• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : التدرن واشياء اخرى (الحلقة الثامنة) .
                          • الكاتب : د . رافد علاء الخزاعي .

التدرن واشياء اخرى (الحلقة الثامنة)

ان الشاعر او الكاتب يعكس تاريخ شعب كامل عاش حياته معه بافراحه وحزنه واتراحه وهكذا نحن الاطباء نحاول تحليل التاريخ المرضي  للشاعر للتعرف على احوال الشعب من خلاله وهذا يسمى في علم الاجتماع الدراسة المقطعية لحالة فرديه حتى نستطيع تعميمها على المجتمع بصورة كاملة فعند دراستنا اسباب استشراء مرض التدرن ومضاعفاته من خلال السيرة المرضية لحياة شاعرنا الكبير السياب فقد عرفناان من الاسباب الوراثية العرقية والاحباط بسبب اليتم وسؤ التغذية وفقر الدم والبيئة الرطبة والتدخين ومعاقرة الخمرة ولكن من اعمق الاسباب التي تودي الى التدرن هو اليأس والاحباط ان التدرن ايضا بدوره يعمق حالة الياس والقنوط والهزال وفقر الدم وفقدان الشهية وهكذا هو العذاب المستمر كثيرا مايسالني الاصدقاء عن اضرار الخمر ومضاعفاته وكان علي ان اجيبهم بحرفية علمية ان الكحول بحد ذاته يزيد من تفاعلات الحالة الايضية في حرق الدهون واعطاء الطاقة اذا اخذ بكميات قليلة وكما هو مهدى للنفس وكان الاطباء القدماء يصفونه للحوامل عند اشتداد الاضطربات الرحمية وحدوث الولادة المبكرة والتقلصات الرحمية وكذلك يصفونه كمشهي ولزيادة الشهية للمرضى بالسعال ولكن الافراط فيه يؤدي الى عواقب كارثية منها تشمع الكبد الكحولي والتهاب عضلة القلب الاحتقاني الكحولي والتهاب الاعصاب والانحلال العصبي والتهاب الاعصاب الكحولية المستجاب او غير المستجاب للفيتامين  بي 1 وهكذا مثل التدرن هنالك استعداد وراثي لمضاعفات الكحول خصوصا مع سؤ التغذية ولذلك نرى معاقري الكحول من التجار واصحاب المهن المربحة في اتم صحة ووجوه مشرقة مشبعة بالحمرة التي نطلق عليها نحن الاطباء مرض كيشون الكاذي فوجوههم مثل القمر المنير المشبع بالنور الجالب للمحبين عكس الوجوه الفقيرة معاقرة الخمر بدون المازة واللحوم تراهم وجوه مصفرة كالحة تنهزم منها من بعيد وهذا ناجم عن قصة الكحول على الارض ففي الاسرائليات قيل في ان لوجود للخمر قبل الطوفان ولكن في الطوفان عندما بنى نبينا نوح السفينة وحملها من شيء زوجين جاء ابليس يسعى وقال له اني راكبها بامر الله فابى نوح ان يركبه وقال له ابليس انه وعد الله ووعد الله لازما ومفعولا ووعدني اني من الناظرين ولامنجي اليوم الا سفينتك فانا راكبها هنا وافق نوح بشرط ان يلتزم الصمت ولكن لايعلم ان لاشروط على الشيطان وهكذا سارت سفينة نوح  في خضاب الطوفان وامر نوح الحيونات والاوادم بعدم الجماع لانه لايعرف متى تستقر الجودي وتجف الارض خوفا من التكاثر والزحام وهكذا سعى الشيطان في اغراء القطط والكلاب على الجماع فكان الطوفان في شهر شباط وهكذا جرت العادة على القطط والكلاب التجامع بشهرة الصياح في هذا الشهر وهنالك ارسل نوح الغراب الحكيم لرؤية الارض وجفافها ولكن الغراب التهى باكل الجيف والموتى ومنها فقد حكمته واصبح نذير شوؤم وموت وخراب والطاعون وهوسة للمغفلين (اتبعنا ياحوم لو جرينا) وهكذا ارسل الحمامة لتبشره حاملة غصن الياسمين وقد حل على الارض السلام وحينها هبطت الجودي على الارض ونزلت الحيونات والاوادم ومعها ابليس سارقا اقلام العنب بحيلة من الحية التي عاقبها نوح بحرمانها من اجنحتها الطائرة وهنالك فاوض ابليس نوح على زراعة الاعناب بشرط ثلثين لابليس وثلث لنوح مرغما وهكذا تنبئنا الاحصاءات العالمية ان ثلثين محصول الاعناب يذهب الى معامل الخمر العتيق وثلث للبشر للاكل كفاكهة نظرة غنية بالسكر والبوتاسيم وفيتامين سي واما الاعناب فزرعها ابليس ووفرش لها سمادا في بداية الامر من الطاووس وبعد فتر ذبح الاسد وجعله سمادا وبعدها القرد واخر السماد هو الخنزير لذلك ترى شاربي الخمر رغم تفاوت مستوياتهم لهم اتكيت في الاعداد  من النظافة والاستعداد بتبختر مثل الطاوؤس وبعدها يصبحون كالاسد في اعطاء الوعود والاقدام وبعدها مثل القرود في طرح النكات والفكاهة وبعدها كالخنازير عند النوم على الارصفة وابواب الحواري وهكذا يؤثر الخمر كما اسلافنا على جهاز المناعة ويؤثر ايضا على اضعاف واصابة الكبد بالالتهاب الدوائي مع ادوية التدرن ونرجع الى سالفتنا الرئيسية حول التدرن ان اهم اسبابه هو الاحباط من الشفاء كما كتب شاعرنا السياب بعد أن فصل من الكلية فكتب لصديقه خالد: 

