• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : التشكيك والمشككون في نهج البلاغة .
                          • الكاتب : الشيخ ليث عبد الحسين العتابي .

التشكيك والمشككون في نهج البلاغة

لقد أُثيرت حول كتاب نهج البلاغة شبهات كثيرة ـ قديماً وحديثاً ـ هدفها التشكيك في نسبة هذا الكتاب ، وهذه الشبهات المثارة ـ تقريباً ـ لها أصل واحد ، إذ أنها قد زرعت في أواخر القرن السابع على يد ابن خلكان[١] ( ت ٦٨١ هـ ) صاحب كتاب ( وفيات الأعيان )[٢] والذي مهد بتشكيكاته على نهج البلاغة الأرضية للذين حرفوا وطعنوا بنهج البلاغة من بعده ، تبعه على ذلك كلٌ من اليافعي ( ت ٧٨٦ هـ ) صاحب كتاب ( مرآة الجنان )[٣] ، وابن تيمية[٤] ( ت ٧٢٨ هـ ) في كتابه ( منهاج السنة )[٥] ، وابن العماد الحنبلي ( ت ١٠٨٩ هـ ) صاحب كتاب ( شذرات الذهب )[٦] ، والذهبي ( ت ٧٤٨ هـ ) صاحب كتاب ( ميزان الاعتدال )[٧] ، وابن حجر العسقلاني ( ت ٨٥٢ هـ ) في كتابه ( لسان الميزان )[٨] ، والقنوجي ( ت ١٣٥٧ هـ ) في كتابه ( أبجد العلوم ) .

وهنا نورد ذكر بعض هذه الادعاءات والتشكيكات المثارة حول نهج البلاغة والتي منها :

١ـ قال ابن خلكان في ترجمة الشريف المرتضى : وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) هل جَمَعَهُ أم جَمْعُ أخيه الرضي وقد قيل : إنه ليس من كلام علي , وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هوالذي وضعه , والله أعلم[٩] .

وقد اعترف سليمان بن صالح الخراشي بهذه الحقيقة في تحقيقه لكتاب ( تشريح شرح نهج البلاغة ) حيث قال : قال ابن خلكان وهوأول من شكك في نسبة الكتاب عند ترجمته للشريف المرتضى[١٠] .

يقول السيد عبد الزهراء الحسيني عن إدعاءات ابن خلكان : ( وليته دلّنا على واحد من أولئك الناس الذين اختلفوا في جامع نهج البلاغة ، وليتك أخي القارئ تعثر لنا على واحد من أولئك الناس في الكتب المؤلفة قبل "وفيات ابن خلكان" وما أكثرها في هذا الوقت )[١١] .

كما ويقول ( زكي مبارك ) عن الشريف الرضي : ( أما ضمير الشريف فهوعندي فوق الشبهات ، وأما اتهامه بالكذب على أمير المؤمنين في سبيل النزعة المذهبية فهواتهام مردود ، ولا يقبله إلا من يجهل أخلاق الشريف )[١٢] . 

٢ـ قال الذهبي : من طالع نهج البلاغة جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي ؛ ففيه السب الصراح , والحط على السيدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , وفيه من التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين ، جزم بأن أكثره باطل[١٣] .

٣ـ قال ابن تيمية : وأهل العلم يعلمون أن أكثر خطب هذا الكتاب مفتراة على عليٍّ ، ولهذا لا يوجد غالبها في كتاب متقدم ولا لها إسناد معروف[١٤] .

