• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : آصالة النظام المحاسبي الاسلامي لمعايير المحاسبة الحكومية الامريكية .
                          • الكاتب : د . رزاق مخور الغراوي .

آصالة النظام المحاسبي الاسلامي لمعايير المحاسبة الحكومية الامريكية

     سيتم في هذا الجزء من الدراسة وهي الثانية بعد الدراسة التي بحثناها في الجزء الاول والخاصة بالمعايير المحاسبية الحكومية الدولية،وسنحاول في هذه الدراسة الوصول الى اصالة المعايير الامريكية وهي  محاولة لتأصيل المعايير المحاسبية الحكومية الأمريكية على وفق النظام المحاسبي الإسلامي ،وتم اختيار المعايير الصادرة عن GASB لغرض تفحصها وتحليلها وبحث مدى أصالتها وإمكانية وجود أسس لها وجذور في التشريع الإسلامي .
1) معيار الأموال المخصصة(الاعتمادات المخصصة)
   أوضح أل GASB في معياره الثاني إن النظم المحاسبية الحكومية يجب أن تصمم على أساس المال (Fund base) الذي عرف بأنه عبارة عن وحدة مالية ومحاسبية ،تحوي على مجموعة من الحسابات المتوازنة ذاتيا لتسجيل النقدية والموارد المالية الأخرى والالتزامات المرتبطة بها والرصيد المتبقي وما يطرأ على ذلك من تغييرات على أن يخصص هذا المال لإنجاز أنشطة محددة وتحقيق أهداف معينة طبقا لتشريعات أو قيود خاصة.
   وقد اقر التشريع الإسلامي بقاعدة الأموال المخصصة قبل GASB  بعدة قرون،فقد طبقت قاعدة التخصيص تطبيقا دقيقا لمعظم الإيرادات العامة للدولة كالزكاة والخمس والصدقات والنذور والكفارات ،فالقاعدة الأساسية لهذه الموارد هي تخصيصها لأنواع معينة من الأنشطة والمصارف لا ينبغي التجاوز عنها،وحددت تحديدا قاطعا وواضحا في القران الكريم.وقد ظهرت نظرية الأموال المخصصة في النشاط الحكومي لتفسير مفهوم الوحدة المحاسبية في بيت المال ،والذي كان يمثل في ذلك الوقت قلب النشاط المالي للدولة الإسلامية ،فيجتمع فيه سائر الإيرادات وتنفق منه نفقات الدولة كافة ،ومن خلاله يتم التخطيط لإعداد الموازنة(الابجي،1990: 1179).
التخصيص المالي في النظام الإسلامي
  يمكن ملاحظة فكرة التخصيص المالي في النظام الإسلامي من مصادر التشريع الإسلامي وكآلاتي:-.
•        القران الكريم
  لقد حددت الآية الستون من سورة التوبة وبصورة قاطعة مواضع صرف موارد الزكاة ،يقول الله تعالى في هذه الآية المباركة:" إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"، فقد دلت الآية على أن مصرف الزكاة يقسم على ثمانية أصناف هي(السيستاني، 2003: 243-245):
1.     الفقراء، والمراد بالفقير من لا يملك مئونة سنته اللائقة بحاله لنفسه وعائلته لا بالفعل ولا بالقوة.
2.     المساكين، والمسكين أسوأ حالا من الفقير كمن لا يملك قوته اليومي.
3.  العاملون عليها،أي المكلفين بجبايتها وجمعها المعينون من قبل النبي (ص) أو الإمام (ع) أو الحاكم الشرعي أو نائبه.
4.  المؤلفة قلوبهم ، وهم طائفة من الكفار يتمايلون إلى الإسلام أو يعاونون المسلمين بإعطائهم الزكاة ،أو يؤمن بذلك من شرهم وفتنتهم .
5.     العبيد، فإنهم يعتقون من أموال الزكاة.
6.     الغارمون، أي من كان عليه دين وعجز عن أدائه جاز أداء دينه من الزكاة .
7.  سبيل الله، ويقصد به المصالح العامة للمسلمين ،كتعبيد الطرق وبناء الجسور والمستشفيات ،وملاجئ للفقراء والمساجد والمدارس الدينية ونشر الكتب الإسلامية المفيدة وغيرها.
8.  ابن السبيل، وهو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته ولا يتمكن معه من الرجوع إلى بلده وان كان غنيا فيه. 
  ويتضح من الآية الكريمة  إن تخصيص موارد الزكاة يكون على موضعين رئيسين ، الأول يختص بتملك هذه الموارد ،والثاني يختص بصرف الموارد عليه، وعليه  فان الموارد المالية للدولة الإسلامية تكون على نحوين (الآصفي،1973 :60):
•   نفقات عامة تبذل على أشخاص حقيقيين يملكونها (التمليك)، وهي النفقات الشخصية التي تبذل لأشخاص من فئات معينة ومحددة ،هم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم .
•         نفقات عامة تصرف على جهات ومرافق اجتماعية تختص بها من دون أن تملكها (الصرف والاختصاص) ، فمصرف الزكاة لا يقتصر على الأشخاص بل يشمل الجهات العامة والمرافق الاجتماعية التي تخدم المصلحة العامة من الجهات المذكورة في الآية المباركة " وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله"، كالمال الذي يصرف من بيت المال في إقامة الجسور والسدود ومشاريع الري والمدارس والمستشفيات العامة وغير ذلك من المرافق والمؤسسات الاجتماعية. 
   أما فيما يتعلق بمصرف الخمس فقد خصصت موارده أيضا لتصرف في مواضع معينة كما جاء في آية الخمس وهي الآية 41 من سورة الأنفال :" واعلموا إنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" ، فالآية تدل على تشريع فريضة الخمس في الغنائم ،فهي تشتمل على الأمر بتخميس الغنائم،والغنيمة والغنم بضم الغين وتسكين النون إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب(الطباطبائي،1397هـ.ق :89)،وقد ذهب الفقهاء في رسائلهم العملية باب الخمس، إلى تقسيم الخمس إلى نصفين ، نصف للإمام (ع) خاصة ويسمى (سهم الإمام) ونصف للأيتام الفقراء من الهاشميين والمساكين و أبناء السبيل منهم ويسمى(سهم السادة) ،ويقصد بالهاشمي من ينتسب إلى هاشم جد النبي الأكرم(ص) من جهة الأب ، وينبغي تقديم الفاطميين على غيرهم (السيستاني، 2003: 266).
كما إن هذين النصفين يقسم كل واحد منهم على ثلاثة سهام وكالآتي:
1.  سهم الإمام يقسم: أ)سهم منه لله ، ب) سهم منه للرسول، ج) سهم منه لولاة الأمر بعد الرسول(ذو القربى).
2.  سهم السادة يقسم: أ)سهم لليتامى من بني هاشم،  ب) سهم للمساكين منهم،       ج) سهم لأبناء السبيل منهم.
    إن السهام الثلاثة الأولى تعود إلى ولي الأمر وليس لعامة الناس ،وإنما هي من أموال الدولة الخاصة، ينفقها ولي الأمر على المصالح والمرافق الاجتماعية وحاجات الحكومة الخاصة بالشكل الذي يرتئيه الحاكم الشرعي الأعلى للدولة الإسلامية، أما السهام الثلاثة الأخرى فهي تعود لأشخاص الفقراء من بني هاشم حيث خصص لهم هذا الجزء من الخمس لعدم استحقاقهم شيئا من زكاة الآخرين - كما هو معروف شرعا- فجعل الله ذلك لهم عوضا عن الزكاة(الآصفي،173: 75-76). 
أما فيما يتعلق بالكفارات فهي على أربعة أقسام (الإيرواني،2002 :525):
•   كفارة مرتبة ، مثل كفارة القتل الخطأ والظهار فهي كفارة مرتبة ،فيجب فيها العتق ،وعلى تقدير العجز يجب صوم شهرين متتابعين ،وعلى تقدير العجز عن ذلك أيضا يجب إطعام ستين مسكينا.كما في قوله تعالى :" وما كان لمؤمن إن يقتل مؤمنا إلا خطئا ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ... فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين  توبة من الله"( النساء، 92) "والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة ... فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ... فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا"           ( المجادلة،3-4).
•        كفارة مخيرة، مثل كفارة الإفطار في شهر رمضان أو مخالفة العهد  فهي مخيرة بين الأمور الثلاثة المتقدمة.
•   كفارة يجتمع فيها  الترتيب والتخيير،مثل كفارة اليمين والنذر كما في قوله تعالى:" لا  يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام"(المائدة،89).
•   كفارة جمع ،مثل كفارة قتل المؤمن عمدا فهنا يلزم الجمع بين العتق والصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا .
•        السنة النبوية 
  هنالك الكثير من الروايات التي وردت عن النبي (ص) و أهل بيته حول تخصيص مصرف بعض الموارد المالية للدولة الإسلامية كالزكاة والخمس نكتفي منها بالأحاديث الآتية:
•       عن ابن عباس قال : قال النبي(ص) لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن :" فان أجابوك فأعلمهم أن عليهم الصدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم"      ( الأم للشافعي،ج2: 77).
•       نقلا من تفسير النعماني بإسناده الآتي عن علي(ع) في بيان أسباب معايش الخلق قال:"وأما وجه الصدقات فإنما هي لأقوام ليس لهم في الإمارة نصيب ولا في العمارة حظ ولا في التجارة مال ولا في الإجارة معرفة وقدرة ففرض الله في أموال الأغنياء ما بقوتهم ويقوم به أودهم ، إلى إن قال ،ثم بين سبحانه لمن هذه الصدقات فقال( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ...) فأعلمنا إن رسول الله (ص) لم يضع شيئا من الفرائض ألا في مواضعها بأمر الله"(وسائل الشيعة،ج9: 213).
•       محمد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبدالله... عن آبي عبدالله (ع) انه سأل عن قول الله عز وجل "واعلموا إنما غنمتم ..." فقال:" وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه واليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم ،وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل "(وسائل الشيعة، ج9 : 511).
•       عن ربعي بن عبدالله بن الجارود عن أبي عبدالله (ع) قال :" كان رسول الله (ص) إذا أتاه المغنم اخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين و أبناء السبيل يعطي كل واحد منهم حقا وكذلك الإمام اخذ كما اخذ الرسول (ص)"( وسائل الشيعة، ج9 : 511).
•       وفي كنز العمال ورد أنه "لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة : في سبيل الله، أو ابن السبيل،أو جار فقير يتصدق عليه فيهدي لك أو يدعوك" (نقلا عن الخراساني، 1413: 101).
•       قال الشافعي(رحمه الله):" ‘إذا كان الزرعان وحصادهما معا في سنة واحدة فهما كالزرع الواحد ، وإن كان بذر أحدهما قبل السنة وحصاد الآخر متأخر عن السنة فهما زرعان لا يضمان ولا يضم زرع سنة إلى زرع سنة غيرها(الخراساني، 1413: 446).ويبين لنا هذا القول تخصيص موارد كل سنة وعدم دمجها .
  وبذلك يتضح لنا إن الاقتصاد الإسلامي هو أول من وضع أساس نظرية الأموال المخصصة فقد حددت مصادر الشريعة الإسلامية موارد الدولة الإسلامية وكيفية صرفها وتوزيعها في مواضع مخصصة ومحددة لا ينبغي التجاوز في اغلبها. 
2) معيار أنواع (تعدد)الأموال
   طبقا لGASB فقد قسمت الأموال التي تسيطر عليها الحكومة إلى ثمانية أموال ،صنفت في ثلاثة مجاميع هي إجمالا-لقد ذكرت تفاصيلها سابقا-:
1. الأموال الحكومية وهي على خمسة أقسام:
‌أ-       المال العام
‌ب-  أموال الإيراد الخاص
‌ج-    أموال المشاريع الرأسمالية
‌د-      أموال خدمة الدين العام
‌ه-       أموال التحسينات الخاصة
2.  أموال الملكية وهي تنقسم على:
a.  أموال المشاريع العامة
b. أموال الخدمة الداخلية
3.     أموال الأمانة  
وفي التشريع الإسلامي فان هنالك تقسيما للأموال حسب مصادرها ومواضع صرفها أيضا ،بحيث تعد لكل نوع من هذه الأموال سجلات وقوائم وموازنات مستقلة تختص بكل نوع منها،  ويمكن أن تقسم الموارد المالية للدولة الإسلامية على خمسة أقسام(الآصفي،1973: 19)هي:
•        الأموال التي ترد الحكومة عن طريق الضرائب
•        الأموال التي ترد الحكومة عن طريق العقارات
•        الأموال التي ترد الحكومة عن طريق قيامها بنشاطات اقتصادية
•        الأموال التي ترد الحكومة عن طريق القروض
•        الأموال التي ترد الحكومة عن طريق ولايتها العامة على المواطنين  
وفيما يلي شرح مفصل لهذه الأموال،طبقا لمصادر التشريع الإسلامي.
أنواع الأموال العامة في القران والسنة النبوية
القسم الأول:الضرائب المالية 
  تعتبر الضرائب في أي دولة المصدر الأول و الرئيس للإيرادات العامة لها ،وهي تشكل موارد مالية ضخمة للدولة الإسلامية ،الأمر الذي يستدعي وجود نظام متقن للمحاسبة عن هذه الأموال من حيث تنظيم جبايتها وتحصيلها من المكلفين بها ومن ثم تنظيم صرفها وتوزيعها في الموارد المقررة لها شرعا.   
  وفضلا عن كون الضرائب المالية تشكل مبالغ مالية ضخمة لميزانية الدولة الإسلامية فإنها من جانب آخر أداة مهمة يستخدمها التشريع الإسلامي في مجال إعادة توزيع الثروات وتداولها بين أفراد المجتمع الإسلامي بما يحقق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للدولة الإسلامية ، يقول الله تعالى :" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"( الحشر، 8)، فالتشريع الضريبي في الإسلام يؤدي دورا مزدوجا في حياة الأمة فهو من جانب يؤدي إلى توفير المال الكافي لحاجات الفئات الفقيرة في المجتمع و إدارة المرافق الاجتماعية ومن جانب آخر يهدف إلى القضاء على التورم المالي (التضخم المالي) في طبقات أخرى من المجتمع(الآصفي،1973: 22)، وتعتبر الزكاة والخمس والجزية أهم مصادر الضرائب المالية في الإسلام وقد تحدثنا عنها مفصلا في الفصل السابق باعتبارها أهم مصادر الأموال في النظام المالي الإسلامي.
وتنقسم الضرائب المالية في الإسلام على ثلاثة أقسام هي (الآصفي،1973 :24):
أولا:الضرائب المالية المحددة التي تتعلق بالثروات.
ثانيا:الضرائب المالية المحددة التي تتعلق برؤوس الأشخاص بغض النظر عن نوع الثروة وكمية الثروة التي يملكها أولئك.
ثالثا:الضرائب المالية غير المحددة.
أولا: الضرائب المالية المحددة التي تتعلق بالثروات 
     وهي تشكل القسم الأكبر والاهم من الضرائب المالية في النظام المالي الإسلامي ،وتتميز الثروات(الأموال) التي تتعلق بها هذه الضرائب بأنها من الثروات التي لا تنقطع حاجة الإنسان إليها والى تداولها مما يعني ضمان استمرارية تحصيلها في المجتمع الإسلامي، وقد بين القران الكريم بعض أنواع الأموال التي تتعلق بها هذه الضرائب كما في آية  الخمس والأنفال ، كما بينت السنة النبوية المطهرة الأنواع الأخرى لهذه الثروات(الأموال) ،وقد استعرضنا  في الفصل السابق اغلب هذه الأموال ،ونوردها هنا مرة أخرى للتأكيد على أهمية المبالغ التي توفرها هذه الضرائب ودورها الفعال في تحقيق العدالة الاجتماعية للمجتمع الإسلامي الأمر الذي يبرز دور المحاسبة الحكومية في المحاسبة عن هذه الأموال وحفظها وصيانتها خدمة لتحقيق هذا الهدف، هذا من جانب ، ومن جانب آخر نبرز دور التشريع الإسلامي في وضع وصياغة المعايير المحاسبية التي تضمن حفظ هذه الأموال الضخمة وتنظيمها والمحاسبة عنها ، فلم يكن ألGASB أول من نظم هذه الأموال وحدد مواردها ومصارفها ، وإنما سبقه في ذلك النظام الإسلامي قبل أكثر من 1400 عام مضت، آما أهم الثروات التي تتعلق بها الضرائب المالية المحددة في التشريع الإسلامي فهي:
1.    الثروة النقدية وهي تتكون من الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة ،وتجب عليهما الزكاة بشرط النصاب ومرور حول (عام)كامل على تملكها، فعن الصادق(ع) انه قال:"الزكاة فريضة واجبة على كل مائتي درهم خمسة دراهم ،ولا تجب فيما دون ذلك من الفضة ولا تجب على مال زكاة حتى يحول عليه الحول من يوم ملكه صاحبه ولا يحل أإن تدفع الزكاة إلا إلى أهل الولاية والمعرفة وتجب على الذهب الزكاة إذا بلغ عشرين مثقال فيكون في نصف دينار"(بحار الأنوار،ج93: 39).
