• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : بابيلون ح10 .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

بابيلون ح10

كان يجلس في خيمته مهموما مغموما لما جرى للثوار في كلا المحورين , لم يكلم احدا , ولم يسمح لاحد ان يدخل عليه ويقطع خلوته , عندما ضج الثوار لاقتراب وحش طائر , يحمل راية بيضاء , هبط قبالة المعسكر , ترجل منه جنديا واحدا فقط , يحمل راية بيضاء , تقدم نحو الثوار معرفا عن نفسه :

-         احمل رسالة من الوزير خنياس الى ينامي ! .   

تقدم نحوه احد الثوار وقال له :

-         ها قد وصلت ... اعطني الرسالة وانصرف .

-         كلا ... الرسالة اسلمها بنفسي لينامي فقط ! .

التزم موقفه بإصرار وعناد , حتى قرر احد الثوار ابلاغ ينامي الحكيم لمعرفة رأيه بالموضوع , دخل عليه احدهم  :

-         عذرا سيدي ... جاء رجل يقول انه يحمل رسالة من خنياس لكم ... اصر ان لا يسلمها الى اليكم .  

حاول ينامي الحكيم لملمة نفسه التائه , وقال :

-         اجلبوه ... لنرى ما عنده ! .

دخل الرسول باحترام بالغ , أدى التحية , فتح صندوقا كان يحمله , ضغط زرا فيه , فظهرت معارك المحورين , بالصوت والصورة ,  بهت الحاضرين لما شاهدوا ذلك , بينما حاول ينامي الحكيم النهوض , ليقترب من ذلك الصندوق ليشاهد بشكل اوضح , تعثر وحبا على الارض , لم يتمكن ان يمسك دموعه , فانفجر باكيا من هول ما رأى .

في نهاية المطاف , ظهرت صورة خنياس ذو العيون الخمسة , يتحدث بقوة  عارضا عليه الاستسلام او الموت او التفاوض , وفي حالة اختار التفاوض , فأنه سيرسل القائد خنكيل , فوجمّ ينامي الحكيم لسماعه بالقائد خنكيل , صديقه القديم , فقال :

-         صديقي خنكيل الوحشي الطيب ! .

اثناء ذلك , اغلق الرسول الصندوق , وقال :

-         ما جوابكم ... سيدي ؟ .

رد عليه ينامي الحكيم :

-         دع هذا الصندوق هنا ... وسنجيبكم خلال يومين فقط ! .

-         حسنا ... سأعود لكم بعد يومين لسماع ردكم ونقله الى الوزير خنياس ! .

ترك الرسول صندوقه وغادر الخيمة , التفت ينامي الحكيم الى قادة الثوار حوله , طالبا مشورتهم :

-         أرأيتم ما حدث ... بما تشيرون ؟ .

-         نخشى ان نشير بالأمر الخاطئ ! .

-         قد تكون مشورتنا في غير محلها ! .  

كان احدهم مستغرقا في تفكير عميق , فتكلم :

-         سيدي ينامي الحكيم ... لم لا تستشير ( هو ) ؟ .

استحسن الجميع الفكرة , ايدوها , وطلبوا منه ان يفاتح ( هو ) بالموضوع , فقال ينامي الحكيم :

-         حسنا ... سوف اذهب اليه الليلة ! .

                        ***************************

حالما ارخى الليل سدوله , تخفى ينامي الحكيم عن الجميع , يجب ان لا يراه او يعرفه احد , فيتبعه , الى مكان ( هو ) السري , حيث لا احد يعلم به سواه , قد ائتمنه على هذا السر , ابتعد عن المعسكر , سلك طريقا صحراويا , فجأة توقف , خشية ان يكون هناك من يتبعه , او لعل هناك وحشا طائر في الافق , يجب ان يتأكد جيدا , عدة مرات , قبل ان يكمل طريقه , حتى وصل الى الجبل , تأكد لأخر مرة ان لا احد يتعقبه وتأكد من عدم وجود وحوشا طائرة , فبدأ بتسلق الجبل , كان منهكا عند بلوغه القمة , جلس لأخذ قسطا من الراحة , ثم انطلق نحوه , كان جالسا جلسة تأمل , سيفه ممدودا امامه , جلس ينامي الحكيم خلفه , من غير ان ينبس ببنت شفة , ما كان لسيبقه بالكلام , انتظر حتى يفاتحه , لم يدم ذلك طويلا , التفت اليه , قائلا :

