• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : المعجزة الكبرى علي بن أبي طالب عليه السلام .
                          • الكاتب : علي زامل حسين .

المعجزة الكبرى علي بن أبي طالب عليه السلام

المقدمـــــة
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين ابو القاسم محمد وعلى اله     الطيبين الطاهرين .
من خلال البحث و الدراسة في الاعجاز الالهي لم اجد اعجازاً يتمثل ببشر كما تمثل في امام المتقين وسيد الوصيين الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام ، حيث كان عليه الصلاة والسلام منذ لحظة ولادته الى يومنا هذا معجزةً الهية اذهلت العقول وتحير بها العالم بأسره .
وفي هذا البحث احاول تقديم شيء يسير من اعجاز حياة سيدنا وامامنا علي بن ابي طالب عليه افضل الصلاة والسلام من خلال معجزات ولادته وايمانه وقوته وشجاعته وزواجه وحكمه وبلاغته وعلمه واستشهاده فكل ما ذكرنا كان عبارة عن معجزة لم تتمثل ببشر سواه .
 والحمد لله الذي وفقني لاقدم هذا البحث المتواضع خدمةً لرسول الله وال بيته الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين . 
 
 
الباحث
علي زامل حسين
31/10/2013
 
 
الباب الأول : معجزة ولادته عليه السلام :
لقد انفرد الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام) من حيث ولادته حيث لم يكن لها مثيل ولم تحدث لأي نبي او رسول او وصي غير امير المؤمنين ولم تحدث لاحد من بعده ولن تحدث ابدا وان من بين الخصال والصفات التي تميز بها امير المؤمنين عن غيره هي ولادته(عليه السلام) وكانت ولادته من تلك الفضائل التي امتاز بها الامام(عليه السلام) فقد ولد الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام) في الكعبة الشريفة ،فلا اعتقد ان احدا يستطيع ان ينكر انها صفة او خصلة تَميز بها امير المؤمنين عن باقي الناس والان سنذكر رواية اكدت ولادة امير المؤمنين(عليه السلام)في الكعبة المشرفة وابطلت ادعاءات البعض بأن شخصاً اخر هو وليد الكعبة .
عن احد المصادر ذُكر ان ابن الغزالي قد ذكر رواية في مناقبه ، كما ذكره الفقيه المالكي، وعن بشائر المصطفى ، عن يزيد بن قعنب ،قال : كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب ،وفريق من بني عبد العزى ،بإزاء بيت الله الحرام ،اذ اقبلت فاطمة بنت اسد، وكانت حاملا لتسعة اشهر، وقد اخذها الطلق، فقالت ( يا رب اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب ،واني مصدقة بكلام جدي ابراهيم الخليل ،وانه بنى البيت الحرام فبحق البيت ومن بناه، والمولود الذي في بطني الا ما يسرت علي ولادتي) قال يزيد من قعنب : فرأينا البيت قد انشق عن ظهره ودخلت فاطمة فيه وغابت عن ابصارنا وعاد الى حاله، فأملنا ان يفتح لنا قفل الباب فلم ينفتح ،فعلمنا ان ذلك من امر الله تعالى ،وبعد اربعة ايام خرجت فاطمة وعلى يدها امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام) ثم قالت:( اني فضلت على من تقدمني من النساء، لأن اسيا بنت مزاحم عبدت الله سرا في موضع لا يحب الله ان يعبد فيه الا اضطرارا ،وان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى اكلت منها رطبا جنيا، واني دخلت بيت الله الحرام ،فأكلت من ثمار الجنة وارزاقها، فلما اردت ان اخرج هتف بي هاتف:( يا فاطمة سميه عليا ،فهو علي، والله هو العلي الاعلى، يقول قد شققت اسمه من اسمي وادبته بأدبي، واوقفته على غامض علمي ،وهو الذي يكسر الاصنام في بيتي .
ان هذه الرواية خير دليل على عظمة امير المؤمنين وعلى ان ولادته في الكعبة الشريفة هي معجزة ربانية اراد بها ان تكون اجلالا للإمام علي(عليه السلام) ولكي يعرف الناس منزلته وان امير المؤمنين يعتبر بمثابة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)حيث انه نور ارسله الله تعالى من نوره (عز وجل) ليهدي من ظل طريقه في الظلمات ويعتبر مكملا للإسلام فهو الوصي والخليفة من بعد رسول الله كما اوصى بذلك النبي الكريم ولكن لم يلتزم بوصية رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) من يحسب نفسه من اصحاب رسول الله ولكن سيطول بنا الحديث ان تحدثنا عن هذا الامر وان هذه الولادة المباركة اسعدت من في الارض ومن في السماء فقد وُلد سيد الوصيين .
وقد قال الحميري بصدد ولادة امير المؤمنين بعض الابيات:
 
ولادتــــــــه فــــــي حــــــــرم الالــــــه وامنــــــه
والبيـــــت حــــــيـث فنـــــاؤه والمــــــــسجد
بيــــــضاء طــــــاهرة الثـــــــــياب كريـــــــــــمة
طـــــــابت وطــــــاب ولــــــيدها والمـــــولد
فـــي لـــــيلة غــــــابت نــــــحوس نجــــــــومها
وبـــــدا مـــــــع القــــمر المــــنير الاســــعد
مــــا لـــــف فـــي خـــــرق القــــــوابل مــــــثله
الا ابــــــن امــــــــنة النــــــــبي مــــــــحمد
ولو اجرينا مقارنة بين ولادة نبي الله ( عيسى ) عليه السلام فمريم عليها السلام لما أراد أن تضع عيسى آوت الى بيت المقدس فنادتها الملائكة بالخروج لأن البيت بيت عبادة 
بينما فاطمة بنت أسد(رضوان الله تعالى عليها) قد انشق لها الجدار جدار الكعبة المشرفة ودخلت في جوف الكعبة التي هي أطهر وأقدس من بيت المقدس ووضعت وليدها المبارك 
وهذا يكشف عن ارادة ربانية لهذا المولود الذي ولد في الكعبة الشريفة وهو الذي طهّرها من دنس المشركين ومن اصنامهم وأوثانهم .
ومن ثوابت المعجزة ان الركن اليماني لجدار الكعبة الشريفة ينفطر يوم 13 من شهر رجب كل عام أي نفس المكان الذي خرجت منه فاطمة بنت اسد عليها السلام وهي تحمل سيد الوصيين وعلى الرغم من المحاولات التي تقوم بها السلطات الحاكمة لترميم واخفاء الفطر الا ان جميع المحاولات باءت بالفشل كما اشار اليه الدكتور طارق الكاتب الذي كان ضمن لجنة دخلت الكعبة المشرفة لمعالجة الفطر المتجدد في كل عام وفي يوم ولادة الامام أمير المؤمنين عليه السلام فماذا بعد الحق إلا الضلال ونرى : 
1. تجدد الفطر سنوياً رغم كل المعالجات عبر القرون  ليلة ولادة الامام .
2. تجدد الفطر حتى بعد اعادة بناء الكعبة بعد تهديمها بمنجنيق بني أمية .
3. الرائحة الزكية المنبعثة من الفطر والتي لا مثيل لها في جدران الكعبة .
4. ورد ان النبي يمس الركن اليماني بالخصوص ، وهذا دليل لمن اهتدى .
5. شهادة الدكتور طارق الكاتب وغيره اضافة الى مصادر الفرق الاسلامية .
 
