .
و قد أثيرت على العبر مناهجية الكثير مـن الملاحظات , و الأنتقادات و من هذه الملاحظات :
1ـ إن قابلية تطبيقها في مجال ( الفيزياء ) , و ( الكوانتم ) لا يستدعي تطبيقها , أو قابليتها على الإنطباق على مجالات أخرى , فإذا كان لدعوى التقليدية فهذه سمة عامة في العلوم و غيرها , و ما يسمى بالتقليدية ليس من الضروري أن يكون سلبي دائماً , فالكثير من الأمور التقليدية هي ثوابت لا يمكن لأحد أن يغيرها , أو يتجرأ على تغييرها أبداً  .
2ـ ما هي مقومات و خطوات ما يسمى بالعبر مناهجية , فإذا كان لها خطوات فما فرقها عن المناهجية , و لماذا نستبدل ما نعرفه و نعرف خطواته بشيء لا نعرفه و لا نعرف خطواته , و بالتالي لا نعرف نتائجه ؟
أما إذا لم يكن لها أي خطوات , و ذلك لكونها أعتباطية , و إرتجالية , فما فرقها عن نظرية الفوضى , فهي داخلة فيها , و نحن لا نحتاج إليها لإنها لم تستطع أن تحقق إلا تخريب المعارف و العقول .







 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67959
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28