• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : موارد النظام المالي في الإسلام .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

موارد النظام المالي في الإسلام

 تمهيد:

يعتبر تحديد أوجه الإيرادات والنفقات العامة وطرق تقديرها ،من المقومات الأساسية لإعداد الموازنة العامة للدولة ،وقد اهتم التشريع الإسلامي بهذه المسالة اهتماما بالغا للدور الكبير الذي تحققه الموارد المالية المختلفة في الاستقرار الاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي،لذلك نلاحظ ورود نصوص كثيرة في هذا المجال توضح أنواع هذه الموارد وكيفية جبايتها وتقديرها وتعيينها ومن ثم صرفها في مواضعها المخصصة لها أيضا، ويلاحظ أن مصادر الأموال العامة في الشريعة الإسلامية تكون على قسمين : قسم مسمى بعناوينه الخاصة وهو صنفان أحدهما الحقوق الشرعية المسماة ( الزكاة والخمس) ، وارث من لا وارث له، ومجهول المالك والجزية، ثانيهما : ما يسمى بلغة العصر بأملاك الدولة العامة وهي في الشرع الإسلامي ( الأراضي الخراجية والأنفال)، والقسم غير المسمى بعنوان خاص هو ما يؤخذ في حالة الضرورات الحاكمة بأدلتها على قاعدة السلطنة على قاعدة أن لإطلاق الملكية الخاصة حدودا منها حاجة الأمة وسلامتها(شمس الدين، 1423هـ: 364) ، أما أهم هذه الموارد ( الحكيم ، 2003:  377):-

·        الزكاة

·        الأراضي الموات

·        الأراضي الخراجية

·        الأوقاف العامة

·        الخمس

·        التكافل الاجتماعي الخاص

الزكاة

 الزكاة من الواجبات التي اهتم الشارع المقدس بها ،  وقد قرنها الله تبارك وتعالى بالصلاة في عدة مواضع من القران الكريم، وهي إحدى الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام،وقد ورد إن الصلاة لا تقبل من مانعها .

  وهي علاوة على ذلك من العبادات والتشريعات المالية المهمة التي أكدها القران الكريم وسنة الرسول العظيم(صلى الله عليه وآله) ، فقد شخص الإسلام مواردها تشخيصا دقيقا ،وجعل الولاية عليها للحاكم الإسلامي الذي يقوم بتخمينها وتقديرها أو إحصائها وجمعها من أصحاب الأموال ، كما حدد القران مواضع صرفها.و يقول الشهيد الحكيم(قده)، إن للزكاة أربعة أبعاد رئيسة هي:

1.     أصل وجوب الزكاة وأهميتها.

2.     الأموال التي تتعلق بها الزكاة.

3.     مصرف الزكاة.

4.     الوالي على الزكاة.

1.أصل تشريع الزكاة وأهميتها

  أصل الزكاة هو النمو الحاصل عن بركة الله تعالى ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية  ،ومن الزكاة ما يخرجه الإنسان من حق الله تعالى إلى الفقراء وسمي بذلك رجاء البركة أو لتزكية النفس أي تطهيرها وتنميتها بالخيرات والبركات أو كل ذلك(الأصفهاني،1425هـ:380).

  وزكت النفس طهرت ومنه قوله تعالى :"خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها"(التوبة،103)، أي تطهرهم من البخل والسحت وحب المال ،وتزكيهم بنماء أموالهم وحسناتهم وتهذيب نفوسهم وبذلك يرتفعون إلى منازل المخلصين الطيبين ، وقال ابن العربي تطلق الزكاة على الصدقة أيضا وعلى الحق والنفقة والعفو عند اللغويين[1].

  أما الزكاة في المصطلح الشرعي فهي: اسم لحق يجب فيه المال يعتبر فيه وجود النصاب (بحر العلوم، 1989: 27)، وهي فرض على كل مسلم عاقل بالغ فالشرط في وجوب الزكاة العقل والبلوغ ، فلا تجب في مال الصبي والمجنون لحديث عائشة(رض) عن النبي (ص) أنه قال: ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق( الخراساني، 1413: 415).

 وتتضح أهمية الزكاة من استعراض النصوص التي وردت بشأنها، فقد قرنها الله تعالى بالصلاة في أكثر من موضع في القران الكريم ،يقول عز شانه:"وأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة"(البقرة،110)،  "قد افلح من تزكّى وذكر اسم ربه فصلّى"(الأعلى، 14-15)،"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"(البينة،5)  ،كما إن الأحاديث الواردة بشأنها من أهل البيت (ع) كثيرة ،فعن الرسول(ص):"أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم"(وسائل الشيعة،6/3)،وعن ابن عباس قال  : إن النبي (ص) بعث معاذ إلى اليمن فقال:" ادعهم إلى شهادة إن لا اله إلا الله و أني رسول الله ، فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم إن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم إن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" (صحيح البخاري،1981ج2: 108) ،أما أهمية هذا الارتباط على الصعيد الاجتماعي ،فان الله تعالى يريد بهذين الواجبين على نحو الارتباط ولو تنزيلا أن يجعل المكلف إنساناً مهذباً كاملاً،فبصلاته ينشد إلى خالقه يسبحه ويحمده و يعترف بالعبودية له ،وبذلك تصفو نفسه شفافة تنطبع فيها كل سمات الخير والرحمة ،وبزكاته ينشد الفرد إلى المجتمع ليتحسس بأحاسيس أفراده من الضعفاء والمعوزين ،فيمد لهم يد المساعدة ويبعد عنهم شبح الفقر وآلام الجوع(بحر العلوم،1989 :30)، ومن هنا فإن الأهمية الكبرى للزكاة تتمثل أساسا بكونها تهدف إلى إعادة توزيع الثروة من خلال منع التراكم اللامعقول للثروة في فئات معدودة في المجتمع وتسمح للثروة بالانتشار والتداول بصورة أوسع في المجتمع، فهي عبارة عن جزء مكمل وإلزامي ومتلازم لطريقة الإسلام في الحياة ،فالزكاة تشمل الجوانب الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية للنظام المالي الإسلامي  وعدم ملاحظة ذلك يكون مساويا لإنكار الدين نفسه[2] (SULAIMAN,2004).

2.الأموال التي تتعلق بها الزكاة

    تجب الزكاة في أربعة أشياء(المرجع السيستاني، 2003  :227) هي:

1.     في الأنعام الثلاثة :الغنم بقسميها المعز والضان ،والإبل والبقر ومنه الجاموس.

2.     في النقدين :الذهب والفضة.

3.     في الغلات الاربع: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

4.     في مال التجارة"بالاحتياط الوجوبي"

ويعتبر في وجوبها أمران :

(الأول):الملكية الشخصية ،فلا تجب في الأوقاف العامة .

(الثاني): أن لا يكون محبوسا عن مالكه شرعا،برهن أو وقف أو نذر وما شابه.

وفي هذا الأمر وردت أحاديث عديدة عن أهل العصمة نكتفي بالحديث الآتي:

  قال أبو عبدالله الصادق(ع): لما نزلت آية الزكاة "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" في شهر رمضان ،فأمر رسول الله(ص) مناديه فنادى في الناس : إن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ، ففرض الله عليكم من الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر والزبيب ،ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان ،وعفا لهم عما سوى ذلك..."(وسائل الشيعة ،م/32/ح1)،وفيما يتعلق بأموال التجارة يقول الشهيد الحكيم(قده):"...فان الرأي الفقهي العام المعروف لدى أتباع أهل البيت(ع) هو عدم تعلق الزكاة بها ،بخلاف الرأي الفقهي العام لدى المذاهب الإسلامية الأخرى التي ترى وجوب الزكاة فيها ،وان كانت توجد نصوص متعددة وردت عن أهل البيت(ع) يفهم منها وجوب الزكاة في هذه الأموال وذهب إلى ذلك بعض علماء أتباع أهل البيت"(الحكيم،   2003: 383)،ونرى الرأي الأخير واضحا عند معظم العلماء المعاصرين كالسيد الخوئي(قده)والسيد السيستاني.

