• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حول قرار البرلمان بحجب المواقع الإباحية .
                          • الكاتب : د . عبد الخالق حسين .

حول قرار البرلمان بحجب المواقع الإباحية

 صوَّت مجلس النواب العراقي يوم الاثنين 14/9/2015، على قرار يلزم وزارة الاتصالات بحجب المواقع الاباحية، استجابة لدعوات من المرجعية الدينية، وطلبات وتحذيرات من ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، عن مخاطر هذه المواقع على المجتمع. وكأي شيء في العراق، فقد أثار هذا القرار خلافات ونقاشات بين مؤيدين ومعارضين. فالمؤيدون يرون أن المواقع الإباحية "اصبحت وبالاً يهدد الشباب بالطلاق بنسبة 200 % او الإحجام عن الزواج بنسبة 50% ، فضلا عن ارتفاع معدلات الجرائم الجنسية والاغتصاب والتحرش الجنسي"(1).
أما المعارضون للقرار، فحجتهم أن العراق غارق بالمشاكل الكبرى مثل البطالة والفقر والفساد والرشوة، ونقص الخدمات، وتفشي الجريمة المنظمة والإرهاب...الخ، لذا فعليهم حل هذه المشاكل أولاً و قبل أي شيء آخر.

والسؤال هنا، هل المواقع الإباحية تفيد المجتمع أم تضره؟ لا شك أنها تضر المجتمع ودون أي نفع يرتجى منها، وهي وبال على المجتمع ليس بمعايير وأعراف المجتمع العراقي فحسب، بل وبمعايير وأعراف جميع المجتمعات الغربية والشرقية، المتقدمة والمتخلفة وما بينهما. أقول هذا ليس من باب التزمت الأخلاقي أو الديني، ولكني أعرف أن هذه المواقع تقوم بتوظيف وإثارة غريزة الجنس والتهيج الجنسي لدى المراهقين والبالغين، لتحقيق أرباح مادية ونشر الرذيلة ، وهي فعلاً أدت إلى تصعيد الجرائم الجنسية، وبمختلف الأعمار وفي جميع البلدان، وباعتراف خبراء في هذا المجال.

فقبل أيام نشرت وسائل الإعلام البريطانية أنباءً مرعبة عن الزيادة المذهلة في الاعتداءات الجنسية في المدارس البريطانية، الابتدائية والثانوية، فقد كشف تحقيق عن وقوع اعتداءات جنسية على آلاف الأطفال في المدارس كل عام. وقد تم الإبلاغ عن أكثر من 5500 جريمة جنسية في المدارس في جميع أنحاء المملكة المتحدة إلى الشرطة في السنوات الثلاث الماضية، بما في ذلك ما يقرب من 4000 اعتداءات غير لائقة وأكثر من 600 حالة اغتصاب. وكان أكثر من 1500 ضحية تحت سن 13، معظمهم تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية عدا طلاب الجامعات أو المعلمين، (حسب تحقيق راديو 5 لايف). وقد نفذت 20% من هذه الاعتداءات من قبل الأطفال الآخرين، وفي بعض الحالات كانت الضحية والجاني من نفس الأعمار وحتى أطفال في عمر الخامسة.
ويقول رئيس حماية الطفل في مجلس رؤساء الشرطة الوطنية [البريطانية]، أن هذه الأرقام هي الجزء المرئي من الجبل الجليدي. وحذر أنه قد تكون المشكلة أسوأ بكثير مما تشير إليه الأرقام. وقال: "أعتقد أن هذه الأرقام هي غيض من فيض"، وعزا تصاعد هذه الجرائم إلى مشاهدة هؤلاء الأطفال للأفلام الجنسية الإباحية، فيحاولون تطبيقها في حياتهم الواقعية. فدور المواقع الإباحية في تصعيد الجرائم الجنسية يشبه دور أفلام العنف والألعاب الكومبيوترية العنفية في تصعيد الجرائم الأخرى في المجتمعات. وهذا متفق عليه من قبل علماء النفس والاجتماع.

هذه الأرقام تعكس الحالة في بريطانيا حيث تتوفر الاحصاءات، وأغلب الضحايا لا يترددون في تسجيل حالاتهم لدى الشرطة، لأن المجتمع يتعاطف مع الضحية ويحتقر الجاني. بينما العكس في المجتمعات العربية والإسلامية. فماذا نقول عن العراق، حيث لا توجد إحصائيات يوثق بها، ولا الضحايا يجرؤون في تقديم شكواهم إلى الشرطة خوفاً من الفضيحة والخزي، و القتل من قبل ذويهم لغسل العار، خاصة وأن المجتمع قاسي لا يتعاطف مع الضحية، بل يحتقر المعتدىَ عليه، ويمجد الجاني، لأن الثقافة البدوية ما زالت عميقة متأصلة في المجتمع العراقي. ثقافة (الحق بالسيف والعاجز يريد شهود).

وكما علق الصديق الأكاديمي المعروف، الأستاذ الدكتور محمد الربيعي في الفيسبوك: إن (بانتشار الموبايل بين الاطفال، ووضع الانترنت تحت تصرفهم، اصبحوا اليوم عرضة للاستغلال، وعرضة للفساد وأصبح الطفل العراقي يتمتع بمشاهدة اقسى الافلام الجنسية البذيئة، ومن دون رقابة بالرغم من خطورتها التي تعتبر اكثر من الإدمان على المخدرات وبما تؤدي من اضطرابات نفسية وجسدية عند الطفل وتزيد من احتقاره للأنثى وتغذية نزعات الاغتصاب والاعتداء الجنسي.)

من المؤسف أن بعض النواب والكتاب وقفوا ضد القرار بحجة أن العراق يعاني من مشاكل كثيرة أخطر من مواقع الفحش، فهذه الحجة لا تبرر السكوت عن المشاكل الأخرى التي يمكن حلها. ولا شك أن للمواقع الإباحية أضراراً بليغة على المجتمع كما أشرنا في أعلاه، لذلك فمنعها واجب في حالة التمكن منه. فمنع المواقع الإباحية أمر سهل، لأن المشكلة ليست سياسية ولا طائفية، بل متفق عليها من قبل جميع الكتل النيابية، إذ ما أن تستلم وزارة الاتصالات هذا القرار البرلماني فستقوم بحجب هذه المواقع بمجرد الضغط على زر من أزرار الكومبيوتر، وتحل المشكلة. فلو أمكن حل المشاكل الأخرى مثل الفساد المتفشي في دوائر الدولة بهذه الطريقة لما تردد المسؤولون في تنفيذه. وكذلك يصح القول أنه إذا كان من الصعب جداً حل المشاكل الكبيرة بسبب الصراعات السياسية، فما المانع من حل المشاكل التي يتفق عليها الجميع في حلها؟
وعلى ضوء ما تقدم، أرى أن القرار البرلماني بحجب المواقع الإباحية هو قرار سليم يستحق عليه كل التقدير. وحبذا لو يقوم البرلمان أيضاً على حجب المواقع والفضائيات التي تحرض على الإرهاب والجريمة باسم الدين .
 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67589
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20