2.    الثروة الحيوانية وتتكون من الإبل والبقر والغنم وتجب فيها الزكاة بعد بلوغها النصاب ومرور حول كامل ،لو كانت سائمة وغير عاملة ، أما المعلوفة والعاملة-ولو في بعض الحول- فلا يجب فيها شيء،عن الصادق(ع) انه قال:" تجب على الغنم الزكاة إذا بلغت أربعين شاة وتزيد واحدة فتكون فيها شاة ،إلى عشرين ومائة فإذا بلغت مائة وعشرين وتزيد واحدة فتكون فيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، ثم بعد ذلك يكون في كل مائة شاة شاة ، وتجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة تبعية حولية ، فيكون فيها تبيع حولي إلى أن تبلغ أربعين بقرة ثم يكون فيها مسنة إلى ستين ثم يكون فيها مسنتان، إلى تسعين ثم يكون فيها ثلاثة تبايع ، ثم بعد ذلك في كل ثلاثين بقرة تبيع وفي كل أربعين مسنة ،وتجب على الإبل الزكاة إذا بلغت خمسة فتكون فيها شاة ، فإذا بلغت عشرة فشاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر فثلاث شياه ، فإذا بلغت عشرين فأربع شياه ، فإذا بلغت خمس وعشرين فخمس شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون ،فإذا بلغت خمس وأربعون وزادت واحدة ففيها حقة ،فان بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين ، فان زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا زادت واحدة على التسعين ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة ،ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يسال المصدق ويعد صغارها و كبارها"( بحار الأنوار،ج93 :49)، ويلاحظ من ذلك تحديد دقيق حتى لأنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة، فيشترط السوم في الأنعام المزكاة أما إذا كانت معلوفة ولو في بعض السنة لم تجب فيها الزكاة، كذلك يشترط أن لا تكون الأنعام المزكاة عوامل فلو استعملت في السقي أو الحرث أو الحمل أو نحو ذلك فلا يترك الاحتياط بإخراج زكاتها( السيستاني، 1423: 228).
3.     الثروة النباتية وتتكون من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وتجب فيها الزكاة بعد بلوغ النصاب ، لو تمت في ملك مالكها،عن الصادق (ع) انه قال:" تجب الزكاة على الحنطة والشعير والتمر والزبيب إذا بلغ خمسة أو ساق العشر إن كان سقي سيحا، وان كان سقي بالدوالي فعليه نصف العشر ، و  الوسق ستون صاعا والصاع أربعة إمداد"( بحار الأنوار،ج93: 45)، ولا تتعلق الزكاة بما يؤكل ويصرف من ثمر النخل حال كونه بسرا(خلالا) أو رطبا وإن كان يبلغ مقدار النصاب لو بقي وصار تمرا(السيستاني،1423: 236)، كما إن مقدار الزكاة في الغلات يختلف باختلاف سقيها ،كأن يكون سقيها بالمطر أو بماء النهر أو بمص عروقها الماء من الأرض...الخ،وذلك كله يبين التحديد الدقيق لأنواع الأموال التي تتعلق بزكاة الغلات[1].
4.    الثروة المعدنية والمعادن على ثلاثة أقسام : منها ما يقبل الانطباع كالذهب والفضة والنحاس والحديد ، ومنها لا يقبل الانطباع كالياقوت والزبرجد وغيرهما من الأحجار الكريمة ، ومنها ألما يع كالنفط و الزئبق ،ويجب فيها الخمس بعد إخراج المؤن،عن عمار بن مروان قال سمعت أبا عبدالله(ع) يقول:"فيما يخرج من المعادن والبحر والكنوز الخمس"( بحار الأنوار،ج93:189).
5.    الثروة الحربية وهي كل ما يستولي عليها المسلمون في الحرب من أموال الكفار ، من أموال ثابتة وصالحة للنقل كالأسلحة والنقود وغير ذلك  ويجب فيها الخمس إذا كانت الحرب والحيازة بإذن النبي أو الإمام –عليهما السلام- ، أما في الأراضي فالمفتوحة العامرة منها تبقى موقوفة لمصالح المسلمين على استمرار العصور ، دون أن يحق لأحد من المسلمين تملكها وغير العامرة منها ملك للإمام،عن أبي جعفر(ع) قال:" كل شيء قوتل عليه على شهادة إن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله (ص) فان لنا خمسه ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا"(وسائل الشيعة،ج9 :487).
6.    الثروة التجارية وهي كل ما يفضل للتاجر عن مئونة عياله سنة كاملة من أرباح التجارة ،ويتعلق بها الخمس ،ويميل بعض الفقهاء إلى اعتبار الزكاة فيها، عن محمد بن الحسن الأشعري قال كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني  (ع) اخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك؟" فكتب بخط الخمس بعد المئونة"( وسائل الشيعة،ج9 : 500) .
7.     الثروة الصناعية [1]وهي كل ما يفضل لذوي الصناعات من أرباح الصناعة بعد وضع المئونة ومرور سنة كاملة ، ويتعلق بها الخمس، عن العالم(ع) انه قال :"... وكل ما أفاده الناس فهو غنيمة ،لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفيء الذي لم يختلف فيه ، وهو ما ادعى فيه الرخصة وهو ربح التجارة وغلة الصنعة وسائر الفوائد على المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها"(بحار الأنوار،ج93: 189).
8.    الثروة الزراعية وهي كل ما يفضل للزارع عن مئونة عياله سنة كاملة من أرباح الزراعة ،ويتعلق بها الخمس، سئل أبا الحسن الثالث(ع) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرما يزكي فيأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟فوقع (ع) يقول:" لي منه الخمس مما يفضل من مئونته"( وسائل الشيعة ،ج9 :500) .
9.    الثروة الأرضية وهي الأراضي التي يشتريها المواطن الذمي من المواطن المسلم سواء كانت من الأراضي المفتوحة أو من الأراضي التي اسلم عليها أهلها ، ويجب فيها الخمس،عن أبي جعفر (ع) قال:" أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فان عليه الخمس"( وسائل الشيعة ،ج9  : 505).
10.                       الثروة المدخرة وهو المال المدخر في الأرض الذي يعثر عليه المسلم في دار الحرب أو في الوطن الإسلامي ، من غير أن يعرف مالكه الشرعي ، ويتعلق بها الخمس، قال رسول الله (ص) :"... وفي الركاز الخمس"(بحار الأنوار،ج93: 189).
11.                       ضريبة الأموال المختلطة المال المختلط يفرز منه المال الحرام ، ويرد إلى أصحابه الشرعيين إذا عرف قدره، ويفرز منه الخمس لحساب الدولة إذا لم يعرف قدره وصاحبه،عن الإمام علي(ع) انه أتاه رجل فقال إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما ، وقد أردت التوبة لا ادري الحلال منه من الحرام ، وقد اختلط علي فقال (ع):" تصدق بخمس مالك ، فان الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال       لك حلال"( بحار الأنوار،ج93: 190) .
     إن كثرة الموارد المالية السابقة الذكر وتنوعها واستقلالها عن بعضها البعض  مع تعدد أوجه إنفاقها (مصارفها) يتعين إعداد موازنات مستقلة لكل نوع منها ،وذلك للوفاء باحتياجات المجتمع الإسلامي ،وعليه يجب إعداد موازنة مستقلة للزكاة وهو ما اتفق عليه معظم المعاصرين(الأبجي،1990: 1141)،ويعلل عبد السلام (1980: 333) ضرورة فصل أموال الزكاة واستقلالها ، بقوله: "إن نظام تجميع إيرادات الممول في وعاء واحد قد يكون له مزايا من حيث العدالة ووضوح صورة النتيجة المالية الصافية حين تمتص خسارة نوعية إيراد نوعية أخرى، إلا إن الأمر يختلف في الزكاة إذ يخضع كل نوع من الأموال مستقلا بنظامه لأن الوعاء فيها إيجابي باستمرار ، نظرا لأن الخاضع في حالة المال المنقول المملوك المكلف هو صافي تمازج الأصل والنتاج ، ولا يتصور نتاجا سالبا يلتهم أصله كله أو مصدره بالكامل" . 
ويمكن بذلك توجيه موارد الزكاة لصرفها على المواضع الملحة والضرورية حيث تخضع الأخيرة للسياسة المالية للدولة الإسلامية وخدمة لتحقيق أهدافها المتمثلة أساساً بإحقاق الحق وتحقيق العدالة الاجتماعية الإسلامية،كما يمكن إعداد موازنة أخرى للإيرادات الخراجية وأخرى لإيرادات الأنفال ..الخ،وقد ذكر القاضي أبو يوسف في نصيحته لهارون الرشيد :" ومر باختيار رجل أمين ثقة عفيف ناصح مأمون عليك وعلى رعيتك فوله جمع الصدقات في البلدان،... و لا تولها عمال الخراج فإن مال الصدقة-أي الزكاة- لا  ينبغي أن يدخل في مال الخراج" وهذه إشارة إلى إعداد ميزانية مستقلة للزكاة(أحمد علي، 1969: 380). ويذكر لنا المازندراني في كتابه "الزكاة" أنه كان يستخدم نظام دقيق لتصنيف الإيرادات والمصروفات في كل السجلات المحلية والمركزية، فلكل مصروف وإيراد تصنيف محدد حسبما حدد في الميزانيات المحلية والمركزية، لذا فإن مخرجات النظام المحاسبي يتم الإفصاح عنها بشكل دقيق ،يبين فيها جميع تفاصيل الإيراد والمصروف.(الحميد،1427هـ)[2].ونرى إن ذلك يعني تطبيق نظرية تعدد أنواع الأموال التي ينادي بها ألGASB .
ثانيا: الضرائب المالية المحددة التي تتعلق برؤوس الأشخاص
واهم هذه الضرائب هي:
•        زكاة الفطرة : وهي تسمى أيضا بزكاة الأبدان ،وهي تجب بحلول شهر شوال على كل مكلف بالغ متمكن عن نفسه وعمن يعيله ،وهي صاع من القوت الذي يتناوله عادة من الحنطة والشعير والأرز والتمر أو غير ذلك.
•        الجزية وهي مبلغ معين من المال توضع على الرؤوس ،وتسقط بالإسلام ، وذلك في قوله تعالى:" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"(التوبة،29)،وقد فرضت الجزية على الذميين في مقابل فرض الزكاة على المسلمين حتى يتكافأ الفريقان ،لان الذميين والمسلمين رعية لدولة واحدة ويتمتعون بحقوق واحدة ،وينتفعون بمرافق الدولة العامة بنسبة واحدة ،لذلك أوجب الله تعالى الجزية للمسلمين نظير قيامهم بالدفاع عن الذميين وحمايتهم في الأقاليم الإسلامية التي يقيمون فيها(حسن،1939: 274)، والمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة إن الجزية لا حد لها بل تقديرها إلى الإمام ،قال كلانتري نقلا عن الشيخ في المبسوط "ليس للجزية حد محدود ولا قدر مقدور بل يضعها الإمام على أراضيهم أو على رؤوسهم على قدر أحوالهم من الضعف والقوة (كلانتري،1416هـ:123)،وقد كان النبي(ص) يقدرها بحسب الأحوال وعلى مقتضى التراضي الذي كان يقع بين المسلمين  و أعدائهم  
•        ضريبة الفداء وهي ضريبة مالية تضرب على الأسرى المحاربين ليطلق سراحهم بعد انتهاء فترة الحرب.
•        الأضحية وهي تجب على كل حاج في منى ومكة وقد تتعدد الأضحية حسب ما يرتكبه الحاج من مخالفات في وقت الحج والإحرام.
ثالثا : الضرائب المالية غير المحددة 
  قد تقع بعض الظروف الطارئة والعاجلة للدولة الإسلامية والتي تستدعي وجود نفقات كثيرة قد لا تغطيها الواردات المالية الاعتيادية ،وذلك كما في حالة الأزمات والكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات أو في حالة وقوع الحرب، ففي هذه الحالات تلجئ الدولة الإسلامية إلى فرض ضرائب مالية جديدة في حدود حاجة البلاد وإمكانيات الأمة المادية (الآصفي،1973 :28)،وقد اقر التشريع الإسلامي هذا النوع من الضرائب ،ففي القرآن الكريم وردت عدة آيات توضح هذا الأمر،كما في قوله تعالى:"واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ..."(الأنفال،62) ، وقوله تعالى : "..وجاهدوا بأموالكم و أنفسكم ..." (التوبة، 41) ،وقوله تعالى :"... وكرهوا إن يجاهدوا بأموالهم و أنفسهم.."  (التوبة،82).
  وبالتأكيد فان تهيئة السلاح للقاء الأعداء والإعداد اللازم من العدة والعدد يحتاج إلى الكثير من الأموال والنفقات، وكلمة قوة وان قصدت لفظا إلا أنها ذات معنى واسع فهي لا تختص بأجهزة الحرب والأسلحة الحديثة لكل عصر فحسب بل تتسع لتشمل كل أنواع القوى والقدرات التي يكون لها اثر ما في الانتصار على الأعداء سواء من الناحية المادية والناحية المعنوية ،فالذين يرون إن السبيل الوحيد للانتصار على الأعداء هو كمية السلاح هم على خطأ كبير , فلا ينبغي الغفلة عن بقية القوى والقدرات الاقتصادية والثقافية والسياسية ،والتي تندرج تحت عنوان القوة ولها تأثير بالغ على الأعداء (الشيرازي، 1413هـ: 436).
  علاوة على ذلك فان من الضرائب المالية الأخرى التي قد تفرض على المسلمين لحالات طارئة باب الصدقات ومساعدة الإخوان على قدر السعة ،ففي قوله تعالى :" و الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"(المعارج: 24 ) إشارة إلى وجود حقوق مالية يجب إخراجها غير الزكاة ،وان هذا الحق واجب مالي يتسم بالمرونة وقد ترك تعيينه إلى صاحب المال يخرجه حسب وقت ومقدار معلومين يشخصه صاحب المال نفسه(الحكيم، 2003 :428) فعن أبي عبدالله (ع) قال:" ..الحق المعلوم ليس من الزكاة هو الشيء تخرجه من مالك إن شئت كل جمعة وان شئت كل شهر ولكل ذي فضل فضله .. فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه انه في ماله ونفسه ويجب له أن يفرضه على قدر طاقته وسعته" ( من لا يحضره الفقيه، ج2: 48) ، وفي قوله تعالى:" و آتوا حقه يوم حصاده" أيضا إشارة إلى وجود مثل تلك الحقوق المالية التي يستحب  أدائها استحبابا مؤكدا ،فعن شعيب العقرقوفي قال سالت أبا عبدالله (ع) عن قوله "و آتوا ..." قال:" الضغث من السنبل والكف من التمر إذا خرص قال وسالت هل يستقيم إعطاؤه إذا ادخله قال لا هو اسخى  لنفسه قبل أن يدخل بيته"( بحار الأنوار، ج93: 92).
القسم الثاني: إيرادات ممتلكات الدولة (الدومين العقاري)
وهي الإيرادات التي تدخل إلى خزينة الدولة عن طريق ممتلكاتها العقارية ، وقد ذكرنا سابقا في معرض الحديث عن الأراضي الخراجية وغيرها إن الملكية العامة في الإسلام هي على قسمين هما :
‌أ-       ملكية الجماعة (الملكية العامة للمسلمين) وهي تشتمل على العقارات التي تملكها مجموعة الأمة حكاما ورعايا وهي تعتبر وقفا على المسلمين جميعا فهي ملك عام للمسلمين جميعا من وجد منهم ومن يوجد،ويجوز لهم الانتفاع بها واستثمارها بإشراف من الحاكم الإسلامي مقابل بدل مالي خاص تحدده الحكومة ولا يجوز تملك رقبة هذه العقارات ولا بيعها ولا شراؤها ، ويعود ربح هذه العقارات –التي أهمها أراضى الفتح الإسلامي – وواردها الذي تستلمه السلطة من المنتفعين بها إلى بيت المال الذي يصرف على حاجات المسلمين والمرافق الاجتماعية.
‌ب- ملكية الدولة ، وهي تشتمل على مجموعة العقارات التي تملكها السلطة الحاكمة أو الحاكم الشرعي بصفته حاكما على المسلمين ،وتعرف هذه العقارات في الفقه الإسلامي ب(الأنفال) وتشتمل على الثروات العقارية والطبيعية الرئيسية في الدولة(الآصفي ، 1973 : 34).
  وكما في الضرائب المالية فان هنالك أنواعا من العقارات التي تمتلكها الدولة أو تملك الإشراف عليها  والتي من أهمها:
1)                الأراضي ،وهي تعتبر من الموارد المهمة للدولة الإسلامية  وقد تحدثنا عن أهم أقسامها سابقا وهي: 
•        الأراضي التي استولى عليها المسلمون من بلاد الكفار من دون قتال، سواء كانت أراضى عامرة أو موات.
•        أراضى الفتح الإسلامي  العامرة ، وهي ملك للمسلمين يشرف عليها الإمام ويؤجرها أو يستثمرها ويصرف حاصلها على المسلمين .
•        أراضى الفتح الإسلامي الموات(البائرة)، وهي ملك للإمام الممثل لجهاز الحكم يجعل عليها من يعمرها ويصرف طسقها (أجرتها) على المرافق العامة.
•        أراضى دار الإسلام الموات،وهي ملك للإمام يصرف طسقها في شؤون الأمة والحكومة 
•        الأراضي الموقوفة ،حيث يتولى شأنها الإمام إذا لم يعين الواقف عليها أحدا.
    ويحقق التشريع الإسلامي  في مجال تمليك الأراضي أمرين رئيسين، فهو من ناحية يحد من توسع الملكيات الأرضية كما في حال الأراضي الموات حيث تكون ملك للحكومة ويتم توزيعها على الفلاحين والمنتفعين بإشراف من السلطة ، ومن ناحية أخرى فان حق السلطة في سحب ملكية أصحاب الأرض الذين أهملوا إحياء أراضيهم-كما أسلفنا- و إعادة الأراضي إلى من يمارس إحياؤها يضمن استمرار عملية الإحياء و الإعمار في الأراضي في بلاد الإسلام (الآصفي ، 1973: 38).
2)                سواحل البحار،وهي ملك الدولة.
3)       الغابات والأحراش، وهي تدخل ضمن ملكية الدولة ، و لا يحق للفرد استغلالها إلا بإذن الحاكم ،وضمن الشروط التي يحددها.
4)                رؤوس الجبال والأودية ،وهي ملك الدولة.
5)       صفايا الملوك وإقطاعياتهم ،وهي الأراضي الزراعية والإقطاعيات الكبيرة التي كان يملكها  الملوك قبل أن يحكم الإسلام البلاد ،يقوم الإمام (الحكومة)بصرف ريعها على الرعايا المسلمين والمسالمين عن طريق بيت المال.