3.مصرف الزكاة

   إن إنفاق الصدقات قيدته وحددت أبوابه الشريعة السمحاء في القرآن الكريم، ويبقى لولي الأمر التنظيم المالي في هذا الصدد(الخطيب، 1980: 335)،فقد خصصت الآية الستون من سورة التوبة مصارف الزكاة ،وحددتها بثمانية موارد وهي في قوله تعالى:"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل"،وفي ذلك تحديد قاطع لأوجه صرف الزكاة بما يضع لكل ذي حق حقه ،ويروى عن زياد بن الحارث قال:"أتيت رسول الله (ص)، فاتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة ،فقال (ص): إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقة حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء،فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك"(مختصر سنن أبى داود2/230) ،إن كثرة هذه الموارد وتنوعها يتطلب إعداد موازنة مستقلة للزكاة وهو ما اتفق عليه معظم المعاصرين(الأبجي،1990: 1141)، ويمكن الاقتصار في الصرف على واحد أو أكثر من الموارد المذكورة أي لا يجب البسط فيها كلها ، ويترك هذا الأمر للحاكم الشرعي الذي يتولى مصرف الزكاة وهو أمر يكاد يتفق عليه المسلمون عامة ، وهو يخضع لتشخيصه لطبيعة الحاجات والضرورات التي تفرضها الأوضاع الاقتصادية والسياسية المحيطة بالمجتمع الإسلامي(الحكيم،2003: 388)،ويرى عبد السلام(1980: 336): إن الفكر المالي الإسلامي في هذا الجانب يتسم بالمرونة وتقدير مصلحة الأمة وعلى الوالي أن يضع الأولويات والمقادير ويحدد المتاح والممكن من أبواب الإنفاقات التي عينتها الشريعة ،وذلك بناء على معايير يراها تشبع حاجة المجتمع وأفراده من أصحاب الحقوق في الزكاة، مستأنسا برأي ذوي الفكر والتخصص الفني في هذه الأمور المالية.

  ويمكن بذلك توجيه موارد الزكاة لصرفها على المواضع الملحة والضرورية حيث تخضع الأخيرة للسياسة المالية للدولة الإسلامية وخدمة لتحقيق أهدافها المتمثلة أساساً بإحقاق الحق وتحقيق العدالة الاجتماعية الإسلامية.

 

4.الوالي على الزكاة

إن حق الإمام (الحكومة الشرعية) ثابت في جباية الزكاة قال الله تعالى مخاطبا نبيه(ص) :" خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها" (التوبة، 103)، وجاءت الأحاديث الشريفة تحض على إخراج الزكاة ودفعها إلى الإمام ، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) لمعاذ حين بعثه إلى اليمن " إني أبعثك إلى أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ... فإن أجابوك إلى ذلك فأعلمهم أن عليهم صدقة أموالهم فإن أقروا بذلك فخذ منهم واتق كرائم أموالهم وإياك ودعوة المظلوم فإنه ليس لها دون الله حجاب"[3] ، فالأصل إن الدولة هي التي تتولى جمع الزكاة و إنفاقها على مستحقيها(الخياط، 1990: 932)،وبحسب الممارسات الخارجية للدولة الإسلامية فان الولاية على الزكاة كانت للحاكم الإسلامي وهذا الأمر له أصوله التشريعية ،ويفسر السيد الحكيم هذا الأمر بقوله(2003: 391):"..فالزكاة وان كانت تمثل شِركة للفقراء في أموال الأغنياء كما جاء ذلك في عدة نصوص إلا إن ولاية هذا المال من اجل إيصاله إلى أصحابه الشركاء أو صرفه في مصارفه المحددة شرعا إنما هي للحاكم الإسلامي الذي يجبي الزكاة،كما كان النبي(ص) يقوم في زمنه بجبايتها ،وكذلك الخلفاء من بعده".

ويظهر ذلك عموم ولاية الإمام في التحصيل ، وقد كان الأمر كذلك في عهد الرسول(ص) فقد كان النبي(ص) يرسل الجباة والعمال والمصدقين والسعاة لجمع الزكاة ،كما كتب إلى الولاة والعمال بفعل ذلك ،وكان (ص) كلما أسلمت قبيلة بعث العامل لجمع زكاة مالها ، وهو (ص) أول من انشأ لها ديوان خاص في مركز الدولة ،وكان كاتبه على الصدقات الزبير بن العوام وجهم بن الصلت أما كاتبه على خرص النخل  فهو حذيفة ابن اليمان،وكان له كاتبان آخران على المداينات والمعاملات، وهذا يبين إن الدواوين قد وضعت في زمن النبي(ص) ،كما يبين إن أمر الزكاة كان من شؤون الدولة واختصاصها فالزكاة ليست إحساناً فردياً و إنما هي تنظيم اجتماعي تتولاه الدولة(الحاكم الشرعي)(الخياط، 1990: 932) .

وهذا الرأي اتفق عليه عموم فقهاء المسلمين بخصوص الولاية على الزكاة،حيث يتضمن وجوب تولي الدولة (الحاكم الشرعي) جباية الزكاة وتولي صرفها في مصارفها المحددة، ويترتب عليه وجوب دفع زكاة الأموال[4] إلى السعاة الذين يبعثهم الإمام(الدولة) وعلى الناس أن يعطوهم الأموال بنفس راضية.

ويمكن القول إن هذا الأمر في جانب منه يخضع لمنطقة الفراغ في الاقتصاد الإسلامي ،حيث عرفنا إن ذلك معناه تدخل ولي الأمر في هذا الشأن وإشرافه عليه وذلك لحماية مصالح المسلمين عامة، وهذا التدخل يكون في حدود إصدار التوجيهات والتعليمات لتنظيم جباية هذه الفريضة وباستخدام الأساليب العصرية لتقدير وتحديد كميتها ونوعيتها وتقنين إجراءاتها و أحكامها مع الأخذ بالاعتبار والتأكيد على القيم الخلقية الإسلامية عند جمع الزكاة من الأفراد المكلفين والترفق بهم ،فوظيفة النظام المحاسبي والمالي هنا تدور حول محورين أساسيين( عبد السلام، 1980: 331-    335):

1.  التنظيم العلمي الأمثل للزكاة عند تطبيقها استنادا إلى الأفكار المالية والمحاسبية ، فنحن مسئولون عن تنظيم التطبيق الحسن بعد الفهم الحسن للتشريع، ويتعلق ذلك بوسائل جباية الأموال المتعلقة بالزكاة وطرق تنظيمها، من حيث تحديد الأساليب الفنية للإقرار بالمال الخاضع للزكاة وطرق التحصيل سواء أكان بطريق مباشر أم بطريق الحجز عند المنبع،ونوعية السداد إن كان نقدا أو عينا ،والتقديم أو التأخير في أدائها وما يترتب على ذلك.

2.  إلقاء الضوء عند تحليل الألوان المستحدثة في صور المال لاستنباط حكم الشريعة في مدى خضوعها للزكاة من عدمه وكيفية ذلك .