-         ينامي ... الرجل الطيب ... اقبل التفاوض ... ووافق على شروط الهدنة ... الثوار بحاجة ماسة الى التدريب والسلاح ... استغلوا الوقت لتدريب الشباب وصناعة اكبر قدر ممكن من السلاح ... وبالذات قاذفات اللهب ... لا تضيعوا ولا دقيقة واحدة .

-         سيدي ... كأنك تعلم ما جرى ! .

-         نعم ... انا على اطلاع على مجريات الامور لحظة بلحظة .

-         سوف ابلغهم بذلك .

بينما كان ينامي الحكيم يروم المغادرة , سمع صوته ناصحا :

-         لا تعد من نفس الطريق ... بل اسلك طريقا اخر للعودة ! .

-         حسنا .     

اقفل ينامي الحكيم عائدا الى المعسكر , من طريق مختلف هذه المرة , وصل قبل الشروق بقليل , لم يشعر احد بغيابه , ولم يتعرف عليه احد .

كان الجميع ينتظر عودة رسول خنياس , حتى ان ينامي الحكيم خرج ينتظره بنفسه , عندما لاح الوحش الطائر للجميع في افاق السماء , هذه المرة هبط في منتصف المعسكر , القى التحية على ينامي الحكيم بأدب واحترام :

-         جئت حسب الموعد ... سيدي ! .

-         اهلا بكم ... بلغ الوزير خنياس اننا مستعدون للتفاوض .

-         حسنا ... سيأتي الوفد بعد يومين او ثلاثة ايام ... بزعامة القائد خنكيل ! .

-         سأنتظر مجيئهم ! .    

انطلق الوحش الطائر مبتعدا نحو مدينة الاسوار , تشيعه انظار الثوار , الذين اعتبروا ذلك ايذانا بالنصر , وقياما لدولتهم الجديدة , الدولة التي ما كانت لتكون لولا جهودهم وتضحياتهم .

                          ***********************

كان خنياس ينتظر وصول القائد خنكيل , الذي كان من خيار قادة الامبراطورية , الا انه كان يرفض سياستها العدوانية , ويرفض سفك الدماء , كان يميل الى تحقيق السلام في ارجاء المعمورة , لذا قرر الامبراطور تنصيبه حاكما في مدينة قرب مدينة الاسوار , وان لا يتدخل بسياسات الامبراطورية وتحركات جيوشها , اضطر الى قبول ذلك على مضض , لكن قلبه كان يتفطر لما يقتل من البشر او يزج منهم بالسجون وميادين الاستعباد , يسخرون فيها للعمل كثيران المحاريث , اثناء ذلك دخل احد الجنود معلنا عن وصوله , وأذن الوزير خنياس له بالدخول :

-         فليدخل ! .

دخل القائد خنكيل بهيبة ووقار , ضخم الجثة , طويل القامة , بادية عليه علامات الشيخوخة , فاشتعلت بعض جوانب رأسه بالشعر الابيض , تقدمه بالسن لم يحجب علامات القوة الظاهرة على وجهه , نهض جميع الضباط , وقفوا في صفين على جانبي الوزير خنياس انحنى امامه , توسط الحاضرين قائلا :

-         سيدي ... الوزير خنياس ! .

-         اهلا بالضابط الكبير والقائد المغوار خنكيل ... طيلة فترة وجودي هنا لم تأت لزيارتنا ولم تحضر في حفلاتنا ... لهذه الدرجة تكرهنا ... ام انك تكرهنا فيك ؟ ! .

-         سيدي الوزير ... لا هذا ولا ذاك ... انتم تعلمون جيدا اسباب اعراضي عنكم وعن قيادات جيوش الامبراطورية .

-         انك تحابي البشر كثيرا ... تعترض على قتلهم حتى وان اساؤوا ... بل تعترض حتى على تعذيبهم وزجهم بالسجون .