 
 
 
 
 
الباب الثاني : معجزة طفولته عليه السلام :
نشأ الامام سلام الله عليه في طفولة لم يتربى عليها بشر سواه ولا بد ان اذكر قول فاطمة بنت اسد عليها السلام حين قالت : (( فولدت عليا عليه السلام و لرسول الله صلى الله عليه واله  ثلاثون سنة وأحبه رسول الله صلى الله عليه واله  حبا شديدا وقال لها : اجعلي مهده بقرب فراشي وكان رسول الله صلى الله عليه واله  يلي أكثر تربيته وكان يطهر عليا في وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه ويحرك مهده عند نومه ويناغيه في يقظته ، ويحمله على صدره ويقول : هذا أخي وولي وناصري وصفي وذخري وكهفي وظهيري ووصيي وزوج كريمتي ، وأميني على وصيتي وخليفتي وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها )) . ( بحار الأنوار 38/102  )  .
ومن اقوال امير المؤمنين عليه السلام تعريفا لنفسه : (( و لقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بالقرابة القريبة، و المنزلة الخصيصة،و ضعني في حجره و أنا وليد ، يضمني إلى صدره، و يكنفني في فراشه، و يمسني جسده، و يشمني عرفه، و كان يمضغ الشي‏ء ثم يلقمينه، و ما وجد لى كذبة في قول،و لا خطلة في فعل،و لقد قرن الله به صلى الله عليه و آله و سلم من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره، و لقد كنت أتبعه اتباع الفصيل إثر امه،يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما،و يأمرني بالاقتداء به، و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه و لا يراه غيري، و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و خديجة، و أنا ثالثهما،أرى نور الوحى و الرسالة، و أشم ريح النبوة، و لقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه و آله و سلم، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنة؟ فقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنك تسمع ما أسمع، و ترى ما أرى، إلا أنك لست بنبي و لكنك لوزير، و إنك لعلى خير.
 
 
الباب الثالث : معجزة إيمانه وعدم سجوده لغير الله تعالى : 
على خلاف جميع من كان في زمن الرسول الكريم صلى الله عليه واله فان الامام علي           ( عليه السلام ) لم يسجد لصنم قط ، بل انه لم يسجد لغير الله في حياته مما جعله مميزاً بين اقرانه ممن عاصروا رسول الله الامر الذي جعل العامة من المسلمين يصفونه                   بــ ( كرم الله وجهه ) وهي صفة لم يمتلكها احداً غيره على الاطلاق وهي اعتراف بان الامام علي ( عليه السلام ) كان مهيأ ومعد من قبل الله تعالى لدور الوصي . 
وقد كان الامام هو اول من اسلم بنبوة الرسول الكريم من الرجال وقد اعترف بذلك بعض علماء العامة بمعنى ان الشيعة ليسوا الوحيدين الذين يعتقدون بأن الامام علي                 (عليه السلام) هو اول من اسلم من الرجال فهذا(المسعودي) قد اعترف بأن الامام علي             (عليه السلام) هو اول من اسلم من الرجال وتعتبر هذه حجة ضد اهل السنة فأن المؤرخ المسعودي قال :ان اول من اسلم هو امير المؤمنين علما ان المسعودي هو من اهل السنة وليس من علماء الشيعة فهو من علمائهم وهم يعتمدون عليه كما يعتمدون على الصحاح وغيرها من الكتب التي تعتبر المصدر الاساس للأحكام والتشريعات التي يعتمد عليها اهل السنة لتكون هذه الاحكام هي اساسا لإسلامهم وهم يعتمدون على الروايات التي                 تنقلها الصحاح . 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الباب الرابع : معجزة قوته : 
ورد في كتاب الصحيح من سيرة الامام علي عليه السلام اية الله الشيخ جعفر مرتضى العاملي انه جاء في رسالته (عليه السلام) لسهل بن حنيف قوله (( والله، ما قلعت باب خيبر، ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعاً بقوة جسدية، ولا حركة غذائية، لكنني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضيئة، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء )) حيث إن أمير المؤمنين (عليه السلام) عرف نفسه فعرف ربه، عرف في نفسه الضعف، فعرف أن القوة من الله، وعرف في نفسه الحاجة، فعرف الله تعالى بالغنى، وعرف نفسه بأنها مخلوقة، فعرف ربه بالخالقية، وهكذا.. فاستمد كل كمالاته منه تعالى ولأجل ذلك نلاحظ: أنه حين قلع باب خيبر، وجعله ترساً، أو جعله جسراً، يعبر عليه الناس.. كان أشد تذكراً لله تعالى، ورؤية لنعمه، وإحساساً بكرمه، وألطافه، وأعمق شعوراً بفضله عليه، فجاء اعترافه بهذه الحقيقة التي يراها رأي العين بمثابة الشكر والتعظيم له تعالى، وليعلمنا أن على الإنسان أن لا يغتر بنفسه، وأن يستكين ويخضع أمام عظمة ربه تبارك وتعالى وكذلك فإنه                (عليه السلام) أوضح: أن الإطمئنان بلقاء الله تعالى، يهون على النفس الإنسانية الإقدام على كل أمر تعرف أن فيه رضا الله تعالى.. أما من أخلد إلى الأرض، فإنه لن يحقق شيئاً، ولن يقدم على شيء ذي بال. بل هو سوف يعيش الضعف والهروب، والفشل الذريع، والخيبة القاتلة، والخزي في الدنيا، والخسران في الآخرة .
وقد ورد في موقف كثيرة قوة الامام ( عليه السلام ) فما ضرب احداً من الكفار بسيفه         ( ذو الفقار ) الا وارداه قتيلاً ولابد ان نتذكر ضربته لعمر ابن ود العامري التي وصفها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (( ضربة علي يوم الخندق تعادل عبادة الثقلين )) لما لها من اثر بالغ في نصر الاسلام وانكسار جيوش الكفر والالحاد .
الباب الخامس : معجزة كرمه عليه السلام :
ان كرم الامام عليه السلام تجاوز حدود الكرم المعروفة عند العرب ولكن مع الاسف ان البعض لازال يتباهى بكرم حاتم الطائي ويغض النظر عن كرم امير المؤمنين وقد اختص الله سبحانه وتعالى الامام باية كريمة لتصدقه بالخاتم الى فقير وهو راكع في الصلاة وجاء بقوله تعالى (( انَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ )) ففي هذه الحادثة انفرد الامام ( عليه السلام ) عن بقية المسلمين بكرمه واحسانه فهو الذين كان يطرق ابواب الفقراء واليتامى ليلاً ويعد لهم الطعام على الرغم من انه كان خليفة للمسلمين ولم يقوم بهذا العمل سواه وكذلك روى الشيخ الصدوق                (رحمة الله عليه) في أماليه عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) في قوله عزَّ وجلّ: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قال: مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيّان صغيران، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع بعض أصحابه، فقيل: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزَّ وجلّ، وكذلك قالت فاطمة (عليها السلام)، وقال الصبيّان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضّة ، فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليٌّ (عليه السلام) إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون، يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة محمّد بثلاثة أصوع(15) من شعير؟ قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة(عليها السلام) فقبلت وأطاعت ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمس أقراص، لكلّ واحد قرصاً. وصلّى عليّ (عليه السلام) مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) (صلى الله عليه وآله) المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليٌّ (عليه السلام) إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة فوضع (عليه السلام) اللقمة من يده ثمّ قال:
 