  ويمكن أن نلاحظ هذه الأفكار والأساليب الجليلة والعادلة التي انتهجها الإسلام في هذا الميدان من خلال إحدى الوصايا التي  وجهها الإمام علي(ع) إلى من يستعمله على جمع الزكاة والصدقات ،بوصفه خليفة المؤمنين وولي أمرهم حيث يقول(ع):" انطلق على تقوى الله وحده لا شريك له ولا ترو عن مسلما  ولاتجتازن عليه كارها ولا تأخذن منه أكثر من حق الله في ماله ،فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم من غير إن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بالسكينة والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ولا تخدج بالتحية لهم ، ثم تقول :عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فان قال قائل لا، فلا تراجعه، وان انعم لك منعم  فانطلق  معه من غير أن تخيفه أو توعده أو تعسفه أو ترهقه "، ثم بين له الإمام أسلوب جمع الأموال التي تستحق الزكاة  الذي يتم على مراحل أولها الاستئذان من الفرد المكلف فيقول له (ع):"فخذ ما أعطاك من ذهب أو فضة فان كان له ماشية أو ابل فلا تدخلها إلا بإذنه فان أكثرها له "، إن عظمة الإسلام ورحمته ورفقه لم تقتصر على البشر وإنما حتى على الحيوانات ،ونلاحظ ذلك في قول الإمام في نفس هذه الوصية:" ولا تنفرن بهيمة ولا تفزعنها و لا تسوئن صاحبها فيها "، ثم يبين له المواصفات والشروط المطلوبة في الأنعام المزكي عنها فيقول(ع):" ولا تأخذن عودا و لا هرمة ولا مكسورة ولا مهلوسة ولا ذات عوار ولا تأمنن عليها إلا من تثق بدينه رافقا بمال المسلمين حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم و لا توكل بها إلا ناصحا شفيقا وأمينا حفيظا غير معنف ولا مجحف ولا مغلب ولا متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصيره حيث أمر الله به"، وذكر القاضي أبو يوسف في نصيحته لهارون الرشيد الآتي:" ومر باختيار رجل أمين ثقة عفيف ناصح مأمون عليك وعلى رعيتك فوله جميع الصدقات في البلدان ومره فليوجه فيها أقواما يرتضيهم .... ولا تولها عمال الخراج فإن مال الصدقة لا ينبغي أن يدخل في مال الخراج"[5] ،ونلاحظ في كلام أبو يوسف إشارة إلى التمييز بين أنواع الأموال الواردة إلى بيت المال وضرورة إعداد قوائم وميزانية مستقلة للزكاة – سنتكلم عن ذلك بشيء من التفصيل لاحقا،  وفي هذا الصدد نلاحظ إن كثير من البلدان الإسلامية في عصرنا الحاضر قد أصدرت قوانين لصناديق الزكاة ومؤسساتها  وذلك لتطبيق هذه الفريضة العبادية المالية المهمة وذات الأثر الكبير في تحقيق التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي ،ومن هذه الدول على سبيل المثال، بيت الزكاة الذي أنشئ في الكويت عام 1982،وصندوق الزكاة  في السودان الذي أنشئ عام 1980,وفي باكستان صدر قانون الزكاة و العشور عام 1980 ،وفي البحرين أنشئ صندوق الزكاة عام 1979 ،وفي العربية السعودية صدر أمر جمع الزكاة وتحصيلها بواسطة الدولة عام 1950.

 

 

الأراضي الموات

  وهي الأرض المعطلة عن الزراعة والسكن التي لا ينتفع بها ،إما لانقطاع الماء عنها أو لاستيلائه عليها أو لملوحتها أو استيجامها أو غير ذلك من موانع الانتفاع التي تتعلق بالأرض وظروفها الطبيعية(الحكيم، 2003: 394).

  والرأي الفقهي لدى جمهور فقهاء العامة من المسلمين في ملكية هذه الأرض فهو إن الأرض الموات تعتبر من المباحات العامة، شانها شان مياه الأنهار والبحار والأسماك والطيور أو الرمال وغيرها من المباحات، التي يمكن تملكها عن طريق الحيازة والاستيلاء عليها .

  أما علماء الإمامية  فإنهم يَرون إن هذه الأرض تعود ملكيتها شرعاً للإمام ،وهي ما يصطلح عليه باسم ملكية الدولة(الصدر،1973: 413)،وبالتالي فهي لا تدخل في نطاق الملكية الخاصة، والدليل التشريعي على ملكية الدولة للأرض الميتة حين الفتح هو أنها من الأنفال،والأنفال كما يقول الشهيد الصدر(قده): هي مجموعة من الثروات التي حكمت الشريعة بملكية الدولة لها(الصدر،1973: 413)،وذلك في قوله تعالى:"يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم و أطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين"(الأنفال،1)،والإمام (الحاكم الشرعي) هو في موقع الرسول في الولاية والحكم بعده(الحكيم،2003: 394)،وقد روى الشيخ الطوسي في التهذيب بشان نزول هذه الآية :إن بعض الأفراد سألوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)  إن يعطيهم شيئا من الأنفال ،فنزلت الآية تؤكد مبدأ ملكية الدولة ،وترفض تقسيم الأنفال بين الأفراد على أساس الملكية الخاصة.

   وقد سمحت الشريعة لأفراد المسلمين إحياء هذه الأرض و إعمارها واستثمارها ،وقد صدر الإذن العام للمسلمين بالإحياء من قبل النبي(ص) و الأئمة(ع) من بعده، وهو إذن وَلائي انطلاقاً من فكرة ملك الإمام للأراضي الموات(الحكيم،2003 :395) كما منحتهم حقًا خاصاً فيها، على أساس ما يبذلون من جهد في سبيل إحياء الأرض وعمارتها،فقد جاء في الروايات المنقولة عن أهل البيت(ع):"من أحيا أرضاً فهي له وهو أحق بها"،ولكن السؤال هنا هو :ما طبيعة الحق المكتسب نتيجة الإحياء وما هي حدوده؟ اختلف الفقهاء في طبيعة هذا الحق بين قائل بالملكية الخاصة وبين قائل بثبوت حق التصرف دون أن يمتلك المحي رقبة الأرض كما عن الشيخ الطوسي(قده) حيث يقول:  " فأما الموات فإنها لا تغنم وهي للإمام خاصة ،فان أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف بها ويكون للإمام طسقها"،و الطسق هو أجرة الأرض،وهذا الرأي الفقهي لم يأخذ به فقهاء الإمامية فحسب بل أخذت به مختلف المذاهب الفقهية  الأخرى للمسلمين ولكن بصيغ متنوعة ،وينقل الشهيد الصدر في هذا الشأن ما ذكره الماوردي عن أبي حنيفة وأبي يوسف :"إن الفرد إذا أحيى أرضاً من الموات وساق إليها ماء الخراج كانت ارض خراج، وكان للدولة فرض الخراج عليها،ويريدان بماء الخراج الأنهار التي فتحت عنوة كدجلة والفرات والنيل(الصدر،1973: 418).

  نستخلص مما سبق إن الأراضي الموات تعتبر شرعا ملكا للدولة وانه يمكن للفرد إحياؤها و إعمارها واستثمارها ومن ثم تكون له الأولوية في الانتفاع بها من دون مزاحمة الآخرين له فيها،إلا إن هذا الحق يقتصر على الانتفاع بالأرض دون أن تصبح ملكا خاصا له، وللدولة -بوصفها مالكة لرقبة هذه الأراضي -إن تتقاضى أجوراً من الأفراد الذين يقومون بإحيائها ،وهذه الأجور(الخراج) تفرض وفقا للمصلحة العامة والتوازن الاجتماعي ،ولنفس الأسباب ولظروف استثنائية يمكن للدولة أن تتنازل عن هذه الأجور.

الأراضي الخراجية

  الخراج هو ما يفرضه الإمام من مبلغ أو قدر معين على الأرض العامرة المستولى عليها من الكفار(أي الأرض التي فتحها المسلمون عنوة تحت رآية المعصوم أو اجازته)،والأراضي الخراجية هي الأراضي المعمورة التي كانت بيد المشركين أو أهل الكتاب وتمكن المسلمون من الاستيلاء عليها عنوة من خلال عمليات الفتح الإسلامي أو الأراضي التي تم إحياؤها  أو وقفها من قبل الدولة الإسلامية لصالح جماعة المسلمين(الحكيم،2003: 398).

