• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : فن التعامل مع الآخر (4) الصبر... عطاء جزيل وخير وفير .
                          • الكاتب : حسن الهاشمي .

فن التعامل مع الآخر (4) الصبر... عطاء جزيل وخير وفير

عن نبي الله عيسى عليه السلام: (إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون). (المستدرك ج2 ص425 ح2360). قبل الولوج بالبحث عن الصبر ومآثره لابد من الوقوف على حقيقة الإنسان فهو ميال للدعة والراحة والاستجمام مستوحش طريق الجد والتعب والكمال، ومن هنا نستجلي معنى الصبر فإنه وإن كانت محطاته ترهق النفس المادية بيد إن نتائجها طيبة وثمراتها مباركة تجلب الخير والرفاه ليس على صاحبها فحسب بل على المجتمع برمته إذا ما استمسك بعروة الصبر وارتوى من معينه الذي لا ينضب، فلولا سهر الليالي والمطالعة والبحث وكبح جماح الدعة والاسترسال لما بلغ العلماء
 تلك المنازل العظيمة في خدمة العباد والبلاد، وهكذا في سائر مناحي الحياة نجد أن الصبر على المكاره والنوائب هو الذي ينجي الانسان ويوصله إلى هدفه بسرعة مذهلة، بخلاف الذي ينهار أمام المشاكل فإنها تتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال وتركمه في متاهات الحياة دون أن يحصل ولو على الحد الأدنى مما يصبو إليه.
وبارقة الأمل هذه نعمة عظيمة تدخل في صناعة الخير والتوفيق فهي بحق صمام أمان لكل الأعمال الدنيوية والأخروية، وبدونها يضحى عمل الانسان صعبا مستصعبا أشبه ما يكون بخرط القتاد، وتذكر دائما أنك لا تقدم على أي عمل مبارك وناجح إلا ومفتاحه الصبر والتحمل، فإنك لا تستطيع أن تنجز أي عمل مثمر ولا أن تقدم على أية عبادة مقبولة إلا بالصبر على مكاره الحياة ووساوس الشيطان ورغائب النفس الأمارة بالسوء، ومن هنا ندرك أهمية هذه المفردة في حياتنا بل إنها تحدد مصير الإنسان سلبا أو ايجابا بقدر ابتعاده عنها أو تقمصها بنسب النجاح المتفاوتة، والبشرى
 الإلهية تنهمر على من اعتصم بحبل الصبر انهمارا ملفتا، فإن جميع الخصال الحميدة فيها مقدار معيّن من الأجر والثواب ما خلى الصابر فإن الثواب يلفه من كل حدب وصوب وبغير حساب.
الصبر هو حبس النفس عما تحب، وترك الجزع عما تكره، وهو تحمل الانسان لحالة حدثت له تستدعي منه التحمل والهدوء، ومعالجة الأمور بتعقل ولو طالت مدة هذه الحالة، مثل تحمل المريض لمرضه، وصاحب المصيبة لمصيبته، وأيضا تحمله لترك الذنوب، وتحمل حصول الانسان على النعمة والاستمرار في شكر الله وطاعته وعدم معصيته، والصبر من فروع الرضا بقضاء الله وقدره وهو من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، وأفضل الصبر هو الصبر على ترك الذنوب ثم الصبر على الطاعة، ثم الصبر على البلاء والمصائب.
وبهذا المعنى فالصبر دليل رجاحة العقل، وسعة الافق، وسمو الخلق، وعظمة البطولة والجلد، كما هو معراج طاعة الله تعالى ورضوانه، وسبب الظفر والنجاح، والدرع الواقي من شماتة الاعداء والحساد.
وناهيك في شرف الصبر، وجلالة الصابرين، ان الله عز وجل، اشاد به في نيف وسبعين موطناً من كتابه الكريم كقوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). (الانفال: 46).
وأغدق على الصابرين الثواب الجميل والأجر الوافر والمقامات العلية: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). (الزمر: 10).
وللصبر أنواع منها:
1ـ الصبر على الطاعة.
2ـ الصبر على عدم معصية الله.
3ـ الصبر على المصائب والمشاكل.
4ـ الصبر على النعم.
وللصبر انواع عديدة اخرى:
فالصبر في الحرب: شجاعة، وضده الجبن.
والصبر عن الانتقام: حلم، وضده الغضب.
والصبر عن زخارف الحياة: زهد، وضده الحرص.