فاطم ذات المجد واليقين***يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين***جاء إلى الباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين***يشكو إلينا جائعاً حزين
كلّ امرئ بكسبه رهين***من يفعل الخير يقف سمين
موعده في جنّة رهين***حرّمها الله على الضنين
وصاحب البخل يقف حزين***تهوي به النار إلى سجّين
شرابـه الحميـم والغسليـن
 
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) تقول:
 
أمرك سمعٌ يا بن عم وطاعة ***ما بيَ من لؤم ولا وضاعة
غذيت باللبّ وبالبراعة***أرجو إذا أشبعت من مجاعة
أن ألحق الأخيار والجماعة***وأدخل الجنّة في شفاعة
 
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح ، ثمّ عمدت (عليها السلام) إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكلّ واحد قرصاً..
وصلّى عليّ (عليه السلام) المغرب مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) .. ثم أتى منزله، فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ(عليه السلام) إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون، أطعمكم الله على موائد الجنّة ، فوضع عليٌّ (عليه السلام) اللّقمة من يده ثمّ قال:
 
 
فاطم بنت السيّد الكريم***بنت نبيّ ليس بالزنيم
قد جاءنا الله بذا اليتيم***من يرحم اليوم هو الرحيم
موعده في جنّة النعيم***حرّمها الله على اللّئيم
وصاحب البخل يقف ذميم***تهوي به النار إلى الجحيم
شرابها الصديـد والحميـم
 
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:
 
فسوف أعطيه ولا أبالي***وأؤثر الله على عيالي
أمسوا جياعاً وهم أشبالي***أصغرهم يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال***لقاتليه الويل مع وبال
يهوي به النار إلى سفال***كبوله زادت على الأكبال
 
ثمّ عمدت (عليها السلام) فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح ، وأصبحوا صياماً وعمدت فاطمة (عليها السلام) فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً، وصلّى علي (عليه السلام) المغرب مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) .. ثمّ أتى منزله، فقرّب إليه الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ (عليه السلام) إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا؟ فوضع عليِّ (عليه السلام) اللقمة من يده ثمّ قال:
 
فاطم يا بنت النبيّ أحمد***بنت النبيّ سيّد مسوّد
قد جاءكِ الأسير ليس يهتدي***مكبّلاُ في غلّه مقيّد
يشكو إلينا الجوع قد تقدّد***من يطعم اليوم يجده في غد
عند العليّ الواحد الموحَّد***ما يزرع الزارع سوف يحصد
فاعطني لا تجعليه ينكد
 
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:
 
لم يبق ممّا كان غير صاع***قد دبّرت كفي مع الذراع
شبلاي والله هما جياع ***يا ربّ لا تتركهما ضياع
أبوهما للخير ذو اصطناع ***عبل الذراعين طويل الباع
وما على رأسي من قناع***إلاّ عباً نسجتها بصاع
 