   وقد أثيرت مشكلة في زمن عمر بن الخطاب بشأن الموقف تجاه الأراضي ،و هل تكون من الغنيمة التي تقسّم على المقاتلين ومن ثم تدخل ضمن الملكية الخاصة أم لها حكم آخر؟ فاستشار عمر الصحابة ،فأشار عليه علي (ع) بعدم التقسيم،كما كان ذلك رأي معاذ بن جبل ،فقرر أن تكون لجميع المسلمين أي بتطبيق مبدأ الملكية العامة ، إن هذا النوع من الأراضي  يدخل في نطاق الملكية العامة ،فهي ملك عام للمسلمين جميعا ،من وجد منهم ومن يوجد،وكما يقول الشهيد الصدر(1973: 401):" إن الأمة الإسلامية بامتدادها التاريخي هي التي تملك هذه الأرض دون امتياز لمسلم على آخر في هذه الملكية العامة ،ولا يسمح للفرد بتملك رقبة الأرض ملكية خاصة" ، ويجمع فقهاء الإمامية على هذا الحكم كما يتفق عليه فقهاء المذاهب الأخرى ،حيث نقل الماوردي عن الإمام مالك قوله:"إن الأرض المفتوحة تكون وقفاً على المسلمين منذ فتحها ،بدون حاجة إلى إنشاء صيغة الوقف عليها من ولي الأمر "،وهذا يعبر عن الملكية العامة للأمة(الصدر،1973: 401).

  أما النصوص الشرعية الدالة على الملكية العامة لهذا النوع من الأراضي،فهي كثيرة منها على سبيل المثال :سئل الإمام الصادق(ع) عن ارض السواد ما منزلته؟ فأجاب الإمام :"هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ،ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ،ولمن لم يخلق بعد"،وقوله(ع):"لا تشتروا ارض السواد فإنها فيء للمسلمين"،والمعروف إن ارض السواد كلمة كانت تطلق على الجزء العامر من أراضى العراق التي فتحها المسلمون في حرب جهادية ،وفي خبرٍ عن الإمام الصادق(ع) أيضاً قوله:" إن الأرض التي أخذت عنوة ،موقوفة متروكة بيد من عمرها ويحييها ويقوم عليها على قدر طاقتهم من الخراج"،ويعني الإمام بذلك ،إن ولي الأمر يدع الأراضي المفتوحة عنوة إلى القادرين على استثمارها من أفراد المجتمع الإسلامي ،ويتقاضى منهم أجرة على الأرض لأنها ملك مجموع الأمة ،فعندما يستفيد المزارعون من هذه الأرض بفلاحتها وزراعتها ،فان عليهم دفع ثمن هذه الاستفادة إلى الأمة،وهذا الثمن أو الأجرة يطلق عليه كلمة الخراج ،كما إن قيام النبي(ص) بإعطاء خيبر ليهود لغرض إعمارها وزراعتها ،ولهم شطر ما يخرج منها مع احتفاظ الدولة الإسلامية برقبة هذه الأرض ما هو إلا تطبيق لمبدأ الملكية العامة،فيقول الشهيد الصدر(1973  :405):" ..إن الأرض المفتوحة لم تشرع فيها الملكية الخاصة ،وتقسيم الفيء(الغنيمة) مبدأ وضعه الشارع في الغنائم المنقولة فقط ،فالملكية العامة للأرض المفتوحة إذن طابع أصيل لها في التشريع الإسلامي ،وليست تأميماً وتشريعاً ثانوياً بعد تقرير مبدأ الملكية الخاصة".

  وكان الخلفاء يعينون عمالا مستقلين عن الولاة والقواد لجباية الخراج فيدفعون منه أرزاق الجند وما تحتاج إليه المصالح العامة ،ويرسلون الباقي إلى بيت المال ليصرف فيما خصص له ،و فيمن يتولى جباية الخراج فلابد إن تتوافر فيه مجموعة من الصفات ذكرها أبو يوسف في كتابه الخراج وهي:أن يكون فقيها عالماً مشاورًا لأهل الرأي عفيفا لا يخاف في الله لومة لائم ولا يخاف منه جور في حكم إن حكم(حسن، 1939: 268) .

  أما نظام الخراج وهو النظام الضريبي المتبع في استيفاء حقوق بيت المال والذي يرجع إليه في تحديد الضريبة (مقدار الخراج) ومن ثم  اعتماد عملية جباية الأموال عليه،ففي تاريخ الدولة الإسلامية طبق أكثر من نظام للخراج مثل نظام الوظيفة في الخراج أو ما اصطلح عليه ب(الطسوق) وهو أول نظام سار عليه نظام الجباية منذ الصدر الأول للإسلام  والى أواخر عصر المنصور العباسي (السامرائي، 1990: 789)،و الطسوق هي الأخرى لم تسير على وفق ثابت و إنما كانت هناك"الطسوق المختلفة" كما أشار إليها البلاذري ، كما كان هناك نظام المقاسمة أو ما يسمى ب( الأستان) حيث جرت عادة الخلفاء في هذا النظام أن يشرفوا بأنفسهم على جباية الخراج ليتمكنوا-عند الشك- من محاسبة الولاة وعمال الخراج (تسخيري،2003: 278) ،وكان الهدف من تطبيق هذا النظام هو التخفيف عن دافعي الضريبة في الوقت الذي يحافظ فيه أيضا على المصلحة العامة وحقوق بيت المال،فتم إدخال بعض العوامل بالاعتبار عند احتساب مقدار الضريبة مثل اختلاف جودة الأرض وخصوبتها وقربها من الأسواق والجهد المبذول في زراعتها و إروائها ونوعية المحاصيل الزراعية التي أنتجت منها ( السامرائي،1990: 790).

  أما مقدار هذا الخراج فهو على الظاهر أمر متروك لولي المسلمين (تسخيري،2003: 278)، ففي بداية الأمر كان يجبى على أساس المساحة الكلية للأرض الصالحة للزراعة ،ثم أدخلت تعديلات وإجراءات جديدة على هذا النظام في عهد الإمام علي(ع) ،مثل درجة خصوبة الأرض وجودتها ومدى قرب الأراضي الزراعية من الأسواق وتكاليف النقل ونوع المحصول ،وقد أدى ذلك إلى إن تضع الإدارة الحكومية الإسلامية ما يسمى ب"العبرة" وهي قاعدة أو معيار معين لتحديد معدلات جباية الخراج،وقد تعرض هذا المعيار لكثير من التبدل والتطوير خلال فترة الدولة الإسلامية وذلك بسبب تغير وتطور العوامل والظروف الأخرى ذات العلاقة بعملية تحديده كالأسعار والعوامل البيئية المؤثرة على الإنتاج الزراعي وغيرها (السامرائي،1990: 791).

   وفيما يتعلق بموعد جباية الخراج،فان هنالك اعتبارات عدة تتحكم في تحديد نمط الفترة ،كأن تكون الفترة دورية ومن ثم تجبى بشكل منتظم كل فترة محددة عادة حولا كاملا(سنة)، أو تكون الفترة موسمية تتناسب مع فترات حصاد الزروع والأثمار(الأبجي، 1990:1133)، واختيار السنة هذه، تارة يكون بالتقويم الهجري القمري إذا كان الخراج يجبى على أساس مساحة الأرض ،وتارة يكون بالسنة الهجرية الشمسية إذا كان يجبى على أساس مساحة الزرع (السامرائي،1990: 793).وقد استعملت عدة مصطلحات لاستيفاء الضرائب المفروضة على الأراضي الخراجية من قبيل الطبول ،وطبول السلطان ،وطبول المسلمين،والنجوم ،والأقساط،وهي كلها تشير إلى أسلوب دفع الضريبة، أي الدفعات أو الأقساط التي يتم بواسطتها تسديد الإنسان لما بذمته من ضريبة الخراج(السامرائي،1990  :803).

