• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : رسالة من عمق الجرح .
                          • الكاتب : عواطف عبد اللطيف .

رسالة من عمق الجرح

في ذكرى الوجع

سنةٌ أخرى تمرُّ وكأنها اليوم
في ليلة تشتعلُ بهاِ الإشواقُ وتذرفُ دموعها بصمت.. لا أعرف كيف أبدأ أنيني، صرخة تنفجر من عمق روحي وضلوعي تئنُّ وقلبي ينزف ومع كل حرف يلازمني الوجع, كنت أظن ان الغربة ستأخذني بعيداً وتشغلني عن هموم الدنيا، والبعد سينسيني إلا ان شوقي بات يكبرُ.
كلّ الطرقِ والمسافاتِ رمتْ وجعها في جفافِ الأسئلةِ المكبوتةِ داخل عروقي، وعمري تلبدهُ الغيوم تخاف أن تتحرك فتجهض..
هل تعرفون معنى أن يُسلب الأنسان عمره وحياته وأن يهدّ كيانه وتتشرد أسرته ويضيع الحلم في ظلم البشر؟
هل جربتم معنى الحرمان من الحبِّ والحياة ومرارة ان يقضي الإنسان ليله بدون نوم وهو يتلوى من الشوق؟
هل جربتم أن تنزع قلوبكم منكم بدم بارد على حين غفلة؟
هل جربتم معنى أن تعانق غربة الروح غربة الوطن، وتصبح إحدى مفردات زادك اليومي, غربة يتناسل منها الوجع مع مرور الأيام تتقاذفنا رياحها وتمعن بتعذيبنا ونحن نقف من بعيد خاشعين أمام عتبات الانتظار وقلوبنا تحترق وتنادي وتصرخ ولا منْ يرد!!!
نعم بح المنادي والمسامع تشتكي من الصمم!!
ماذا أنسى لأنسى!!!!!
هل أنسى موت الضمائر ونفسه الأخير يحرق مهجتي لتغادر شمسه سمائي ويفارق كوني في لحظة وأنا في ذهول, ,وأحفادنا يكبرون ويسألون عنه ، والأيام تركض ونحن نركض وتسرقنا وتسرق لون السماء ونحن في غفلة منها.. ياااااااه كم هي صعبة بدونك ..لو كنت تعرف لما تركتني وحيدة أصطلي بنار العذاب,أشتكي لحزني من حزني ,ولعذابي من عذابي ,وكلما أحاول أن أداري ألمي يهزني شيء داخلي فتتحول الإبتسامة بدون أن أشعر الى دمعة تخدش خدي.
مواسم البكاء أصبحت ترافق كل فصولي وعواصف الحنين تحيط جوانبي وغيوم الوجع تغلف سمائي بالسواد فلم أعد أميز شتائي من صيفي لم أعد أعرف لأيامي طعم، والغدر يثقب قلبي.. لست ضعيفة ولكني تعبت والقلوب باتت تفوح منها رائحة العفونة، والأقنعة تزداد والقيم أصبحت في خبر كان، والحنين لازال يتسربل فوق دفاتر الليل، ودماء العراقيين التي كانت ولم تزل شلالا يتدفق مع توالي الأيام والسنين والجرائم والجنايات والقاتلة وكل المآسي العراقية تسجل بإسم مجهول والقانون تحكمه شريعة الغاب، يتحدثون بإسم الدين والدين منهم براء وأفكارنا متسخة يملؤها الغبار فينام الخوف وهو يرتجف على أرصفتي ويحترق الصبر بين جوانحي بعد أن سلب مني ذوي الضمائر الميتة وطني واستبدلوه غربة! ومنفى!! ووجعا!!وضياع!!
كل يوم يترنح الصبح على خطى دمعي فيتدفق الحزن من أعماقي ويمزق أحشائي يبعثر مشاعري ويشتت أفكاري أستذكر أيام سعادتي فتحلق روحي في أعالي السماء تبحث عن أمل ضاع في دنيا العذاب فيعتصر قلبي ويترجل حنيني,,أفقد توازني فتشيخ حروفي وتتساقط لوعة!! ولهفة!! وشوق!! وحاجة!!!