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فآتوه وباتوا جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.
قال شعيب في حديثه: وأقبل عليٌّ بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله                    (صلى الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع، فلمّا بصر بهم النبيّ                (صلى الله عليه وآله) قال: يا أبا الحسن شدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة ، فانطلقوا إليها (عليها السلام) وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها ، فلمّا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّها إليه وقال: واغوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أرى فهبط جبرائيل فقال: يا محمّد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك.
قال: وما آخذ يا جبرائيل؟.
قال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) حتّى إذا بلغ (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً) .
فوثب النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى دخل منزل فاطمة (عليها السلام) فرأى ما بهم فجمعهم ثمّ انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى..
فهبط عليه جبرائيل بهذه الآيات:
(إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأَسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفجِيراً). قال: هي عين في دار النبيّ(صلى الله عليه وآله) يفجّر إلى دور الأنبياء والمؤمنين (يُوفُون بِالنَّذْرِ) يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجاريتهم.
(وَيَخَافُونَ يَوْمَاً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) يقولون عابساً كلوحاً (وَيُطْعِمُونَ الطْعَامَ عَلَى حُبِّهِ) يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له (مِسْكِيناً) من مساكين المسلمين،(وَيَتِيماً) من يتامى المسلمين،(وَأَسِيراً) من أسارى المشركين ويقولون إذا أطعموهم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءٌ وَلاَ شُكُوراً) قال: والله ما قالوا هذا لهم ولكنّهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاءً تكلِّفوننا به ولا شكوراً تثنون علينا به، ولكنا إنّما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.
قال الله (تعالى ذكره): (فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) في الوجوه (وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً) يفرشونه ويلبسونه(مُتَّكِئينَ فِيهَا عَلَى الآرَائِكِ) والأريكة: السرير عليه الحجلة (لاَيَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَزَمْهَرِيراً) .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الباب السادس : معجزة بلاغته عليه السلام : 
نهج البلاغة فريد في أسلوبه .. في فصاحته .. وبلاغته في حكمه في مواعظه وإرشاداته .. في تأثيره على قارئه وحافظه وسامعه ، وليس من المبالغة إذا قيل فيه " إنه يعادل فوائده الدينية والأدبية كتب جميع العلماء والأدباء ، كيف لا وهو تالي كتاب الله تعالى .
وقال ابن أبي الحديد :وأما الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصاحة ، وسيد البلغاء ، وفي كلامه قيل : دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين . ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة ، قال عبد الحميد بن يحيى : حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ، ففاضت ثم فاضت . وقال ابن نُباته : حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب والرضي رحمه الله في سبب تأليفه لنهج البلاغة بعد أن جمع فصلاً من كلامه عليه السلام في كتابه خصائص الأئمة قال : " فاستحسن جماعة من الأصدقاء ما اشتمل عليه الفصل المقدم ذكره ، معجبين ببدائعه ، ومتعجبين من نواصعه ، وسألوني عند ذلك أن أبدأ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين عليه السلام في جميع فنونه ، ومتشعبات غصونه ، من خطب وكتب ، ومواعظ وأدب ، علماً أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة ، وغرائب الفصاحة ، وجواهر العربية ، وثواقب الكَلِم الدينية والدُّنيويَّة ، ما لا يوجد مجتمعاً في كلام ، ولا مجموع الأطراف في كتاب ، إذ كان أمير المؤمنين مَشْرَع الفصاحة ومَورِدهَا ، ومنشأ البلاغة ومَوْلِدها ، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها ، وعنه أخِذَت قوانينها ، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب ، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ ، ومع ذلك فقد سَبَق وقصّروا ، وتقدم وتأخروا ، لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي ، وفيه عَبْقَةٌ من الكلام النبوي ".وهكذا يتابع الشريف الرضي رحمه الله – الكلام في الكشف عن فصاحة وبلاغة الإمام علي عليه السلام ومدى تعجب أهل الأدب والعلم من كلامه عليه السلام وأنه يوجد بينه وبين من تقدم من السلف فارق كبير فيقوله – رحمه الله - : " وأنه انفرد ببلوغ غايتهما عن جميع السلف الأولين ، الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر والشاذ الشارد ، فأمّا كلامه فهو البحر الذي لا يُساجَل ، والجم الذي لا يُحافَل.ا تحتاج هذه الميزة في نهج البلاغة إلى التوضيح لمن كان عارفاً بفنون الكلام وجمال الكلمة ، فإن الجمال يدرك ويوصف .إن لنهج البلاغة اليوم وبعد أربعة عشر قرناً من عهده نفس الحلاوة واللطف الذي كان فيه للناس على عهده ، ولسنا نحن الآن في مقام إثبات هذا الكلام ، ولكنا - بمناسبة البحث - نورد هنا كلاماً في مدى نفوذ كلامه ( عليه السلام ) في القلوب ، وتأثيره في تحريك العواطف والأحاسيس ، والمستمر من لدن عهده إلى اليوم ، مع كل ما حدث من تحول وتغيير في الأفكار والأذواق ، ولنبدأ بعهده ..لقد كان أصحابه ( عليه السلام ) - خصوصاً من كان منهم عارفاً بفنون الكلام - مغرمين بكلامه ، منهم ( ابن عباس ) الذي كان - كما ذكر الجاحظ في ( البيان والتبيين ) - من الخطباء الأقوياء على الكلام فإنه لم يكن يكتم عن غيره شوقه إلى استماع كلامه والتذاذه بكلماته ( عليه السلام ) .حتى أنه حينما أنشأ الإمام خطبته المعروفة بـ( الشقشقية ) كان حاضراً فقام إلى الإمام                   ( عليه السلام ) رجل من أهل السواد - أي العراق - وناوله كتاباً ، فقطع بذلك كلام الإمام ، فقال ابن عباس : ( يا أمير المؤمنين! لو اطّردت خطبتك من حيث أفضيت )                  فقال ( عليه السلام ) : ( هيهات! إنها شقشقة هدرت ، ثم قرّت ) ولم يطرد في كلامه ذاك ، فكان ابن عباس يقول : ( والله ما ندمت على شيء كما ندمت على قطعه هذا الكلام ) .وكان يقول في كتاب بعث به إليه الإمام ( عليه السلام ) : ( ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) كانتفاعي بهذا الكلام ) .وكان معاوية بن أبي سفيان - وهو ألد أعدائه - معترفاً بفصاحة وجمال أسلوبه فقد أدبر محقن بن أبي محقن عن الإمام ( عليه السلام ) وأقبل على معاوية وقال له - وهو يريد أن يفرح قلبه الفائر بالحقد على الإمام ( عليه السلام ) - : جئتك من عند أعيا الناس!وكان هذا التملق من القبح بمكان لم يقبله حتى معاوية ، فقال له : ويحك! كيف يكون أعيا الناس؟! فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره .
 
