• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : آخــر الحــب قصة قصيرة .
                          • الكاتب : د . مسلم بديري .

آخــر الحــب قصة قصيرة

 ~غريبٌ إسمه الله وغريبٌ إسمه الحسين وغريبٌ إسمه القلب وكل غريبٍ للغريبِ حبيب

‏~ألحسين دين لكل إنسان وإنسان لكل ألأديان

~ دين بلاحسين كصليب بلا عيسى...!

نظرَ إليه بإجلالٍ ورهبةٍ وقال هل أسلمت؟ قال بل أٌعلن حسينيتي

كانت الساعة هي السابعة مساءاً حين جاء مسرعاً وبخطى ثابتة كأنه الرمح وإيمان راسخ..وبهدى ويقين كأنه الأولياء وصدر عبق بأريج سرمدي لا ينضب..كان يتنفس حتى يمتلأ صدره هواءً فلا يزفر منه شيء كأنه يحتفظ بآخر مقدساتهِ

كان هادئاً متأنقاً متكلفا في ذلك لا يشوب محياه سوى تقاسيم علته عنوةً خشية من فوات الموعد وإسراف الدنيا في حرمانه مما يحب....

قدمَ حيث كان أمراً مزمعاً مع صديقه يوسف عياش الذي أحس الظلام كثيرا فقرر أن يستكشف الضياء

لا يخفي حين تختلي به نفسه أن صداقته ليوسف كانت مميزة شيء أو بعض الشيء....

فقد كانت تجمع بين قطبين متنافرين لا يجمعهما من الشيء إلا قليله ففي أحايين ليست قليلة كان علي يحسب بأن علاقته بيوسف لن يقدر لها أن تطول حينا ممتدا وكثيرا ما كان يرى نفسه مجبولا على أن يتحدث بلهجة لم يألفها طويلا وبمواضيع للحديث لا يستثيره منها إلا النزر كان يوسف مسيحيا متدينا..ولم يكن علي على ذلك القدر من التديّن ولا التزمت بل كان معتدلا إن لم يكن دون ذلك بقليل ...لم يستغل اتصاله بيوسف للولوج إلى الأزقة التي تزخر بذوات الصلبان الذهبية كما كان ينبغي أن يفعل لو تكلف مجاراة ما كان سائداً من العلاقات التي تشابه هذه العلاقة نوعاً...ولم يركن إلى حديث الأديان ربما إيماناً منه بأن الحديث عن الأديان كافيا لتفريق أي جمعٍ مهما متنت أسباب اتصاله‎ ‎وضلت في داخله رغبة مكبوتة ليطلع صاحبه بأنه قد أوتي دين زاخراً وتكمن فيه ألاف النجوم...واستعاض عن ذلك بأحاديث لا تمت بصلة لدين أو مذهب أو إعتقاد سوى إعتقاد علي بأن السمراوات أجمل ما خلق الله هكذا كان اغلب الحديث عن النساء وأمور لا تمت لنفسه بصلة قط رغم أن عليا لم يجد في يوسف مايطلق عنان الصداقة الجامحة فلم يقطع السبل بينه وبين خليله بل كان كثير الانقطاع إليه والحديث معه فيما يخالجه....

تمر السنة بفصولها بخريفها وشتائها وربيعها وصيفها

وكما كان علي لا يلقي عليه أي جلباب لدينه فقد كان عابثا بعض الشيء لا كله بورع ضئيل يكاد يغطي بعضا من ساق المعصية

أقبل محرم بديباجه المظلم وكعادة علي فقد قطع كل السبل بينه وبين الدنيا انقطاعاً لا ردة فيه فبدا كمن أحرم إلى حجٍ دائمٍ

جاء على غير عادته إلى حيث صديقه يوسف فقد كان مقدمه مقدم المتردد المتواني وحين أحس يوسف بمقدمه و رآه قائما حيث كان سارع لإيقاف نغم كان يشدو في المكان هادئا بلا إسراف

اتسعت أحداقه حتى كادت تملأ وجهه وعلت شفتيه ابتسامه متسائلة مستهجنة أو ربما ساخرة حين رآه وقد أقبل بإحرامه الأسود وقال بلهجة الساذج قليل الإدراك:

-أنت وين وعاشور وين والله عندك سوالف...

