• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إضطراب سلوك الأجيال!! .
                          • الكاتب : صادق غانم الاسدي .

إضطراب سلوك الأجيال!!

كُتب الكثير عن الحالة القائمة منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم , والكتابات والأفكار والرؤى والتصورات , وآليات التفاعلات والممارسات , تبرهن بوضوح ساطع , على أن الأجيال المعاصرة تعاني من إضطرابات سلوكية حادة ومزمنة وبحاجة إلى علاجات ذهية ودوائية , لكي يتشافى الوطن والشعب مما أصابه من آثار الشدائد العاصفة بالوجود الوطني من أسفله إلى أعلاه.

هذه الإضطرابات السلوكية المتفاقمة , تسببت في إنحرافات شديدة وخطيرة في الوعي والإدراك والتقدير , وأذهبت الحكمة وصواب وجهات النظر الذاتية والموضوعية , فأصبح المجتمع يتخبط في دوامات وعواصف إنعكاسية , إنفعالية ذات شحنات عاطفية هوجاء , تلغي العقل وتزوّغ التفكير , وتدمّر الصلاح والفلاح , وتسعى نحو السوء والمنكر المباح.

كما أنها أثرت وبقوة على القدرات الإستيعابية والإستقبالية للمنبهات الخارجية والداخلية , وشوهتها وأقرنتها بإستجابات وهمية ذات طاقات إنفعالية متأججة , تساهم في تصعيد آليات إنبثاق الشرور , وينابيع المخاوف والشكوك وسوء الظنون.

ومن العوامل الأساسية التي غذت الإضطرابات , الأكاذيب المنمقة والتهيؤات النابعة من تجارب فردية ذات مفردات قاسية , ومن تصورات الذين لا يتصلون بالواقع , ولم يعايشوه في فتراته الصعبة , أو إنقطعوا عنه منذ بداية العقد الأخير من القرن العشرين , وعاشوا في واقع مغاير , وتعرضوا للبرامج والتبدلات , فإختزنوا مشاعر سلبية وتصورات سوداوية , وصار التعميم ديدنهم , والتفسير النابع من معاناتهم مرشدهم وعقيدتهم.

ولا يمكن الوصول إلى حل يشفي العلل في هذا المعترك الإضطرابي المحكوم بأمارة السوء والبغضاء , الساعية إلى الإنتقام , وتأجيج الأحقاد , وتبرأة الفاعل وإنكار المفعول , وإلقاء اللوم على أسباب لا تمت بصلة وثيقة بالنتائج , والواقع الذي تتحقق فيه المأساة الدامية المتواصلة لأكثر من عقدٍ جحيمي الطباع والتوجهات , ومحكوم بإرادات ذوي المصالح والغايات.

وبتفاعل الإضطرابات السلوكية وتشابكها , ساد العمى العقلي , وطغت ردود الأفعال النفسية السقيمة , الناجمة من علل وعاهات ودمامل نفسية مختزنة في الأعماق.

ولا يزال المجتمع بقادته وممثليه يعاني من تداعيات إضطراب السلوك الفاعل في الحياة السياسية والإدارية , ولهذا تحققت أعلى درجات الفساد والإفساد , وما تمكن المجتمع الخروج من مأزق ما بعد الإحتلال , وإنما تشرذم وتواكل على الآخرين , وتحوّل النشاط فيه إلى تواصلات مع قوى متمسكة بمصالحها , على حساب المصالح الوطنية والإنسانية للشعب , مما أوصل الوضع القائم إلى ما لا تحمد عقباه من الصراعات ومَدارات التداعي والخسران.

ولكي يخرج المجتمع من الإضطرابات السلوكية المبتلى بها , على جميع الأطراف أن تراجع نفسها , وتقف إزاء ذاتها وموضوعها بشجاعة وصدق وقدرة على التغيير ومعرفة مسارات المآل , ومن المستحسن أن يكون للعقل النفسي دور في تقديم المشورة الذهنية والإرشاد للكراسي وذوي القيادة والسلطات, فالجميع وبلا إستثناء يعاني من عاهات نفسية مريرة تنعكس في السلوك المترجم لها على مدى السنوات القاسيات.

فالأجيال المعاصرة تعاني من إضطرابات سلوكية ستأخذها إلى أصعب من الحالة القائمة , إن لم يتم إتخاذ التدابير وتقدير النتائج والمحاذير , فلا يمكن لوطن وشعب بهذا العمق الإنساني والحضاري والتفاعل الإندماجي الطويل , أن يتدحرج إلى وديان الضلال والبهتان , ويقاتل نفسه , وهويته وذاته وموضوعه ودينه وما يمت بصلة إليه , وكأنه في هيجان إنتحاري وخيم , إن لم يكن الإضطراب السلوكي العاصف في أركانه قد تملكه , وأذهب حقيقته فإنتفت طبيعته النقية الرحيمة الطيبة , وأوغلته في أتون المساوئ , وأخرجته من كونه إنسان!!

د-صادق السامرائي

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=66422
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 08 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18