 
الباب السابع : معجزة علومه عليه السلام :
حفظ الامام عليه السلام القرآن الكريم وادرك معانيه وفهم خفاياه وعلم حقائقه وتدبر بالنظر والتأمل والتفكير في الكون وما حواه وما حث عليه القرآن الكريم في آيات عديدة وهو ما يسمى بالماورائيات وموضوعات تتعلق بالله والثواب والعقاب وصفات الله وغيرها وقال عليه السلام : سلوني عن كتاب الله ، فوالله ما نزلت آية من كتاب الله في ليل ولا نهار ، ولا مسير ولا مقام ، إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه آله وعلمني تأويلها ، فقام ابن الكوا فقال : يا أمير المؤمنين فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه ؟ قال                     كان [ يحفظ علي ] رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب حتى أقدم عليه فيقرئنيه ويقول : يا علي أنزل الله بعدك كذا وكذا ، وتأويله كذا وكذا فعلمني تأويله وتنزيله.
ويقول أمير المؤمنين عليه السلام : إن الله عز وجل بعث نبيه محمدا صلى الله عليه وآله بالهدى ، وأنزل عليه الكتاب بالحق ، وأنتم اميون عن الكتاب ومن أنزله ، وعن الرسول ومن أرسله ، أرسله على حين فترة من الرسل ، طول هجعة من الامم وانبساط من الجهل ، واعتراض من الفتنة ، وانتقاض من المبرم ، وعمى عن الحق واعتساف من الجور ، وامتحاق من الدين ، وتلظ من الحروب ، وعلى حين اصفرار من رياض جنات الدنيا ، ويبس من أغصانها ، وانتشار من ورقها ، ويأس من ثمرتها ، واغورار                من مائها . قد درست أعلام الهدى ، وظهرت أعلام الردى ، والدنيا متجهمة في وجوه أهلها ، مكفهرة ، مدبرة غير مقبله ، ثمرتها الفتنة ، وطعامها الجيفة ، وشعارها الخوف ، ودثار ها السيف ، قد مزقهم كل ممزق ، فقد أعمت عيون أهلها ، وأظلمت عليهم أيامها ، قد قطعوا أرحامهم ، وسفكوا دماءهم ، ودفنوا في التراب الموؤدة بينهم من أولادهم ، يختار دونهم طيب العيش ، ورفاهية خفوض الدنيا ، لا يرجون من الله ثوابا ، ولا يخافون والله منه عقابا ، حيهم أعمى نجس ، وميتهم في النار مبلس . فجاءهم نبيه صلى الله عليه وآله بنسخة ما في الصحف الاولى ، وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال من ريب الحرام ، ذلك القرآن فاستنطقوه ، ولن ينطق لكم اخبركم ، فيه علم ما مضى ، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم وبيان ماأصبحتم فيه تختلفون ، فلو سألتموني عنه لاخبرتكم عنه ، لاني أعلمكم وعن الامام الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : كان علي عليه السلام صاحب حلال وحرام ، وعلم بالقرآن ، ونحن على منهاجه. 
عن عبيدة السلماني قال : سمعت عليا عليه السلام يقول : يا أيها الناس اتقوا الله ولا تفتوا الناس ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قالا قولا وضع امته إلى غيره وقال قولا وضع على غير موضعه ، كذب عليه ، فقام عبيدة وعلقمة والاسود واناس معهم قالوا : يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد أخبرنا في المصحف ؟ قال : اسألوا عن ذلك علماء آل محمد.
 وقال أبو حامد الغزالي في كتاب بيان العلم اللدني في وصف مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام ما هذا لفظه : وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل لسانه في فمي ، فانفتح في قلبي ألف باب من العلم ، مع كل باب ألف باب ، وقال صلوات الله عليه : لو ثنيت لي وسادة وجلست عليها لحكمت لاهل التوراة بتوراتهم ، ولاهل الانجيل بانجيلهم ، ولاهل القرآن بقرآنهم ، وهذه المرتبة لا تنال بمجرد العلم ، بل يتمكن المرء في هذه الرتبة بقوة العلم اللدني .وقال علي عليه السلام : لما حكى عهد موسى عليه السلام أن شرح كتابه كان أربعين جملا : لو أذن الله ورسوله لي لا تسرع بي شرح معاني ألف الفاتحة حتى يبلغ مثل ذلك يعني أربعين وقرا أو جملا ، وهذه الكثرة في السعة والافتتاح في العلم لا يكون إلا لدنيا سماويا إليها .
 
 
 
 
 
 
 
 
الباب الثامن : معجزة زواجه عليه السلام :
النبي (صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، لكن لا ولاية له على ابنته الزهراء(عليها السلام) ! فقد علل النبي (صلى الله عليه وآله) رده لمن خطبها غير علي (عليه السلام) بأن أمرها لله تعالى وليس له .
وفي الكافي: 5/568 ، بسند صحيح عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إنما أنا بشر مثلكم أتزوج فيكم وأزوجكم، إلا فاطمة، فإن تزويجها نزل من السماء)).
وفي كشف الغمة: 1/363 ، من كلام أبي بكر قال: (( قد خطبها الأشراف من رسول الله (ص) فقال: إن أمرها إلى ربها ، إن شاء أن يزوجها زوجها )). انتهى.
 وهذا يدل على أحد أمرين لا ثالث لهما: فإما أن تكون الزهراء منذورة لله تعالى كمريم (صلى الله عليه وآله)  ، وإما أن يكون الله تعالى أمر نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يترك أمرها له ! وهذا مقام عظيم لم يبلغه قبلها رجل ولا امرأة وهذا الامر يؤكد مكانة الامام عليه السلام عند الله وان تزويجه كان بامر الله سبحانه تعالى .
أمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يزوج فاطمة من علي (عليهما السلام) ويحتفل بعرسها ، وكأنه لا بنت له غيرها ! وروى الجميع وصححوه نزول جبرئيل (عليه السلام) بأمر الله تعالى بتزويج فاطمة من علي (عليهما السلام) ، فعن ابن مسعود وأنس قال: ((كنت قاعداً عند النبي(ص) فغشيه الوحي فلما سُرِّيَ عنه قال: أتدري يا أنس ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قلت: بأبي وأمي ! وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال: إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي)). (تاريخ دمشق: 37/13 ، ونحوه كبير الطبراني: 10/156، والزوائد: 9/204 ، والمناقب لابن مردويه/196، والجامع الصغير: 1/258، وكنز العمال: 11/606 ، و13/671، والكشف الحثيث/174، وجواهر المطالب: 1/155 ، وسبل الهدى: 11/38، والحلبية: 2/471 ، وغيرها).
  ووصفت الأحاديث عمل النبي (صلى الله عليه وآله) في مراسم الزواج المفصلة التي أقامها في الخطبة ، ثم في العقد ، ثم في تهيئة المنزل وتأثيثه ، ثم في وليمة الزفاف ومراسمه ، فكان كعمله شبيهاً بعمله في تبليغ الرسالة وإنشاء الأمة !
  ويبلغ ما روته مصادر الجميع في ذلك نحو خمسين حديثاً، منها أحاديث طويلة.
  ففي المعجم الكبير للطبراني: 22/407: (( عن عبد الله بن مسعود قال: سأحدثكم بحديث سمعته من رسول الله (ص) فلم أزل أطلب الشهادة للحديث فلم أرزقها ، سمعت رسول الله (ص)في غزوة تبوك يقول ونحن نسير معه: إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي ففعلت ، قال جبريل: إن الله بني جنة من لؤلؤة قصب بين كل قصبة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوت مشذرة بالذهب ، وجعل سقوفها زبرجداً أخضر وجعل فيها طاقات من لؤلؤ مكللة بالياقوت ، ثم جعل عليها غرفاً لبنة من فضة ولبنة من ذهب ولبنة من در ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد ، ثم جعل فيها عيوناً تنبع في نواحيها ، وحفت بالأنهار وجعل على الأنهار قباباً من در ، قد شعبت بسلاسل الذهب ، وحفت بأنواع الشجر ، وبني في كل غصن قبة ، وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء غشاؤها السندس والإستبرق ، وفرش أرضها بالزعفران وفتق بالمسك والعنبر ، وجعل في كل قبة حوراء والقبة لها مائة باب ، على كل باب حارسان وشجرتان ، في كل قبة مفرش وكتاب ، مكتوب حول القباب آية الكرسي. قلت: يا جبريل لمن بني الله هذه الجنة؟ قال: بناها لفاطمة ابنتك وعلي بن أبي طالب ، سوى جنانها ، تحفة أتحفها وأقر عينيك يا رسول الله )) .
 