فعلى نفس علي حبور رغم امتعاضه فقد إمتعض حين وصف بالبعد عن الحسين ولكنه فرح حين رأى أن شخص لا يدرك أبعاد الحسين قد رفع الحسين من أن يقترن به شخص مثل "علي"

ثم ابتسم علي ابتسامة تعلوها حسرة وقال:

-أنت ما عندك جرح تبجي عليه وين تلكه حسين مثل حسيني؟!

ثم غرق في صمت اتسع حتى ضم صدره كله صمت اضطر يوسف إلى الابتسام اعتذاراً

وجلس علي دون أن ينتظر من يوسف إشارة بالجلوس وهمّ يوسف بالبدء بحديث مفتعل ليضمن عدم انزعاج صديقه

كان الحديث لا يمت لأسلافه بصلةٍ وتكلف يوسف الالتزام..وهاهو علي يضيق ذرعا وينبأ صاحبه بأن ذكرى الحسين جديرة بأن ينحني لها الكون إجلالا....

كانت هي المرة الأولى التي لمح فيها علي هذه التساؤلات في وجه صاحبه ولكنه آثر الصمت وافتعل عدم الاكتراث....

بعد صمت قال يوسف حدثني عن الحسين..قالها بلهجة معطي منّانٍ بعطاياه

فحدثه علي بعد أن أنبأه بأنه لا يملك ما ينصف الحسين وصفا وكان يسرد ما عنده وبين كل نبأ يدعو الفخر كان يوسف مسرعا إلى إلحاق الصفة ذاتها أو أكثر منها بنبيه وحين أوشكت جعبته إعلان إفلاسها آخر ما قاله علي بأن الحسين كوالده يجيد القسمة على إثنتين دون أي باقي ثم قال علي بأنه سيذهب المساء إلى مجلس عزاء حيث سيلقى ما لم يؤت من أخبار الحسين  فعرض على صاحبه مرافقته وليكن فليعتبرها نزهة وحين كان المساء قدم علي لاصطحابه قدم بعنفوان السمراوات وسارا متهامسان بشيء من لطيف التهامس والتلامز

وحين وصلا مبتغاهم جلسا مجلس قريب من المحدث ولو علم المحدث بأن يوسف نصراني لأسعده أمره كثيرا.... جاء المحدث ودخل المجلس على قدرٍ برداءٍ ووقارٍ طالما أعلن صافرات الانذار في مجمع الشياطين فبدت بينهن وبينه سجف مسدلة بيده عصا اغلب الظن ان له بها مآرب اخرى وجلس على منبرٍ كأنه عرش سليمان النبي وأخذ يمعن النظر ويطيل البصر الى يوسف أليس عجيبا كأنه يرى قرارة نفس يوسف ويوسف لم يمتلك من الجرأة مايكفيه لأن ينظرفي عين الشيخ تلك العين التي يختبء ورائها عالم ليس كعالمنا ثم بدأ الشيخ يرسل كلامه بتمهل شديد فكان يحبسه ويطلقه بتكلف وابتدأ قائلا :

 

كرر على سمعي حديث أحبتي      فبذكرهم تتنزل الرحمات

وأحضر مجالسهم تنل كل الرضا      وقبورهم زرها إذا ما ماتوا

تعود علي الحضور باكرا إلى المحاضرة فالناعي ينعى المصيبة مصيبة سيد الأحرار ... عزف عن الدنيا وغياهبها وأمسى أول فراشة تلوذ بنور ما يلقى..كان نهما بما يقوله الشيخ عن الحسين وعمد الحضور باكرا ليحضا بمجلس غير بعيد يرى ويسمع ما ليس لغيره من السبل في إدراكه

كان كبادئ كل أمر يشغل باله في أول الحديث تفكيرا منصبا في حبيبته وتمنى لها رؤيته وهو منصهر في أفواج تدخل دين الله من باب اسمه الحسين وكان لكل حدث في لهجة الشيخ  نبرة ثابتة وصدى مثقل بأوجاعه

تلاشت حبيبته من فكره شيئا فشيئا فالحرب أشتدت وحمى وطيسها ولا مكان فيها لامرأة إلا زينب وأنى له بزينب  كتلك التي أجهش التاريخ في بكائها... واستعاضت حبيبته دموعا انهمرت فوق خده انهارا لا تنضب..وزفرات لا تحجب..