6)       المعادن والمناجم ، وهي على ثلاثة أقسام :فلزات تقبل الصهر كالذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد ،ومائعة وشبه مائعة كالنفط والزئبق ،وجامدة كالأحجار الكريمة والفحم الحجري. وهذه المعادن تمد الصناعة بالمواد الأولية الخام ومن ثم فان استيلاء الدولة على المناجم يؤدي إلى إشراف الدولة على سير الإنتاج الصناعي بصورة عامة والتمكن من تكيفها بالشكل الذي يحقق العدالة الاجتماعية ، وفي الفقه الإسلامي فان ملكية كافة المناجم والمعادن هي للإمام (الحاكم الشرعي)( الآصفي ، 1973  : 40).
7)       الأنهار والبحار ، وهي من الأنفال التي تعود ملكيتها للدولة ، وهي من الموارد المهمة التي تدر أموالا كبيرة على الدولة إضافة إلى إمكانية تأميم بعض المشاريع الحيوية عن طريقها مثل مشاريع الماء والكهرباء . 
القسم الثالث: الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية التي تقوم بها الدولة(القطاع العام)
  تقوم الدول –أيا كان نوع نظامها الاقتصادي- بممارسة الأنشطة الاقتصادية في السوق بعنوان القطاع العام لغرض الحصول على موارد مالية إضافية تستخدمها لتغطية نفقاتها المتنوعة  فتقوم فلأجل ذلك بإنشاء المشاريع التجارية والصناعية والزراعية وغيرها.
     والدولة الإسلامية في عهد النبي الأكرم (ص) أو الخلفاء الأوائل من بعده لم تكن بحاجة إلى موارد مالية كبيرة نظرا لمحدودية احتياجاتها الاقتصادية والمالية في ذلك الوقت ،إلا أنها لم تمنع من اللجوء إلى هذه المشاريع في حالة الحاجة و البحث عن موارد مالية جديدة،ونرى إن التشريع الإسلامي يحث على الأنشطة الاقتصادية التي توفر مستوى العيش الكريم اللائق بالفرد المسلم ،فمبدأ العمل وبذل الجهد في طلب الرزق من اجل تحقيق المستلزمات الاقتصادية للمعيشة ،وعدم جواز الاتكال على الآخرين في سد الاحتياجات المالية ،يعتبر من المبادئ العامة للنظام الإسلامي والذي يعد أيضا من الأعمال المقدسة اللازمة والمقربة إلى الله تعالى(الحكيم،2003: 438)، يقول الإمام الصادق(ع):" إصلاح المال من الإيمان" ( الكافي،ج3 :87)، وعن داود بن سرحان قال :"رأيت أبا عبدالله(ع) يكيل تمرا بيده فقلت جعلت فداك لو أمرت بعض ولدك أو بعض مواليك فيكفيك، فقال: " يا داود انه لا يصلح المرء المسلم إلا ثلاثة : التفقه في الدين ،والصبر على النائبة ،وحسن التقدير في المعيشة (الكافي ،ج4: 87).
    وقد أكد التشريع الإسلامي على مجموعة من الأنشطة الاقتصادية المفيدة لتكون موضع اهتمام الدولة- والأفراد أيضا- وتركيزها عليها ،لتحقق عن طريقها أرباحا مادية معقولة لتغطية نفقاتها العامة ولتسيير أعمال الجهاز الحكومي أيضا، أما أهم هذه الأنشطة فهي:
1.     النشاط التجاري، وردت الكثير من الروايات والنصوص التي تحث على هذا النشاط ، فقد ورد عن أهل البيت(ع) قولهم إن تسعة أعشار الرزق أو البركة في التجارة ،ويقول النبي(ص) :" التاجر الأمين الصدوق  المسلم مع الشهداء يوم القيامة" (سنن ابن ماجة: 724)،عن الصادق(ع) قوله إن " التجارة تحفظ عقل الإنسان "، وقوله :" ترك التجارة ينقص العقل"، وعن أمير المؤمنين(ع)قوله:" تعرضوا للتجارة فان فيها غنى لكم عما في أيدي الناس"(وسائل الشيعة، ج11: 12)،إن هذا النشاط كان ولازال من أهم النشاطات الاجتماعية التي يحظى أصحابها بالاحترام والتقدير وكان يمارسه الإشراف من الناس، وذلك لما تمثله التجارة من دور رئيس في عملية التبادل الاقتصادي ،وفي تشخيص القيمة السوقية والتوازن في الأسعار في إطار قانون العرض والطلب وكذلك في تشجيع الإنتاج ومن ثم تساهم مساهمة أساسية في الحاجات المهمة الضرورية للمجتمع الإنساني (الحكيم، 2003: 450).
2.     النشاط الزراعي، وتعتبر الزراعة والاستثمارات المتعلقة بها من الخطوط الاقتصادية الرئيسة للأمة ، حيث تكون المصدر الأول للغذاء كما إنها تعتبر مصدرا مهما لبعض المواد الأولية التي تدخل في كثير من الصناعات الأساسية أو التحويلية أو اليدوية ، ومما يزيد في أهمية النشاط الزراعي كون المال الناتج عنها طاهرا ونقيا وبعيد عن الشبهات والإشكاليات الشرعية (الحكيم، 2003: 454) ففي رواية عن أهل البيت (ع) :" خير الأعمال الحرث يزرعه فيأكل من البر والفاجر.."(وسائل الشيعة ،ج1: 193)، وبما إن الدولة تستولي على مساحات كبيرة وشاسعة من الأراضي العامرة والموات وتملك صفة الإشراف عليها ، فإنها والحالة هذه تملك إمكانيات نقدية وأرضية كبيرة تمكنها من إحياء قطع كبيرة من الأراضي لحسابها والقيام بممارسة النشاط الزراعي بصورة واسعة تتجاوز حدود طاقة الفرد وإحداث مزارع وحقول نموذجية وكبيرة تخضع للتطورات الزراعية الجديدة وتوفر لها موارد مالية كثيرة(الآصفي ، 1973: 44).
3.     النشاط الصناعي ، إن ملكية الدولة لمصادر الثروة الطبيعية كالمعادن والغابات والأحراش ورؤوس الجبال والأراضي العامرة طبيعيا توفر لها كميات هائلة من المواد الخام الضرورية للصناعات وتمكنها من أن تدخل مشاريع الإنتاج والتصنيع عند اللزوم وأن تشرف على سير الصناعة في البلاد ، وهي بذلك تحقق أهدافا مهمة عدة منها الحصول على مصادر إضافية للدخل المادي ،ومنها تكييف وضع الإنتاج والتجارة في البلاد وتوفير فرص العمل  وتعديل الأسعار والأجور بصورة عادلة بعيدة عن الأثرة والاحتكار والتحكم في الأسواق، ولكن يجب الإشارة إلى ملاحظة مهمة حول قيام الدولة بهذه الأنشطة ، فالدولة في المجتمع الإسلامي حينما تدخل الأسواق التجارية ليس باعتبارها ممثلة للسلطة العامة ،و إنما تدخل في الأنشطة التجارية والإنتاجية بالصفة الخاصة كما يدخل أي فرد آخر يملك إمكانيات مادية أوسع مما يملكه الآخرون ،وبالتالي لا يحق لها أن تتحكم بما تملك من قوة تنفيذية في أوضاع السوق كما لا يحق لها أن تلجئ الشركات الأهلية إلى الانسحاب عن السوق بشكل من الأشكال(الآصفي ، 1973 : 45).
القسم الرابع: القروض الحكومية
     أجاز الفقهاء الاقتراض على بيت المال بشروط معينة ،لسد العجز في موارد بيت المال،وذلك في حالة عجز وقصور واردات الزكاة والجزية والخراج،وواردات الضرائب الأخرى، التي يفرضها الوالي المسلم مادام ذلك يتم بالعدل وعدم التعسف(عناية،2006: 40)،فقد تضطر الدولة في بعض الحالات إلى الحصول على موارد مالية إضافية لسد نفقاتها ،فتلجا إلى الاقتراض وسيلةً لتغطية الإنفاق العام والحقوق المالية المتعلقة بسيادة الدولة ، وذكرت الابجي نقلا عن الماوردي قوله انه إن اجتمع على بيت المال حقان ،وضاق عن كل واحد منهما ،جاز لولي الأمر –إذا خاف الفساد- أن يقترض على بيت المال ما يصرفه(الابجي، 1990: 1151)، فإذا لم تجد الحكومة من المال ما يفي بحاجتها فلها أن تطلب من أهالي البلاد القروض الحسنة بدون فوائد ،وإذا لم يف ذلك بحاجتها فلها أن تأمر المصارف بإقراضها بدون فوائد جزءا من ودائع الأفراد لديها ،وذلك كحقها في طلب الخدمة العسكرية الإجبارية من أهالي البلاد (الابجي، 1990: 1151).
القسم الخامس:  الواردات المالية عن طريق الولاية العامة على المواطنين، 
    كالضرائب المالية التي يفرضها ولي الأمر على مختلف المرافق الحياتية ومنها العشور والمكوس التي تتقاضاها الدولة على التجارات الواردة والضرائب المفروضة على الصناعة والزراعة ،والضرائب التي تتقاضاها الدولة نتيجة المخالفات ، إضافة إلى واردات الهبات الشعبية لدولة أو الوصايا لها .
واردات أخرى (واردات الأوقاف العامة ونحوها)
  لقد ذكرنا إن الأوقاف تتميز عن الموارد المالية الأخرى بأنها تخضع لشروط الواقف نفسه،ومن ثم يقوم بصرف أمواله بالطريقة التي يراها مناسبة ،فهنالك مرونة بالصرف وخصوصية في الفائدة،وهذا الأمر قد ساعد وبشكل كبير على دعم الإمكانات المالية والاقتصادية للدولة الإسلامية وتحسين أوضاعها (الحكيم،2003 : 403) ، ويمكن أن نرى مدى استجابة الأفراد لهذه العملية الإنسانية الإسلامية من خلال العدد الكبير من الأوقاف العامة والخاصة وانتشارها في عموم الدول الإسلامية كالمساجد والمدارس والحسينيات والمكتبات العامة والطرق العامة وغيرها، لذلك لا تدرج أموال الأوقاف ضمن الأموال المنفقة على سبل البر المخصصة أو المحددة ، وإنما تخضع كما قلنا أولا لشروط الواقف نفسه ، وترى الأبجي أنه لا يمكن ضم أموال الأوقاف ونحوها كالنذور والوصايا والهبات إلى موازنة الزكاة لأن الأخيرة مخصصة لمصارف تزيد عن المصارف التي خصصت لها الإيرادات غير العادية ، كما يجب ألا تضم موازنة هذه الإيرادات للموازنة العامة للدولة التي تتضمن أموال الأنفال-التي تختص بكافة نفقات الدولة الأخرى – لأن إدراج الإيرادات غير العادية فيها- كإيرادات الأوقاف- يؤدي إلى غبن لمصارف هذه الإيرادات مع مراعاة أن هذه المصارف حددت بالكتاب والسنة ولا مجال للاجتهاد في معظم مصارفها(الأبجي، 1990: 1147).
     لذا يلزم فصل هذه الأموال المخصصة (وفقا لشروط  وظروف الواقف) في موازنة مستقلة تضم كافة الإيرادات غير العادية ،وتنفق في المجالات التي يحددها الواقفون أنفسهم ،بحيث توزع أموال الأوقاف على مصارفها فقط  ، وتذكر لنا الدجيلي(1976: 80): إنه كان يوجد في كل بيت مال ، أربعة محاسبين مستقلين كي يقوموا بمتطلبات العمل كل حسب اختصاصه،وحسب أنواع الأموال المجباة وهي: أخماس المعادن والركاز(الكنز)، وزكاة الزروع والحيوانات و عشور التجارة، وأموال الخراج والجزية والمكوس، واللقطة، وكان لكل ولاية ديوان خاص بها في بغداد يصرف شؤونها ويهيمن عليه، ويتألف من دائرتين 1) ديوان الأصل ووظيفته فرض الضرائب وإيداعها بيت المال، ومراقبتها ومعاقبة المسئولين عنها أو محاسبتهم إذا استلزم الأمر فهو يختص بالإدارة،2) ديوان الزمام(ديوان المال) ومهمته محاسبة كل ديوان والإشراف على الإدارة في الولايات. وهنا يتضح مرة أخرى أن النظام الإسلامي أول من وضع نظام لتحديد أنواع الأموال وتخصيص موازنات وسجلات خاصة بكل نوع منها.
هذا مجمل عن أنواع الأموال التي ترد خزينة الدولة ولها سلطة الإشراف والتصرف بها وإنفاقها على المواضع المخصصة لها،ونلاحظ من ذلك سعة الأموال الواردة للدولة الإسلامية وتنوعها ومرونتها بشكل لا تضيق عن مواكبة تطور نفقات الدولة واحتياجاتها ،ويمكن أن نلاحظ أن التخطيط لهذه الأموال وطريقة تنظيمها وجبايتها وصرفها يتميز بالعدالة الاجتماعية التي يريدها التشريع المقدس من فرض هذه الأموال ،ومن ثم توزيعها بصورة معينة ومحددة على طبقات الأمة بشكل عادل ،ونلاحظ أيضا انه لا يمكن التصرف بهذه الأموال جميعا في شؤون الدولة أو مصالح المسلمين ،بل إن الزكاة لها مصارف محددة لا يجوز أن تنفق في غير تلك المواضع ،والحال نفسه بالنسبة لموارد الخمس والأوقاف والنذور والكفارات ، مما يتطلب عملية فصل لأنواع الموارد المالية والنفقات المرتبطة بكل نوع منها واستقلالية كل نوع من تلك الأموال بمجموعة دفاتر ومستندات وسجلات محاسبية خاصة بها، وهذا يمثل مبدأ تعدد أنواع الأموال واستقلاليتها الذي ينادي به أل GASB.
3) معيار تخفيض (أو التحفظ في)عدد الأموال في الوحدة الحكومية
جاء في بيان ألGASB  حول هذا المعيار "  إن الوحدة الحكومية عليها أن تُنْشِأْ وتحافظ على الأموال المطلوبة قانونا ،وعليه لابد من الاحتفاظ بأقل عدد ممكن من الأموال والتي تكون من ضمن المتطلبات القانونية والإدارية "، ويعلل السعبري ذلك بقوله :"إن الإسراف في عدد الأموال يؤدي إلى التعقيد وعدم المرونة ،فضلا عن إضعاف كفاية الإدارة المالية"(السعبري، 2000: 70).
الإسراف والتقتير في القران الكريم والسنة النبوية المطهرة:
يحرص الإسلام على تنظيم وإدارة الأموال والممتلكات العامة وأموال المسلمين عامة، وفق قواعد وأحكام حددت بعضها الشريعة المقدسة ، وترك البعض الآخر لسلطة الحكومة الشرعية في التدخل والإشراف على الحياة الاقتصادية للمجتمع الإسلامي ، ووفق ما يراه الحاكم الشرعي مناسبا لتحقيق استقرار المجتمع وتقدمه وتحقيق العدالة الاجتماعية. 
     وقد ورد عن النبي (ص) نهيه عن جملة من الأمور التي من بينها " ...وإضاعة المال"(بحار الأنوار، ج72: 304) ، كما قال(ص):" لا منع ولا إسراف ولا بخل ولا إتلاف"   (مستدرك الوسائل ،ج15، 266)، ومن المعروف إن من بين الأمور التي تؤدي إلى إضاعة المال و إتلافه هي سوء إدارة تلك الأموال وعدم الكفاءة والفعالية في جبايتها وتنظيمها وتسجيلها ، ومن ثم صرفها في مواضعها المخصصة لها.
   لذلك فقد حرص الإسلام على إيجاد كافة السبل والوسائل التي يمكن بواسطتها حفظ الأموال العامة وصيانتها عن طريق التنظيم الفعال والكفء لتلك الأموال ، ويمكن أن نرى ذلك واضحا من خلال تحديد أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الدولة ، إضافة إلى تحديد الجهات المسئولة عن إدارة تلك الأموال من حيث تنظيم جباية وتحصيل تلك الأموال وقياسها وتوزيعها وصرفها في مواضعها المخصصة لها.
   فقد حدد النظام الإسلامي أولا أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الحكومة الشرعية ، ومن ثم حدد مواضع صرف معينة محدودة وفق قواعد إلزامية تشريعية لابد من التقيد بها ، وهو في ذلك كله فصل فصلا تاما بين تلك الأنواع من الأموال  ، وقسمها إلى أنواع أساسية مستقلة بذاتها لا يمكن ضم بعضها إلى بعض أو خلطها معا، وأوكل إدارة تلك الأموال إلى جهات (مؤسسات ودوائر حكومية) معينة ، ويمكن أن نلاحظ أن هناك مؤسسات خاصة لإدارة أموال الزكاة ،وأخرى لإدارة الإيرادات الخراجية ، وثالثة لإدارة الأوقاف والكفارات والنذور ..الخ، وذلك لأجل ضمان استخدام الأموال بكفاءة وفاعلية تضمن حفظ هذه الأموال وصيانتها من الضياع أو الهدر أو الاختلاس، وكذلك ضمان توزيعها وصرفها في مواضعها المخصصة لها ،وقد ذكرنا في الفقرة السابقة إنه كان يوجد في كل بيت مال ، أربعة محاسبين مستقلين كي يقوموا بمتطلبات العمل كل حسب اختصاصه،وحسب أنواع الأموال المجباة ، كما كان لكل ولاية ديوان خاص بها في بغداد يصرف شؤونها ويهيمن عليه، ويتألف من دائرتين:
 1) ديوان الأصل ووظيفته فرض الضرائب وإيداعها بيت المال، ومراقبتها ومعاقبة المسئولين عنها أو محاسبتهم إذا استلزم الأمر فهو يختص بالإدارة.
2) ديوان الزمام(ديوان المال) ومهمته محاسبة كل ديوان والإشراف على الإدارة في الولايات. وبهذا يتضح لنا أن مبدأ تخفيض عدد الأموال في الوحدة الحكومية موجود أيضا في النظام المحاسبي الإسلامي.
4) معيار محاسبة الموازنة العامة
  ورد في هذا المعيار انه على كل وحدة حكومية إن تقوم بتهيئة شكل مناسب لجميع الخطط التي تظهر الإيرادات والنفقات المحتملة ،أي الخطط المالية وعلى هذا الأساس وضع مبدأ الموازنة وكالآتي:
•        ينبغي على كل وحدة حكومية أن تعتمد على موازنة أو موازنات سنوية .