-         سيدي الوزير ... البشر هم اصحاب هذا الكوكب الشرعيين ... لهم الحق ان يعيشوا فيه بسلام ... بحرية وامان ... ونحن الغرباء استخدمناهم ... استعبدناهم ... اذللناهم قتلناهم شردناهم ... الخ ...  كما اني  لا اعترض على ظلم البشر فقط ... بل اعترض على قتل وابادة كافة المخلوقات الحية في هذا الكوكب الجميل .

-         دعنا من كل ذلك ... اتريد ان تلقي علينا محاضرة في حقوق الحيوان ... طلبنا حضورك لأمر هام ... يتعلق بحقن الدماء ... لا يصلح له الا انت ! .

-         أرأيتم سيدي الوزير ... ان كان الموضوع يتعلق بحقن الدماء وايقاف نزيفها ارسلتم في طلبي ... اما في الامور الاخرى ... فتعتمدون على ضباطا اخرين .    

قالها وهو يشير الى الضباط الواقفين حوله , ثم اردف قائلا :

-         لأنكم لا تجيدون سوى سفك الدماء ! .

-         خنكيل صاحب القلب الطيب ... دعك من كل هذا واخبرني ... هل ستقبل المهمة ؟ ... انت تعلم اني لا استطيع اجبارك على ما لا تريد فعله .

-         سيدي الوزير ... وانتم تعلمون جيدا اني لا ارفض مثل هذه المهام ! .

اعرب خنياس عن فرحه لسماع الموافقة وكذلك الضباط الحاضرين , عدا شيلخوب الذي ملأ غيرة وحسدا للقائد خنكيل , وهو يشاهد التعامل معه بهذه الطريقة , فاقترب منه وقال :

-         ومن يستطيع ان يرفض اوامر الامبراطورية ؟ ! .  

التفت اليه القائد خنكيل , رمقه بنظرات حادة , وجهها الى عينيه مباشرة , اقترب منه كثيرا , ضربه بصدره الواسع , فاضطر شيلخوب للتراجع الى الوراء قليلا , وقال القائد خنكيل بصوت يملئه الغضب :

-         لا احد يجبرني على فعل ما لا اريده ... حتى وان كان الامبراطور نفسه ... افهمت ! .

جفل شيلخوب في مكانه , مستغربا من هذه النبرة مع قائدا من قوات الحرس الامبراطوري , لكنه تمالك نفسه ليقول :

-         ستعاقب بالموت ! .

-         افضل الموت على ان اسفك دماء الابرياء ... دمي مقابل دمهم ! .

ثم امسك به من طرفيه , وكأنه يحاول رفعه , فقال شيلخوب بخوف واضطراب :

-         يا لك من معتوه كبير الحجم ! .

تدخل الوزير خنياس لإيقاف القائد خنكيل مما اراد ان يفعله بشيلخوب , قائلا :

-         ايها القائد خنكيل ... دعك منه ... ولنشرع بمهمتنا حقنا لمزيد من الدماء ! .

تركه واقبل على كرسي الوزير خنياس قائلا :

-         حسنا ! .

تولى احد الضباط شرح تفاصيل المهمة للقائد خنكيل , الذي كان يستمع بانتباه شديد , حالما انهى الضابط كلامه , التفت نحو الوزير خنياس سائلا اياه :

-         هل انتم صادقون في ذلك ... ام انها خطة لكسب الوقت او ما شابه ؟ .

نهض الوزير خنياس من كرسيه , متوجها نحوه , ربت على كتفيه قائلا مؤكدا :

-         نحن صادقون في ذلك ! .

-         اذا ... متى سوف اذهب لمقابلة ينامي الحكيم ؟ .

-         غدا ... ان احببت ! .

-         حسنا ... غدا سوف اذهب لمقابلته .

قهقه الوزير خنياس بصوت مرتفع قائلا :

-         يبدو انك مشتاق كثيرا لرؤية صديقك القديم ينامي ! .

-         نعم هذا من جهة ... ومن جهة اخرى اود ان اكون السبب في ايقاف هذا النزيف الذي قد يستمر ولا يتوقف .

                           **************************** يتبع




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57835
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 02 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28