كيف لي أن أعيش يومي وهو أسود ولا صبح في دهاليز كآبتي ومراري, الشمس رحلت بعيداً والوجع يعصر قلبي ويغتال فرحي وسكوني.. وشبح الموت يطل في كل لحظة على أبواب مدينتي، والوطن بات ينام في عمق البحر وألسنة الموج تكبر وهدير الصخر يتعالى .. وأفواه مفتوحة تلهث خلف عفن الخبر.. ولغة العالم باتت عويل للذئاب والشياطين تصول وتجول ترقص على صراخ الأطفال وتنام على جثث الشباب.. وصروح الأخلاق وركائز القيم أصابها العقم , زرعوا بذور الفتنة والنعرات المذهبية والقومية والطائفية فاستفحل داء الشر وازدادت العتمة, و إشراقة غدي غادرت روحي وكل شيء بات يذوب ويتلاشى إلا وجعي!! فهو يصهل داخلي ..عميق جرح الليل بعمق جرحي الذي يأبى الإلتئام.. أحفر بمنجلي بين أكوام الصمت أغازل ذكرى السنين وهي تفتح كل أبواب الغياب وأبحث بين الأركان عن بقايا وجع فيه عزائي لأنني بدونه متاهة ٌ لا حدودَ لها وأنا أركض خلف ظله.
أعرف أن الجميع ملَّ مني ومن دموعي ومن وجع حروفي حقيقة أعرفها ولا أستطيع أن أغفل عنها ولكن والله ليس بيدي, أقسم لكم إنني غير قادرة على نسيان وجعي، سامحوني وأعذروني ولكن ما فائدة الكلام وهناك منْ يصادر الأصابع ويكمم الأفواه ويهدر الحلم ويجهض الآمال من أجل أن يرفل بالحرير، وألسنتهم أفاع ٍمغمورة في كؤوس العسل لا تجيد سوى الهتاف الملفق والوعود الكاذبة.
فكيف بظل كل هذا القهر أفرح؟؟
قدري أن أحترق وأن أمارس الأحتراق في زمن الجدب وأستجدي حبات المطر, واقضم أظافر الندم.. غربوني ولكنهم لم يستطيعوا أن يغربوا مشاعري وأحاسيسي, لم يستطيعوا مصادرة شوقي وحنيني وأنا أراقب من بعيد وأتلوى.. نهاري صمت كصمت القبور يلف الكون يحاصرني يجعلني أرتعش بدون أن أدري وطيفك ينام على صدري.
أما هزك بعض اشتياق !!لا أعرف هل هانت عليك ذكرياتنا وأيامنا ورحلة العمر لتتركني وحيدة أتلوى ,بت أحسدك في راحتك وتراب الوطن يغيبك وأنا أبحث عن ذرة منه وأتعذب..ولأنك لم ترى أشلاء الوطن وهي تتطاير وهناك من يفتح فمه لينهش!!!
ستبقى سرادق العزاء منصوبة حتى يلوح شعاع الشمس في أفق وطني من جديد وأعود إليك ..
إشتقت لكل شيء.......
لصدر أمي وخبز التنور ورائحة الياسمين المتدلي على نافذة غرفتي، والشبوي على باب بيتي والبسمة البريئة على وجه طفل لم يسحقه الزمن وعجوز من مدينتي ينام براحة وأمان وشباب لا تتقاذفهم الشوارع..أحن لطفولتي, لوجوه الناس التي تشبهني,لكل شيء يربطني بوطني ... وعلى وسادتي تنامُ الذكرياتُ، أعانق من بعيد منْ أحب، وأحملُ حزمةَ ضوءٍ من نقاء الصور وباقة ياسمين وقناديل شوق وصرخة تنطلق من عمق الجرح ..
هل سأعود؟. 
.....أين أهرب لأهرب وعشقي لوطني يغرس زواياه في قلبي وأركانه تتجذر في أعماقي ونافذة روحي مكسورة وشتائي طويل وأن أخرجت رأسي سيبلل المطر روحي
آآآآآآآآآآآه
متى تطرق الباب لأفتح لك أنهار العمر!!!!
أكاد أختنق
أيها الليل كفكف دموعك 
هل لي بنسمة هواء لأتنفس!!!
مايس 2004 - مايس 2011



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5628
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 05 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29