•        ينبغي أن يوفر النظام المحاسبي الحكومي الأساس لرقابة ملائمة للموازنة.
•         يجب أن تتضمن القوائم والجداول المالية بيانات مقارنة عن موازنات السنوات السابقة للأموال الحكومية ،حيث يتم اعتماد الموازنة على أساس هذه الأموال.
وقد ذكرت ألGASB في معيار سابق إن النظم المحاسبية الحكومية يجب أن تصمم على أساس المال الذي يعني إجمالا إن الوحدات الحكومية عليها الالتزام بإنفاق الأموال المخصصة لها وفي حدود الأنشطة أو الأهداف المحددة لها ،وهو يعني الالتزام بنظرية الأموال المخصصة ،التي تشير إلى إن القدرة الاتفاقية لهذه الوحدات تستمد من المبالغ المخصصة لها في الموازنة ،وعليها الالتزام بها من الناحية الكمية والنوعية ،أي لا يحق لها الصرف بأكثر مما مخصص ،وان يتم الصرف على المواضع المخصصة لها طبقا للتشريعات والتعليمات المالية،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى جاء في معيار لاحق تحديد لأنواع الأموال التي تسيطر عليها الحكومة والتي تكون مجالا للتخصيص والصرف.
     إن هذا يقودنا إلى انه لابد أن تكون هناك خطة ما تخصص فيها تلك المبالغ(الأموال) وطريقة تخصيصها ومن يقوم بذلك ،وكيف يتم الالتزام بها من قبل الوحدات الحكومية،إن تلك الخطة هي الموازنة العامة للدولة التي تعتبر الأداة التنفيذية الوحيدة لنظرية الأموال المخصصة(تخصيص الأموال)  ،فتظهر فيها المبالغ المخصصة لكل دائرة ،وفيها تظهر أنواع المصروفات والإيرادات التي تتعامل بها الوحدات الحكومية، (فريح، 1990 : 19 )، فالموازنة عبارة عن "قائمة تضم التقديرات التفصيلية المعتمدة(المخصصة) لاستخدامات وموارد الدولة لسنة مالية مقبلة"( طرابزوني،1994: 119 )،فهي خطة مالية قصيرة الأجل (لسنة مالية) تحتوي على كلفة نشاطات الوحدات الحكومية خلال سنة مالية لاحقة، ومصادر تحويلها،وهي بذلك تعتبر وثيقة رسمية تحدد مستقبل النشاط المالي للحكومة(الحجاوي،2004: 159).
أهمية الموازنة العامة للدولة
  لقد كانت النظرة التقليدية لعملية الموازنة على إنها أداة رئيسية لضمان الرقابة على استخدام الأموال العامة ،وكان هدفها الأول تتبع استخدام الاعتمادات المخصصة ،وقد اعتبر هذا المنهج كافيا حينما كانت الحكومة ذات أنشطة محدودة إلا إن التطورات الاجتماعية والسياسية وما تبعها من تطورات اقتصادية وكذلك أزمات ومشاكل اقتصادية متكررة ،أدى ذلك إلى تزايد وتنوع الأنشطة التي تضطلع الحكومة بأدائها ،من تخطيط الموارد وتخصيصها وتوزيعها وتحليل آثارها ونتائجها ونحوها، بحيث إن الموازنة التقليدية لم تعد قادرة على مواجهة احتياجات متخذي القرارات على مختلف المستويات الحكومية لتحقيق الإدارة الفعالة ،كما إنها لا تلبي تلبية كاملة متطلبات السلطة التشريعية لإعادة النظر في الأهداف المنجزة ومراجعتها ،وحتى أنها لا تعطي للشعب فكرة مكتملة عن الأغراض التي تنشدها الحكومة(دليل المحاسبة الحكومية،6 197 :23).
  ونتيجة لذلك فقد أعيد توجيه عمليات الموازنة لتصبح أداة  أكثر فعالية في الإدارة والاقتصاد،ولذلك لاقت نظم الموازنة  الحكومية في السنوات الأخيرة عناية خاصة باعتبارها أداة رئيسية للإدارة ووسيلة فعالة لتخصيص الموارد المتاحة لتنفيذ البرامج والمشروعات التي تسعى الحكومات إلى تنفيذها ،ومع تزايد الشعور بان نظم الموازنة التقليدية لم تعد ملائمة لتلبية طموحات الدولة ،فقد اتجه نحو تطوير هذه النظم ،وتطورت على أساس ذلك المفاهيم والأساليب المستخدمة في إعداد الموازنة العامة بصورة ملحوظة ،فظهرت طرق عديدة لإعداد الموازنات ،مثل موازنة البرامج وموارنة الأداء ،والموازنة التخطيطية،وموازنة التخطيط والبرمجة والموازنة الصفرية،وأصبح مبدأ توافق أهداف الموازنة مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة ،من المبادئ الهامة لإعداد الموازنة،وبموجبه تعد الموازنة ترجمة وانعكاسا للأهداف التنموية للدولة،وبما يحقق الانسجام بين الموازنة والخطط التنموية(احمرو،2003: 66)  فأصبحت الموازنة على أساس ذلك وسيلة يمكن عن طريقها استقراء اتجاهات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وخططها المستقبلية ،فهي كالمرآة التي تجسد الآمال والنهضة الاقتصادية للدولة.
  وتتضمن الموازنة العامة جانبين أساسيين ، أولهما تقدير النفقات على مستوى الحكومة المركزية للسنة المالية المقبلة، وثانيهما تقدير الإيرادات التي عن طريقها يتم تمويل تلك النفقات ،ويمثل الفرق بين مجموع النفقات ومجموع الإيرادات الفائض أو العجز في الموازنة، ويتم إعداد موازنات الوحدات الحكومية الذي يعتبر خطوة أساسية لإعداد الموازنة العامة ، ذلك أن الموازنة العامة ما هي إلا مجموع موازنات الوحدات الحكومية المركزية .
الموازنة في التشريع الإسلامي
    إن التوازن والتوسط في جميع نواحي الحياة وجميع مجالاتها هو من السمات الأساسية للدين الإسلامي الحنيف ، فالإسلام يحرص دائما في أية حركة من حركاته وفي جوانب الحياة المختلفة على التوازن ،ويبتعد عن المغالاة للمحافظة على النظام من الاختلال وتجنيبه عيوب قد تصيب المبدأ وقواعده ،أو تصيب السلطة أو تصيب المجتمع لان اختلال المبدأ أو عدم توازنه يؤدي حتما إلى إنشاء قواعد مختلفة تبعا لذلك ،ومن ناحية أخرى فان حمل الناس على المغالاة والتشدد فوق ما يطيق أوسطهم يؤدي إلى الاختلال أيضا وعدم الموازنة،وبالتالي تنفيرهم قال الله تعالى:" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"(البقرة،286)،ولان التشدد والمغالاة تفسد ضمير المجتمع وتجعله يعيش تحت وطأة العقد النفسية المدمرة، وبالتالي يصبح التوازن والموازنة في جميع الأمور المخرج الوحيد الذي يفتح أمام الإنسانية طريقا لبناء نظام اقتصادي واجتماعي بعيد عن الاختلال والاستغلال والقهر(العاني، 2003: 84).  
    إن أهمية  التوازن في أي جانب من جوانب حياة الإنسان هي مسالة عظيمة وحيوية ،بحيث إننا حتى لو ألغينا المعنى المحدود والصغير لهذا التوازن والذي نعني به التوازن المادي (المقياس) فان العالم يصبح في حالة لا يحسد عليها من الفوضى والاضطراب في مجال التعامل ،فكيف بنا إذا ألغينا المفهوم الأوسع لهذه الكلمة حيث مما لاشك فيه إن الاضطراب والفوضى ستكون بصورة أوسع واشمل،وبالتالي فان وجود الميزان والتوازن سواء في نظم العالم اجمع أو المجتمع الإنساني أو الروابط الاجتماعية أو مجال العمل التجاري ،فإنها جميعا نعم من قبل الله سبحانه ويصبح التخطيط - من أساسيات الوصول إلى التوازن- مطلبا شرعيا باعتباره من قبيل إعداد العدة الذي أمرنا به الله بقوله تعالى:" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة"( الأنفال، 60)، وهو أيضا من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو قوام المجتمع الإسلامي لقوله تعالى:" ولتكن منكم أمة ..." (آل عمران، 104) ، وهو في النهاية إذ يرسم خطط المستقبل لفترات متتالية وآجال متعاقبة إنما ينفذ ما أثر عن الإسلام (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ،واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا) ، ويقوم التخطيط على اعتبارات موضوعية قوامها الأرقام والإحصائيات ، فالتخطيط ليس تنبؤا بالغيب وإنما هو وسيلة لضبط الأهداف وتحديد وسائل تحقيقها في أقل فترة ممكنة وبأقل جهد أو تكلفة.
  لقد بينا في الفصل السابق إن من المسؤوليات الأساسية الملقاة على  عاتق الدولة في الاقتصاد الإسلامي تتمثل  في إيجاد التوازن الاجتماعي للمجتمع ، ولا يعني التوازن الاجتماعي في الإسلام إلغاء التفاوت المطلق بين الأفراد في الثروة ،لان هناك حقيقتين لا يمكن تجاهلهما تؤديان بالضرورة إلى إيجاد مثل هذا التفاوت وهما:
1-  الحقيقة التكوينية، وهي تفاوت الأفراد في خصائصهم ومؤهلاتهم النفسية والفكرية والجسدية بقطع النظر عن الظروف المحيطة بهم من معوقات ومحفزات ،وسبب هذا التفاوت هو تباين العوامل الطبيعية السيكولوجية التي تنبع منها الاختلافات الشخصية في مختلف الخصائص والصفات.
2-    الحقيقة المذهبية القائلة إن العمل هو أساس الملكية وما لها من حقوق.
ونتيجة ذلك هو تفاوت الأفراد في الثروة ،وعليه فان التوازن الاجتماعي في الإسلام لا يعني توازنا في مستوى دخول الأفراد وثرواتهم بل هو توازن في مستوى المعيشة الذي يقضي على التناقضات الفادحة التي نراها في النظم الوضعية ،فنجد إن الإسلام يسعى لتحقيق نوع من التوازن الاجتماعي والاقتصادي يتيح لكل فرد في المجتمع مستوى لائق في المعيشة ،وقد اعتمد الإسلام على مجموعة من الوسائل والأدوات لتحقيق هذا الهدف ،وهي كما ذكرت سابقا :
•        الضرائب الثابتة في التشريع وهي الخمس والزكاة بأصنافها ، فيرتفع بالفقير إلى مستوى المعيشة في عصره كما عند سائر الناس وبما يتناسب مع الحجم العام للثروة ومستوى الرقي والرفاهية المتعارفة.
•        إيجاد القطاعات الإنتاجية والخدماتية العامة التي تؤمن إنفاقاً و تقديمات مناسبة، فالإسلام لم يكتف بالضرائب الثابتة التي شرعها لأجل التوازن بل حمل الدولة مسؤولية الإنفاق في القطاع العام لهذا الغرض،فعن الإمام موسى بن جعفر(ع):"إن على الوالي في حالة عدم كفاية الزكاة إن يمون الفقراء من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا"وتدل كلمة (من عنده) على إن غير الزكاة من موارد بيت المال يتسع لاستخدامه في سبيل إيجاد التوازن بإغناء الفقراء ورفع مستوى معيشتهم، كما يدلل هذا الحديث على قاعدة حكومية معاصرة مهمة وهي الالتزام بالإنفاق ولو لم تكف الموارد.
•         التشريعات الإسلامية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في إيجاد التوازن وحمايته ، مثل تحريم اكتناز النقود وإلغاء الفائدة والاستثمارات الرأسمالية للثروات الطبيعية التي تؤدي إلى القضاء على الاحتكار والإخلال بالتوازن الاجتماعي.
  والموازنة العامة للدولة هي من ضمن هذه الأساليب التي تستخدمها الدولة في الوقت الحاضر في سياستها المالية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والتي أهمها تحقيق التوازن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية،فأصبحت وسيلة لضمان تحقيق عدالة في العبء الضريبي،وبأقل أثر على الاقتصاد فضلا عن كونها وسيلة للسعي نحو تحقيق مساواة(توازن) المنافع الاجتماعية المتحققة من النفقات مع التكاليف الاجتماعية(احمرو،2003: 66) ، وتأكيدا لمبدأ التوازن وتمييزا عن الميزانية العمومية المتعارف عليها في النشاط التجاري، يطلق لفظ الموازنة بدلا من الميزانية على الخطة التي تتضمن تقديرات لموارد واستخدامات الدولة لسنة مالية مقبلة(طرابزوني،1994: 119)،فضلا عن إن مصطلح الموازنة العامة يستخدم للتعبير عن تقديرات الإيرادات والنفقات(الموارد والاستخدامات) للدولة، بدلا من مصطلح الميزانية التقديرية التي تستخدم في المحاسبة التجارية(الحجاوي،2004: 159).
لقد سبق التشريع الإسلامي النظم الوضعية  في العلوم المالية والمحاسبية،فقد وضع القواعد والمعايير التي تنظم هذا الجانب الحيوي من الحياة اليومية للناس، وخاصة فيما يتعلق منها بالموازنة العامة للدولة،في حين لم تكن في الولايات المتحدة الأمريكية موازنة تنفيذية شاملة قبل عام 1920 م ، بل أن كل دائرة اعتادت على تقديم موازنتها لمجلس النواب الأمريكي مباشرة، ولم تكن سلطة لنقل المخصصات بين أوجه الإنفاق،وانحصر اهتمام الكونغرس على منع الدوائر من زيادة النفقات دون وجود تخصيصات ولم تكن طلبات الدوائر مترابطة ومتناسقة بينها ،وكل دائرة كانت تقسم نفقاتها بطريقة خاصة مختلفة عن غيرها (احمرو،2003: 69).
وقد جاءت في القران الكريم إشارات واضحة إلى الموازنة العامة للدولة وكيفية إدارتها تحديد أوجه الإيرادات والنفقات العامة ، يقول الله تعالى على لسان يوسف:"قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" ( يوسف،55) ويرى مغنية( 1981:  330) إن الآية المباركة  تشير إلى موضوع  حيوي ومهم في حياة البشر وهو إن " المال عصب الأمة وحياتها فإذا لم يكن زمامه بيد الأكفاء علما وخلقا ،كان مصير الأمة إلى الهلاك والدمار حتى في سني الخصب والرخاء أما إذا كانت مقادير الأمة بيد الأكفاء الأمناء فإنهم يقودونها إلى خيرها وصلاحها دنيا و آخره" ، ويمكن القول إلى إن ذلك يدل ضمنا على إن الأكفاء لابد إن يقوموا باستخدام الوسائل والأدوات الكفيلة بحفظ المال وصيانته وتوزيعه على مستحقيه  التي منها إعداد موازنة متقنة بالإيرادات والمصاريف المتوقعة . لقد كان يعلم يوسف إن جانبا كبيرا من الاضطراب الحاصل في ذلك المجتمع الكبير المليء بالظلم والجور يكمن في القضايا الاقتصادية ،لذلك فمن الأفضل له أن يسيطر على اقتصاديات مصر حتى يتمكن من مساعدة المستضعفين ،وان يخفف عنهم –قدر ما يستطيع- الآلام والمصاعب ويسترد حقوقهم من الظالمين ويقوم بترتيب الأوضاع المتردية في ذلك البلد المترامي الأطراف،ولذلك يقول"إني حفيظ عليم" أي احفظ المال من الإسراف والضياع ،واعلم المستحقين له من غيرهم واضع كل شيء في موضعه،وقد أشرنا سابقا إلى بعض الآيات المباركة التي تحدد الإيرادات العامة الرئيسة للدولة الإسلامية المتمثلة بالزكاة والخمس والصدقات الأخرى كما أشرنا إلى الآيات التي تحدد مواضع صرف هذه الإيرادات . 
    وعلى أساس ذلك يؤكد الكثير من الباحثين على إن ظهور الموازنة يعود إلى عهد النبي الأكرم(ص)(الابجي، 1990: 1131) ، حيث انه كان يكتب له كل ما يرد إليه من إيرادات ، وكان يجري تقديرا لها قبل ورودها ،ويتمثل ذلك في خرص(تخمين) الثمار وتقديرها ،وكتابة الصدقات والخمس، وكان يحتفظ بسجلات لكثير من أنواع النفقات التي يمكن تقديرها ،فقد انشأ(ص) ديوانا(سجلا) خاصا للصدقات  يكتب فيه أموال الصدقات وكان الزبير وجهم بن الصلت كاتبيه على الصدقات ،أما حذيفة بن اليمان فكان يكتب له خرص النخل وان المغيرة بن شعبة والحصين بن النمير كانا يكتبان المداينات والمعاملات (الخياط، 1990: 934)،كما كان (ص) يحتفظ بسجلات لأسماء المسلمين وذرياتهم تدون كي توزع عليهم الاعطيات طبقا لها كما يعد العدة للنفقات غير المتوقعة فيوفر لها جزءا من الإيرادات العامة لمواجهتها عند حدوثها    ومن ثم يمكن أن تعتبر أول موازنة إسلامية عرفها المسلمون قد ظهرت في عهد الرسول (ص) ،وبذلك تنتفي حجج من يعتقد إن الموازنة إنما بدأت في إنجلترا وفرنسا،ويثبت للتشريع الإسلامي فضل الريادة في إعداد الموازنة على العالم الغربي المتقدم (الابجي،1990: 1131).  
   ولا يقتصر إثبات أصالة وجود الموازنات في الإسلام على الجانب التاريخي فحسب ،و إنما هذه الأصالة نراها واضحة في قواعد ومعايير التشريع الإسلامي التي تتصف كما أسلفنا بالواقعية ،فهي ليست مجرد قواعد ومعايير نظرية بحتة ، و إنما هي ذات جانب واقعي تطبيقي أيضا ، فالموازنات موجودة في الإسلام ،وبجميع أنواعها المعروفة حاليا-تقريبا- وان إجراءات ومعايير إعدادها وتنفيذها، موجودة أيضا ضمن مصادر التشريع الإسلامي المعروفة.