 
 
 
 
 
الباب التاسع : معجزة أولاده عليهم السلام :
اختص الله سبحانه وتعالى امير المؤمنين عليه السلام بان يكون هو وذريته الائمة المعصومين فهو الصراط المستقيم وهو النبأ العظيم واولاده من بعده الانوار الالهية التي تهدي الامة الى نهاية الزمان وهذه المعجزة الالهية كانت له وحده دون كل البشر .
ورد في العديد من الروايات عن محمّد بن عبد الله عن محمّد بن رياح الأشجعي عن محمّد بن غالب ابن الحرث (الحارث نخ) عن إسمعيل بن عمر العجلي عن عبد الكريم عن أبي الحسن عن أبي الحرث عن أبي ذر الغفاري قال سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول من أحبَّني وأهل بيتي كنّا نحن وهو كهاتين وأشار بالسبابة الوسطى ثم قال أخي خير الأوصياء وسبطي خير الأسباط وسوف يخرج الله تبارك وتعالى من صلب الحسين أئمّة أبرار ومنّا مهديّ هذه الاُمَّة قلت يا رسول الله وكم الأئمَّة بعدك قال عدد نقباء                       بني إسرائيل . 
وجاء في ينابيع المودة ـ (ص 85، ط اسلامبول) في المناقب عن أبي الطفيل عامربن واثلة وهو آخر من مات من الصحابة بالاتفاق عن عليّ عليه السلام قال قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) يا عليّ انت وصيّي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت الأمام وأبو الأئمة الأحدى عشر الذين هم المطَّهرون المعصومون ومنهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا فويل لمبغضهم يا علي لو أن رجلا احبّك واولادك في الله لحشره الله معك ومع اولادك وانتم معي في الدرجات العلى وانت قسيم الجنة والنار تدخل محبّيك الجنة ومبغضيك النار. 
وفي بحار الأنوار ـ كتاب المقتضب لأبن عيّاش عن احمد بن محمد بن زياد القطان عن محمّد بن غالب الضبى عن هلال بن عقبة عن حبان بن ابن بشر عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل قال سمعت عليّاً يقول ليلة القدر في كل سنة ينزل فيه على الوصاة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما ينزل قيل له ومن الوصاة يا أميرالمؤمنين قال أنا وأحد عشر من صلبي هم الأئمة المحدَّثون قال معروف فلقيت ابا عبدالله مولى ابن عباس بمكة فحدَّثته بهذا الحديث فقال سمعت ابن عباس يحدث بذلك ويقرأ (( وما ارسلنا من قبلك من نبي ولا رسول ولا محدث )) وقال هم والله المحدثون. 
الباب العاشر : معجزة سياسته عليه السلام : 
تميز حكم الامام عليه السلام عن سائر الحكام الذين حكموا على سطح الارض بعد رسول الله صلى الله عليه واله فقد تميز حكمه بالعدل و المساواة وتطبيق الحكم الالهي في             كافة التعاملات .
عندما بويع الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام لقيادة الحكم في الامة الاسلامية سنة 35 هـ (656 م) بالمدينة المنورة، بعد الإطاحة بحكومة عثمان بن عفّان، وقد حكم فيها خمس سنوات وثلاث أشهر, التي وصفت بعدم الاستقرار السياسي، وأعلن أمير المؤمنين أمام المسلمين معالم سياسته التي تميزت بتقدم حضاري ملموس خاصة في عاصمة الخلافة الجديدة الكوفة، وأكّد بصورة خاصة عن سياسته المالية وواردات الدولة المالية وآلية توزيعها, وأعلن حزمه بأمر الخراج وما تملكه الدولة من عائدات مالية التي هي ملك الشعب. كما بين الامام عدله في سياسته المالية بأن لايصطفي نفسه وذويه في تلك الأموال, وإنما تنفق تلك الاموال لتطوير وتنمية الحياة العامة من خلال خلق فرص العمل وتقليل معدل البطالة ورفع مستوى المعيشة للفرد والقضاء على الجريمة والفساد. ومن أبرز برنامجه السياسي الاقتصادي هو التوزيع العادل للثروة وأشاعة الرخاء والانتعاش الاقتصادي لسكان الدولة الاسلامية دون تمييز او أعتبار جانبي. فقد ساوى بين سكان بلاد المسلمين من يهود ونصارى وصابئة، فلهم الحقّ فيها كما للمسلمين, عكس ما حدث من تمييز وثراء كبير لفئة دون أخرى كثراء بني أمية على حساب الفقراء من أبناء الدولة الاسلامية في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
وقد شدد الامام في عهد ولايته على محاسبة المفسدين الذين نهبوا أموال المسلمين بغير حق. فأصدر أوامر بجمع الاموال المسروقة والمغتلسة من بيت المال وأعادتها الى خزينة الدولة. فقد تميزت سياسة أمير المؤمنين بالعدالة والصرامة وعدم المداهنة مع أي طرف مهما علا شأنه أو قرب نسبه. فقد كان جل أهتمامه بشريحة الفقراء والعاطلين عن العمل, مما جعل منهجه في السياسة الاقتصادية يعتمد مبدأ توزيع الاموال بصورة عادلة وسريعة على مستحقيها وعلى الأستثمار. والاهتمام بالجانب الزراعي من خلال تعمير الاراضي وإصلاح الري لاستيعاب العاطلين عن العمل وزيادة الانتاجية الغذائية لسد رمق الفقراء. وهذا ما أكّد أمير المؤمنين لمالك الأشتر على ضرورة إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها حيث قال له: وَلْيكُن نَظَرُكَ في عمارةِ الأرْضِ أبْلَغَ من نظرِكَ في اسْتِجْلابِ الخراجِ، لأنَّ ذلكَ لا يُدْركُ الا بالعمارةِ؛ ومن طَلَبَ الخراجَ بغيرِ عمارةٍ أخْرَبَ البلاد، وأهْلَكَ العباد.
ووقد عين عامر بن النباح أميناً لبيت المال في الكوفة وكان مؤذن لأمير المؤمنين عليه السلام وقد جاء بن النباح يوما الى أمير المؤمنين وقال: أمتلأ بيت المال من الصفراء والبيضاء فقال الامام عليه السلام "الله أكبر" ثم أمر بتوزيع الاموال على أتباع عاصمة الدولة الاسلامية في الكوفة وهو يقول (يا صَفراءُ! وَيا بيضاءُ! غُرِّي غَيْري) ولم يبقى دينار في بيت المال وصلى كعادته ركعتين لله بعد أن يفرغ بيت المال.
وسياسة الامام علي العادلة في توزيع المال سببت له أزمات سياسية وأجتماعية مع البعيدين والقريبين منه فقد خلقت مصاعب مع جيشه وتنكر له الاعيان من البلاد وقاطعته قبائل قريش الاقطاعية التي أستأثرت بالمال والهبات في العهد الذي سبق ولايته. والسياسة العادلة في توزيع المال دفع الامام علي ثمنا باهضا في تخاذل جيش الامام وتوجهه صوب معاوية, مما دعا أبن عباس الى توجيه النصح الى الامام وعرض عليه حالة جيشه فقال: يا أمير المؤمنين، فضّل العرب على العجم، وفضّل قريشاً على سائر العرب. فنظر له الامام بطرف عينه وقال له ( أتأمروني أنْ أطْلُبَ النَّصْرَ بالجوْرِ؟ ولوْ كانَ المَالُ لِي لَسَوَّيْت بينَهُمْ، فكيفَ وإنَّما المَالُ مالُ الله ) .