والصبر على كتمان الاسرار: كتمان، وضده الاذاعة والنشر.
والصبر على شهوتي البطن والفرج: عفة، وضده الشره.
فاتضح بهذا ان الصبر نظام الفضائل وقطب المكارم، ورأس المفاخر، فهو عصمة الواجد الحزين، يخفف وجده، ويلطف عناءه، ويمده بالسكينة والاطمئنان.
وهو ضمان من الجزع المدمر، والهلع الفاضح، ولولاه لانهار المصاب، وغدا فريسة العلل والامراض، وعرضة لشماتة الاعداء والحساد، وهو بعد هذا وذاك الامل المرجى فيما اعد الله للصابرين، من عظيم المكافآت، وجزيل الاجر والثواب.
الصبر وإن كان تحمله مرا ولعله يتقاطع مع ما يحمله الإنسان من صفات العجلة والهلع والجزع، بيد إن نتائجه طيبة تفتح على الصابر أبواب النجاح والموفقية على مصراعيها، وهو يدل على ايمان راسخ وسمو رفيع في الأخلاق والخلقة، فالذي يؤمن بقضاء الله وقدره، والذي يعتقد أن الدنيا دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة، يصبر على النوائب لأنه على يقين راسخ ببشرى الصابرين الذين وعدهم الله تعالى بالحسنى، فبالصبر تذلل المشاكل وتتيسر الأمور المعقدة، ولله في خلقه شؤون يبلونا ليميز الصادق منا عن الكاذب ولا يتحقق ذلك إلا بالصبر والتجلد للمؤمن والجزع
 والخور للمنافق.
 ومن نتائج الصبر:
1ـ إن كل واحد منا بحاجة إلى الصبر لكي يستطيع أن يعيش في هذه الدنيا القصيرة المليئة بالمشاكل والمصائب بكل أناة وتجلد، ويدل صبره على شجاعته في مواجهة المصاعب والمحن.
2ـ وما بعد الصبر إلا الفرج، فرضى الإنسان بقضاء الله وقدره وصبره على البلاء يؤدي ذلك به إلى انفراج الكرب وإزالة العقبات.
3ـ صبر الإنسان في طاعة الله وعدم معصيته والاستمرار في شكر النعم، يؤدي ذلك إلى أن يغدق الله تعالى عليه نعمه الظاهرة والباطنة.
4ـ عن رسول الله (ص) الصبر على أربع شعب: الشوق والشفقة والزهادة والترقب، فمن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق عن النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا تهاون بالمصيبات، ومن ارتقب الموت سارع في الخيرات. (كنز العمال ج1 ص286).
صحيح أنّ اسم النبي أيوب (عليه السلام) أو سيرته قد وردت في عدّة سور في القرآن الكريم، ولكنَّ ما ورد في سورة «ص» يعدو شرحاً وافياً لسيرته الكريمة حيث تقول الآية 44 منها: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
هذه الآية تستعرض حياة أحد الأنبياء العظام الّذي صار مثلاً للصبر والاستقامة في مواجهته للبلايا والمصائب في حياته الفردية والاجتماعية، ولهذا فإننا نقرأ في حالاته وسيرته المذكورة في سورة «ص» إن القرآن الكريم يضربه مثلاً للمسلمين في أوائل البعثة الّذين كانوا يعيشون التحديات الصعبة والضغوط المستمرة من قِبل المشركين في مكّة ليتعلموا منه درس الصبر والاستقامة والصمود في مواجهة المشاكل والمصاعب المفروضة عليهم.
قال تعالى: (فَاصْبِر كَمَا صَبَرَ اوُلُوا العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَستَعْجِلْ لَهُم كَاَنَّهُم يومَ يَرَونَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلبَثُوا اِلاّ سَاعَةً مِنْ نَهار...). (الاحقاف: الآية 35).
تستعرض الآية خطاب الله تعالى للنبي الكريم (صلى الله عليه وآله) موصيةً له بالصبر والاستقامة وأن يقتدي بذلك بسيرة الأنبياء اُولي العزم من قبله، أجل فإنّ جميع الأنبياء العظام وأصحاب الشرائع السماوية عندما كانوا يواجهون أعدائهم المعاندين والأشخاص الّذين يعيشون الجهل والسفه والعناد كانوا يتسلحون بالصبر والاستقامة أكثر ليتمكنوا من هداية الاُمّة إلى ساحل النجاة بصورة أفضل.