أنواع الموازنات 
قبل الخوض في أنواع الموازنات التي يمكن إيجادها ضمن تشريعات النظام الاقتصادي الإسلامي ، لابد من التذكير بملاحظة مهمة وهي نحن لسنا هنا بصدد التعرض لتفاصيل نشأت الموازنات أو مراحل تطورها والظروف التي رافقت ذلك وإنما ما يعنينا ويهمنا هو إثبات أصالة وجودها في التشريع الإسلامي ،و إمكانية استنباط معايير وقواعد من هذا التشريع الخالد ،يمكن استخدامها في إعداد الموازنات بأنواعها المعروفة ووفقا لظروف وشروط كل زمان ومكان.
ومن أنواع الموازنات الموجودة :
1)    الموازنة التقليدية .
2)    الموازنات الجارية والموازنات الاستثمارية.
3)    الموازنة النقدية والموازنة العينية.
أولا: الموازنة التقليدية
   بموجب الموازنة التقليدية يتم تحديد جميع وحدات الإنفاق الحكومي وفقا لفصول ، يتألف كل فصل منها من مجموعة من المواد، وذلك في قوائم تفصيلية تحتوي تقديرات لقيم بنود النفقات العامة،وتقديرات لقيم بنود الإيرادات العامة(الحجاوي،2004: 181).
  إن هذه الموازنة تهتم بهيكل بنود الصرف ،بحيث يبين كل بند الهدف والغرض من الصرف ،ولذلك تدعى هذه الموازنة بموازنة البنود ،وتتسم هذه الموازنة بتفاصيل بنودها لاهتمامها الشديد بعنصر الضبط والتحكم في المصروفات ،وعليه تعتبر موازنة الدولة بهذا الشكل أداة لفرض الرقابة المالية والقانونية على الإنفاق الحكومي ،كما أنها تهتم بمشكلة ضبط التحكم في المصروفات ،ولذلك يبرز الدور المحاسبي في مراحل تنفيذ الموازنة(الابجي،1990: 1185).
أما أهم المقومات اللازمة لتطبيق موازنة البنود فهي:
1.     تطبيق نظرية الأموال المخصصة ،بحيث يتم تخصيص اعتمادات محددة لمصروفات محددة.
2.     خلق اعتمادات مالية تخصص لمصروفات معينة ،بحيث تلتزم الوحدات الحكومية بهذه الاعتمادات ولا تتجاوزها.
3.     الالتزام بنظام محاسبي رقابي فعال على أوجه بنود الصرف .
ويمكن أن نلاحظ أن معايير وقواعد تطبيق الموازنة التقليدية (موازنة البنود) موجودة في التشريع الإسلامي وقبل أن تحددها المحاسبة الوضعية بأكثر من ألف وأربعمائة سنة وكالآتي:
    لقد اقر التشريع الإسلامي بمبدأ تخصيص الأموال ،وقد تم تطبيق قاعدة التخصيص تطبيقا دقيقا لبعض الإيرادات ،وقد ناقشنا ذلك سابقا خاصة فيما يتعلق بتخصيص أموال الزكاة والخمس والكفارات المالية.
    إن التشريع الإسلامي قد حدد كيفية خلق الاعتماد ثم تخصيصه في شكل قواعد أحكم إعدادها وتنظيمها بدقة ألزم بها القائمون على إعداد الموازنة مراعيا في ذلك مصلحة المجتمع الإسلامي وأهدافه، فقد حددت مصادر الشريعة الإسلامية موارد الدولة الإسلامية وكيفية صرفها وتوزيعها في مواضع مخصصة ومحددة لا ينبغي التجاوز في اغلبها.
    إن التشريع الإسلامي قد ركز بصورة كبيرة على موضوع الرقابة على جباية وصرف الأموال ،وشدد على أهميته وخطورته ونرى ذلك واضحا من خلال تنوع المجالات الرقابية المطبقة في النظام الإسلامي المتمثلة بالآتي:
          أ‌-          الرقابة المالية المحاسبية
       ب‌-       الرقابة الذاتية
       ت‌-       الرقابة الإدارية
       ث‌-       الرقابة الشعبية
ثانيا: الموازنات الجارية والموازنات الاستثمارية 
 نتيجة الأخذ بمبدأ التخطيط في كثير من الدول ،نشا ارتباط وثيق بين الموازنة وخطة التنمية ،بحيث تطور مفهوم الموازنة إلى مرحلة سنوية من مراحل تنفيذ الخطة ،ويعتمد تقسيم الموازنة العامة إلى موازنة جارية وموازنة استثمارية على تضمن الأولى الإيرادات والمصروفات الاعتيادية ،وتضمن الثانية على المصروفات المتعلقة بتنفيذ مشروعات التنمية التي تهدف إلى إنشاء أصول جديدة أو زيادة الطاقات الإنتاجية للأصول القائمة أو تحسين اقتصاديات تشغيل هذه الأصول، وعليه فإن: 
الموازنة الجارية: تتضمن النفقات والإيرادات الجارية للوحدات الحكومية أي ما يتم تخصيصه من مبالغ لمواجهة النفقات اللازمة لقيام الوحدات بأداء المهام المكلفة بها ،وتسمى هذه بالموازنة الاعتيادية أي أنها تتضمن الإنفاق الاعتيادي ذو الطبيعة المتكررة(فريح، 1990: 21).
والموازنة الاستثمارية (موازنة الخطة السنوية): تتضمن ما يتم تخصيصه من مبالغ لتنفيذ المشاريع الاستثمارية كالطرق والجسور والمشاريع الصناعية والزراعية والخدمية المختلفة والتي تنتهي بإنشاء مشروع استثماري مستمر أو مشروع خدمي (إنشاء مستشفى ،إنشاء طرق ،جسور،مشاريع مختلفة)( فريح، 1990: 21).
أنواع الموازنات في النظام الإسلامي 
    وإذا لاحظنا أنواع الموازنات التي كانت مطبقة في الدولة الإسلامية وهي موجودة في النظام المالي الإسلامي فإننا نجد الآتي:
أ)الموازنة الجارية :
     يرى بعض الباحثين إن الموازنة الجارية كانت مطبقة في الدولة الإسلامية(الابجي، 1990: 1184)، فقد ورد في عهد الإمام علي(ع) إلى مالك الاشتر(رض) قوله:"..وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة" حيث تعتبر الصدقات والأموال الزكوية المصدر الأول لتغطية رواتب موظفي الولاية وما زاد على ذلك يوزع على الفقراء والمساكين ،يقول أمير المؤمنين(ع):" الناس كلهم عيال على الخراج و أهله" والمقصود بالناس عامة الموظفين والمجاهدين الذين قال عنهم الإمام (ع) :" لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله من الخراج"( الموسوي ، 1998: 258)،وقد ذكر الزهراني في معرض حديثه عن أنواع النفقات في زمن الدولة العباسية انه كان هناك ديوانا خاصا بالنفقات يتألف من عدد كبير من المجالس وهي ما نسميها في الوقت الحاضر بالأقسام ،حيث يختص كل مجلس (قسم) بعمل خاص به ،ومن هذه المجالس مجلس الجاري ،ويسميه البعض بإدارة الرواتب الجارية الذي يختص بإعداد وضبط نفقات المرتزقة[3] وذلك بتنظيمهم بحسب الأعمال المسندة إليهم واثبات أوقات استحقاقهم لرواتبهم معتمدا في ذلك على سجلات أو جرائد يجري إعدادها لهذا الغرض(الزهراني،1986: 113). 
  وعليه، تطبق الموازنة الجارية على بعض أنواع الإيرادات والنفقات التي تتصف بالدورية أو التكرار ،فبعض أنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة والتي تجبى موسميا كزكاة الغلات أو سنويا كزكاة الفطرة ،وكذلك ضريبة الجزية وأنواع الأموال التي يتعلق الخمس بها إن مثل هذه الإيرادات هي إيرادات اعتيادية دورية يمكن تخصيصها لتصرف على نفقات اعتيادية دورية أيضا كأعطيات الجند وأرزاقهم ورواتب و أعطيات العمال، فضلا عن القائمون بالخدمات الاجتماعية العامة كالتعليم والتبشير والدعوة و الطبابة وحفظ الأمن الداخلي وحفظ الثغور والجهاد والإدارة وما شابه ذلك ورواتب العاملون على جباية الضرائب المالية والولاية عليها وتنظيم شؤونها وتسجيل حساباتها (الآصفي، 1973: 63).
ب)الموازنة الاستثمارية :
  لقد ذكرنا سابقا إن التشريع الإسلامي يحث على الأنشطة الاقتصادية التي توفر مستوى العيش الكريم اللائق بالفرد المسلم ،فمبدأ العمل وبذل الجهد في طلب الرزق من اجل تحقيق المستلزمات الاقتصادية للمعيشة ،وعدم جواز الاتكال على الآخرين في سد الاحتياجات المالية ،يعتبر من المبادئ العامة للنظام الإسلامي والذي يعد أيضا من الأعمال المقدسة اللازمة والمقربة إلى الله تعالى(الحكيم،2003: 438)، يقول الإمام الصادق(ع):" إصلاح المال من الإيمان" ( الكافي،ج3 :87)،وهذا الأمر موجه إلى جميع فئات الشعب بما فيها الحكومة ،فتقوم الحكومة أيضا بإنشاء المشاريع الاستثمارية التي تهدف من خلالها إلى تقديم الخدمات العامة للمواطنين وفي الوقت نفسه تدر عليها مبالغ مالية معقولة تساعدها في تغطية نفقاتها المالية المتزايدة، وعلى الرغم من إن الدولة الإسلامية في عهد النبي الأكرم(ص) والخلفاء الأوائل لم تكن –بحكم الظروف الاقتصادية والمالية في ذلك الوقت – بحاجة إلى المزيد من الدخل المادي وحيث إن مواردها المالية كانت كافية لتغطية نفقاتها المالية ،  إلا أنها –الدولة الإسلامية- لم تغلق على نفسها أبواب هذا المورد المشروع عندما تلجئها الظروف المادية إلى البحث عن موارد مالية جديدة ،أو أنها بحاجة إلى البناء والتشييد و الإعمار. فعلى سبيل المثال ،إن مصرف الزكاة كما حددته الآية المباركة لا يقتصر على الأشخاص بل يشمل الجهات العامة والمرافق الاجتماعية التي تخدم المصلحة العامة من الجهات المذكورة في الآية المباركة ،ويفسر الفقهاء قوله تعالى:"سبيل الله" كأحد مصارف الزكاة بأنه يعني الطريق الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى ويشمل كافة المرافق الاجتماعية الخيرية (الآصفي، 1973: 72)،ومن المصالح العامة للمسلمين تعبيد الطرق وبناء الجسور والمستشفيات وملاجئ للفقراء والمساجد والمدارس الدينية ونشر الكتب الإسلامية المفيدة وغير ذلك مما يحتاج إليه المسلمون (السيستاني،2003: 245). 
    إن كل هذه المشاريع تحتاج إلى مبالغ تخصص لها من موازنة الدولة وفق خطة معدة مسبقا عن أنواع هذه المشاريع والمبالغ التي تحتاجها والفترة التي يستغرقها تشييد هذه المشاريع ...الخ، وبالضرورة فان ذلك يستلزم وجود موازنة خاصة بها ، أي إن الموازنة الاستثمارية موجودة في النظام المالي الإسلامي.ونلاحظ إن الموازنة الاستثمارية كانت مطبقة أيضا في الدولة الإسلامية،ففي عهد الإمام علي(ع) إلى مالك الاشتر إشارة واضحة إلى هذا الأمر حيث يقول (ع) :"..وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ،ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد"  فعمارة الأرض ستضيف موارد مالية جديدة يمكن الاستفادة منها في مجال الرواتب والنفقات المتنوعة وتتم جميع هذه النفقات باستقلالية عن الأجهزة المركزية التي لها حصة من هذه الموارد بعد أن يتم استخراج المقادير الضرورية للولاية وبعث البقية للمركز ،ويقول أمير المؤمنين (ع):" وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قِبَلِنا"(الموسوي ،1998: 259)، لقد جعل الإمام (ع) الخراج (الإيرادات العامة للدولة) سبب كل إصلاح تريده الحكومة وهو أساس كل عمران وحضارة في الدنيا، وإن في إصلاحه وصلاح أهله صلاحا للرعية لأن الناس كلهم عيال على الخراج(الفكيكي، 2003: 208).   كما ذكرت الدجيلي إن من ضمن نفقات بيت المال في عهد الدولة الأموية كانت تخصص مبالغ لصرفها على المنشات العامة ،حيث كان ينفق منها على بناء المدن والمساجد وحفر الأنهار وسد البثوق[1] وبناء التحصينات وما شابه ذلك ،وقد بلغت نفقة بناء مدينة بغداد 4833000 درهم ،وفي عام 160هـ اعلم والي البصرة الخليفة بضيق مسجدها والازدحام الشديد فيه ،فأمر له بمائة ألف درهم تنفق على توسيعه،كما كانت الأموال تنفق على بناء تحصينات و أسوار للمدن إذا دعت الحاجة لها،وكذلك تنفق الأموال لسد البثوق وتلافي أخطارها ،فقد صرف على سد بثق بالأهواز اضر بأرضها وزراعتها الكثير مائة ألف درهم(الدجيلي،1976 : 121-122)، كما  ذكر الزهراني انه في زمن الدولة العباسية كان هناك مجلس خاص تابع لديوان النفقات السابق ذكره يسمى "مجلس البناء والمرمة" ويسميه البعض بإدارة المشاريع العمومية ،حيث يتولى مسؤولية التخطيط والتنفيذ والإنجاز الشامل للمباني المطلوبة من الخلافة أو الوزارة ،كما يتولى أعمال التعمير والترميم للمباني القائمة والإشراف على الخدمات المتصلة بذلك ،وذلك اعتمادا على قوائم وسجلات وخطط معدة مسبقا عن هذه المشاريع تتضمن معلومات تفصيلية عنها( الزهراني، 1986: 116) ،كما إن ديوان الخراج كان يرتبط بديوان النفقات من خلال قيام الأول بمسائل كثيرة مثل الإشراف على الأراضي والصرف على عمارة تلك الأراضي واستحداث مشاريع جديدة كتشييد القناطر والجسور والنواظم وإنشاء القنوات للري ،وتقديم المقترحات عن المشاريع واستقدام المهندسين والفعلة وتوفير المواد اللازمة للمشاريع ومتابعة العمل فيها وتظهير الأنهار العظام والقنوات والمجاري والمساقي (الزهراني، 1986: 121)،ويبين لنا الشكل رقم(5)  الهيكل التنظيمي لديوان النفقات في زمن الدولة العباسية[4]:
 
الشكل رقم(5)
 
الهيكل التنظيمي لديوان النفقات في زمن الدولة العباسية 
 
 
 مجلس         مجل       مجلس             مجلس             مجلس            مجلس              مجلس         مجلس 
لجاري       البناء والمرمة الإنزال            الكراع       الحوادث والتحرير  الإنشاء            النسخ    بيت المال  
                                                                                                     
ثالثا: الموازنة النقدية والموازنة العينية:
هنالك أنواعا أخرى للموازنة العامة للدولة في النظام المحاسبي الوضعي كالموازنة العينية والموازنة النقدية ،حيث يقصد بالموازنة العينية (خطة الوحدة في صورة عينية أي في صورة وحدات كمية أو فنية )حيث يكون الغرض من تصوير هذه الموازنة هو تحديد الاحتياجات العينية للوحدات حتى يمكن للخطة تدبيرها مقدما(الابجي،1990: 1182)،أما الموازنة النقدية فهي توضح جانبي المقبوضات والمدفوعات النقدية وتهدف لقياس الفائض أو العجز النقدي الذي يمكن أن يحدث عند تنفيذ خطة الموازنة(الابجي،1990: 1182).
    ويمكن أن نلاحظ إن هذا النوع من الموازنات موجود في النظام المالي الإسلامي وكان مطبقا في الدولة الإسلامية:
أ)الموازنة العينية :
وتتمثل بعناصر الإيرادات التي كانت تحصل بصورة عينية ،كبعض أنواع الأموال التي تتعلق بها الزكاة مثل زكاة الأنعام وزكاة الغلات ،وقد مر بنا بعض الأحاديث الشريفة التي تبين كيفية استخراج مقدار الزكاة في أنواع الأنعام (الغنم والبقر والإبل) ،وكذلك في أنواع الغلات الأربعة (الحنطة والشعير والتمر والزبيب)،ويذكر الزهراني انه في عهد الدولة العباسية كان هناك ديوانا تابعا لديوان النفقات يسمى ديوان "الإهراء" الذي يتولى مهمة تسلم جميع الأموال العينية من الغلال كالقمح والشعير ،وكل أنواع الحبوب التي يحتاج إليها في العاصمة ،وهذه الأموال ترسل من الأقاليم إلى بيت المال في العاصمة(المركز) فيقوم ديوان الإهراء بالإشراف عليها والنظر فيها (الزهراني،1986: 134).
ب)الموازنة النقدية:
وتتمثل بعناصر الإيرادات التي كانت تحصل بصورة نقدية ،وهي واضحة أيضا في أنواع الأموال الأخرى التي تتعلق بها الزكاة كالإيرادات المستحصلة من أرباح التجارة وزكاة النقدين(الذهب والفضة) وإيرادات الأراضي الخراجية وبعض أنواع الكفارات والنذور والإيرادات الخمسية من أرباح المكاسب،وكان في الدولة العباسية ديوانا باسم ديوان الخزان تنحصر وظيفته في الإشراف على ما يرد إلى بيت المال في الحضرة (المركز) من أقاليم الدولة من صنوف الأموال النقدية أو العينية والأقمشة وغيرها من الملبوسات المتنوعة سواء كانت عسكرية أو مدنية(الزهراني،1986: 134).
