• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المواجهة الشاملة للمجتمعات.. ضد الفساد السياسي .
                          • الكاتب : مهدي الصافي .

المواجهة الشاملة للمجتمعات.. ضد الفساد السياسي

قال تعالى في سورة الشعراء اية 214 (وانذر عشيرتك الاقربين),اية اعلان الرسالة والثورة الاصلاحية في المجتمع الجاهلي,لم يكن ليكتب لهذه الدعوة الاسلامية ان تنجح لولا رعاية الله سبحانه وتعالى لنبيه واصحابه المؤمنين نتعلم من هذه الاية وايات اخرى حثت المجتمعات على مواجهة الظلم والاستبداد والكفار والفاسدين والمعتدين (حتى مع الفارق العددي بين الفئتين),بعد ان تتوفر شروط الاستعداد للمواجهة اهمها التوكل على الله سبحانه وتعالى, قال تعالى في سورة الانفال اية 60( واعدوا لهم ما استطعتم من قوة),الية كسب المواجهة او المعركة مع هؤلاء الاعداء,والحفاظ على ثمر الانتصار والاستمرار بقطفها بعيدا عن الفوضى واحتمالات الفشل,الاستعداد بكل قوة متاحة امام الافراد ليتوحدوا ويصبحوا جماعات في مواجهة الاعداء الخ.
ماحصل في العراق بع مجيء البعث للسلطة وتحديدا بعد عام 1968,ان الاقلية الاجتماعية والسياسية (المكون السني)حكمت البلاد بالحديد والنار (رغم قلة عدد منتسبي هذا الحزب عند مجيئه للسلطة),واحكمت قبضتها على الاغلبية الاجتماعية (الشيعة اضافة الى الاخوة الاكراد)بقوة مفرطة,وحطمت كل محاولاتهم الفردية(اي نقصد المجاميع الصغيرة) الجادة في الخلاص منه,
وهذه هي فلسفة الفرد والجماعة في الانظمة الشمولية المستبدة,حيث يتم صناعة جيش من المرتزقة حول عرش الدكتاتور وفي محيط مملكته,ليتم بعدها اقصاء شعب كامل من المواجهة,ويصبح مجرد عبد ينفذ رغبات سيده مهما كانت قاسية,
لكنني سأتكلم بصراحة جدا بين عقيدة الفرد والجماعة في المواجهة ,رغم الفارق النسبي بين الافراد الذين يرغبون بالمواجهة ,وبين الجماعة التي تمتلك قوة المواجهة ورباطة الجأش,ماحصل قبل عام 2003 في العراق ومابعده,هو صناعة سلطة الاقلية الشمولية,تركت خيارات الشيعة في مواجهة نظام البعث تكاد تكون شبه معدمة,بمجاميع فردية موزعة بشكل غير منتظم في عموم العراق(التيارات اليسارية الشيوعية,والتيارات الاسلامية),بينما كان نظام الحكم يحكم قبضته عبرتجميع اكبرعدد ممكن من ابناء المكون السني,ويدخله في الجيش والشرطة وجميع اجهزته القمعية,فيصبح الف مجرم تقريبا من جيش الباطل (مدجج بالسلاح) يغلب مايقارب نصف مليون مواطن عراقي سلبي(المحايد اي الواقف في الوسط بين الخير والشر او الحق والباطل),فكانت مثلا اجهزة امن النظام البعثي تخطف الرجل (واحيانا حتى النساء وعوائل بأكملها) من امام المجتمع(اهله وجيرانه وعشيرته)دون ان يقف احد بوجههم,بينما الجميع يشعر انه مستهدف من هؤلاء الطغاة,حتى بات شعار "ماكو ولي الا علي ونريد قائد جعفري"نائم تحت الجمر,ولم يخرج الا بعد زلزال انتفاضة 15 شعبان,ومع هذا بقي المجتمع السلبي الشيعي يراقب الاحداث, ولم تتغير سلبيته وقدرته على اعلان المواجهة الشاملة مع النظام الاستبدادي للتخلص منه,ففشلت الانتفاضة  بوحشية رهيبة لعدة عوامل اهمها عدم تماسك الجبهة الشيعة في مواجهة الشر(اضافة الى تخلي ايران عن دعمها للشيعة على عكس مايفعله الجناح الوهابي اليوم مع داعش),
لكننا من جهة اخرى ,نجد اليوم ان جلاوزته بعد 2003 قاموا بعملية عصيان قل نظيرها في التاريخ العراقي الحديث(بل وحتى القديم لبشاعتها),سرعان ماتحولت المواجهة بين المجموعات الفردية (اي الغير مرتبطة او المنظمة فيما بينها)الى جماعات متناسقة مستميتة في حربها ضد الشيعة والعملية السياسية,والبستها لباس الجهاد ضد الشيعة,مما جعل اي شخص يتخلف عن تأييد تلك الجماعات الارهابية من المكون السني, عرضة للاستهداف والتصفية الجسدية هو وعائلته(بل ينسف حتى بيته ومن له صلة به),وكذلك قاموا بتصفية عوائل وعشائر كاملة(في العراق وسوريا),وقد اجبرت قدراتهم الارهابية حتى السياسيين المعتدلين ظاهريا(المشاركين في العملية السياسية الهشة) على الرضوخ لمطاليبهم(كما حصل في ساحات الذل), فتحالف قسم منهم معهم,ودخل اخرون في هدنة (وغض الطرف) لجماعاتهم,
هذا التناغم عززته الطبيعة البدوية المتحجرة للدول الداعمة لهم(اسعودية وقطر  الاتراك,وهم اهل تلك الثقافة الدموية),التي استوعبت سنة العراق بالكامل ,واغدقت عليهم بالمال والسلاح(وقد فضحتهم افعالهم وتصريحاتهم وتاريخهم قبل ان يفضحهم  ويكيليكس),
