• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : في تجديد الفكر الديني وتعقيل علل الشرائع على هامش فضيحة فتوى إرضاع الكبيرة .
                          • الكاتب : ادريس هاني .

في تجديد الفكر الديني وتعقيل علل الشرائع على هامش فضيحة فتوى إرضاع الكبيرة

 اليوم لا يتعلق إصلاح التفكير الديني بإيراد ملاحظات عامة واستعمال مفاهيم حمّالة وجوه ..اليوم التفكير الديني تجاوز بعشرات السنين الكثير من الجمل الإنشائية في الإصلاح والتي لا تكاد تخرج من صيغة يجب وعلينا واعلم أنّ....اليوم عملية التجديد والإصلاح تتطلّب آليات ومناهج ومفاهيم قابلة للتطبيق وللاستعمال في تفاصيل المشكلات التي تعترض التفكير الديني في الاعتقاد و التشريع.. أمام كل مشكلة ما هو الحلّ.. بل ما هو الحل العام والبديل العام والآلية التطبيقية لحل جملة ما يعترضنا من مشكلات هذا التفكير؟ إنّ معضلة العقل العربي الراهن والعقل الشرقي الراهن كحامل لمضامين الفكر الديني هي مشكلة بنيوية لا تتعلق بالدين بل بسائر مستويات التفكير.. فخارج الدين نقع على الأزمة نفسها.. حتى في المستوى العلماني نفسه نقف على عينات من التفكير تعيدنا إلى زمن الإكليروس وإلى طرائق التفكير الوسطوية القائمة على استبعاد العقل والتفكير الواقعي..وإذن هي مشكلة قائمة في صلب التفكير العربي والإسلامي التاريخي و الجغرافي.. ولنضرب لذلك مثالا راهنيا..هناك اليوم فتوى تناقلتها وسائل الاعلام من المفتي المصري السابق يؤكد فيها على جواز إرضاع الكبيرة.. ومن الناحية الظاهرية هو يرى نفسه منطقيا مع أسلوبه في الاستدلال و الفتوى.. غير أنّ المسألة تتعلق بإشكالية الأسس التي تنهض عليها عملية صناعة الفتوى وعموم الفقه الاستدلالي.. وشخصيا أعتقد أنّ الأزمة هنا تتعلق بمباني اجتهادية وليس برأي فقيه هنا أو هناك.. إن د علي جمعة يرتكز على خبر وارد في صحيح البخاري روته السيدة عائشة.. والشبهة هنا ترتكز على اعتبار كل ما ورد في البخاري صحيح وقطعي الصدور.. وفي هذا ربما كان بعض السلفية من امثال الألباني أكثر شجاعة في ردّ الكثير من الأخبار الصحيحة بالأساليب الدرائية و الجرحية التقليدية.. كما في سلسلة الاحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة....نعم قد نتساءل:أي أثر سيئ لمثل هذه الفتوى؟ وما رأي المقاصد الشريعية في هذا الأمر؟ المشكلة أنّ الكثير من الفقهاء حتى الآن لا زالوا غير مقاصديين..واذا كانوا مقاصديين فهم لا يؤمنون بالتحسين والتقبيح العقليين في التأويل ولا بالعقل كأصل من أصول التشريع..أي ليسوا عقلانيين لا في التشريع ولا في التأويل..وربما حصروا الاجتهاد في القياس..وذلك هو ما فهموه من خلال ربط الشافعي الاجتهاد بالقياس..مع أن القدامى كانوا بصدد تطوير آليات الاجتهاد ولم يحصروها مطلقا.. وفي موضوع رضاع الكبيرة لديّ جملة من الجوابات أحصرها في اثنين لا ثالث لهما :
أولا، أقول للسيد المفتي ولمن سبقه بتلك الفتوى، إنها تحمل بذور التناقض في طياتها..فأنت يا حضرة المفتي وفي اللقاء الأخير تقول بحرمة الخلوة..وهذا الرضاع لا يتم إلاّ بعد ارتكاب حرمة الخلوة..بل إن الرضعة الأولى حرام..وما بني على الحرام حرام..إنه دور منطقي وفقهي أيضا..فالفتوى تأخذنا بالنتيجة ونحن نأخذها بالبدايات..ثم يا حضرة المفتي إن ثمة أخبارا تحدد أي الرضعات في مقام إرضاع الصغير هي المجزية في اعتبار صيرورة الرضيع من المحارم..وهي الرضعات التي تصل أحيانا إلى اشتراط ما به ينبت اللحم وينمو الرضيع..وماذا عن تحديد الشرع للرضاع في سنتين..ومن باب التندر نقول: كيف من الممكن أن نفطم رجلا خمسينيا عن هذا الرضاع؟ وهل الكبير قابل للفطام؟ يا عمري...
ثانيا، ولا أريد أن أقول ثالثا، إنّ الخبر مهما يكون صحيحا فهو هنا صحيح بالمقاييس الروائية فحسب، وأيا كان أمره فهو ظني الدلالة ظني الصدور..ولا يمكن أن نواجه به ما كان قطعيا بالوجدان..ولا يمكن أن تتعارض الأخبار مع القواعد العقلية والعرفية لجهة قوله تعالى(وامر بالعرف)..ولعل من المسائل التي لم تبحث حتى اليوم في مجال الأصول هي قضية مدى حقيقية تراتبية أصول التشريع، وهل يا ترى ممكن يتم إحكام ما تشابه في بعضها من خلال ما يقع متأخرا عنها في التراتبية كأن يحكم العرف الاجماع.. ربما هذه المسألة حسمت من باب مباحث الألفاظ حيث الدلالة تتحدد بالعنايات اللغوية العرفية، لكن الحديث هنا عن مدى اعتبارية التراتبية في قائمة مصادر التشريع على الخلاف الموجود، بحيث يتم التعامل معها بالتناوب أم وفقة مقاربة شمولية بحيث تحضر معا في العملية الاستنباطية. هذه المسألة هي مما نراه غير مفكر فيه حتى الآن..فالعرف حاضر في ضبط المعاني وحتى في التدابير المتبعة في تصحيح الرواية بل إن العرف يحدد أحيانا نوعية المعقول، إن لم نقل أن المعقول هو في حد ذاته التحقق العرفي للعقل..فالعقل لا يقع في الواقع الا مشخصا خاصا عرفيا..
ففي الوجدان وفي العرف الذي تأخذ به الشرائع لا يصح هذا النوع من الرضاعة..
إن مثال إرضاع الكبير مسخرة عرفية بكل المقاييس..وما كان مخالفا لقطعي المعقول وقطعي العرف وقطعي الوجدان كان باطلا شرعا..ويكون الموقف الشرعي حينئذ: اضرب بالرواية عرض الحائط...

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=66766
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 03
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28