قواعد إعداد الموازنة العامة 
توجد في المحاسبة الوضعية قواعد معينة تنظم عملية إعداد ووضع وصياغة الموازنات ،وهي تتعلق بكيفية جباية الإيرادات وتقديرها واحتسابها وتوزيعها ،فضلا عن طرق تقدير المصروفات ،وهذه القواعد:
القاعدة السنوية: وهي تتعلق بتحديد فترة زمنية محددة لإعداد الموازنة ،وهي عادة تكون عن سنة مالية واحدة ،ويفضل أن تكون الفترة سنة واحدة لتغطية جميع العوامل الموسمية التي تؤثر على الإنفاق العام وعلى الموارد العامة ،فضلا عن دقة التقديرات الأمر الذي لن يتحقق لو كانت المدة طويلة نسبيا(الجعويني،1974: 310)، وهذا الأمر يساعد على تحقيق نظام رقابة فعال لجوانب صرف النفقات وتحصيل الإيرادات(الحجاوي،2004: 160)،وقد تحدث ظروف استثنائية تقتضي الخروج على قاعدة السنوية، كما في حالة الحروب التي قد تتطلب إعداد الموازنات لفترة تقل عن سنة(هلالي،2002: 62).
قاعدة الوحدة: وتعني أن يكون للدولة موازنة واحدة تحتوي على كافة النفقات والإيرادات كرقم واحد ،وليست الموازنة العامة للدولة مجزأة إلى موازنات مستقلة(طرابزوني،1994: 173)،ويعتقد إن الهدف من وراء ذلك وضوح عرض تقديرات الموازنة وتجنب الازدواج الحسابي الذي ينتج عن تعدد الموازنات ،إلا إن كثيرا ما تستدعي الظروف الخروج عن قاعدة الوحدة والأخذ بفكرة تعدد الموازنات كالموازنات غير العادية أو الملحقة أو المستقلة (الجعويني،1974: 309)ويلاحظ إن كثيرا من الدول بدأت تخرج عن قاعدة الوحدة في إعداد موازناتها نتيجة عوامل وظروف مختلفة وبذلك تعددت موازنة الدولة ،كأن يتم فصل موازنات الأقاليم والمناطق عن موازنة السلطة المركزية(طرابزوني،1994: 174)، كما أنشأت الدول مؤسسات عامة ذات استقلال مالي وإداري مما أوجد لها موازنات خاصة بها، وموازنات ملحقة ،وحسابات سلف وأمانات نقدية ولا تدخل ضمن حسابات الموازنة العامة(احمرو،2003: 68).
قاعدة العمومية:ويطلق عليها أحيانا قاعدة عدم التخصص أو الشيوع،وطبقا لذلك يجب ألا تخصص إيرادات مصلحة معينة للإنفاق على نشاطها ،أو إيرادات إقليم معين للصرف على الخدمات العامة في هذا الإقليم ،كما يجب ألا تخصص إيرادات معينة لمقابلة مصروفات معينة (الحجاوي،2004: 160)،و إنما يتم توجيه الموارد العامة للصرف منها حسب درجة الأهمية والأولوية ، إلا إن لهذه القاعدة استثناءات أيضا مثال على ذلك تحصيل رسوم أرضية جمارك للصرف منها على تحسين أوضاع الجمارك، أو تحصيل رسوم مغادرة من المطارات للصرف منها على تحسين أوضاع المطارات(طرابزوني،1994: 174).
قاعدة التوازن: كانت فكرة التوازن المالي المطلق هي السائدة في ظل النظام الاقتصادي الكلاسيكي ،وهي تقضي بضرورة تساوي حجم النفقات مع الإيرادات بدون فائض أو عجز ،فاختلال التوازن –بالفائض أو العجز- غير محبذ(احمرو،2003: 69). إلا إن ظهور الأزمات الاقتصادية المتكررة والكوارث والحروب، أدى إلى زيادة تدخل الدولة وإشرافها على النشاط الاقتصادي لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية وعليه فقد تغيرت فكرة التوازن المالي الكمي للموازنة إلى فكرة التوازن الاجتماعي والاقتصادي ،بمعنى ضرورة أن تسعى الموازنة إلى إحداث نوع من التوازن في الإنفاق لإشباع حاجات المجتمع وأهدافه الاجتماعية والاقتصادية  بغض النظر عن نتيجة هذا التوازن ومدى تأثيره على التوازن المالي أي سواء أدى ذلك إلى فائض أو عجز في الميزانية ،وهذا ما نادى به الفكر الاقتصادي الكينزي في  الثلاثينيات من القرن الماضي. 
قواعد إعداد الموازنات في التشريع الإسلامي 
     يلاحظ إن اغلب القواعد والمعايير المتعلقة بإعداد وصياغة الموازنة العامة للدولة المعمول بها في الوقت الحاضر ،موجودة في النظام المالي الإسلامي وكانت تطبق في الدولة الإسلامية ،ويمكن توضيح ذلك كالآتي:
أ)قاعدة السنوية
لقد مر بنا تعدد وتنوع مصادر الإيرادات العامة في النظام المالي الإسلامي ،كما بينا خصوصية كل مصدر بحيث يكون من الأفضل إعداد موازنة خاصة لكل نوع منها ،فهناك إيرادات تجبى بشكل دوري أي بشكل منتظم كل فترة محددة قد تقدر بسنة مثل زكاة الفطرة والجزية والخراج والأضحية التي تجب على كل حاج ،والسنة قد تكون سنة هجرية هلالية(قمرية) أو سنة شمسية ،فالخراج على سبيل المثال إذا كان يجبى على أساس مساحة الأرض فانه معتبر بالسنة الهلالية ،أما إذا كان يجبى على أساس مساحة الزرع فانه معتبر بالسنة الشمسية ،وقد اعتمد نظام الجباية في أمصار الدولة الإسلامية على السنة الهلالية منذ أيام الفتوحات فيما يتصل بالصدقات والجوالي أما في القرى فقد ارتبطت ضريبة الجوالي بجباية ضرائب الأرض و الزروع التي تجبى عادة وفق السنة الشمسية(السامرائي،1990: 793)،وفي مثل هذه الحالات فان الموازنة تعد على أساس سنوي(سواء سنة هلالية أم شمسية) قال الشافعي :" وأحب أن يبعث الوالي المصدق فيوافي أهل الصدقة مع حلول الحول ، فيأخذ صدقاتهم ، وأحب ذلك في المحرم " (الخراساني، 1413: 443)ويسمى ذلك  بالتشريع الإسلامي الأساس الحولي ،والحول كما هو معروف السنة ،وحال عليه الحول أي مضت عليه سنة.
     كما إن هناك إيرادات ذات طبيعة موسمية مثل زكاة الغلات وخراج المقاسمة فان الموازنة في هذه الحالة تعد على أساس يتناسب مع فترات تحصيل تلك الإيرادات وهنا قد تقل الدورة المحاسبية عن سنة كما في قوله تعالى :" وآتوا حقه يوم حصاده" وذلك لغرض احتساب زكاة الغلات،قال أحمد بن حنبل : "ووقت وجوب الزكاة في الحب إذا اشتد وفي الثمرة إذا بدا صلاحها" (الخراساني، 1413: 463)وهناك أيضا إيرادات غير عادية مثل النذور والهبات والكفارات والتركات التي لا وارث لها ،فان الموازنة لهذه الإيرادات ترتبط بوقت الحصول عليها (الابجي،1990: 1133).
لقد طبقت قاعدة السنوية(الدورية) في مجال إعداد الحسابات الختامية للشركات والمنشآت الفردية لغرض حساب الزكاة كما طبقت في الدواوين الحكومية لمعرفة المركز المالي والفائض أو العجز في موازنة الدولة (العيساوي،2003: 187)، كما استخدم الحول (السنة) أساسا لتقدير الدخل والخراج للولايات الإسلامية كما مر.
أن مفهوم السنوية أو الدورية أو الحولية موجود في التشريع الإسلامي وقد عرف منذ بداية تأسيس الدولة الإسلامية ، الذي كان لازما لقياس وتحديد مقادير الزكاة واحتساب واردات بيت المال ونفقاته، في حين انه لم يظهر هذا المفهوم في المحاسبة الوضعية إلا عند ظهور الشركات المساهمة والتشريعات الضريبية(العيساوي،2003  : 190).
     إلا  إن قاعدة السنوية ليست قاعدة عامة في النظام المالي الإسلامي لتحديد فترة الموازنة ،و إنما القاعدة العامة لذلك تكون على أساس ربط الإنفاق العام بطبيعة الإيرادات وفترات تحصيلها (جبايتها)،وبذلك يظهر الفرق واضحا بين عملية تحديد فترة الموازنات في النظام المالي الوضعي وعملية تحديدها في النظام المالي الإسلامي ،حيث إن الأول يعتبر قاعدة السنوية هي الأساس في ذلك في حين إن الثاني يعتبرها قاعدة ثانوية،وبالرغم من ذلك فان النظام المالي الإسلامي قد أكد على أن لا تزيد تلك الفترة عن السنة،فالحد الأقصى الذي لا ينبغي أن تزيد عنه فترة الإنفاق هو السنة أو الحول ،وفي ذلك يقول الغزالي:"فلا يأخذن مالا كثيرا بل ما يتمم كفايته من وقت أخذه إلى سنة ،فهذا أقصى ما يرخص فيه ، من حيث إن السنة إذا تكررت ،تكررت أسباب الدخل"(الأبجي، 1990 :1134).
ب)قاعدة الوحدة
    يتضح من القاعدة السابقة إن النظام المالي الإسلامي يطبق قاعدة تعدد الموازنات وليس الوحدة ،فتنوع الإيرادات وتعددها وخصوصيتها من جهة ،ومن جهة أخرى تحديد مواضع صرف بعض الإيرادات وتعدد مصارفها وتخصيصها ،كل ذلك يستلزم  تعدد الموازنات.ويرى البعض ضرورة إعداد موازنة خاصة لكل نوع من أنواع الإيرادات كموازنة للزكاة وأخرى للخراج وثالثة للغنائم ،وهناك من يرى ضرورة إعداد ثلاث موازنات إحداها للزكاة والثانية للغنائم والفيء والثالثة لما عدا ذلك من الإيرادات كالخراج ولكل منها إيراداتها ومصارفها (الأبجي، 1990  :1135). 
    أما إعداد الموازنات على مستوى الأقاليم أو المناطق ،فقد كان في بادئ الأمر يتم تخصيص إيرادات كل منطقة للصرف منها على المنطقة نفسها ،فقد كانت القاعدة العامة في النظام المالي الإسلامي إن يخصص لكل مصر ما يجبى من المقاطعات التي فتحها مقاتلة ذلك المصر، وعلى ذلك فان الدخل الرئيسي للبصرة –مثلا- يأتي من خراج المقاطعات التي فتحها مقاتلة البصرة (العلي،1969: 131) ،وهكذا بالنسبة لبقية الأمصار.ولكن الدولة اضطرت في بعض الأحيان أن تدفع العطاء للمهاجرين والأنصار والمسلمين الأوائل حتى إذا لم يشتركوا بالفتوحات الإسلامية ،كما إن واردات بعض المقاطعات كانت لا تكفي لسد حاجة الولاية التي فتحتها  ،لهذا يخصص لأهل (البصرة) واردات بعض المقاطعات التي فتحها الكوفيون وحدهم أو بالاشتراك مع البصريين (كنهاوند و اصفهان أو قسم من الأهواز وتستر )وهي من فتوح أهل الكوفة والبصرة معا(الزبيدي،1970: 222) .
    فالأساس هو إنفاق الموارد المحصلة محليا على المناطق التي جبيت منها ،فان كانت الأموال محصلة من الزكاة وجب إنفاقها على الفقراء وسائر مصارف الزكاة محليا ،وان كانت أموالا عامة مثل الخراج كان إنفاقها للمصالح العامة محليا أيضا ، مما يستلزم ضرورة إعداد موازنات محلية لكل منطقة على حدة ولكل نوع من أنواع الإيراد(الابجي،1990: 1137).
    فالنظام المالي الإسلامي يرى ضرورة تعدد الموازنات ،وهذا الأمر قد اخذ به النظام المالي الوضعي مؤخرا ،وبدأت تطبقه بعض الدول في الوقت الحاضر وبصور مختلفة منها (طرابزوني،1994: 173):
•        تقسيم الموازنة على قطاعات نوعية (زراعة ،صناعة ،مواصلات، إسكان،الخ) ثم يعاد تقسيمها طبقا للمقومات الإدارية للدولة(حكومية ،هيئات عامة، مؤسسات اقتصادية).
•        الفصل بين الموازنات الاستثمارية وموازنات التحويلات الرأسمالية.
•        فصل موازنات الأقاليم والمناطق عن موازنة السلطة المركزية.
•        إعداد موازنات لحالات طارئة تكون مستقلة وملحقة بالموازنة العامة للدولة.
ج) قاعدة العمومية
  يتميز النظام الاقتصادي الإسلامي بالمرونة والتكيف طبقا للظروف المستجدة والأحوال المستحدثة ،ونرى ذلك واضحا في قاعدة العمومية ،فالنظام المالي الوضعي يؤمن بعدم اعتبار التخصص أو الشيوع قاعدة أساسية لتخصيص الإيرادات الخاصة بموازنة سنة معينة ،والخروج عن هذه القاعدة يعتبر استثناء كما ذكرنا ذلك سابقا ،في حين إن النظام المالي الإسلامي نراه مرنا من هذه الناحية ،فهو لكي يحقق أهدافه الاجتماعية والاقتصادية المتمثلة أساساً بتحقيق العدالة الاجتماعية ،قد اخذ بقاعدة العمومية وقاعدة التخصيص على حد سواء ،وقد تحدثنا عن موضوع تخصيص بعض أنواع الأموال وتعيين مواضع صرفها والأهداف التي يروم التشريع الإسلامي إلى تحقيقها من وراء ذلك، وخاصة فيما يتعلق بتخصيص موارد الزكاة والخمس والكفارات .
    وفي الوقت نفسه، فقد اخذ الشارع المقدس بقاعدة العمومية ،ولكن لأنواع معينة من الإيرادات أهمها الأنفال التي تتميز بتعدد أنواعها، حيث تنفق هذه الإيرادات على المصالح العامة للأمة كافة ،كبناء المدارس والمستشفيات والجسور والقناطر وشق الطرق والأنهار ونحوها ،وعليه فكل الإيرادات المتمثلة بالأنفال وسائر الإيرادات التي تجبيها الدولة تنفق على كافة النفقات العامة دون تخصيص إيراد محدد لنفقة محددة(الابجي،1990: 1139).
د) قاعدة التوازن
     يؤمن النظام الاقتصادي الإسلامي بما فيه النظام المالي والمحاسبي ،بضرورة تحقيق التوازن ولكن ليس التوازن المالي المطلق،و إنما التوازن الاجتماعي ،أي التوازن في مستوى المعيشة الذي يعني أن يكون المال موجودا لدى أفراد المجتمع ومتداولا بينهم إلى درجة تتيح لكل فرد العيش في المستوى العام (الصدر،1973 :626)،وبالتالي فان إعداد الموازنة العامة للدولة لابد أن يقوم على هذا الأساس أي التوازن الاجتماعي والاقتصادي.
  ويمتاز النظام المالي الإسلامي –كما لاحظنا- بصلاحيته الواسعة لموازنة الموارد المالية للدولة بنفقاتها العامة،فنجد إن الدولة الإسلامية تنظم مواردها المالية في حدود نفقاتها ومصروفاتها ،وذلك لتحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية من خلال مسايرة الحاجات المادية في المجتمع وتسيير المرافق العامة من دون أن يقع عبئ هذه المرونة على كاهل الطبقة الفقيرة في المجتمع(الآصفي ،1973: 19)،وفي هذا السياق فقد كان النبي الأكرم(ص) يحرص على التوازن الاجتماعي والاقتصادي ،وهو ما سار عليه الخلفاء من بعده فنرى الإمام علي(ع) قد بادر وفور تسلمه زمام الأمور مباشرة إلى إلغاء طريقة توزيع المال التي اعتمدت فيما سبق ،فقد استبدل  طريقة التمييز في العطاء بطريقة المساواة في التوزيع التي انتهجها رسول الله(ص) ،فألغى (ع) كل أشكال التمييز في توزيع المال على الناس ،مؤكدا إن التقوى والسابقية في الإسلام والجهاد والصحبة للرسول (ص) أمور لا تمنح أصحابها  مراتب أو مميزات في الدنيا ،و إنما لتلك المزايا ثوابها عند الله في الآخرة ،أما في هذه الدنيا فان الناس سواسية في الحقوق المالية وأمام القضاء الإسلامي وفي الواجبات والتكاليف(البلاغ،2000: 532)ومن الطبيعي أن تؤدي هذه السياسة إلى حدوث عجز أو فائض ،إلا إن النظام المالي الإسلامي وبسبب صلاحيته الواسعة في موازنة الموارد المالية بالنفقات العامة قد نظم هذه الموارد في حدود النفقات والمصروفات العامة للدولة –كما أشرنا قبل قليل- وبالتالي قد عالج مسالة الفائض أو العجز من دون التأثير على المصالح العامة للمجتمع الإسلامي،وخاصة الطبقة الفقيرة في المجتمع ،وهذا الأمر قد اتضح من خلال استعراض واجبات ومسؤوليات الدولة في الاقتصاد الإسلامي في الفصل السابق.
ه) معيار توحيد التبويب والمصطلحات
ورد في هذا المعيار وجوب استخدام المصطلحات ذاتها في كل من الموازنة والنظام المحاسبي والتقارير المالية لكل مال وعلى الأخص الأموال الحكومية القابلة للإنفاق لكي تحقق شرط الإلزام القانوني ،فضلا عن تحقيق مزايا التجميع والمقارنة(Hay,1993,4) .
    إن ما ورد في هذا المعيار من توحيد للمصطلحات المستخدمة هو بهدف ضمان الدقة في العمل المالي والمحاسبي للإدارات الحكومية ،وضمان توفير معلومات منطقية منصفة لخدمة الصالح العام ، وهذا الأمر لا يتنافى إطلاقا مع مبادئ الإسلام عموما ومبادئ و أهداف ومعايير النظام المالي والمحاسبي الإسلامي بل نجده متطابق تماما معه، فالتشريع الإسلامي تشريع يوافق العدل والمنطق السليم والإنصاف ويسعى إلى تحقيق المصلحة العامة دون تحيز لفئة دون أخرى ،وتوحيد المصطلحات المستخدمة بهدف الدقة في العمل و إتقانه  هو أحد الجوانب المهمة للاقتصاد الإسلامي ،فهو مبني على العدل والمنطق والإنصاف والدقة في العمل.