النبي نوح (عليه السلام) دعا قومه إلى طاعة الله (950 سنة) ليل نهار في الخفاء والاجهار ووعظهم وحذرهم طيلة هذه المدّة المديدة ولكنه لم يؤمن له سوى بضع أفراد معدودين، النبي إبراهيم (عليه السلام) أُلقي في النار الملتهبة، والنبي موسى (عليه السلام) تعرض هو والمؤمنين من قومه إلى أشد العذاب من قبل فرعون وأتباعه، وكذلك ما واجهه عيسى (عليه السلام) من بني إسرائيل من الأذى والاتهام والطرد إلى أن أرادوا صلبه وقتله ولكن الله تعالى انقذه في اللحظة الأخيرة، والنبي الخاتم صبر على أذى قومه حتى قال: (ما أوذي نبي مثلما أوذيت) والخلاصة أنّ الحياة الدنيا هي
 دائماً محل التضاد بين الحقّ والباطل حيث لا يمكن التغلب على المشكلات والمصاعب الّتي يواجهها الإنسان في حركة الحياة إلاّ بقوّة الصبر والاستقامة، والأنبياء والأولياء ضربوا أروع الأمثلة في ذلك.
وما من شك، بان فضيلة الصبر لها آثار طيبة على الأفراد والأسر والمجتمعات، ولهم المنزلة الكريمة، والدرجات العلا في الجنة، مصداقا لقوله تعالى: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ). (العصر:1 -3) ويقسم الله سبحانه في هذه الآيات بالدهر، وفي قول آخر أنه جل شأنه يقسم بعصر النبوة المحمدية، لأنه أشرف العصور، ويذكر العلماء أن المولى العظيم يقسم أنّ الإنسان المكلف بالعبادات، في خسران وهلكة، ويستثني - سبحانه - عباده المؤمنين
 صادقي الإيمان، الذين يمتثلون لأوامر الله، وينتهون عن نواهيه، ويتواصون فيما بينهم بالخير اعتقادا وعملا، وبالصبر عن المعاصي بالابتعاد عنها وعدم اقترافها، ويتواصون كذلك بالصبر على الطاعات وذلك بالإكثار منها والمواظبة عليها وعلى فعلها.
إن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، رؤوف بهم، فهو جل شأنه يبصرهم ويرشدهم إلى كل ما فيه خيرهم، ويعلمهم الكيفية التي يتفاعلون بها مع الأحداث فيما إذا ما داهمتهم الخطوب، وعصفت بهم الأنواء وألمت بهم النوازل، فهو سبحانه يدعوهم إلى التحلي بالصبر والمواظبة على الصلوات لان هذا من أنجع السبل، وأمضى الأسلحة التي تمكن الإنسان من التغلب على كل ما قد يعترض سبيله من مصاعب وعقبات، ويسهل عليه تذليلها، يقول الحق جل شأنه في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
 (البقرة: 153).
إن من حكمة الله جل شأنه أن يبتلي عباده، وان يمتحن صدق إيمانهم في كثير من الأمور، كالخوف، والجوع، والفقر، وفقد الأحبة، والفراق، والخسارة في التجارة، ونقص الأموال، وغير ذلك من الأهوال والمصائب والشدائد، التي تحتاج إلى نفوس قوية بإيمانها، وعزائم جبارة تستطيع تحمل هذه الأهوال والتعايش معها، والصبر عليها، دون تبرم ودون أي اعتراض أو شكوى، بل رضا واحتسابا لله، مصداقا لقوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ
 إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ). (البقرة: 155- 157).
لقد أثنى الله على هؤلاء الذين اختبر إيمانهم فثبتوا وصبروا وصابروا، وقد تحروا الهداية من الله وقبلوها وعملوا بها، فكانت لهم المغفرة، وقد وعدهم الله بالفوز العظيم، وبأنه سبحانه وتعالى سيوفيهم أجورهم، ويغدق عليهم بلا حساب، يقول سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). (الزمر- 10) هنا نلاحظ أن اجر الصابر غير محدود فيما اجور بقية المناقب محدودة، والسبب في ذلك إن الصبر له مدخلية في كل العبادات بل في كل الأعمال الخيرة، فالمصلي لا يستطيع أن يؤدي الصلاة ويستمر عليها وتؤثر في حياته اليومية من الانتهاء عن
 الفحشاء والمنكر إلا بالصبر، وكذلك الحال في الصائم فإنه لا يستطيع تحمل الجوع والعطش  لا سيما في الصيف القائظ ولا يستطيع حجب جوارحه وجوانحه عن المعاصي والذنوب إلا بالصبر، والحاج لا يستطيع توفير مقدمات الحج من الزاد والراحلة وتأمين العائلة والأولاد في غيابه واداء مراسيم الحج المضنية إلا بالصبر وهكذا سائر العبادات، ولولا الصبر لما يستطيع المؤمن أن يؤديها بأحسن وجه ليبرأ ذمته أمام الناس في الأمور الاجتماعية وأمام الله تعالى في الأمور العبادية. 
