• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المشروع الحضاري العربي: هل يقبله "الثماني" صفقة شراكة؟ .
                          • الكاتب : محمد الحمّار .

المشروع الحضاري العربي: هل يقبله "الثماني" صفقة شراكة؟

كان لقاء مجموعة الثماني (بداية من يوم 26-5-2011) مُركزا جُلّ اهتماماته على "مساعدة" تونس ومصر على الوقوف على رجليهما بعد مصاعب الثورة. فكانت مناسبة ملائمة لي لأفتح باب النقاش مع أصدقائي على فيسبوك حول الاقتراض واقتصاد السوق. 
وقد كانت المداخلات تحوم حول مَخاطر التداين من جهة وضرورته من جهة أخرى، وحول التنديد بالليبرالية المتوحشة من جهة وأهمية انخفاض نسبة الفائدة في حال اللجوء إلى الاقتراض من جهة أخرى. وقد انبهرتُ بمستوى الذكاء والمعرفة لدى المتخرجين الجدد من أصحاب الشهادات العليا الملحقين بالعمل لدى دوائر محلية وعالمية مرموقة.
لكن على هامش النقاش، تبادرَت لذهني فكرة تُلازمي مثل ظلي: لو علِم كبار الدول في العالم أنّ ما ينبغي أن يُخالج وعيَ العرب والمسلمين في هذه الفترة الحساسة والصعبة التي تمر بها تونس (ومصر)، لانتابَتهُم إحدى النوبتين: إمّا مَسٌّ من الضحك والقهقهة مَردّه مُركب الأفضلية، وما تردفهُ من ذروة في السخرية تجاه حاجياتنا الحقيقية كما سأبينها إجمالا، وإمّا مسٌّ من الدهشة والإعجاب لكنها مخيّبة لآمالهم ومُشلة لحركاتهم على مستوى الشراكة، سواء أرادوا تسمية هذه الشراكة "شمال/جنوب" أم "بلدان مصنعة/ بلدان صاعدة" أم "بلدان متقدمة/بلدان نامية". على أية حال سيستقيم الأمر في النهاية على مُكوثهم في واد ومكوثنا في واد، في انتظار أن تؤول الكلمة لمَن فكرُه ساد. كيف ذلك؟
بإدراج بلدَي تونس ومصر في أجندة لقاء الثمانية كانت نية الكبار تتجه نحو "تهنئتنا" بالثورة و"شكرنا" على الاصطفاف إلى جانب البلدان المناهضة للاستبداد، وذلك على طريقتهم، كرّم الله جيوبهم، بأن يُسخّروا  بلايين الدولارات لرفع الشح عن صناديقنا المنهوبة ولإحياء اقتصادنا المسلوب. لكن بما أنّ " لا تصحّ الصدقة إلاّ لمّا يأكل منها أصحاب القصعة"، كما يقول المثل الشعبي عندنا،  فلا يشك في الأمر اثنان أنّ القسط المأكول من القصعة سيكون لا شيء سوى الأمر الموكول لأصحاب الإجراء بعد الحصول: تثبيت اقتصاد السوق، عقيدة ومنظومة، في مجتمع تونس وفي مجتمع مصر وفي قادِمِ المجتمعات التي سيسطع نجم الحرية فيها بعد الأفول.
أمّ الذي يُحيّرني ويحيّر كلَّ نفس تواقة إلى السيادة الوطنية والعربية الشاملة غيابُ الكلام المعقول،  والحال أنّ:
- هُم يحاولون دعم النظام العالمي بإدراج مجتمعات كانت في الماضي منكوبة لأنها منهوبة من الداخل، مع تحويلها إلى بلدان معتزة بنفسها لأنها تفضل أن تكون مبتزّة من الخارج، ويكونوا هكذا قد حققوا لنا الذروة في تجسيد عقدة الأجنبي؛ بينما نحن عاجزون على إعداد حتى رسم بياني لمشروع لمجتمع اليوم والغد.