   ولكن لابد من لفت الانتباه إلى ملاحظة وهي ،إن لكل زمان ومكان مصطلحات ومسميات خاصة به ،فالمعروف إن النظام المحاسبي –وأي نظام اجتماعي- نظام يتأثر بالعوامل البيئية المحيطة به كالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية ...الخ ،وبالتالي فان النظام المحاسبي ومكوناته في دولة أو مجتمع ما يتأثر بالعوامل البيئية لتلك الدولة ،لذلك فنحن لا نتوقع أن نجد المصطلحات والمسميات التي يستخدمها أل GASB ذاتها في الدولة الإسلامية لاختلاف العوامل البيئية بين المجتمعين ،إلا إن الغرض أو الهدف والغاية والمعنى لتلك المصطلحات والمسميات هي التي قد نجد نسبة لا باس بها من التوافق والتطابق،وقد كان هناك العديد من المصطلحات المحاسبية المستخدمة في عهد الدولة الإسلامية يتم تداولها واستخدامها بصورة  عامة وموحدة  في بيت المال والدواوين الأخرى المرتبطة مباشرة به كديوان الخراج وديوان النفقات وديوان الزمام ونحوها.
    وقد عرضنا مجموعة من المصطلحات المحاسبية الإسلامية في الفصل السابق ونورد هنا  مجموعة أخرى من هذه المصطلحات والتي كانت تستخدم في عهد الدولة العباسية وما يقابلها من مصطلحات في الوقت الحاضر(الزهراني، 1986: 459):
    الاطلاقات أوجه الصرف ،وهو يعبر عنه في الوقت الحاضر بأوامر الصرف.
    الجاري هو المعاش المستمر صرفه وجريانه على الدوام.
    الجهبذ كاتب برسم الاستخراج والقبض وكتابة الوصولات وعمل المخاريم والختمات  وتوابعها.
    الحوادث هي النفقات الطارئة أو الحادثة ،وهي بعكس النفقات الثابتة ،وهو أحد مجالس ديوان النفقات.
    السفاتج يقصد بها إن يعطي رجل مالا لآخر ،وللأخذ مال في بلد المعطي فيوفيه إياه هناك فيستفيد أمن الطريق.
  الصك هو وسيلة من وسائل الائتمان ،وهذا المصطلح نفسه متداول في الوقت الحاضر وهو أمر خطي بدفع مقدار من المال إلى الشخص المسمى فيه ،وقد استعمل الصك في دفع  الرواتب وخاصة رواتب الجيش.
    المياومة  أي دفع الأرزاق أو تقدير النفقات باليوم الواحد.
    المشاهرة أي دفع الأرزاق أو تقدير النفقات بالشهر الواحد.
    المناومة  أي دفع الأرزاق أو تقدير النفقات بالسنة الواحدة
    الهدايا مصطلح مرادف للجوائز والصلات والمنح.
    المعاش مصطلح مرادف لكلمة العطاء أو الرزق أو الراتب.
  الاسكدار كلمة فارسية ،أصلها "اذكرداري" أي من أين تمسك الدفاتر؟ وهو اسم مجلس من  المجالس الإدارية في ديوان النفقات والخراج وبيت المال وديوان الجند.
    الخزينة كلمة عربية مرادفة لبيت المال ،وجمعها خزائن.
    التلميظ أن يطلق لطائفة من المرتزقين(موظفي الدولة) بعض أرزاقهم قبل موعد الاستحقاق.
6) معيار محاسبة الموجودات الثابتة 
قبل البحث في موضوع معالجة الموجودات الثابتة محاسبيا في إطار النظام المحاسبي الحكومي الإسلامي،نؤكد على إن الغرض من هذا البحث ليس مناقشة التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع بقدر ما يهمنا إثبات أصالة وجود هذا الموضوع أو أسسه وجذوره في التشريع الإسلامي ، كما نؤكد على إن المواضيع التي تخضع للنقاش والبحث حول أصالتها تتعلق بالمعاملات المشروعة ،أما المعاملات غير المشروعة (المعاملات المحرمة) في الإسلام فهي خارج نطاق البحث ،ولن يتم التعرض لها .
    حددت لجنة GASB في المعيار الخامس والسادس والسابع من البيان الصادر عنها –السابق الذكر- المعالجات المحاسبية المتعلقة بالموجودات الثابتة والالتزامات طويلة الأجل ،في إطار النظام المحاسبي الحكومي على مستوى الدولة،من حيث تصنيف تلك الأصول (أو الالتزامات) وتقويم الأصول الثابتة واحتساب الاندثارات عليها ،وفي حدود البحث الحالي سيقتصر على دراسة معالجة الموجودات الثابتة وتقويمها واحتساب الاندثار عليها على مستوى الوحدات الحكومية.
ويفترض أن تتضمن محاسبة الموجودات الثابتة بيانات خاصة بالتقييم والعمر الزمني لاستعمال الموجودات والتكلفة الاستبدالية ومتطلبات الجرد والتثبت من حيازة الموجودات الثابتة ،وما يتبع ذلك من محاسبة الاندثارات عليها.
     تهتم المنشآت الاقتصادية في القطاع الخاص بأسلوب معالجة الموجودات الثابتة لديها وتقويمها واحتساب الاندثار عليها لأسباب عديدة لعل أهمها احتساب الأرباح ،فهي منشآت أنشأت أساسا لتحقيق الأرباح،وبالتالي لابد من عرض خلاصة سنوية لحسابات المنشاة تعكس بشكل واضح ومباشر قدر الإمكان كل العناصر والبنود المؤثرة في تحديد الربح أو الخسارة من مصروفات وإيرادات ،ومصروف اندثار الأصول الثابتة ذو تأثير معنوي على هذا التحديد فالاندثار في منشات القطاع الاقتصادي الخاص الهادف إلى تحقيق الأرباح هو أحد عناصر النفقات التي تتحملها الحسابات الختامية لأية سنة إنتاجية (الصائغ، 1981: 16)، علاوة على ذلك فان المنشات الاقتصادية الخاصة تحتاج إلى احتساب الاندثارات على أصولها الثابتة لغرض تحديد تكوين مخصص الاندثار المتراكم  الذي تستخدمه المنشاة  لغرض استبدال الأصل عند انتهاء عمره الإنتاجي(استهلاكه) ومن ثم تعويض رأس المال عن التآكل،مضافا إلى ذلك إن معالجة الأصول الثابتة وما يتبعها من محاسبة الاندثارات  تتناسب مع تطبيق أساس الاستحقاق المحاسبي الذي تأخذ به وتطبق تلك المنشات.
     إلا إن الأمر يختلف في الوحدات الحكومية الخدمية غير الهادفة إلى تحقيق الربح، وقد يكون أكثر تعقيدا وصعوبة ، فهذه المنشات لا تهدف من وجودها إلى تحقيق الأرباح ،وإنما تقديم خدمات عامة ،ومن ثم لا تحتاج إلى التفرقة بين المصروفات الإيرادية والمصروفات الرأسمالية لكي يتم تحديد حسابات النتيجة والمركز المالي[5]، وقد أدى ذلك إلى عدم الحاجة أيضا إلى محاسبة الاندثار للأسباب ذاتها ،فضلا عن ذلك فان محاولة تقييم الموجودات الثابتة في أية دولة هي عملية ضخمة ذات نتائج غير مجدية ،من حيث تباين هذه النتائج بين اللجان المختلفة المشرفة على هذا التقييم وتباين الوقت الذي يتم فيه التقييم واستحالة تقييم بعض الموجودات لأسباب متعددة منها قيمتها الحضارية أو  الجوانب السرية (الصائغ، 1981: 23).
   من جهة أخرى يعتبر تسجيل الموجودات الثابتة دفتريا وسيلة لتحقيق متطلبات الرقابة على حيازة هذه الموجودات واستخدامها للأغراض التي اقتنيت أو امتلكت من أجلها وعدم التصرف بها إلا في إطار ما يسمح به القانون أو الصيغة الشكلية التي يسمح بها لهذا التصرف سواء في حالة الإتلاف أو الإهداء وهو ما تحكمه القوانين والتشريعات والتعليمات الحكومية النافذة في أغلب الأحيان (الصائغ، 1981: 23)، وهذا ما أيده المعيار رقم 34 الذي أصدره ألGASB  في عام 1999 والذي كان بعنوان Financial statements &Management’s Discussion & Analysis for state & local Government ،فقد ورد في هذا المعيار دعوة إلى تكامل القوائم المالية والإعداد الموسع الشامل للتقارير الحكومية ،وتحسين إعداد تقارير المحاسبة الحكومية ،وقد ورد في هذا المعيار أن المعلومات والتقارير الخاصة  بأصول البني التحتية (الأصول الثابتة كالجسور ) هي من الإجراءات المحققة لهذا الهدف ،وهي تعتبر معلومات وتقارير مهمة وأساسية لغرض تطبيق الرقابة المحاسبية على كل الأصول الحكومية واستخراج كلفة خدماتها،كما تضمن المعيار نموذجا ودليلا عمليا في كيفية وضع التكاليف التقديرية وإعداد التقارير العامة لأصول البني التحتية .
     إن إصدار مثل هذا المعيار يدلل على أهمية وضرورة معالجة الأصول الثابتة والمحاسبة عنها وعن اندثاراتها على مستوى الوحدات الحكومية ،والذي يعمل على توفير معلومات مفيدة وملائمة لاتخاذ القرارات المختلفة من قبل مستخدمي القوائم والتقارير الحكومية بالرغم من الصعوبات والعوائق التي تعترض تطبيق ذلك ، من جانب آخر فإنه على الرغم من أهمية موجودات الدولة باعتبارها الثروة القومية إلا أنه يلاحظ انعدام استخدام الحسابات النظامية في التنظيم المحاسبي في العراق ، وفي دراسة سابقة أوصى سلوم(2004: 70): "باستخدام الحسابات النظامية بهدف الحصول على قيود دفترية في السجلات المحاسبية تقابل الموجودات التي دخلت في حيازة الوحدة وكذا الحال بالنسبة إلى حسابات التخصيصات فيما يتعلق باندثار الموجودات لتحقيق الرقابة عليها وعدم ضياعها بالتقادم".
ويتم تقييم الموجودات الثابتة في المحاسبة الوضعية باستخدام مبدأ التكلفة التاريخية ،الذي يعتبر من المبادئ المحاسبية الأساسية في هذه المحاسبة ،حيث يتم الالتزام به كأساس لتقويم الأصول (المتداولة والثابتة) ،ويقضي هذا المبدأ بأن التكلفة تمثل عادة أفضل مقياس محاسبي للسلع والخدمات التي استحوذت عليها المنشأة ،وهي تمثل مقياس للتكلفة الفعلية التي تحملتها المنشاة في الحصول على الموارد الإنتاجية وتهيئتها للاستعمال في الغرض الرئيسي لها (العادلي وآخرون، 1986: 89)، وهي تقاس بالثمن النقدي المعادل لتلك الموارد ،ويستند تفضيل التكلفة التاريخية في المحاسبة الوضعية إلى عدة مبررات أهمها إمكانية التحقق من التكلفة التاريخية مما يعكس درجة أكبر من الموضوعية وبالتالي الموثوقية وإمكانية الاعتماد على بيانات التكاليف التاريخية ،فضلا عن  أن مبدأ التكلفة التاريخية يتوافق مع عدد من الفرضيات والمبادئ والمفاهيم المحاسبية الأخرى كمبدأ تحقق الإيرادات ومعيار الموضوعية وثبات وحدة النقد.
إلا أنه بالرغم من هذه المبررات ،فإن مبدأ التكلفة التاريخية قد تعرض لكثير من الانتقادات التي أثيرت حول صحة الاعتماد على هذا المبدأ كأساس لتقييم الأصول والخصوم وقياس الربح الدوري،وتزداد حدة هذه الانتقادات والاعتراضات خصوصا في حالة تغير مستويات الأسعار،فتطبيق مبدأ التكلفة التاريخية في حالة تغير مستوى الأسعار يؤدي إلى عدم سلامة واتساق القياس المحاسبي لأن يتم مقابلة المصروفات (بأسعار تاريخية) مع الإيرادات (بأسعار حالية) في حين يفترض محاسبيا استخدام أساس واحد في المقابلة ، أما اختلاف أسس القياس فإنه يؤدي إلى وجود خليط من الأرباح التشغيلية ومكاسب الاحتفاظ أو المضاربة ،كما أن تضخم رقم الأرباح يؤدي إلى زيادة في الضرائب وفي توزيعات الأرباح ،وبالتالي تفقد التكلفة التاريخية خاصية المحافظة على رأس المال بقوته التشغيلية ،وتصبح عملية المحافظة على رأس المال بعدد الوحدات النقدية كأرقام في السجلات معلومة بعيدة عن الواقع(العيساوي، 2003: 68)، علاوة على ذلك فإن التكلفة التاريخية لا تعترف بالموجودات غير الملموسة إلا عند حصول واقعة التبادل فشهرة المحل أو خبرات الإدارة أو المزايا الاحتكارية أو الموارد البشرية ونحوها لا تظهر في السجلات .
ونتيجة للانتقادات الموجهة إلى التكلفة التاريخية ظهرت دعوات إلى إيجاد بدائل عنها ،فظهرت التكلفة التاريخية المعدلة[6]، والكلفة الجارية والتكلفة الاستبدالية و التكلفة التاريخية المعدلة وغيرها ، ومما يعزز هذه الانتقادات ويؤيدها وجود الكثير من الاستثناءات في التطبيق المحاسبي التي خرجت عن مبدأ التكلفة التاريخية بسبب طبيعة الأصول المستثناة في التقويم مثل المخزون والاستثمارات المالية قصيرة الأجل وحسابات المدينين أو لغرض زيادة فاعلية كفاءة التقارير المالية علاوة على كونها رد فعل للانتقادات الموجهة إليها ،فحسابات المدينين تظهر في الميزانية مطروحا منها خصص الديون المشكوك في تحصيلها ،والمخزون يقوم بسعر التكلفة أو السوق أيهما أقل أو يقوم المخزون بسعر السوق عندما تكون هناك سوق مستقرة وشبه مؤكدة والإنتاج مضمون البيع ،والاستثمارات المالية تظهر في الميزانية مطروحا منها مخصص هبوط الأوراق المالية حيث يؤخذ بسعر السوق عندما يكون أقل من التكلفة(العيساوي، 2003  : 70).أما فيما يتعلق بمحاسبة الاندثار على الأصول الثابتة فهو يعتمد أساسا على تطبيق مبدأ التكلفة التاريخية. هذا فيما يتعلق بمعالجة الموجودات الثابتة في المحاسبة الحكومية الوضعية ،أما في المحاسبة الحكومية الإسلامية فإن الأمر مختلف  وهو ما  سيتم توضيحه بعد قليل.
محاسبة الموجودات الثابتة –للوحدات الحكومية- في التشريع الإسلامي
   إن جميع المنشآت تقريبا وعلى اختلاف أنواعها لا تستطيع الاستغناء عن استخدام بعض الأصول ذات الآجال الطويلة نسبيا في عمليات إنتاج وتوزيع السلع والخدمات ،إلا أن شكل ومدى الاعتماد على تلك الأصول يختلف باختلاف طبيعة النشاط ،وتضم هذه الأصول المعمرة في مجموعة بعض البنود التي لها وجود مادي ملموس مثل العقارات والآلات والمعدات وهي ما يطلق عليها عادة لفظ الأصول الثابتة وهناك مجموعة أخرى تضم بنودا من الأصول التي لا يتوافر لها الوجود المادي الملموس كشهرة المحل وبراءات الاختراع والتي تسمى بالأصول غير الملموسة.
  والمنشآت الحكومية الإسلامية كغيرها من المؤسسات تستخدم تلك الأصول لتأدية أعمالها والقيام بأنشطتها المتمثلة بتوفير الخدمات العامة ،فالنظام الإسلامي له هدف سام ليس النفع المادي بل استخدام المادة(بما فيها الآلات والمعدات و المكائن والعقارات والأراضي...الخ) وسيلة لإعمار الأرض وتهيئتها للعيش الإنساني وليس الاحتكار والسيطرة والاستئثار بالخيرات.
   ويقسم النظام المحاسبي الإسلامي المال حسب أغراضه والانتفاع منه إلى نقود(أثمان) وعروض[7] (العيساوي، 2003: 183)،ويقصد بالنقود المعاملة بها (المبادلة) في جميع الأشياء لا الانتفاع ،أما العروض فتنقسم على أساس النية من اقتناء الأصل إلى عروض تجارة وعروض قنية ، حيث يقصد بعروض التجارة العروض المعدة للبيع وتراد لطلب الفضل والنماء وهي التي يطلق عليها في المحاسبة الوضعية بالأصول المتداولة (طرابزوني،1984: 115)، فالمراد من هذه الأصول النماء وطلب الفضل وهي التي فرض عليها المشرع الإسلامي الزكاة، لأن الزكاة تجب على الأموال النامية فعلا وقد كان النبي (ص) يأمر المسلمين بأن يخرجوا الصدقة مما يعدونه للبيع(الخياط،1990: 961)،وقال عمرو بن حماس عن أبيه: ( كنت أبيع الأدم (الجلد) والجعاب(الخفاف) فمر بنا الخليفة عمر بن الخطاب فقال: يا حماس أد زكاة مالك فقلت مالي إلا جعاب وأدم ،قال : قومها قيمة ثم أد زكاتها( رواه أحمد والدار قطني البيهقي) ،لذا كان لابد من تحديد الأموال الزكوية وتعيينها ومن ثم تقييمها ،حيث يتم تقييم هذا النوع من الأموال في التشريع الإسلامي على أساس القيمة الجارية وليس التكلفة التاريخية كما هو الحال في المحاسبة الوضعية، فيذكر الفقهاء فيما يتعلق بالأموال الزكوية" أنه في حال تعلق الزكاة بها يخرجها – أي المكلف – من مال آخر ويراعي في التقويم بقاؤها إلى أوان الحصاد أو الاجتناء مع حاجته في بقائها إلى صرف شيء من المال(التبريزي، 1382 هـ ش: 196)، فهنا إشارة واضحة على وجوب تقويم الأموال الزكوية وقت تعلق الزكاة بها مع الأخذ بالاعتبار الفترة الممتدة إلى أوان الحصاد أو الاجتناء،وهذا معناه التقيد بالسعر الجاري لها ،فالقيمة الجارية في النظام المحاسبي الإسلامي هي أساس الانتفاع وليست التكلفة التاريخية كما في المحاسبة الوضعية، كما أنه لا ربح إلا بعد سلامة واسترداد رأس المال والمحافظة عليه، لذا يستدعي ذلك تقويم عروض التجارة على أساس القيمة الجارية وتقويم عروض القنية بالقيمة الاستبدالية (طرابزوني،1984: 115).