٤ـ أما ابن حجر العسقلاني , فيتهم الشريف المرتضى بوضعه , ويقول : ومن طالعه جزم بأنه مكذوب على أمير المؤمنين علي .. وأكثره باطل[١٥] . واستنادًا إلى هذه الأخبار وغيرها تناول عدد من الباحثين هذا الموضوع , فقالوا بعدم صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام علي[١٦] .
------------------------------------------------
[١] : إن سر تسمية ابن خلكان كما تورد المصادر التاريخية هو: ان الرجل كان كثير الافتخار بأجداده ، فيُكثر من قوله : ( كان أبي ، كان جدي ، كان أجدادي ) ، فكان يقال له : ( خَلَّ كان ، وتكلم عن نفسك ) إلى أن أصبحت لقباً له . وقد نقل ذلك ابن العماد الحنبلي في شذراته عن أحد مشايخه : ومن إفاداته أن لفظ ابن خلكان ضبط على صورة الفعلين خل أمر من التخلية وكان الناقصة قال وسببه أنه كان يكثر قول كان والدي كذا كان جدي كذا كان فلان كذا فقيل له خل كان فغلبت عليه . شذرات الذهب ، ابن العماد الحنبلي ، ج٨ ، ص ٤٢٢ .
وابن خلكان برمكي الأصل ، فهوالقائل عن يزيد بن معاوية بعد أن جمع اشعاره في ديوان : وكنت حفظت جميع ديوان يزيد لشدة غرامي به ، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بمدينة دمشق ... وشعر يزيد مع قلته في نهاية الحسن . وفيات الأعيان ، ج٤ ، ص ٣٥٤ .
ولقد ذكر الكتبي في ترجمة ابن خلكان : وكان له ميل إلى أولاد الملوك . فوات الوفيات ، ج١ ، ص ١١٢ ـ ١١٣ .
[٢] : ج٣ ، ص ٣١٣ .
[٣] : ج٣ ، ص ٥٥ .
[٤] : ابن تيمية : تقي الدين أحمد الحراني الدمشقي الحنبلي : ( ٦٦١ ـ ٧٢٨ هـ ) ، ( ١٢٦٣ ـ ١٣٢٨ م ) ، أصله غير عربي , كان معادياً للصوفية والشيعة بسبب وبلا سبب , وكان من أشد النواصب لمذهب التشيع , وهوأول من أفتى بحرمة زيارة قبر النبي محمد ( ص ) ليقطع الطريق على كل زائر , وعد السفر إلى زيارة قبر النبي ( ص ) عملاً محرماً يجب إتمام الصلاة فيه , وهذه الآراء التي أطلقها اعتمدتها الحركة الوهابية وأحلت بفتاوي أبن تيمية هدم قبور الصالحين , هذه الفتاوي سمحت للفقهاء بتأليف الكتب دفاعاً عن زيارة القبور , فوضع تقي الدين السبكي ( ت ٧٥٦ هـ ) كتابين ( شفاء السقام في زيارة خير الأنام ) و( الدرة المضية في الرد على أبن تيمية ) , ومؤلفات أخرى في الرد على أبن تيمية مثل ( المقالة المرضية لقاضي قضاة المالكية تقي الدين أبي عبد الله الأخنائي ) و( نجم المهتدي ورجم المقتدي للفخر أبن المعلم الفرشي ) و( دفع الشبه لتقي الدين الحصني ) و( التحفة المختارة في الرد على منكر الزيارة لتاج الدين الفاكهاني ) و( إكمال المنة في نقض منهاج السنة لسراج الدين الهندي ) و( منهاج الشريعة في نقض مناج السنة للسيد مهدي القزويني ) و( الإمامة الكبرى والخلافة العظمى للسيد محمد حسن الشيرازي ) و( خبر الجهة لأحمد بن يحيى بن جبريل الشافعي ) و( إعتراضات على أبن تيمية لأحمد بن إبراهيم السروطي الحنفي ) و( الجوهر المنظم في زيارة القبر المعظم لأبن حجر الهيتمي ) و( أبن تيمية ليس سلفياً لمنصور عويس ) و( أبن تيمية لصائب عبد الحميد ) غيرها الكثير . قال أبن حجر العسقلاني في ذم منهج أبن تيمية : ( ... وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدته إلى تنقيص علي رضي الله عنه ) لسان الميزان , ج ٦ , ص ٣١٩ـ ٣٢٠ / وقال أبن حجر الهيتمي في أبن تيمية : ( أبن تيمية عبد خذله الله , وأضله وأعماه وأصمه وأذله , وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله ... ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال مضل جاهل غال وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته ) الفتاوى الحديثة , الهيتمي , ص ١٤٤ / وفي مورد آخر يقول الهيتمي : ( وإياك أن تصغي إلى ما في كتب أبن تيمية وتلميذه أبن القيم الجوزية وغيرهما ممن أتخذ إلهه هواه ... وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود ... ) الفتاوى الحديثة , الهيتمي , ص ٢٠٣ / وقال فيه تاج الدين السبكي : ( وأعلم أن هذه الرفقة , أعني المزي والذهبي والبرزلي وكثيراً من أتباعهم أضر بهم أبوالعباس أبن تيمية إضراراً بيناً ... وأوقفهم في دكادك من نار ... ) طبقات الشافعية الكبرى , السبكي , ج ١٠ , ص ٤٠٠ / وقال الألوسي في أبن تيمية : ( وأرى أن تشنيع أبن تيمية , وأبن القيم , وأبن قدامة , وأبن قاضي الجبل , والطوفي , وأبي نصر , وأمثالهم , صرير باب أوطنين ذباب ... ولولا الخروج عن الصدد لوفيتهم الكيل صاعاً بصاع ... ولعلمتهم كيف يكون الهجاء بحروف الهجاء ... ) تفسير روح المعاني , ج ١ , ص ١٨ ـ ١٩ .
[٥] : منهاج السنة ، ج٨ ، ص ٥٥ .
[٦] : ج٣ ، ص ٢٥٧ .
[٧] : ج٣ ، ص ١٢٤ .
[٨] : ج٤ ، ص ٢٢٣ .
[٩] : وفيات الأعيان ، ابن خلكان ، ج٣ ، ص ٣١٣ ، وعقيدة ابن قتيبة ، العلياني ، ص ٩١ .
[١٠] : تشريح شرح نهج البلاغة ، ص ٨ .
[١١] : مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، دار الأضواء، بيروت، ط٢، ١٩٨٥م، ج١ ، ص ١٠٢ ـ ١٠٣ .
[١٢] : عبقرية الشريف الرضي ، زكي مبارك ،  ص ٢٢٣-٢٢٤.
[١٣] : ميزان الاعتدال ، الذهبي ، ج٣ ، ص ١٢٤ .
[١٤] : الإمامة والسياسة ، ج٢ ، ص ٢٠ .
[١٥] : لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني ، ج٤ ، ص ٢٢٣ .
[١٦] : مختصر التحفة الاثنا عشرية ، الألوسي ، ص ٣٢ .
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=67363
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29