" كم عاهدت نفسي في سكون الليل العميق أن أخفت نغمة اليأس في أشعاري وأمحو صورة الموت من أفكاري...ولكنني واحسرتاه عدت بصفقة الخاسر، وحظ الخائب، وقد نذرت نفسي للألم والشقاء واليأس والفناء؛ وما أجهلَ من لامني على أن سميت مجموعة أشعاري "الأزهار الذابلة" ليته كان معي ليرى أن كل الكون: الأرض والسماء والتراب والماء والصخر والهواء ، أزهاره ذابلة في عينيَّ الشاحبتين ونفسي الهامدة الخامدة"

انه الشعور بالخواء من العطاء والذبول في هذه الحياة ولكنه اكدها فيقصيدة (رسالة) :

 رسالة منكِ كاد القلب يلثمـــها 

لولا الضلوعُ التي تثنيه أن يثبا 

لكنها تحمل الطيب الذي سكرت 

روحي به ليل بتنـــا نرقب الشـهبا 

في غابة من دخان التبغ أزرعــــها

 وغابة من عبيـــر منك قد ســـربا

انه التدخين والتبغ والخمر واليأس كلها عوامل مهدمة للصحة وتعطي استقبال خصب للامراض المتعددة وهكذا يؤكدها ايضا شاعرنا السياب في قصيدة (فرار 1953) قال: في ليلة كانت شرايينها فحما 

وكانت أرضها من لحود

 يأكل من أقدامنا طينها...

 لكننا واحسرتا لن نعود أواه ُ

 لو سيكارةٌ في فمي رغم الدجىيا عراق!

انها الحلم بسيكارة تنير له الدجى والظلام ليرى العراق العراق الممثل بالام الاصدقاء الوطن الحبيبة الرافضة له كما هجر العراق هجرته الحبيبة خوفا من هزاله ومرضه ولكنها تعشق فمه ولسانه الشاعر الصداح بالحب كما هو يعشق السيكارة القاتلة هو الازدواج الشخصي الحبيبة تعشق الكلمات لاتعشق الشاعر والشاعر يغشق الموت ولايعشق السيكارة.........

 ولكن رغم الماسي والضيم والحرمان بقى لسان شاعرنا يصدخ بالشعر ليكتي اجمل القصائد وهو يرى في عيون حبيبته في ظلام الغربة الحب والوطن......

عيناك غابتا نخيل ٍ ساعة السحر،

أو شُرفتان راح ينأى عنهما القمر.

عيناك حين تبسمان تورق الكروم

وترقص الأضواء … كالأقمار في نهر

يرجّه المجداف وهناً ساعة السَّحر

كأنما تنبض في غوريهما، النُّجوم …

وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف

كالبحر سرح اليدين فوقه المساء،

دفٍء الشتاء فيه وارتعاشات الخريف،

والموت، والميلاد، والظلام، والضياء'

فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاء

ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء

كنشوة الطفل إذا خاف من القمر !

انه الخوف من النور الحب للظلام ليستر مرضه وجسمه الهزيل وهكذا هو العراق يبقى في مخيلة الشاعر......

وفي العراق جوع

وينثر الغلالَ فيه موسم الحصاد

لتشبع الغربان والجراد

وتطحن الشّوان والحجر

ورحىً تدور في الحقول … حولها بشر

انها رحى المستعر وكانها نظرة استشرافية لشاعرنا لما يجري لنا الان من موت تحت مسميات واسباب عديدة يزرع فينا الحزن والسهاد ولكنه يبقى منتظرا الفرج من السماء ليس على شكل مطر وانما مبشرا لواهب الحياة

 

ومنذ أن كنا صغار ، كانت السماء

تغيم في الشتاء

ويهطل المطر،

وكلّ عام - حين يعشب الثرى - نجوع

ما مر عام والعراق ليس فيه جوع.

في كل قطرة من المطر

حمراء أو صفراء من أجنة الزهور.

وكلّ دمعة ٍ من الجياع والعراة

فهي ابتسامٌ في انتظار مبسم جديد

أو حلمة توردت على فم الوليد

في عالم الغد الفتي، واهب الحياة !

لقد مات السياب في عام ولادتي سنة 1964 واسفي لانه لم لم يعيش لهذه اللحظة لتشافى من مرض التدرن ومضاعفاته في تطور العلوم الطبية الخالية في تحليلي لسبب موته هو التهاب الاعصاب الانحلالي التي ساهمت فيه اسباب عدة منها فقر الدم وهشاشة العظام وادوية التدرن والكحول وسؤ التغذية واكرر يا اسفي لو الزمان يعود لنجد السبل في نشر البسمة على وجه شاعرنا الذي تعلمت منه الكثير وللحديث بقيه عن التدرن واشياء اخرى .

 

 

 

الدكتور الاستشاري

مستشفى الجادرية الاهلي

بغداد- الكرادة خارج- عرصات الهندية




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=62275
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 05 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28