سياسة الامام العادلة والمشرقة التي أنتهجها أدّت إلى الإطاحة بحكومته الرشيدة وإجماع القوى الباغية والمنحرفة ضده. فقد نفر الناس من سياسة المساواة والعدل على الرغم من أن الله سبحانه وتعالى أكد بكتابه الكريم بقوله تعالة: (يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكُم مِن ذَكَرٍ وَانثى وَجَعَلْناكم شُعوباً وَقَبائلَ لِتعارَفوا إنَّ أكْرمَكُم عندَ اللهِ أتقاكُم). حيث يقول العلامة الحافظ الصادق أبو الحسن المدائني " إنّ من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تخاذل العرب عن الإمام اتّباعه لمبدأ المساواة حيث كان لا يفضّل شريفاً على مشروف في العطاء ولا عربياً              على أعجمي"  .
وإن النظام الاقتصادي الذي أعتمده الامام علي ابن أبي طالب عليه السلام يهدف الى أقامة مجتمع عادل ومتوازن لاتقف فيه الاقطاعية أو الرأسمالية موقف التسلط والتسيد على رقاب الناس ولا يوجد فيه فقير ومحروم وبائس. فقد كان الامام شديد وعادل مع أقرب المقربين فقد كان حازم مع اولاده ومع أخوته, وحادثة عقيل ابن أبي طالب هي دليل قاطع على عدالته, عندما طلب عقيل مساعدة أكبر مما يستحق من بيت المال, مما دعا الامام ان يحمي له جمرة ويكوي بها يده. جاعلا من ذلك الموقف عبرة ودرس للعدالة والمساواة بين الرعية .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
الباب الحادي عشر : معجزة استشهاده ودفنه عليه السلام :
روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب في آخر جمعة من شهر شعبان وتحدث عن شهر رمضان وشرفه وثواب الطاعة فيه فقام إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال: يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عز وجل، ثم بكى (صلى الله عليه وآله).
قال له أمير المؤمنين: يا رسول الله ما يبكيك؟
قال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين شقيق عاقر ناقة صالح فيضربك ضربة على مفرق رأسك، ويشقه نصفين ويخضّب لحيتك من دم رأسك .
فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟
فقال (صلى الله عليه وآله): في سلامة دينك؛ ثم قال (صلى الله عليه وآله): يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبّك فقد سبّني، لأنك مني كنفسي، وروحك من روحي وطينتك من طينتي، وإن الله عز وجل خلقني وإياك واصطفاني وإياك، واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته على عباده.
وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) في الأيام الأخيرة يخبر الناس بشهادته فيقول: ألا وأنكم حاجوا العام صفا واحدا وآية ذلك أني لست فيكم. فعلم الناس أنه ينعى نفسه،وكان              (عليه السلام) يدعو ويسأل من الله تعجيل الوفاة وتارة يكشف عن رأسه ويرفع يديه للدعاء قائلاً: اللهم إني قد سئمتهم وسئموني ومللتهم وملّوني، أما آن أن تخضب هذه من هذه  ويشير إلى هامته ولحيته .
كما انه رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يمسح الغبار عن وجهه ويقول: يا علي لا عليك، قضيت ما عليك ، وكان الإمام قد بلغ من العمر ثلاثاً وستين سنة، وفي شهر رمضان عام أربعين للهجرة كان الإمام يفطر ليلة عند ولده الحسن وليلة عند ولده الحسين وليلة عند ابنته زينب الكبرى زوجة عبد الله بن جعفر وليلة عند ابنته زينب الصغرى المكنات بأم كلثوم.
وفي الليلة التاسعة عشر كان الإمام في دار ابنته أم كلثوم فقدمت له فطوره في طبق فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن حامض وجريش ملح، فقال لها: قدمت إدامين في طبق واحد وقد علمت أنني متبع ما كان يصنع ابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما قدّم له إدامان في طبق واحد حتى قبضه الله إليه مكرماً، ارفعي أحدهما فإن من طاب مطعمه ومشربه طال وقوفه بين يدي الله. فرفعت اللبن الحامض بأمر منه وأفطر بالخبز والملح.
قالت أم كلثوم: ثم أكل قليلاً وحمد الله كثيراً وأخذ في الصلاة والدعاء ولم يزل راكعاً وساجداً ومبتهلاً ومتضرّعاً إلى الله تعالى، وكان يكثر الدخول والخروج وينظر إلى السماء ويقول: هي، هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله. ثم رقد هنيئة وأنتبه وجعل يمسح وجهه بثوبه ونهض قائماً على قدميه وهو يقول: اللهم بارك لنا في لقائك. ثم صلى حتى ذهب بعض الليل، وجلس للتعقيب ثم نامت عيناه وهو جالس،فانتبه من نومته، فقال لأولاده: إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني، وأريد أن أقصها عليكم.
قالوا: ما هي؟
قال: إني رأيت الساعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الأواخر من شهر رمضان، فهلمّ إلينا فما عندنا خير لك وأبقى.
قالت: فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل، فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا، ثم أقبل عليهم يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.
قالت أم كلثوم: لم يزل أبي تلك الليلة قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً، يخرج ساعة بعد ساعة يقلّب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول: والله ما كَذِِِبت ولا كذّبت،وإنها الليلة التي وعدت بها. ثم يعود إلى مصلاّه و يقول: اللهم بارك لي في الموت و يكثر من قول: إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويصلي على النبي (صلى الله عليه وآله) ويستغفر الله كثيراً.
قالت أم كلثوم: فلما رأيته في تلك الليلة قلقاً متململاً كثير الذكر والاستغفار، أرقت معه ليلتي وقلت: يا أبتاه مالي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟
قال: يا بنية إن أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوفاً وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقلت: يا أبه؛ مالك تنعى نفسك منذ الليلة؟!
قال:بنية، قد قرب الأجل وانقطع الأمل. فبكيت، فقال لي: يا بنية لا تبكي، فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلي النبي (صلى الله عليه وآله). ثم إنه نعس وطوى ساعة ثم استيقظ من نومه وقال: يا بنية إذا قَرب الأذان فأعلميني، ثم رجع إلى ما كان عليه أول الليل من الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى.