وأنصت كل الخلائق للشيخ وهو يحدثهم وجوارح علي ترتعد مع كل كلمة تقال وحدث يذكر وكل دمعة تُهمرفهو مصغ  أيما إصغاء وفي أنفاسه شيء يشبه الثورة يبثه إلى الفضاء الرحب والى النجوم الغافية في أعماق الغور السحيق .... وبين الفينة والأخرى يرسل البصر إلى صديقه العزيز فلا يرتد إلا عن شخص شاخص البصر واجم كأنه الأصنام ينعقد في نفسه صمت رهيب وتعلوه الدهشة فلا يكاد يرى شيء ولا يحس بشيء من حوله ويحاول علي أن يمد سمعه في صمت صديقه المنعقد فلا ينتهي سمعه إلى شيء ما باله حتى كأنه لم يشعر بمجلس صديقه علي من حوله فكأن الأفكار تناهت به فتجاوز البشر وأمسى منصرفا عن من حوله انصرافا بينما من حوله يجهش في البكاء واخذ المحدث يعرج في حديثه عن الثورة الحسينية وأسبابها ...هل هي معقولة؟ هل كانت مدروسة من الجوانب كافة؟ هل كانت واقعية رغم النتائج المتوقعة؟ وهل كان تصرف الحسين شخصيا أم انه نابع من أعماق الامتثال للأمر اللاهي؟ هل كانت ثورة الحسين بحد ذاتها رسالة سماوية ملزمة التنفيذ؟ هل الحسين رسول؟ لو كانت الثورة خاسرة من الجوانب والحسابات العسكرية فما الذي يحمل الحسين على البدء بها إذن إنها التهلكة لو لم يكن الأمر كذا.... لا ينبغي النظر إلى الحسين على انه قائدا حربيا ماديا لا يبدأ بأمر إلا إذا تأكد كل التأكد وأيقن بأنه محسوم بالفوز كما يفعل القادة الماهرون وحتى الجراحون البارعون لا يجرون إلا العمليات مضمونة النتائج وان كانت بسيطة.... لم يكن الحسين كذا بل كان معصوما مسددا لا ينطق عن الهوى ولا يتصرف وفقا لأهوائه بل كانت كل حركاته هي من عند الله إن الحسين عليه السلام هو تلميذ المدرسة المحمدية إذن لابد من أهداف سامية وراء هذه الثورة تستحق كل هذه التضحيات الجسام من الحسين أولا ومن أصحابه ثانيا فلو كان الحسين قائدا دنيويا لما سار أصلا في هذه المسير وهو يعلم بان القوم لا تريد إلا رأسه فلهم بذلك رأس الثورة وما ورائها ذلك الرأس الذي يكمن بالأخلاق المحمدية والثورات الحيدرية فإضافة إلى كل هذا فان الحسين سار لأمر فيه إصلاح الذات الإنسانية والعروج بها إلى مطافات السمو والرفعة وهذا الأمر بحد ذاته يحظى بالعناية الإلهية والرعاية السماوية إذن الحسين سار إلى تهلكة الجسد من اجل أن لا تمس الروح الإنسانية  ولا تران المكارم بالأدران ....واخذ الشيخ يوضح عدم التكافؤ المادي بين الجانبين فجيش العدو يفوق جيش الحسين عددا وتجهيزا ولكنه يقفر بالمعتقدات السامية التي تبث في الروح عزما حثيثا متواصلا كأنه الكهرباء وبدا بوصف النزال وتفاصيله وأجهش بالبكاء والعبرات تخنقه حتى لا يكاد يفهم من صوته إلى النزر القليل وعلي أجهش أيضا ببكاء متصل ويوسف لما يزل شاخصا بعد وإذا بالشيخ يعلو صوتا وتنهمر الدموع على خده مثنى وثلاث ورباع وهو يقول :

فاخذ الحسين بيده دما شريفا فرماه إلى السماء ....الهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى, وإذا بيوسف يرمق السماء كأنه يتابع مسيرة الدم وعروجه إلى السماء معلنا موت الحرية والطفولة ويزداد دهشة حين يرى أن الدماء لم ترجع إلى الأرض اخذ الشيخ يعلو حديثه نبرة وأجهش دموعا وبدت أنفاسه كأنها حجارة من سجيل