  وفي عصرنا الحاضر لكي يتم تحصيل هذا الإيراد المهم للدولة الإسلامية فإننا في حاجة إلى تعيين الأراضي الخراجية وحدودها التابعة للدولة الإسلامية ،إذ يقول الصدر(قده):"..نصبح اليوم في مجال التطبيق بحاجة إلى معلومات تاريخية واسعة عن الأراضي الإسلامية ومدى عمرانها ،لنستطيع أن نميز في ضوئها المواضع التي كانت عامرة وقت الفتح من غيرها من المواضع المغمورة "إلا إنه يرى من الصعوبة الحصول على تلك المعلومات لذلك تبقى العملية متوقفة على الظن الذي اكتفى به أكثر الفقهاء،فكل ارض يغلب على الظن إنها كانت معمورة حال الفتح الإسلامي تعتبر ملكا للمسلمين(الصدر، 1973 :411).

  نستخلص مما سبق إن الخراج هو مبلغ من المال تقتطعه الدولة من مالك منفعة الأرض من غير المسلمين وهذه الأرض إما تكون تابعة لملكية الدولة الإسلامية، أو تابعة للملكية العامة للمسلمين،والخراج يسري على الأراضي التي فتحها المسلمون عنوة ،وفرضه بهذا الشكل وجبايته من موارده التي عرفناها إنما يكون لأجل المساهمة في تحقيق التوازن الاجتماعي في المجتمع الإسلامي ،بين من يملكون ومن لا يملكون في الزمان الواحد ،وكذلك تحقيقاً للتوازن بين الأجيال المتعاقبة من المسلمين ،جيل ينعم بفتوحات وما ينتج عنها من غنائم، وأجيال لاحقة تنعم باستقرار وانتشار الإسلام [6].

الأوقاف

  تمثل الأوقاف أحد مصادر الإنفاق العام للدولة الإسلامية ،وهي تعتبر أحد الدعائم الاقتصادية المهمة في الاقتصاد الإسلامي والتي تساهم بصورة فعالة في إعادة توزيع الثروة وعدم تراكمها ،وكذلك في تنظيم صرف الأموال وتوجيهها نحو خدمة المصالح العامة للمجتمع  ،وبالأخص فيما يتعلق برعاية الفقراء والمحتاجين والعاجزين والضعفاء(الحكيم،2003: 400) .

  والوقف هو "تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة" ،وإذا تم بشروطه الشرعية خرج المال الموقوف عن ملك الواقف وأصبح مما لا يوهب ولا يورث ولا يباع إلا في موارد معينة يجوز فيها البيع(السيستاني، 2003 :455).

  وهذه العملية  يلتزم بها المسلمون والدولة الإسلامية حيث تتم وفق أحكام الشريعة الإسلامية وتمنح فيه الصلاحيات للواقف أن يضع شروطه الخاصة ويوجه الصرف فيه بالطريقة المناسبة التي يراها (الحكيم،2003: 400)، فقد يوقف المسلم جزءا من ممتلكاته المالية أو العينية أو كلاهما للأنفاق على الفقراء والمساكين أو إنفاقها على وجوه البر المختلفة كبناء المساجد والمدارس والحسينيات والمستشفيات، وهذا الإجراء يوفر للدولة الإسلامية تامين  بعض الحاجات المالية لأفراد المجتمع ،وقد شجع الإسلام الحنيف على هذا العمل الصالح وحث عليه لما يترتب عليه من ثواب عظيم في الآخرة ،فضلا عن أثره الفعال في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمجتمع الإسلامي  مما جعل من عملية وقف الأموال تتم بصورة واسعة  ،وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق(ع) قوله:"ستة تلحق المؤمن بعد وفاته ،ولد يستغفر له ومصحف يخلفه وغرس يغرسه وبئر يحفرها وصدقة يجريها وسنة يؤخذ بها من بعده(من لا يحضره الفقيه،ج4،باب الوقف والصدقة)  ، ،كما قام النبي(ص)بوقف الحيطان السبعة وهي :"الدلال"و"العواف"و"الحسنى"و"الصافية"و"ما ل أُم إبراهيم"و"المنبت"و"برقة"، كما قام الأئمة (ع) من بعده بذلك،فقد روي إن الإمام علي(ع) قد وقف ماله بعد انصرافه من صفين، و جاء في وصية كتبها(ع) بهذا الشأن"هذا ما أمر به عبدالله علي بن أبى طالب في ماله ابتغاء وجه الله ليولِجَه به الجَنَّة ويُعطِيَهُ بِِِِِهِ الأمَنَة،...ويشترط على الذي يجعلُهُ إليه أنْ يترك المال على أُصوله ويُنفق من ثمره حيث أُمِرَ به وهُدِيَ لَهُ ،وانْ لا يَبيع من أولاد نَخْلِ هذه القرى وَدِيَّةً حتى تُشكِلَ أرضُها غِراساً..." (نهج البلاغة،ج3 :22)،كما قامت السيدة فاطمة الزهراء (ع) بوقف أموالها وجعلت الإمام علي عليه السلام ولياً عليها .

والوقف في الشريعة الإسلامية يكون على قسمين(الحكيم،2003: 402):-

1- الأوقاف العامة :وهي الأوقاف التي يكون هدفها خدمة المصالح العامة للمجتمع  الإسلامي ككل ،كالمساجد والمدارس والحسينيات والمكتبات والأراضي والقناطر ونحوها.

2- الأوقاف الخاصة:وهي الوقف المعروف بالوقف(الذري) أي الوقف على الذرية أو العائلة بحيث تختص هذه العائلة بالاستفادة منه،ويصرف في شؤونها الخاصة من سكن أو طعام أو زواج أو تعليم... الخ.   

  ويمكن أن نلاحظ إن الأوقاف تتميز عن الموارد المالية السابقة إنها تخضع لشروط الواقف نفسه،ومن ثم يقوم بصرف أمواله بالطريقة التي يراها مناسبة ،فهنالك مرونة بالصرف وخصوصية في الفائدة،وهذا الأمر قد ساعد وبشكل كبير على دعم الإمكانيات المالية والاقتصادية للدولة الإسلامية وتحسين أوضاعها (الحكيم،2003 : 403) ، ويمكن أن نرى مدى استجابة الأفراد لهذه العملية الإنسانية الإسلامية من خلال العدد الكبير من الأوقاف العامة والخاصة وانتشارها في عموم الدول الإسلامية كالمساجد والمدارس والحسينيات والمكتبات العامة والطرق العامة وغيرها،وسوف نبين محاسبة الاوقاف بشيء من التفصيل في الباب الثالث ان شاء الله تعالى.

الخُمُــــسْ

  الخمس – بضمتين- أو إسكان الثاني- اسم لحق يجب في المال يستحقه من تضمنته الآية الكريمة رقم(41) من سورة الأنفال( السبزواري، 2003: 17) فهو من الفرائض المالية المؤكدة المنصوص عليها في القرآن الكريم،إضافة إلى الكثير من الأحاديث والروايات المروية عن النبي(ص)وأهل البيت عليهم السلام التي تؤكد على أهميته ودوره الكبير في تحسين الأوضاع الاقتصادية للمجتمع الإسلامي،كما تبين بعض هذه الأحاديث اللعن على من يمتنع عن أدائه وعلى من يأكله بغير استحقاق.  

  إن الخمس من أهم التشريعات الإسلامية الاقتصادية في النظرية الإسلامية،وذلك لسعة دائرة الأموال المتعلقة به وأهميتها بحيث يجعله ذلك من أهم موارد الدولة الإسلامية (الحكيم، 2003: 408)، ولسعة الأموال المتعلق بها الخمس وتنوعها،فضلا عن ارتفاع النسبة المئوية  التي يستقطع منها الخمس وهي 20% ، فان ذلك يوفر للدولة الإسلامية مبالغ مالية ضخمة تستطيع من خلالها الإنفاق على الفئات المستحقة للخمس ،ومن ثم تحقيق الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، وهو بذلك يعد أحد أهم روافد النظام الضريبي[7] في الإسلام فيجب الاهتمام به قولا وعملا ، وجلب رضا الله تعالى في تطبيقه وجني ثمراته الطيبة(السبزواري، 2003: 17).