ومن الثابت، أن في الصبر والاحتساب تكفير عن خطايا الإنسان، مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة، إلا كفر الله بها، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه). (الدر المنثور ج2 ص227).
والصبر من أعظم الطاعات، وأكثرها أجرا عند الله، وهو دليل أكيد على صدق إيمان الإنسان، إيمانه بالله وملائكته وكتبه ورسله، والإيمان باليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره..
كان الامام الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام في واقعة الطف قد شدّ على قلوب أهل بيته بالصبر والرضى بقضاء الله وقدره، فلما رأى النساء يبكين عليه ليلة عاشوراء أوصاهن بالصبر والتجلد قائلا: استعدّوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الاعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكو ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم. (جلاء العيون للمجلسي).
وقد أخذت هذه الموعظة طريقها إلى قلوب العيال، فكان منهم الثبات والصبر والإباء والعزة والشموخ، فهذه العقيلة زينب ابنة علي بن أبي طالب عليهما السلام فقد أصغت بعقلها وقلبها إلى موعظة أخيها الحسين عليه السلام، حيث قال لها بالخصوص: أختاه اتقي الله، وتعزي بعزاء الله، واعلمي إن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون، وإن كل شيء هالك إلا وجهه، الذي خلق الخلق بقدرته، ولي ولكل مسلم برسول الله أسوة حسنة، يا أختاه أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي عليّ جيبا، ولا تخمشي عليّ وجها. (زينب الكبرى للنقدي).
وكانت زينب عليها السلام عند وصية أخيها، حيث لم ير الأعداء منها وهنا، بل وجدوها تلك الحرة الأبية، تحدت بمواقفها أهل النفاق والفتن، وأرهبت الطغاة بصلابتها، وأدهشت العقول بصبرها ورباطة جأشها، فقد شاهدت إخوانها وبني إخوانها وبني عمومتها وشيعة أخيها مجزرين، وشاهدت إحراق الخيام بعد قتل أخيها، ومرت على مصارع الشهداء، وعاشت محنة الأسر إلى الكوفة ثم الشام والرجوع الى كربلاء المقدسة فالمدينة المنورة، فلم تزداد بكل هذه المحطات الرهيبة والعصيبة إلا ثباتا وصمودا، ووقفت بوجه الطاغية يزيد بن معاوية بن أبي سفيان والذي كان على رأس الحكومة
 في الشام قائلة: ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطبتك، إني لاستصغر قدرك، واستعظم تقريعك، واستكثر توبيخك، ألا فالعجب كل العجب، لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا ترخص عنك عارها، وهل رأيك إلا عدد وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين. (البحار ج45 ص134).
ولتقمص جلباب الصبر لابد للإنسان أن يتصف بصفات التجلد والتحمل والإرادة القوية القادرة على قهر كل ما يعيق تقدمه في الحياة، وعن رسول الله (ص): علامة الصابر في ثلاث: أولها أن لا يكسل، والثانية أن لا يضجر، والثالثة أن لا يشكو من ربه عز وجل، لأنه إذا كسل فقد ضيع الحق، وإذا ضجر لم يؤد الشكر، وإذا شكا من ربه عز وجل فقد عصاه. (الوسائل ج16 ص23 ح20862).
وهكذا فإن الأديان الإلهية ولا سيما الإسلام أكد كثيرا على ضرورة تحلي الإنسان بالصبر والتجلد في مكابدته للنوائب والمصاعب والمحن، لما في الصبر من الخير والصلاح لعامة الناس، ولهذا فقد قدم الأنبياء والأوصياء والأولياء أروع وأعظم درجات الصبر في اتيان الطاعات واجتناب المعاصي والتغلب على الأرزاء، وإن القرآن الكريم قد سلط الأضواء على تلك المواقف، ليكونوا أسوة حسنة ليس للمسلمين فحسب، بل للمجتمعات الإنسانية جمعاء. 
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67910
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19