تلفت علي وهو يصرف بصره غير معرضا عن الشيخ وانصهر في الاستماع وسبح في بحار من الدم والنور واشتد صليل السيوف ورأى سنابك خيل العدو تسحق جموع من كانوا يتلقفون الحديث من الشيخ...واخذ يمشي بخطى متثاقلة وجلا موهن ينقل أقدامه من الأرض نقلا لئلا يسحق بقدمه اشلاءا متناثرة  وهنا ينظر علي فيجد ألاف من الجيوش وسبعين الفا من الخنازير قد اجتمعت لتغتال السلام ويلتفت فيرى سبط آخر الرسالات السماوية يكاد يكون وحيدا بين الألوف من الوحوش الضارية فبدا كحمامة رشيقة بين تجمهر الكلاب فانتفض علي وارتعدت أنفاسه معلنة الثورة واخذ الذود عن سبط الرسول بل الذود عن آخر أساطير الحرية وهاهو قد جاء من أقصى التاريخ رجل يسعى لنصرة الحسين واخذ يذود ويذب عن الحسين بأكواعه الرشيقة وحركاته الأنيقة.... فبدا كفارس من الزمن الحديث أليس عجيبا انه يرتدي البنطال الأسود والقميص المضرج بالدموع بين ألوف ترتدي الدروع حلل الفرسان الأولين كل ما هنا يدعوه للدهشة فكأن علي يكره أن يؤثر نفسه دون من يهيمون بالحسين ....

لكن يوسف تنحى جانبا واكتفى بالمشاهدة واكبر الظن انه فعل ذلك لئلا يفوته حدث من الأحداث فهو لم يأت إلا ليعرف .... وهنا شاهد يوسف رجلا يعرفه فهو من نفس الزمان فسأله:

 وما يشجيك في الحسين؟أجابه لأنه يتقد بلا دخان ليضئ بلا انطفاء...

وبعث نظراته فلبثت غير بعيد فرأى شيخا يضرب بيد كأنها العذاب ويذود دون آخر الأسباط فاقترب منه وقال هامسا..

لم أنت هنا وما يشجيك في الحسين؟

فأجاب: الحسين منتصر وأنا أقف بعيدا عن الخاسر..

قال وما يدريك وما يلهمك اليقين بانتصاره؟

فأجابه لأنه على حق...

قال وان كان ما تزعم .؟

قال فلي الدارين وان لم يكن فان يزيد توابا لمن كان أوابا

ثم ثاب بصره إلى رأسه ورده منكسرا كأنه السهم استقر بعيدا حيث كانت هناك طفلة صغيرة لما تبلغ الرابعة بعد كانت قائما ساهمة بيدها خشبة اتخذت منها سيفا وأخذت تضرب بيدها الفتية وتذب عن آخر ملاذات الأطفال وهنا بلاوعي اندفع بين الجموع جامحا بينه وبين من حوله سجف مسدلة فيتلوى فيرد ذاك ويصد ذاك إلى أن وصل إلى الطفلة وقف فوق رأسها شاخصا كان بيده كوكب دري  وأراد لضفيرتها أن لا تمس التراب فهم برفعها ...

فقالت بلهجة تشبه البكاء : أبي متوفى والحسين ابن كافلي....

وبقي يوسف منفعلا تندفع نفسه اندفاعا وتضطرب أنفاسه اضطرابا فلا تحتكم إلى عقل ولا تذعن إلى روّية ورغم ذلك كانت أقدامه لا تخضع لتلك الثورة المضطربة في حنايا أضلعه ولم يكن حض حواسه بأحسن حال من ذلك فقد تذبذبت الآهات والأنات الواصلة إلى إذنه فإذا به عمد أن يُلحق سمعه بآهٍ غريبة جاءت ثم ولت فيمد سمعه فينتهي إلى حيث انتهى بصره

وهنا ترفع الحجب عن بصيرة يوسف....

....فيدخل الحسين منهكا متعب القوى لا تراه إلا وقد انحنى ضهرا وانزل الشيب به ضيفا لم يفتأ ماكثا ....دخل بحزن يعقوب وصبر علي وأيوب فعجب زين العابدين حين رأى ذلك الفارس الذي أذاب أُذن التاريخ بصرخاته الحيدرية لا يقوى على زفرة آه والذي قد قوم الشرك ينحني فلا يستطيع الوقوف فبدا وقد على ثيابه غبار المُلمات ونائبات الدهر....