  فالخمس حق مالي فرضه الله عز وجل على عباده في موارد مخصوصة ،فكلفهم بإخراج سهم واحد من كل خمسة أسهم مما يحصلون عليه من تلك الموارد أي ما يساوي 20% من الأصل(بحر العلوم،1989: 34).

أصل تشريع الخمس

  إن أصل تشريع الخمس في القرآن الكريم هو بنص آية الخمس من قوله تعالى:"واعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خُمسَهُ و لِلِرسول ولِذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل "(الأنفال،41)،فهذه الآية وطبقا لرأي فقهاء أهل البيت(ع) وان وردت لسبب خاص إلا إن حكمها عام ،فهم يعتبرون نصفه للإمام ونصفه لذوي القربى من الرسول(ص) ،فضلا عن أن لفظ الخمس في القرآن الكريم لم يرد إلا في ها الموضع فكان مختصا به من غير منازع ،وقد تضمن مجموعة من الأحكام الشرعية التي أهمها وجوب الخمس ،وعموم متعلقه فيشمل مطلق ما يغنم والفائدة ،علاوة على كون الخمي من العبادات (السبزواري،2003: 22)، كما إن هناك آيات أخرى يمكن الاستدلال بها لإثبات وجوب الخمس و الحث على التصدق على ذي القربى وإيتاء حقوقهم منها قوله تعالى:" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب"(الحشر،7) و قوله تعالى:" وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل"(الإسراء،26)أما روايات أهل البيت (ع) بخصوصه فهي عديدة منها ،كتاب النبي (ص) لعبد القيس عندما وفدوا عليه سنة تسع من الهجرة ،فكتب(ص):" بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لعبد القيس وحاشيتها من البحرين وما حولها آمركم بأربع: آمركم بالإيمان بالله،وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا اله إلا الله،وان محمد رسول الله،و إقام الصلاة ،وإيتاء الزكاة ،وتعطوا الخمس من المغنم"(صحيح البخاري،ج1 :22-23،ج2 :131،ج4 :250،ج5 :213)(صحيح مسلمج1 :36) ،ويحمل (المغنم) أو (ما غنم) على مطلق الغنيمة ،إ ذ لم يعرف من هذه القبيلة حرب وهم على ضعف من حيث العدد والعدة السبزواري،2003 : 45)، ومنه أيضا كتابه(ص) إلى أهل اليمن لما قدم وفدهم إليه(ص) ،فكتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن:" بسم الله الرحمن الرحيم هذا بيان من الله ورسوله (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعهود) عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن :أمره بتقوى الله في أمره كله، وأن يأخذ من المغانم خمس الله ، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقي البعل وسقت السماء، ونصف العشر مما سقى الغرب"(الترمذي ج3 :17)، وعن الإمام أبي جعفر(ع):"كل شيء قوتل عليه على شهادة إن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فان لنا خمسه ولا يحق، لأحدٍ أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا"(الكافي،1365هـ .ش[8]،ج1، باب الخمس:545)، كما إن هناك روايات من أهل السنة تؤكد على إن الرسول (ص)اخذ الخمس من غير غنائم الحرب كالركاز (الكنز) أو (الذهب والفضة) أو (المعدن) ،وهذا ما أكده القاضي أبو يوسف في كتاب الخراج حيث ذكر ذلك و أضاف (الغوص)،وروي عن ابن عباس قوله:كان الخمس يقسم على ستة ،لله وللرسول سهمان ،وسهم لأقاربه حتى قبض ،وكان الخمس لذوي القربى تعويضا عن الصدقة كما جاء في  روايات قوية عن الفريقين(تسخيري،2003: 277) ، والمراد من الخمس هنا هو الخمس العام الشامل لجميع المغنم والفوز بالشيء كما يدل على ذلك قول النبي (ص):" وفي الركاز الخمس" ( المغني ، ج2: 616- 622). 

الأموال التي يتعلق بها الخمس 

  يتفق اغلب المسلمون على تعلق الخمس بغنائم الحرب و الركاز(الكنز)، أما المعادن فقد اختلف جمهور المسلمين في تعيين المقصود بالمعادن والتي تفرض عليها الضريبة كما اختلفوا في تحديد نسبة الضريبة المفروضة عليها وهل تكون الخمس أو العشر(السامرائي، 1990: 806)ومع ذلك يرى اغلبهم وجوب الزكاة فيها ولكن بتفصيل فيما بينهم(الحكيم، 2003: 408).

  ولكن إذا رجعنا إلى القران الكريم والسنة النبوية –وطبقا لرأي أهل البيت عليهم السلام- فان الأموال التي يتعلق بها الخمس سبعة أصناف هي(السيستاني، 2003:  253) :-

1.     غنائم الحرب.

2.     المعادن.

3.     الكنز(الركاز في مصطلح الجمهور).

4.     الغوص(وهو ما يستخرج من البحر من الأموال الثمينة كاللؤلؤ والمرجان ).

5.     المال الحلال المختلط بالحرام.

6.     الأرض التي اشتراها الذمي(غير المسلم) من المسلم.

7.     أرباح المكاسب.

قال الشيخ الطوسي(رحمه الله) :"والخمس واجب ٌ في كل مغنم ...والغنائم كل ما استفيد بالحرب من الأموال والسلاح والأثواب والرقيق وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر وكل ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات من المئونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد"(تهذيب الأحكام،1365هـ. ش ،ج4 :121).

مستحق الخمس

 يقسم الخمس بنص آية الخمس على ستة أقسام،يقول الله تعالى :"واعلموا إنما غنمتم فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل"(الأنفال،41)،و توضح هذه الآية المباركة إن هذه الأقسام الستة تنقسم على قسمين هما :الأول،يتمثل في ما أفادته الآية "فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ".والثاني، وهو ما بقي من الأقسام"اليتامى والمساكين وابن السبيل"،ويقول فقهاء الإمامية: إن الأقسام الثلاثة الأولى هي بيد النبي(ص) أو الإمام من بعده ،أما الأقسام الثلاثة الثانية فهي لليتامى والمساكين وابن السبيل من بني هاشم "وقيل بني فاطمة-ع-"اعتمادا على ماورد  في هذا التخصيص من الأخبار التي أفادت بان الله حرم على بني هاشم الصدقة فأبدلهم بالخمس(بحر العلوم ،1989: 35)  ،فعن ابن معاذ قال : قال النبي(ص) :" إنا لا نأكل الصدقة" ( صحيح مسلم، ج3: 117)، كما ورد عن بهزين حكيم عن أبيه عن جده قال : (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتي بشيء سأل أصدقة هي أم هدية ؟ فإن قالوا صدقة لم يأكل وإن قالوا هدية أكل) ( سنن الترمذي، ج2: 83)،و قال الإمام الصادق(ع):"إن الله لا إله إلا هو لما حرَّم علينا الصدقة انزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام والخُمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال"(الفقيه،ج2،باب الخمس،39 )،وقد سُئل الإمام الصادق (ع) عن قوله تعالى "واعلموا إنما غنمتم..." فقال:"خمس الله للإمام وخمس الرسول للإمام وخمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم و أبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم"(وسائل الشيعة ،ج9: 510).

