• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الفاعلية الاجتماعية .
                          • الكاتب : بوقفة رؤوف .

الفاعلية الاجتماعية

عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : (( كان ملك فيمن كان قبلكم ، و كان له ساحر ، فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر ، فبعث إليه غلاماً يعلمه ، و كان في طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه و سمع كلامه فأعجبه ، و كان إذا أتى الساحر مر بالراهب و قعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب فقال : إذا خشيت الساحر فقل حبسني أهلي و إذا خشيت أهلك فقل حبسني الساحر . 
فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل ... 
فأخذ حجراً فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس ، فرماها فقتلها و مضى الناس .... 
فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى فإن ابتليت فلا تدل علي ... 
و كان الغلام يبرئ الأكمه و الأبرص ، و يداوي الناس من سائر الأدواء فسمع جليس الملك و كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة فقال ما ههنا لك أجمع ، إن أنت شفيتني ، فقال إني لا أشفي أحداً .إنما يشفي الله تعالى ، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى . 
فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك : من رد عليك بصرك ..؟ 
قال ربي قال ولك رب غيري ؟..! .. قال ربي و ربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام 
فقال له الملك : أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ منه الأكمه و الأبرص و تفعل و تفعل فقال : إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى ... فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ، ثم جيء بجليس الملك فقيل له ارجع عن دينك فأبى ، فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه به حتى وقع شقاه .. 
ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى ، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به إلى جبل كذا و كذا فاصعدوا به الجبل ، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه ، و إلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا ، و جاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك ما فعل بأصحابك فقال كفانيهم الله تعالى ... 
فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور و توسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه و إلا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم اكفنيهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة فغرقوا .و جاء يمشي إلى الملك ... فقال له الملك ما فعل بأصحابك فقال كفانيهم الله تعالى ... 
فقال للملك أنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به قال ما هو ؟ .. 
قال تجمع الناس في صعيد واحد و تصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل : بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني ... 
فجمع الناس في صعيد واحد و صلبه ثم أخذ سهماً من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال : بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه فمات .... 
فقال الناس آمنا برب الغلام .. 
فأتى الملك فقيل له أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك قد آمن الناس . فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت و أضرم فيها النيران و قال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه ففعلوا حتى جاءت امرأة و معها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام : يا أماه اصبري فإنك على الحق )) رواه الإمام مسلم كتاب الزهد و الرقائق باب قصة الغلام و رواه الإمام أحمد في باقي مسند الأبصار و رواه الإمام الترمذي 
 
هذه القصة لم تسرد من أجل التسلية الفكرية ولا من أجل اشباع مشاعرنا العاطفية من صبر , سر هذه القصة من الزاوية الحصارية هو الفاعلية , كيف يتم تحويل فكرة رسالية الى فعالية اجتماعية 
الفكرة الحضارية تقف صامدة أمام الاغراءات , اغراءات الحضارة المادية , سواء بشقها الاعلامي ونفوذه والذي يمثله هنا الساحر والساحر في ذلك الوقت ووقته متجدد في زمان ومكان وهو الذي يصنع نجوم المجتمع ويمثله في قصص أخرى قارون 
أو بشقه النفوذي التسلطي المجسد لشهوة الحكم والملك والسلطة والتي يمثلها هنا الملك كما مثلها في قصص أخرى فرعون وكل ملك او رئيس او مسؤول مجسد للحضارة المادية القائمة على الفساد وسفك الدم 
صاحب الفكرة الحضارية لا يتاجر بها كما يتاجر بها اصحاب الأحزاب السياسية المتاجرة بالاسلام ولا يراوغ بها كما يراوغ بعض المثقفين من أجل الحصول على امتيازات مادية أو مناصب أو تسهيلات كقطعة أرض أو قرض مالي أو دعم ظاهره تشجيع مشروع ثقافي وباطنه تأمين مستقبله ومستقبل أهله 
الفكرة الحضارية تلفض كل متلاعب بها متاجر بإسمها وسيتولى الزمن فضحه 
تحويل الفكرة الحضارية الى هم مجتمعي فيصبح الفكر الرسالية قضية مجتمع لا تأتي من قاعات المحاضرات ولا من بلاتوهات الاعلام ولا من فنادق خمس نجوم , إنها تأتي بالصدق مع الفكرة الرسالية وتنفسها مع تنفس الهواء فتصبح الفكرة الحضارية هي النور الذي ندعو الله أن يجعله على يميننا وعلى شمالنا ومن وراءنا ومن خلفنا " اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَفِي لِسَانِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا , اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقِي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا وَاجْعَلْ أَمَامِي نُورًا وَمِنْ خَلْفِي نُورًا , اللَّهُمَّ وَأَعْظِمْ لِي نُورًا  "  (حديث مرفوع ) حتى تتحد الفكرة الرسالية الحضارية مع ذواتنا وتحل فينا , ففكرة الحلول والاتحاد لم يفهمها البعض الفهم الصحيح وحاربها البقية عن جهل أو مكر 
الحلول والاتحاد هو أن يحل في عقلك وقلبك ما تؤمن به فتصبح حياتك وعملك وسلوكك وموتك كله للفكرة , وهنا هي الفكرة الرسالية الحضارية التي حلت بالأنبياء والرسل والأولياء والعلماء الربانيين والمجددين واتحدت معهم والتي كان همهم الأوحد هو الدعوة اليها وتبليغها للناس لإعادة انسانية الانسان لأجل بعث الانسان المتكامل بالحب والحرية والعدل والوقوف في وجه شياطين الانس وكل داع الى الفساد وسفك الدم والظلم سواء باسم المادة أو الدين أو التاريخ أو العرق أو العلم , وقوف ليس بالسلاح ولا بالصراخ ولا بالتكفير ولا بالدسائس والمؤامرات إنما وقوف إحسان بالحكمة والعمل الصالح .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=64776
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28