فيقول الإمام زين العابدين سائلا:

-فداك نفسي أي أحداث جرت امض مما لاقيت.... ولعمري لم الفك إلا جلدا صابرا لا تضنيك نائبة....فمد الإمام زين العابدين صمته إلى قراره نفس أبيه وألفاه يتذكر الرضيع....

- أ لفقد الرضيع كل ذا .... والذي نفسي بيده لقد هدنا فقده لكني كنت أحسبك جزعا لفقدك العباس عمي ففقده يضنيك ويلذعك حزنا فهو ذكريات الطفولة وهو ذكرى علي وهو (هو) وحسبك به أخ وإمام....

- الحسين بعد أن غالب الحسرة والبكاء:

أتعلم أن الرضيع حينما (لم يقوى الحسين المضي في الحديث فتأخذه عبرة) فيكمل حينما(ثم يجهش بالبكاء) ثم يتدارك بكائه فيقول :حينما ذبحه السهم سالت دمائه على نحره ووجه فأراد(يتوقف ثم يواصل بكائه) ثم يعاود :فتحسس الرضيع الدماء ظنا منه أنها ماء فأراد أن يرتوي من دمائه من شدة عطشه فقد كان يحسب ان كل ما سال هو ماء ولو كانت دماء نحره( الحسين تغلبه الحسرة فيغرق في  بكاء متواصل)

لا يُوصف ما يعتلي يوسف ألان ثم يسير زاهدا في الدنيا معرضا عن نفسه إعراضا

وهنا في موضع غير بعيد وقف رجلٌ أنيقٌ نظرٌ كان يعرفه حق المعرفة انه من الرجالات التي تسعى لازدراد السلطات والمناصب فلم يستغرب كثيرا فربما وجد هذا الرجل في الحسين ملاذا لأطماعه وسبيل لإقناع المدقعين...

وهنا تخطى ومشى متعبا منهك القوى وبدت بعينيه الدنيا موهنة مضمحلة كأنها برك دماء وهناك وجد قمرا  مكتملا بإيمانه وقواه وهداه ودعاء موسى بوزارة الإخوة وعرق من هاشم ينبض من أعماق التاريخ ...اطل القمر على عذب المياه فانعكست في الماء صورة القمر ولكنها انعكست اشد حزنا وترقبا وعزوفا عن الدنيا وزهدا بها بل انعكست رسالة لأنبياء لم يولدوا بعد ....انتفضت المياه دفاعا عن كرامتها فهذا القمر يزدريها ويرمقها إشفاقا يال هذا القمر لقد ردد كلمات انتابت الدهر زجرا وموعظتا وضربا من الإيثار..ربما لم تفتأ هذا الكلمات ترى وتسمع في الفرات حتى حيننا هذا... ...

 

هنا أدار ناحية ومشى على قدر حتى قرارة النفس والأحداث وقف برهة رأى التاريخ واقفا متشحا بالحزن والآهات كأنه الثكلى يوعد ويهدد وفي عينيه أشارة إلى الانقلاب وانهيار حصن آخر الفراعنة والجبابرة...وإلى جانب التاريخ يقف رجلٌ والزمن ماثلٌ في يديه تعجب واعتلت تعابيره دهشة لما ينأى هذا الرجل بنفسه ولربما لو زج بقواه في الأحداث لانبرت الشمس منتصرة فبيديه مفاتيح النصر ومفاتيح أبواب كل الأزمان....

فهم يوسف بالاقتراب من ذلك الرجل وتعمد ان يحدثه لعله يجد عنده أجوبة لتساؤلات أثيرت في نفسه أو نفسه أثيرت فيها

فقال يوسف مترقبا خائفا...

•-         السلام عليكم...؟!

فرد ذلك الرجل بلهجة اقرب الوصف أنها تمزج بين الغضب والاستغراب...

•-         وهل ترى سلاما موجودا بعد؟

فهمهم يوسف وسرت في نفسه أحاديث  كان سيدها وأفصحها الصمت...

فقال ذلك الرجل ليوسف أتعلم ما ينشد هذا الحسين؟ ودون أن ينتظر من يوسف جوابا قال انه ينشد السلام..!

وقال أتعلم من يكون؟

فرد يوسف على عجل

-انه الحسين....