قالت أم كلثوم: فجعلت أرقب الأذان، فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء، ثم أيقظته فأسبغ الوضوء وقام ولبس ثيابه وفتح بابه ثم نزل إلى الدار وكان في الدار إوز قد أهدي إلى أخي الحسين (عليه السلام)، فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه وكن قبل تلك الليلة لم يصحن فقال (عليه السلام): لا إله إلا الله، صوائح تتبعها نوايح، وفي غداة غد يظهر القضاء فلما وصل إلى الباب فعالجه ليفتحه فتعلق الباب بمئزره فانحل حتى سقط فأخذه وشده وهو يقول:
أشــدد حيازيمك للموت          فـــــإن المــــوت لاقـيكا
ولا تــــجزع من الموت          إذ احــــــلّ بـــــناديــــكا
كما أضــــحـــكك الـدهر          كـــــذاك الــدهر يبـكيكا
ثم قال: اللهم بارك لنا في الموت، اللهم بارك لنا في لقائك.
قالت أم كلثوم: وكنت أمشي خلفه فلما سمعته يقول ذلك قلت:واغوثاه يا أبتاه أراك تنعى نفسك منذ الليلة.
قال: يا بنية ما هو بنعاء ولكنها دلالات وعلامات للموت يتبع بعضها بعضا، ثم فتح الباب وخرج إلى المسجد وهو ينشأ ويقول:
خـــــلوا سبـــــيل المـــــؤمن المـــجاهد          فـــــي الله ذي الكتــب وذي المشاهد
فـــــــي الله لا يـــــــعـبد غـــــير الواحد          ويــــــوقظ النـــــاس إلــى المســــــاجد
وكان عدو الله ابن ملجم نائم على وجهه وقد أخفى سيفه تحت إزاره، فقال له الإمام: يا هذا قم من نومتك هذه فإنها نومة يمقتها الله، وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار، بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء، أو على يسارك فإنها نومة الحكماء، أو نم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء.
ثم قال له الإمام: لقد هممت بشيء تكاد السماوات أن يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك. ثم تركه، واتجه إلى المحراب وبدأ يصلي وكان (عليه السلام) يطيل الركوع والسجود في صلاته، فقام الشقي ابن ملجم وأقبل مسرعاً يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام يصلي عندها، فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها وشد عليه اللعين ابن ملجم فضرب الإمام على رأسه فشقه نصفين، فوقع يخور في دمه وهو يقول: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله؛ ثم صاح الإمام فزت ورب الكعبة.
وقد وقعت الضربة على مكان الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري في واقعة الخندق، ثم اتم صلاته من جلوس؛ فجعل يشد الضربة ويضع التراب على رأسه وهو يقول: (مِنْـها خَلَقْنَاكُـمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) ، (هَذَا مَا وَعَدَنا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) .
فاصطفقت أبواب الجامع، وضجت الملائكة في السماء وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة، ونادى جبرائيل بين السماء والأرض: تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء.
قال محمد بن الحنفية: بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي وقد نزل السم إلى قدميه، وكان يصلي تلك الليلة من جلوس، ولم يزل يوصينا بوصاياه ويعزينا عن نفسه، ويخبرنا بأمره إلى طلوع الفجر، فلما أصبح استأذن الناس عليه فأذن لهم بالدخول، فدخلوا عليه واقبلوا يسلمون عليه وهو يرد عليهم السلام ثم يقول: أيها الناس اسألوني قبل أن تفقدوني، وخففوا سؤالكم لمصيبة أمامكم.
روى العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن محمد بن الحنفية انه قال: ثم أخذنا بجهازه ليلاً وكان الحسن يغسله والحسين يصب الماء عليه وكان لا يحتاج إلى من يقلبه بل كان يتقلب كما يريد الغاسل يمينا وشمالا وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر، ثم نادى الإمام الحسن أخته زينب وقال: يا أختاه هلمي بحنوط جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم لفوا الإمام (عليه السلام) بخمسة أثواب كما أمر، ثم وضعوه على السرير وتقدم الحسن والحسين                (عليه السلام) إلى السرير من مؤخره، وإذا مقدمه قد ارتفع ولا يرى حامله، وكان حامله من مقدمه جبرائيل وميكائيل وسارا يتعقبان مقدمه.
قال محمد بن الحنفية: لقد نظرت إلى السرير فما مر بشيء على وجه الأرض إلا انحنى له، ومضوا به إلى النجف إلى موضع قبره الآن، وضجت الكوفة بالبكاء والعويل وخرجت النساء يتبعنه لاطمات حاسرات، فمنعهن الحسن وردهن إلى أماكنهن، هذا والحسين ينادي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون، وا أبتاه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمت البكاء إلى الله المشتكى.
فلما انتهيا إلى قبره وإذا مقدم السرير قد وضع فوضع الحسن والحسين مؤخره، ثم قام الحسن وصلى عليه والجماعة خلفه وكبر سبعا كما أمره أبوه (عليه السلام). ثم زحزحنا سريره وكشفنا التراب وإذا نحن بقبر محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة، مكتوب عليها: هذا ما ادخره له جده نوح النبي للعبد الصالح الطاهر المطهر . فلما أرادوا إنزاله سمعوا هاتفا: أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب. فدهش الناس وألحدوا أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل طلوع الفجر.
الفهرست
 
الباب الأول : معجزة ولادته عليه السلام :
الباب الثاني : معجزة طفولته عليه السلام :
الباب الثالث : معجزة إيمانه وعدم سجوده لغير الله تعالى : 
الباب الرابع : معجزة قوته : 
الباب الخامس : معجزة كرمه عليه السلام :
الباب السادس : معجزة بلاغته عليه السلام : 
الباب السابع : معجزة علومه عليه السلام :
الباب الثامن : معجزة زواجه عليه السلام :
الباب التاسع : معجزة أولاده عليهم السلام :
الباب العاشر : معجزة سياسته عليه السلام : 
الباب الحادي عشر : معجزة استشهاده ودفنه عليه السلام :



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=64114
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 07 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29