   أما عروض القنية فهي العروض غير المعدة للبيع والغرض من اقتنائها الاستعمال ويدخل في حكمها المباني والآلات والمعدات والأثاث ،وهي التي يطلق عليها في المحاسبة الوضعية بالأصول الثابتة (طرابزوني،1984: 115)، وقد حدد التشريع الإسلامي لعروض القنية(أي الأصول الثابتة وهي موضوع حديثنا) معالجات محاسبية خاصة بها من حيث تسجيلها وتقويمها واحتساب الاندثارات عليها،ويلاحظ أن التركيز على تقسيم الأموال إلى عروض تجارة وعروض قنية في التشريع الإسلامي ،وكذلك الاهتمام بمعالجة عروض القنية(الأصول الثابتة) وتقييمها واحتساب الاندثارات عليها له عدة مبررات أهمها:
•   يتطلب أداء فريضة الزكاة من المكلفين بها ومن الجهات المسئولة عن جبايتها التمييز والإلمام بأنواع الأموال المتوفرة والتي تتعلق بها الزكاة ، كما يتطلب من الجهات المسئولة عن جباية الزكاة التمييز في أسلوب تقويم هذه الأموال.
•   تتعلق الزكاة بالأموال النامية وهي ما تسمى بعروض التجارة أو الأصول المتداولة ولا زكاة على الأصول الثابتة (عروض القنية).
•   تتعلق الزكاة بالأفراد والشركات ، أما المال العام فإنه لا يخضع للزكاة وإن أستثمر على شكل تجاري ، كذلك فإن العقارات والأراضي لا تخضع للزكاة.
•   إن تقييم كفاءة وفاعلية أداء الوحدات الحكومية يتطلب توفير معلومات دقيقة عن مصاريفها وإيراداتها المختلفة ومواضع صرفها ومدى التزامها بأحكام التشريع الإسلامي.
تقويم الموجودات الثابتة في التشريع الإسلامي
  إن مبدأ لا ربح إلا بعد سلامة واسترداد رأس المال والمحافظة عليه والذي ينتهجه النظام الإسلامي يستدعي تقويم عروض القنية (الأصول الثابتة) بالقيمة الاستبدالية[8] وليس بالتكلفة التاريخية كما في المحاسبة التقليدية ،بل يتم الالتزام بقيمة الإحلال (الاستبدال) أو سعر البيع الحالي لأغراض قياس نتائج الأعمال ،وبيان المركز المالي. وهذا رأي جمهور فقهاء المسلمين الذي يعتبر لا فضل (ربح) إلا إذا كان أصل المال(رأس المال) سليما استنادا إلى قول النبي(ص) : " مثل المؤمن مثل التاجر لا يسلم له ربح حتى يسلم رأسماله،كذلك المؤمن لا تسلم له نوافله حتى تسلم له عزائمه" فالتقويم بالقيمة الاستبدالية أو سعر البيع الحالي هو لغرض المحافظة على رأس المال من حيث قوته في استبدال العروض التي اقتنيت به وقدرته على الاسترباح والنمو(العيساوي،2003: 202).
إن تحقيق العدالة الاجتماعية والتوازن الاجتماعي يعتبران من الأهداف الرئيسة والجوهرية للنظام الإسلامي ، والالتزام بمبدأ القيمة الاستبدالية أساساً لتقييم الأصول الثابتة هو من وسائل تحقيق تلك الأهداف ، لأن التقويم بسعر التكلفة التاريخية الذي تطبقه المحاسبة الوضعية لا يحقق هدف المحافظة على رأس المال الحقيقي ،  ولا يوفر معلومات صادقة أو معبرة عن المركز المالي في تاريخ الميزانية في ظل تغيرات الأسعار، في حين إن الكلفة الاستبدالية تعمل على المحافظة على رأس المال ، كما أنها تحقق الإفصاح الكامل والعادل لأنها تعرض معلومات صادقة تعبر عن الوضع المالي الحالي كما هو. وإذا تعلق الأمر بمسألة الموضوعية وإمكانية الوثوق (الاعتماد) بمعلومات القيمة الاستبدالية –  حيث يوجه مؤيدو التكلفة التاريخية  انتقادهم الأساسي ضد الكلفة الاستبدالية من حيث عدم موضوعية أو مصداقية المعلومات التي توفرها – فقد لاحظنا كيفية معالجة التشريع الإسلامي لهذه المسألة بالذات من خلال التشديد على ضرورة توفر مجموعة من الخصائص النوعية للمعلومات الواردة في التقارير المالية- بما فيها الحكومية -  كالموضوعية و الاعتمادية والمصداقية والملائمة في هذه المعلومات بدليل قوله تعالى:" وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله" (البقرة،282)،وسنتعرض لهذا الموضوع بشيء من التفصيل في المبحث التالي إن شاء الله تعالى، كما أن قوله تعالى في نفس الآية :" واستشهدوا شهيدين من رجالكم ....واشهدوا إذا تبايعتم " ،يشترط وجود شهود تتوافر فيهم شروط معينة على المعاملات والمعاوضات المالية بمختلف أنواعها مما يعطي التأكيد والضمان-فضلا عن شروط كتابة المعاملات- على صحة المعاملات والعقود وتوافر  الموضوعية  والمصداقية في المعلومات الواردة فيها ، فمن تعريفات الموضوعية أنها خاصية تعكس إجماع خبراء متمرسين على نتائج قياس الأنشطة الاقتصادية ،أو الطريقة التي يتم الإفصاح بها عن تلك الأنشطة في القوائم المالية والشهود على العقد (المعاملة أو الحدث الماليين) يمكن اعتبارهم خبراء في هذا المجال.
  فالموضوعية تبدأ بالقياس الذي يستهدف التعبير عن الواقع الفعلي السائد لقدر الحق أو الأصل أو الالتزام به في لحظة القياس ثم البحث عن الأدلة والقرائن الأكثر موضوعية (عدالة ونزاهة ومصداقية) لتأييد هذا القياس وصحته، ولا يشترط أن تكون أدلة تاريخية ثم اختيار أنسب دليل للقياس الصحيح،فالموضوعية هي موضوعية القياس وليس موضوعية الدليل ،لأن المطلوب من القياس تبيان الحق في ساعة القياس وليس تبيان الأرقام التاريخية كما هي (العيساوي،2003: 208).
استهلاك الأصول الثابتة في التشريع الإسلامي 
  وعليه فإن استهلاك الأصول الثابتة في النظام الإسلامي يتم على أساس القيمة الاستبدالية الجارية ،والفرق بين قيمة الخدمات غير المستنفذة في الأصول الثابتة على أساس قيمتها التاريخية وقيمتها الجارية تسمى فائدة(طرابزوني،1984: 115).
  فعندما تكون للموجود(الأصل) قيمة استبدالية يتم تقدير نسبة صلاحية للموجود تتناقص بطول عمره الإنتاجي ، فيتم تحديد قيمته الجارية بضرب قيمته الاستبدالية في نسبة صلاحيته، فإذا كانت قيمته الاستبدالية الجديدة 12000 دينار ونسبة صلاحيته 80% ،فإن قيمته الجارية هي 9600 دينار(12000×80%) ويتم تعديل قيمة الأصل بموجب قيد يكون كالآتي:
××× من حـ/ الأصل الثابت
××× إلى حـ/ الفائدة(أرباح رأسمالية).
ويغلق حساب الفائدة بحساب الاحتياطات الرأسمالية
××× من حـ/ الفائدة
××× إلى حـ/ الاحتياطات الرأسمالية.
  ويتم تعديل حساب الأصل بمقدار الاندثار المتراكم ،وعندما يكون هناك فرق بين القيمة الاستبدالية والقيمة في الميزانية(القيمة الجارية + متراكم الاندثارات) فيتم تكوين مخصص يسمى بمخصص احتياطي استبدال الأصول الثابتة. فإذا كانت قيمة الأصل الاستبدالية الجديدة 15000 دينار وقيمته الجارية 12000 دينار واندثاره المتراكم 2700 دينار فإن قيد الاحتياطي يكون بمبلغ 300 دينار(15000- {12000+2700}) كالآتي:
300 من حـ/توزيعات الأرباح
300 إلى حـ/ احتياطي استبدال الأصول الثابتة.
    ويلاحظ في القيد السابق أنه تم استبعاد جزء من الأرباح كاحتياطي بمقابل استبدال الأصل الثابت(العيساوي، 2003: 205).
   إن تقييم الموجودات الثابتة في الوحدات الحكومية الإسلامية واحتساب الاندثارات ومن ثم احتساب المصروفات المتعلقة بها،يكون ذلك لأجل مراقبة أنشطة تلك الوحدات وتقييم أدائها وكفاءتها وفعاليتها في تحقيق الأهداف المرجوة منها وفي حدود أحكام التشريع المقدس، مع توفير حماية كافية لأصول وحقوق الوحدة المحاسبية الحكومية التي تدخل ضمن الملكية العامة للمسلمين مع ضمان حقوق الأطراف المختلفة الأخرى . 
  نستخلص من خلال محاولة تأصيل المعايير المحاسبية الحكومية الصادرة  من أل GASB على وفق النظام الاقتصادي الإسلامي، أن النظام المحاسبي الإسلامي قد عرف معظم هذه المعايير وهي موجودة على شكل مبادئ وأسس ومفاهيم في التشريع الإسلامي ، وبعضها موجود كأحكام وقواعد ومعايير حددتها الشريعة المقدسة وبينتها في مصادرها الأساسية،كالأحكام التشريعية المتعلقة بتحديد أنواع معينة من الواردات المالية العامة للدولة كالزكاة والخمس، فضلا عن الأحكام المتعلقة بتخصيص تلك الأموال.
  فبالنسبة لمعيار الاعتمادات المخصصة فهو من المفاهيم الإسلامية الأساسية المتعلقة بتنظيم الأموال وحفظها وصيانتها ، وقد حددت الشريعة بعض الأحكام والقواعد الثابتة المتعلقة بتخصيص الأموال كالأحكام المرتبطة بإيرادات الزكاة فتوجد في الشريعة معايير وقواعد نظامية تحدد أولا مصادر هذه الإيرادات وثانيا: تحدد( تخصص) موارد صرفها وتوزيعها في مواضع محددة ومخصصة من قبل الشريعة.
   وفيما يتعلق بمعيار تعدد الأموال الذي يفترض إنشاء وحدات محاسبية مستقلة بسجلاتها ودفاترها لكل نوع من أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الحكومة ، فقد بينا أن هذا الأمر موجود أيضا في التشريع الإسلامي ، وقد عرفته الدولة الإسلامية قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة، فهناك نظام متقن يفصل ويميز بين أنواع الأموال الواردة إلى بيت المال ، ويعين سجلات وقوائم وموازنات خاصة بكل نوع منها إذ وجدنا إنه يتم إعداد موازنة مستقلة بإيرادات الزكاة ، وموازنة أخرى لإيرادات الأراضي الخراجية ، وثالثة للإيرادات الأوقاف والكفارات والنذور والهبات ..الخ، وذلك يثبت عدم صحة الادعاء القائل بأن المحاسبة الوضعية هي التي أسست مبدأ تعدد الأموال بل إن النظام الإسلامي هو الذي أرسى دعائم هذا المبدأ قبل هذا الوقت بأكثر من أربعة عشر قرنا.  أما بالنسبة لمعيار تخفيض عدد الأموال في الوحدة الحكومية ، الذي يراد من إحكام السيطرة على إدارة الأموال وتنظيمها بالشكل الأمثل ، وعد إهدار الأموال وتضييعها ، فإن هذا الأمر هو الآخر موجود في التشريع الإسلامي وطبق في النظام المالي الإسلامي ، من خلال تحديد أنواع الأموال التي تخضع لسيطرة الوحدات الحكومية ومصادر تلك الأموال ومواضع صرفها ، وبالتالي تحميل تلك الوحدات مسؤولية إدارة هذه الأموال وحفظها وصيانتها.
   أما فيما يعلق بمحاسبة الموازنة، فالتشريع الإسلامي أو ل من أوجد القواعد والأحكام المتعلقة بتنظيم واردات ونفقات الدولة ، من حيث تحديد مصادر تلك الإيرادات وطرق إنفاقها وتوزيعها ، وكذلك تحديد السياسة والأهداف المراد تحقيقها من خلالها  ، وقد عرفت أول موازنة في النظام المالي الإسلامي منذ بداية تأسيس الدولة الإسلامية. ومحاسبة الموجودات الثابتة قد طبقت أيضا في النظام المالي الإسلامي للمحاسبة عن الموجودات الثابتة (والمتداولة) التي تمتلكها أو تسيطر عليها الحكومة ، فقد وضعت قواعد ومعايير خاصة بتقييم هذه الموجودات وطرق احتساب الاندثارات عليها.          
  فضلا عن ذلك فقد تطرقت الفقرة السابقة إلى بعض المعايير التي وجدناها في النظام الاقتصادي الإسلامي إلا أنها غير موجودة في النظم المحاسبية الوضعية ، كاستخدام أكثر من قاعدة في مبدأ الدورية ، فعلى الرغم من اتفاق كل من النظام الإسلامي والنظام الوضعي على مسلمة الدورية في إعداد الموازنات إلا أن النظام الوضعي يرى أن القاعدة العامة للدورية هي السنة ، ومن ثم تعد الموازنات على أساس سنوي، في حين يرى النظام الاقتصادي الإسلامي إن فترة إعداد الموازنات يجب أن تتناسب مع طبيعة دورة الإيرادات وفتراتها الزمنية ، فقد تكون سنوية في حالات معينة ، وفي حالات أخرى تكون الفترة موسمية أي أقل من سنة، وبالتالي ضرورة ربط الإنفاق بطبيعة الإيرادات وفترات جبايتها كقاعدة أساسية في تحديد نطاق أو مدى الدورية.
   كما نرى تميز الاقتصاد الإسلامي في استخدام القيمة الجارية والكلفة الاستبدالية أساسيين في تقييم الموجودات المتداولة والموجودات الثابتة على التوالي ومن ثم تحسب إندثارات الموجودات الثابتة على أساس قيمتها الاستبدالية وليس الكلفة التاريخية كما هو معمول به في المحاسبة الوضعية. وهو – أي النظام الإسلامي – قد عالج مشكلة التغير في الأسعار وما ينجم عنها من آثار تنعكس على صحة ودقة المعلومات الواردة في التقارير المالية.
أما المعايير الأخرى الصادرة عن أل GASB فسيتم بحثها في الجزء الثالث من الدراسة في الايام القادمة ان شاء الله تعالى ، لكونها تشترك مع معايير صادرة من جهات محلية ، وعليه ستكون الفقرة التالية متعلقة بدراسة معايير المحاسبة الحكومية المحلية ومدى تأصلها في النظام الاقتصادي الإسلامي.
 
 
 
________________________________________
[1] سنتكلم لاحقا بتفصيل أكثر عن تحديد وتقدير أنواع الأموال المتعلقة بزكاة الغلات.
[2] مسحوبة من الانترنت.
 
[3] أصناف العمال والموظفين وأصحاب الحرف في الدولة العباسية آنذاك كأصحاب النوبة والقراء وأصحاب الأخبار والمؤذنين وأصحاب الصيد والصناع والفراشين والطباخين والحراس وعسكر الخليفة وغيرهم.
[4] نقلا عن الزهراني، 1986: 113.
[5] على الرغم إن الموازنة في كثير من دول العالم اتجهت نحو التفريق في هيكلها المحاسبي بين المصروفات الرأسمالية والمصروفات الإيرادية لأغراض تتعلق بمتطلبات التخطيط المالي ولخدمة الحسابات القومية ، وتأمين متطلبات السيطرة على حيازة هذه الموجودات ،ومن ثم استخدامها للغرض الذي اقتنين من أجله(الصائغ، 1976: 271).
[6] يطلق البعض على هذا المدخل "مدخل وحدة النقد ثابتة القيمة"، حيث يتم على أساسه تعديل وحدة القياس المستخدمة وهي وحدة النقد بمعامل تعديل معين يتغير بتغير معدل التضخم ،وذلك بقصد تثبيت قيمتها الشرائية كخطوة لإلغاء تحيز القياس الذي تتضمنه البيانات المحاسبية المعدة حسب مدخل التكلفة التاريخية ،أما الأداة المستخدمة في تعديل هذه البيانات فهي الأرقام القياسية للتغيرات في المستوى العام للأسعار (مطر، 2004: 157).
[7] العرض بفتح العين وسكون الراء خلاف الدنانير والدراهم التي هي قيم الأشياء ، وبفتح العين ما كان عارضا لك من مال قل أو كثر(الخراساني، 1413: 420).، وكذا قول الراغب الأصفهاني: معنى عرض السلعة أي بدلها وعوضها(الأصفهاني، 1425: 560).
[8] تمثل تكلفة الاستبدال التكلفة النقدية أو السعر النقدي المعادل الذي كانت سوف تتحمله المنشأة لو قامت بشراء الأصل حاليا(العادلي وآخرون، 1986: 134).



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=57030
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 01 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19