فقال الرجل أوتعلم من هو الحسين..؟ انه ابن بنت رسول الله أليس عجيبا من امة تقتل ابن بنت نبيها

•-         أتعلم أن الله ينادي يوم القيامة كل باسم من ولدته تكريما لمريم وابنها.... أترى كيف تكرم هذه القوم بنت نبيها وابنها....

ظل يوسف صامتا لا تسمع حتى أنفاسه....

وقال ليوسف أترى هذا الحسين؟ أتعلم أي منزلة له عند رسول الله أتعلم ما قد قاله فيه؟ أتعلم انه قال بحقه وبحق أخيه (هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني ومن ابغضهما فقد ابغضني.... الم ينتهي إلى سمعك وإدراكك انه قال (من أحب أن ينظر إلى أهل الأرض وأهل السماء فلينظر إلى الحسين....؟

الم ينتهي إليك من الأخبار أن الرسول الكريم وخاتم الأنبياء والمرسلين كان يسير بالقرب من دار ابنته فاطمة الزهراء ومعه عدد من الصحابة فسمع بكاء الحسين فذهب مسرعا إلى الدار وخاطب فاطمة عليها السلام قائلا: الم اقل لكي أن بكائه يؤذيني ويؤلمني؟....

فليت شعري أين رسول الله ليرى أن من يؤذيه بكائه كيف استقرت به الأحوال وكيف ترامت به الدنيا وإذا كان بكاؤه يؤلم النبي فما يفعل به ما يلم بالحسين الآن .... فاذا كان فعل هذه القوم كذا بابن بنت نبيها فكيف فعلها بعامة الناس؟ اليست الثورة على حق ؟ اليس جديرا بهذه القوم الظالمة ان تفنى؟

أتعلم أي المعجزات للحسين؟ أتعلم انه يبرءا لاكمه والأبرص ؟.... وهنا تعجب يوسف وقال صامتا إن من يشفى هؤلاء هو عيسى

واستمر الرجل قولا أتعلم ان السماء حين إنبات بان الحسين زينة لعرشها ماست الجنة كما تميس العروس فرحا أتعلم انه ابن من؟ الم تدرك ا ن اباه قد قوم الإنسانية؟ الم ينبئك قائل بان أباه قد رد الشمس بإذن الله....؟ أترى من يقاسي الظمأ..؟ لقد سقى من كان خارجا لقتاله سقى حتى خيوله أترى كيف أن القوم لا يهزها الضمير لعطش الرضيع..؟ أترى هذا الحسين لقد قوم من كان مبغضا له قومه بأخلاقه لا بسيفه وأمسى من محبيه.... أتسمع نداءاته الم ينته إليك أنين الملائكة أترى كيف يطعم الموت خير البنين من أكهلين ومن رضع....؟

أبمقدورك أن تدرك لأي أمر عظيم قد خرج؟ ولم يأت وحيدا كما تفعل الفرسان؟ ولم يجلب معه الأطفال والنساء؟ أترى أي ضرب من ضروب التضحية هو أترى كيف تتجلى الإنسانية بأبهى حلة؟ أترى كيف تشفق الأرض من ينبوع الدماء المتدفق وكيف تصطبغ السماء بلون الدم الأرجواني ؟ فلم تشفق الأرض ولا يشفق هؤلاء الم يخلقوا من ترابٍ....

الرجل يتحدث بلا انقطاع ويوسف مصغ أيما إصغاء وعلي لا تنهي إلى يوسف الى صيحاته الحسينية المدوية في أسماع الأكوان ....

ويسهب الرجل بالقول : أتعلم أن الحسين هو ضمير لكل الأديان أتعلم أن الإسلام متمم كل الديانات كان بدؤه محمديا وسيكون استمراره حسينيا

انظر إلى الحسين وأمعن البصر ألا يشبه كثيرا إبراهيم النبي الذي القي بنار النمرود و يحيى ذي الرأس القطيع ألا يشبه المسيح؟ أترى كيف يبعث موسى من جديد وأمامه الاف الفراعنة....كرر البصر الى ذلك الحسين أترى فيه غير وجه لله قد تجلى في الارض

أتعلم انه ينادي بالشيء الذي نادوا به أتعلم انه يبغي نفس الحرية التي أرادوا أتعلم انه يريد الإنسان كما أرادوه

فهم يوسف بالحديث وتغلب على الصمت وقال أنا مسيحي....