- هُم يقرءون ألف حساب وحسابٍ لِما سيستثمرونه من الاعتمادات المالية المُزمع صرفُها لفائدتنا؛ بينما نحن نفتقر إلى أبجديات التحرر العقلي وما يُفترَض أن يصحبَه من ابتكار فكري لكي نكون قادرين على إنجاز تصوّرٍ لمُجتمعِ اليوم والغد، والذي من دونه لن تكون لدينا نظريات، لا في التربية ولا في التعليم ولا في الاقتصاد ولا في البحث العلمي.
- هُم يتأهبون لتحديد قائمة طويلة لمُنتجاتهم الصناعية التي يعتزمون تصديرها لنا مقابل الأموال التي سيقرضوننا إياها، وإلا فالفائض الإنتاجي لديهم سيشكل أمّ المشكلات عندهم ويُغرقهم في طوفان لا يُضاهيه طوفان عدا طوفان التداين الافتراضي لخزينتنا؛ بينما مِن واجبنا نحن تحديد قائمة ٍ في الإصلاحات اللازمة لإنجاز تنوير عقلي وتربوي تحرّري شامل يهدف إلى إكساب الشعب قدرةً على الإسهامِ في بلورة قراراتٍ من الصنف السامي والتي ستُؤمّن لنا الاستجابة لرغبتنا في العيش الهنيء ولو كان ذلك في حالةٍ من الصيامِ.
- هم يَبْغُوننا فالِحِين في بناء الفنادق والمنتجعات التي تضمن لحضراتهم أحلى الأوقات، وفي بناء المعامل و الورشات التي تنتج كل الماركات شريطة أن تكون من العَالمِيات والتي تُشغّل البنات لأنهنّ ساكتاتٌ على أجور خيالية من حيثُ البخس و ندرة الدينارات، بينما نحن مطالبون بإيلاء الواجهة الإصلاحية للبنى العلوية، من تحرُّرٍ تربوي ومن تعليمٍ تحرُّري ومن تدريبٍ ميداني ومن بحثٍ تجريبي، قبل سواها من شريكاتها التحتية؛ وبالتالي مطالبون باستقطاب وافر الأقساط من الاستثمارات في تكوين الكفاءات التي ستسيّر ما يَجدُّ ويستجدُّ من المنشآت مثل المدارس والكليات، و الصحف والمجلات، والإذاعات والتلفزيونات، والمخابر والورشات.
- هم يَجُرّوننا جَرّا إلى تبعياتٍ، رأسُها اقتصادياتٌ وقلبُها من صميم الصراع بين الثقافات؛ عبارة على صرفٍ لِغراماتٍ، بواسطة تسخير اللغات والأفلام والمسرحيات والأغنيات وسائر ما يرمز به الإنسان من إنتاجاتٍ، بينما نحن مُلزمون باختطاف الرمز ابتغاء البدء في التحولات. وهذه لعَمري تحديات من طينةٍ ليست كالسابقات: لن نستغني عن اللغات؛ بل سنستفيد منها لإثراء المهارات العربيات ولإدراج التفاعلات في منزلةٍ تتسم بزفاف الفكر مع الأحداث الواقعات، وما هبّ ودبّ في عالمَي الاستحداث والإسلامياتِ.
في باب التكهن بالإجابات ليس للمرء من ثباتٍ. فقط يُمكن القول إنه ليست للكبار خيارات سوى أن يُرَخَّص لهؤلاء، من لدُن عقلياتنا في حال حَرِصَ أهلُنا على الإبقاء عليها ضمن الطالحات، بأن يُجْهزوا علينا بقنّاصةٍ من أسيادِ الدولارات، أو أن نُريهُم السبيل التي تُزيل كل قطيعة، بقوة هذا الزمانٍ المُتصِف بالآليات المُعَولِمات. كم بودي أن يذعنَ الكبارُ لخيارِ الثقة بمَعشر "الصغار"؛ هكذا لن يذهب الأورو والدولار في مهبّ ريحٍ صرصرٍ أو إعصار، وإنما في الإفادة والاستفادة من كعكةٍ تكون لأول مرة مِن صُنع أهل الدار. 
محمد الحمّار
الاجتهاد الثالث
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=6187
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 05 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19