 أهمية الخمس في النظام المالي الإسلامي 

  إن كثرة الأموال التي يتعلق بها الخمس وتنوعها واتساع دائرتها-وهو ما أشرنا إليه قبل قليل- يبين أهمية الخمس و الدور الذي يقوم به في تحسين الأوضاع الاقتصادية للجماعة المؤمنة وتحقيقا للعدالة الاجتماعية في المجتمع الإسلامي،فقد كان ولازال الخمس يمثل أهم مصدر من المصادر المالية في النظام المالي للجماعة الصالحة المؤمنة –على حد تعبير السيد الحكيم(2003: 421)- فهو يعتمد عليه بشكل أساسي في مختلف النفقات العامة والخاصة للجماعة ، وخاصة فيما يتعلق بالشؤون العامة منها،من جهة أخرى فان الخمس يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية فهو عبارة عن صورة من صور التكافل الاجتماعي والذي يريده الإسلام ويحرص على تطبيقه حيث يجعل من الغني والفقير مجموعة واحدة يتحسس البعض منها بما يحيط بالآخر من العوز والحاجة،فالفقير يشعر بهذا العطف من الغني ولابد له يوما ما من أن يقدر له هذه العواطف ليقف إلى جانبه فيما يبتلي به من القضايا التي يحتاج فيها إلى ما يساعده عليها ،وبذلك يكون المجتمع يدا واحدة بغض النظر عن الأفراد والقوميات(بحر العلوم ،1989: 36)، وللخمس أبعادا اقتصادية لا يمكن تجاهلها ، وهي بذلك تشكل دليلا آخر على أهمية الخمس وتزيد من مستوى الاهتمام الإسلامي بأدلته والمحافظة عليه(السبزواري، 2003: 108)، ويذكر لنا  السيد الحكيم (قده) عدة  أبعاد اقتصادية مهمة تتعلق بالخمس منها (الحكيم، 2003: 421):-

1.     الإمكانيات المالية الواسعة التي يوفرها ،حيث انه يشكل نسبة مئوية عالية من مجمل الثروة العامة للمجتمع الإنساني ،مما يجعل تحت يد الإمام –صاحب الخمس- إمكانيات مالية كبيرة جدا يقدم من خلالها خدمة عظيمة للإسلام والمسلمين والأهداف المقدسة ،وبذلك يكون الخمس أكثر أهمية من الصدقات (الزكاة) لارتفاع النسبة المئوية فيه.

2.     المرونة في الخمس ،حيث انه ملكا للإمام (ع) ويختص به فان ذلك يعطيه صلاحيات واسعة في التصرف به ،وسعة في دائرة مصرفه،ومن ثم فان الإمام يتحمل النقص في نفقات السادة من بني هاشم –فالخمس حقا للسادة من ذرية الرسول عوضا عن الزكاة-،كما انه ينفقه في الشؤون العامة عند الزيادة منه،فهذه الصلاحيات تعطي المرونة وفرصة للاستفادة من هذا المال وتوجيهه في مختلف المجالات والمصالح العامة التي يشخصها الإمام أو المرجع الديني النائب عن الإمام.

3.     الأبعاد العقائدية والروحية للخمس، فالخمس هو حق أهل البيت(ع) ومن ثم فان دفعه لهم يعني التعبير عن الاعتقاد  بأحقيتهم و مظلوميتهم كما يعبر عن الولاء والوفاء بالعهد والنصرة لهم بالمال.

4.     البعد التنظيمي للخمس ،من حيث انه يعبر عن مدى ارتباط المسلمين بالولاية والمرجعية من خلال المشاركة المالية في إدارة شؤون الجماعة الصالحة المؤمنة وتغطيتها لمصاريفها العامة ،وفي هذا تعبير عن مدى الانتماء والعضوية للجماعة.

5.     البعد التطبيقي العملي للخمس، فمن خلال دراسة الواقع التاريخي للائمة عليهم السلام وللجماعة الصالحة ،يتبين إن الخمس كان يمثل ولازال المحور الأهم في الموارد المالية التي يعتمد عليها في تغطية المشاريع المختلفة من قبيل؛ إقامة الحوزات العلمية والمدارس الثقافية في مختلف البلاد حيث يكون التدريس فيها مجانا ،دفع نفقات العلماء والمبلغين والإرساليات التعليمية والإرشادية ،دفع نفقات طبع ونشر الكتب الدينية ،وبناء و إدارة المساجد والحسينيات والمراقد للائمة (ع)،أعمال الإغاثة في الحوادث الاستثنائية كالزلازل والسيول والفيضانات وغيرها من الكوارث ،وتقديم بعض الخدمات العامة مثل بناء القناطر وبيوت الضيافة العامة للزوار وغيرها،تغطية نفقات الفقراء والضعفاء والمحتاجين المضطرين سواء أكانوا من  بني هاشم عامة أم من أبناء الرسول(ص) خاصة من سهم السادة أم كانوا من عامة الفقراء والضعفاء والمحتاجين من أبناء الجماعة الصالحة ،وهذا كله يكون بإذن وإشراف المرجع الديني العام.

 التكافل الاجتماعي

  لقد ذكرنا سابقا إن التكافل الاجتماعي هو واجب يفرض فيه الإسلام على المسلم أن يتحمل مسؤولية خاصة تجاه بقية المسلمين الذين عليهم كفالة بعضهم البعض ،  فهو واجب شرعي كسائر الواجبات الشرعية الأخرى التي يحرم مخالفتها ،ويجب على المسلم أداء هذه الفريضة في حدود ظروفه وإمكاناته كما يؤدي سائر فرائضه، ، ويكون للدولة الإسلامية حق إلزام المسلمين وحملهم على القيام بهذا الأمر بمقتضى الصلاحيات المخولة لها،أما المجالات التي يمكن من خلالها تحقيق التكافل الاجتماعي فهي تدور في مجالين رئيسيين(الحكيم، 2003: 437)هما:

1) الصدقات العامة

  لقد حث القرآن في آيات عديدة وموارد كثيرة على البذل والإنفاق إلى الطبقات الضعيفة لإنعاشهم و إبعاد شبح الفقر عنهم كما وقد تعددت الأسباب التي عرض بها هذه الفكرة والطرق التي سلكها لتحبيبها إلى النفوس، فمرة يحث على الإنفاق عن طريق الترغيب والتشويق إليه ومرة ثانية من خلال التأنيب على عدم القيام به ومرة ثالثة من خلال الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق(بحر العلوم ، 1989: 40-41)، وقد ورد في مجال الصدقات العامة عدة نصوص تبين أهميتها والآثار المترتبة عليها ،منها  قوله تعالى :" وآتوا حقه يوم حصاده" وقد ورد في تفسير هذه الآية إنه يجب دفع مقدار من أموال الغلات عند حصادها قبل خرصها غير النسبة المئوية المرتبطة بالزكاة،وفي قوله تعالى:" وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" تأكيد على إن هذا الحق واجب مالي غير الزكاة ولكن تُرك تعيينه إلى صاحب المال يخرجه حسب وقت ومقدار معلومين يشخصه صاحب المال نفسه(الحكيم، 2003: 428)،كذلك قوله تعالى:"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"،"والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم يوم يحمى عليهم في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم فذوقوا ما كنتم تكنزون"، وعن النبي(ص) قال:" على كل مسلم صدقة قيل أرأيت إن لم يجد قال يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قال قيل أرأيت إن لم يستطع قال يعين ذا الحاجة الملهوف قال أرأيت إن لم يستطع قال يأمر بالمعروف أو الخير قال أرأيت إن لم يفعل قال يمسك عن الشر فإنه صدقة"( صحيح مسلم، ج3: 83)وعن الصادق(ع)انه قال: قال رسول الله(ص):" الصدقة تدفع ميتة السوء"، وعن الصادق(ع) أيضا قال:" ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا إلا أحسن الله الخلافة على ولده من بعده" (وسائل الشيعة ،ج9،أبواب الصدقة،367) فالقيام بحقوق المحتاجين يعد مبدأً مهما في فلسفة الإسلام المالية حتى اعتبره بعض الفقهاء حق لازم كالأجر الذي يتقاضاه الأجير في نهاية عمله ،فهو واجب في عنق الدولة وفي عنق الأغنياء على حد سواء،كما جاء أيضا في قوله تعالى:"وآتِ ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا"(الإسراء،26) وبهذا غرس القران الكريم في روع المسلم وفي وجدانه وفي ضمائر القادة والحكام إن للفقير حقه المحتوم في مال الغني وفي مال الدولة ويجب عليهما أداؤه (عفيفي،1980: 119).