فقال الرجل أتعلم بان المسيح قد تنبئ بظهور الحسين أتعلم انه كان لا يمر على ارض إلا وبكى حين يتذكر الحسين....

فقال يوسف متفاخرا : نحن نقدس حافر حمار نبينا.... قال بلهجة المتفاخر الذي يسخر مما تفعل امة بابن بنت نبيها....

فسكت الرجل هنية ثم قال أما زلت ترى الحسين هو للإسلام وحده أكان المسيح مخطئ حين بكى على الحسين ؟ الست مشمولا بما يطلب الحسين أغير هذه الحرية كان يبغي المسيح؟ اغير الله كان يدعو إليه قومه الذين سقوه العذاب ؟

ثم تنهد يوسف أسفا ثم قال الحسين إنسان لكل الأديان ودين لكل إنسان وحرية لكل حر وإنسانية لكل الكون وعدلا لكل مظلوم وجبرا لكل كسير

وهنا رمق السماء وإذا بأسراب من الدماء تستحيل إلى حمامات بيضاء ترفرف عاليا معلنة كسر أخر القيود وبداية عهد من الحرية اللا متناهية ويرى عرائس من الأطفال تحمل بالرضيع وأخريات تحمل الشموع وكيف تفتح السماء أبوابها معلنة ان لا مكان للملائكة في الأرض وتدخل الشمس في عهد من السبات الأزلي وكيف يبدو القمر كسيرا حسيرا وبسرعة يرد بصره إلى ذلك الرجل الذي كان يحدثه عن الحسين حامل الأخلاق السماوية والمعجون  من خليط من الأنبياء والمبرقع برداء العصمة....يرد بصره إلى ذلك الرجل فلا يراه واخذ يتفحص نفسه اكان نائما ؟ أكان في حلم؟.... لكنه لم يكن كذا ويلتفت إلى كف تربت على كتف فإذا بصديقه علي قد قدم وأخذه يوسف وساروا معا متهامسين

فقال علي أرأيت؟

قال يوسف نعم....

فقال وما استكشفت..؟ فتبسم يوسف وقال: دين بلا حسين كصليب بلا عيسى ....

فعلت علي نوبة من الدهشة والاستغراب ولم يتحدث إلا بعد حين فنظر إليه بإجلال ورهبة

وقال :هل أسلمت؟ قال يوسف :بل أعلن حسينيتي ....

 

واحد طلبته دولة....عليه كل جيشها اتجمع

تشوفه إنوله بقبضتها.... وتسمعه بينها يصدع

لا أُعطي لكم يا قوم إعطاء ....الذي يخضع

كالوله يبن حيدر اسمع راينه واقنع

نكطع خنصر من ايدك وانذرك بعد نكطع 

اذا ما صك الاستسلام بيدك هاي يتوقع

كلهم خنصري وراسي وايديه وجسمي يتوزع

لاعيني تشوف الصك ولا اذني اله تسمع

ايد العززت اسلام....ماتؤمن بالاستسلام

كانت هذه الكلمات تزداد وتكبر في إذنيهما كلما اقتربوا ويزداد صداها في أروقة الزمن كلما ابتعدت

  ثم مشيا وأسرعا ليلتحقا بموكب التعزية خاصة محل سكنى علي....

وكما اشتاق لها.... كان الشوق يعمر قلاعا في نفس حبيبته فأخذت بأسباب الوصال وكل ما من شأنه أن يجمعها به وانتظرت كل مساء لتراه في مواكب المعزين التي تمر كل ليلة من ليال عاشوراء...وان كان كارها لفعلها هذا..ولكن  لا سبيل للوصل إلا الحسين.... 

~ بين الحسين والنار جدار مسدل اسمه الدين اذا ما اجتزته تبينت لك نخيلا واعنابا

~ الام على هواك وليس عدلا اذا احببت مثلك ان الاما

~ عظيما ان ترى الله من عين اسمها الحسين والاعظم ان ترى الحسين من عين اسمها الحسين

~ ليت أشياخي يبصرون كيف وهبني الله جنة اسمها حب الحسين

~ اذا كان عيسى بلا أب وهو صديق نبي فلعمري ما بالك بمن كان من صلب علي...



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=6576
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29