تلك المقارنة السريعة بين وضع الشيعة في عهد البعث,وبين وضع السنة في عهد الشيعة (كما يدعون),تجعلنا نحدد ونشخص مكامن وعوامل الضعف والخلل في طبيعة الشخصية العراقية الشيعية,وهي الشخصية التي تتقاسم بناءها وتركيبتها اضافة الى البيئة الاجتماعية والجغرافية والاقتصادية ,وطبيعة المجتمع العراقي عموما وثقافته المتذبذبة والمتناقضة,الولاءات القبلية ,والمناطقية, والدينية,فهي تستمد قوتها من قوة المرجعية الدينية الموجهة لها,ولهذا تصطدم دائما اية محاولات جادة من قبل مفكريهم ومثقفيهم لتأسيس حركات او احزاب سياسية منافسة لبقية التيارات السياسية(كحزب الدعوة الاسلامية وعلاقته بالمرجعية ),وهذا الخلل الكبير في طبيعة المكون الشيعي, وعلاقته بمرجعياته الدينية والسياسية والاجتماعية,ادى الى كارثة حقيقية بعد 2003,
اذ تصدى للعملية السياسية اشخاص وصفهم الاعلام في عهد بريمر بالقياديين,الا ان الايام اثبتت ان اغلب هؤلاء (قادة الاحزاب السياسية الشعية) هم من الانتهازيين والوصوليين  والطفيليين من الصفوف المتأخرة في تلك الاحزاب,واصبحت قوتهم قوى فردية رغم انها تدعي عكس ذلك,اي انها تمثل مكون واسع,او احزاب فاعلة,او تيارات مهمة ذات قاعدة جماهيرية كبيرة,
وكنا دائما نقول لوكانت المحافظات السنية على سبيل المثال لا الحصر موزعة بشكل جغرافي دائري حول بغداد, لما دخل العاصمة احد من الشيعة الا بعد تكون هناك انهار من الدماء,
المفاجئة الكبرى والانقاذ الالهي الذي حظي به الشيعة,جاء بعد سقوط الموصل وتكريت وانهيار قطعات الجيش المرابطة هناك,فصار الحشد الشعبي الشعار والرمز والقوة, التي جمعت حوله الشيعة بمختلف شرائحهم,بعد ان لبى نداء الجهاد الكفائي بصورة رائعة, يعجز اللسان والقلم والحواس عن وصفها ,
اب وابنه,اخ واخيه,جار وجاره,شيخ وشباب في عمر الزهور,عوائل تزف ابناءهم الى قبورهم وتودعهم بالورود,ومتطوعون للدعم من النساء والرجال رغم قلة الامكانات,قصص كثيرة وكبيرة وعظيمة عن الجهاد الشيعي البطولي(الذي اذهل بعض الاخوة السنة فصار الحشد لهم شعار وطني يرون فيه امل الخلاص من شر البرابرة الدواعش),
المتوحد ضمنا وروحا مع الجهاد السوري اللبناني في مواجهة الارهاب الوهابي الصهيوني الامبريالي,لقد انقذ الله سبحانه الشيعة من محرقة الدواعش اعراب الماسونية,ومازالت مسيرة الجهاد وقوافل الشهادة تزيد في قلوب محبيهم وهج النصر وشرارة الثورة ضد الفساد والارهاب اينما وجد,
ولكن هل هذا يكفي كي يتوحد الشيعة لبناء بلد امن مستقر,ينعمون به مع بقية ابناء شعبنا بخيراته وثرواته,بعد ان تعدت حدود الصبر كل حد معقول وغير معقول,بسرقة ثرواته وثمر جهاد ابناءه بأسم الديمقراطية وسلطات تشريعة بائسة,عجزت عن الحفاظ على الامانة المقدسة, بحماية البلاد والعباد ,والممتلكاتهم والثروات, وكرامة الانسان العراقي, من الهدر والاستهداف والنهب والاضرار,بالطبع الحشد لايكفي ان بقي المجتمع يفكر بصيغته الفردية في التعامل مع الاحداث الوطنية الكبرى,
فما حصل في مصر,هو استثمار غير موفق لثورة شعب ناجحة ,ذهبت جهوده تارة الى حكومة الاخوان الاستبدادية الداعشية,وعادت اتجهت مرة اخرى الى استبداد العسكر (وهم على كل حال اهون الشرور).
نحن بحاجة الى حركة سياسية وطنية تتفاعل وتتداخل مع قوات الحشد الشعبي لاخراج البلد من فوضى الارهاب والفساد,وقد لاحظنا توجه العديد من شرائح المجتمع المختلفة,من العمال والموظفين ,من الاكادميين والمثقفين والاعلاميين,من الاطباء والمعلمين واساتذة وطلاب الجامعات والمعاهد والحوزات والمدارس الدينية,في اروع صور الملاحم البطولية التي لن تنمحي من ذاكرة العراقيين الشرفاء,هؤلاء هم نواة الحركة السياسية القادمة لحكم العراق,تبدأ سياسيا ,ثم تتجه لطرح الافكار المدنية الخاصة بنهضة الشعوب الاسلامية,ليكون لنا ثقافة واضحة تشرح علاقة المجتمع بالدولة,والدولة بالدين,والفرد بالوطن والجماعة الخ.
وهذا لايتم عبر الكلام والتعبير والتمني الالكتروني او الورقي,انما بالاستعداد الدائم والمتواصل في تبني مشروع اعادة بناء دولة الامة,الامة الموحدة القوية التي لاتقبل ان تكون جسرا للانتهازيين والفاسدين,بل دستورا شاملا ومراقبا للدولة والمجتمع.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=64269
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28