   إن التأكيد على أهمية الصدقات العامة ووجوبها في رأي بعض الفقهاء ما هو إلا تأكيد على الدور الذي تقوم به في إرساء جانب التكافل والتضامن الاجتماعي بين عموم أفراد المجتمع الإسلامي ، من جهة أخرى فان وجوب هذا النوع من النفقات هو وجوب يضعه ولي الأمر(الحاكم الشرعي) ضمن الصلاحيات والمسؤوليات العامة التي يتحملها تجاه المجتمع والمصالح التي يشخصها لتحقيق الضمان الاجتماعي للفقراء(الحكيم، 2003: 429) ،وهو يدخل كما أشرنا من قبل في منطقة الفراغ في الاقتصاد الإسلامي التي تخضع لإشراف ولي الأمر وتدخله لحماية المصالح العامة للمجتمع الإسلامي.

2) حقوق المؤمنين

  أما المجال الثاني الذي يقع فيه التكافل أو التضامن الاجتماعي فهو من خلال مساعدة المؤمن لإخوانه المؤمنين وتحمله مجموعة من الواجبات والمسؤوليات تجاههم باعتباره أحد أعضاء الجماعة المؤمنة الصالحة،ومن أنواع المساعدة التي يمكن أن يقدمها المؤمن لأخيه المؤمن هي المساعدة المالية فمن واجب المؤمن الإنفاق على أخيه المؤمن وسد حاجاته ،وقد اعتبر الإسلام هذا العمل من الواجبات الحقيقية الواقعية التي يجب أن يتحملها الإنسان المؤمن ضمن الواجبات والحقوق الأخرى ، فعن الإمام الصادق(ع) انه قال:"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاقد على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين مغتمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله(ص)"(وسائل الشيعة ،ج2 :542 )،ويجوز للمؤمن أن يشكي حاجته إلى أخيه المؤمن خاصة وإعلام إخوانه المؤمنين بالضيق عند الضرورة ،فعن الصادق(ع) انه قال:"إذا ضاق احكم فليعلم أخاه ولا يُعين على نفسه"، وعن أمير المؤمنين(ع) قال:"من شكا الحاجة إلى مؤمن فكأنما شكاها إلى الله ومن شكاها إلى كافر فكأنما شكا الله" (وسائل الشيعة ،ج2 :447)،وفي هذا تأكيد على واجب المؤمن ومسئوليته تجاه أخيه المؤمن.

   من جانب آخر ،فضلا عن كون مساعدة الأخوان يمثل صفة أخلاقية تكاملية في شخصية الإنسان المؤمن، فانه يعتبر أيضا من الواجبات الخاصة التي يجب الالتزام بها لإحكام النظام التنظيمي للجماعة المؤمنة وتقوية العلاقات العامة بينها(الحكيم، 2003: 431) .

 

 

الواردات المالية الأخرى

فضلا عن ما سبق فان هنالك واردات مالية أخرى تدخل الخزينة العامة للدولة منها :-

1.  الضرائب المالية التي يفرضها ولي الأمر على مختلف المرافق الحياتية مثل؛العشور والمكوس التي تتقاضاها الدولة على السلع الواردة والضرائب المفروضة على الصناعات والزراعة والضرائب التي تتقاضاها الدولة نتيجة المخالفات (الغرامات).

2.     واردات الهبات الشعبية للدولة أو الوصايا لها .

3.     الأموال التي ليس لها مستحق (لم يتعين مالكها) ،والأموال التي ليس لها وارث.

4.  الواردات المالية للأنشطة الاقتصادية التي تقوم بها الدولة نفسها في السوق بعنوان القطاع العام، فيمكن للدولة أن تتملك بعض وسائل الإنتاج تبعا لمصلحة المجتمع الإسلامي، أو أن تقوم بإحياء الأراضي واستغلالها لحساب بيت المال مباشرة.

5.  بعض الواجبات المالية المفروضة على الأفراد كالكفارات ،فهي تشكل موردا ماليا لا يستهان به إن طبقت أحكام الشريعة بحق .

 مواضع صرف الواردات المالية

  تمثل النفقات الجانب الآخر للموازنة العامة للدولة ، وكما أشرنا سابقا فان القران الكريم والسنة النبوية المطهرة قد حددا اغلب مواضع الأنفاق وبصورة قاطعة،كمواضع صرف الزكاة والخمس والخراج والأوقاف...الخ، أما المواضع الأخرى التي لم يتم تحديدها فقد تركت لولي الأمر ينظر فيها طبقا لصلاحيته والمصلحة العامة للمسلمين،أما أنواع النفقات التي كانت سائدة في الدولة الإسلامية فهي تنحصر بالآتي:

1.           مخصصات رئيس الدولة

2.           رواتب وعطاءات العمال

3.           عطاء الجند

4.           شراء المعدات الحربية

5.           النفقة على المسجونين   وأسرى المشركين من مأكل ومشرب وملبس ودفن من يموت منهم.

6.           العطايا والمنح للأدباء والعلماء

7.           حفر الترع للزراعة وغيرها،وكري الأنهار وإصلاح مجاريها

8.           الأعطيات ،وهي بمصطلحنا الحالي الرعاية الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي

9.     نفقات عامة أخرى تصلح شؤون الناس وتقوم بتنمية الموارد الاقتصادية وتسد احتياجاتهم في قطاعات مختلفة كالصناعة والنقل والمواصلات والخدمات الصحية والتعليم والإرشاد والثقافة والدفاع والأمن والعدالة والإنشاء والتشييد والخدمات الاجتماعية.

  يتضح مما سبق إن النظام المالي الإسلامي بقسميه-الواردات والنفقات- يمثل جانب مهم في الاقتصاد الإسلامي ويؤدي دورا أساسيا في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية ،والقيام بهذا الدور الحيوي والأساسي في المجتمع يتطلب وجود نظام محاسبي متقن  يضمن حماية هذه المبالغ المالية الضخمة وصيانتها وكذلك يضمن صرفها في المواضع المخصصة لها ويكون ذلك بتنظيم تسجيل جباية الواردات وصرف النفقات  و إعداد الموازنات العامة الخاصة بالدولة الإسلامية وطبقا للمبادئ والأسس والمعايير التي يقوم عليها الإسلام المتمثلة بالمذهب الاقتصادي الإسلامي الذي يتفرع عنه النظام المالي والمحاسبي الإسلامي ،وبالتالي نضمن تحقيق الأهداف والمصالح العليا للمجتمع الإسلامي وبالصورة التي يريدها الإسلام الحنيف ويسعى إليها.



[1] نقلا عن (الخراساني، 1413هـ: 413).

[2] مسحوبة من الانترنت ،وقمنا بترجمة النص"الباحثان".

[3]  نقلا عن ( أحمد علي، 1969: 269).

[4] قسم الفقهاء الأموال المزكاة إلى قسمين ظاهرة وباطنه ، فالظاهرة ما لا يمكن إخفاؤه كالزروع والثمار والمواشي والمعادن وما يمر به على العاشر،والباطنة ما يمكن إخفاؤه كالذهب والفضة والركاز وعروض التجارة ،وقالوا إن للإمام حق تحصيل زكاة الأموال الظاهرة وأما الباطنة فهي موكولة إلى أصحابها يخرجون زكاتها ومع ذلك جوزوا دفعها إلى الإمام(أحمد علي، 1969 : 370).

 

[5] نقلا عن (أحمد علي ، 1969 : 380).

[6] لمزيد من التفاصيل راجع كتاب الخراجيات،تأليف"المحققان الكركي والاردبيلي".

[7] يمثل الخمس والزكاة ضريبتان من الضرائب الإسلامية المفروضة شرعا، والضريبة هي وظيفة مفروضة من قبل الحاكم أو الدولة على الأفراد لجهة من الجهات ( السبزواري، 2003: 19).

 

 [8] يقصد به التقويم الهجري الشمسي .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57945
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28