• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : بين الفصيح والشعبي _نبي صامت وساحر ناطق .
                          • الكاتب : انمار رحمة الله .

بين الفصيح والشعبي _نبي صامت وساحر ناطق

 حين نتابع المناخ الأدبي والثقافي مؤخرا ً ،نجد أن الشعر الشعبي بدأ يتقدم واثقا ً
فارضا ً سطوته على اغلب الأقاليم الذوقية .وبينما يقبع الشعر الفصيح في بيته ولم يخرج
حتى إلى التبضع لعلة أخفاها في صدر كاتبه،جعلنا نرى ونستشعر هيبة ورفرفة رايات الشعر
الشعبي حتى على قلاع المعاهد والكليات بعد أن كان مقتصرا على الجلسات والأماسي
والمهرجانات  .من يستطيع أن يوقف سيل الشعر الشعبي .؟وما كل هذه الكاريزما التي يتمتع
بها ،ويسل لها لعاب آذننا وقلوبنا ..؟حتى جعلتنا ننسى غريب الأطوار(الفصيح) الذي ظل
يراوح في بيته /غرفته ،حائرا منكسرا ،كثّ اللحية.من علّم الشعر الشعبي..؟ (الفتى الظريف
اللعوب الذي يفيض دماثة وخلقا حين يستوجب الأمر ،ويرعد كرامة وشهامة في مرة أخرى
،ويتماوع ويدغدغ حين يتغزل أو ماشابه ..)من علمه فن التأثر على الناس .؟ولماذا لم
يستثمرها الشعر الفصيح..؟ الذي أنهى حياته في خدمة اللغة والدين والاجتهادات الفقهية
واللغوية وغيرها ،حين أوكل الله إلى كلماته حمل لغة القرآن الكريم .الشعر الفصيح الذي
تناسته القلوب ،وعافته الآذان،وهرولت كالمفزوعة إلى منصة الشعبي فاغرة الأفواه والقلوب
والأحلام ،ملعلعة بالإعجاب والتصفيق والتهليل.هل فعلا انتهت اللعبة .؟وصار الشاعر يكتب
للشاعر..؟هل أقلعت الجماهير عن رشف خمرنا.؟ ،واكل خبزنا الذي يبس في أيادينا فتبايعنا
به بيننا ...؟!.لقد لعب التوقيت لعبته ألان ،حين أحست الجموع أن الشعر الفصيح صار رجلا
غريب الأطوار ،يتكلم حين نصمت ويصمت حين نتكلم.واضعا غليونا على فمه وسرّح شعر لحيته
ورأسه على طريقة ماركس ، وصار يتحدث ساعة ولم نفهم منه شيئا.وبالمقابل بدأ الشعر الشعبي
يتصرف على انه ابن الحشود وعرقها ودمها النازف.لم يدع مأتما إلا وحضره باكيا ،ولم يترك
وليمة عرس إلا وكان أول المشاركين فيها ،ومن ثم دخل كما قلت إلى الجامعات والمعاهد
،وبدأ يجالس (الأساتذة والدكاترة ). وينشد في حب الوطن والدين والحبيبة ،والجماهير
الطلابية التي رفعت الشعر الفصيح سابقا على الأكتاف .نراها اليوم قد رفعت الشعر الشعبي
على أكتافها حامدة للرب على جزيل عطاياه بمنه عليها بهذا الشاب الطريف.لقد تمرض الشعر
الفصيح ،وأصابته كل الأمراض التعبوية والكاريزمية ،ولم يزره إلا شعراؤه .حاملين باقات
ورد كتب عليها بيتن دارمي عن الشفاء....نعم صدقوني ...لقد بدأ شعراء الفصيح يطعـّمون
أماسيهم إذا تسلل الفتور والملل إلى قلوب الجالسين بكم بيت لأحد الشعراء الشعبيين.لما
فيها من طرفة ومن عنصر المفارقة ،والكر والفر السريع في اللهجة الدارجة .سؤالي الأخير
..هل انتهت اللعبة .؟هل نأتي نحن بالتحديد لنقضي على الشعر الفصيح صديق الفلسفة الأول
،وصانع النظريات الاجتماعية الأولى ،وشلال الحكمة الأزلي.هل نشارك الجماهير لذتها وندفن
الشعر الفصيح قبل وفاته ،ونهلل ونصفق للساحر العظيم الذي ينطق كلاما سهلا شعبيا يحاكي
كل الخلق إلا الشعر.؟
هل نشد على عضد الكليات والجامعات والمعاهد التي كان واجبا عليها أن تنمّي الجانب
الثقافي لدى الطلاب ،وان تشجعهم على كتابة ومتابعة الشعر والأدب العربي والعالمي .وبدلا
من ذلك صارت هذه الجامعات مرتعا لمباريات الدوري اللاثقافي،والذي انتهى بفوز (ابوذيات
شهد الشمري  ) على قصيدة أنشودة المطر بنتيجة 10_صفر. هل سنقف في يوم ونعلن للناس إننا
مع هذا النبي الذي أصمته التوقيت اللعين وسوء الثقافي ووعيها ،ونحن ضد تواجد الساحر
الشعبي في معاهدنا الأكاديمية  وكلياتها..؟.طبعا أنا هنا لست بصدد التهجم ولا التنكيل
بالشعر الشعبي ورواده ،بالعكس أنا احترمه إذا كان يتحرك في المكان الصحيح،وان تكون له
خصوصيته كي لا يختلط الحابل بالنابل ،ويستوي الفارس والراجل.وان تكون له أماسيه الخاصة
والتي تقتصر على الشعر الشعبي فقط،وأنا ضد الممازجة بين القصيدتين(الشعبية والفصيحة)
على منصة واحدة ،لما لهذه الخلطة من مضار على الأذن المتلقية ،وذوقية الاستماع .وعتبي
الشديد على الفروع الأكاديمية كلها ،بل حتى من فترة الدراسة الابتدائية ،يجب على
المعلمين والمدرسين والأكاديميين أن ينموا روح الثقافية والأدب العربي الأصيل..فإذا كان
الأكاديميون ذاتهم يشجعون الشعر الشعبي(مع احترامنا له) على منصات أقسام اللغة العربية
في الكليات ،فماذا سيكون حالنا وحال اللغة العربية لاحقا ،وإذا كان مدراء المدارس
الابتدائية والمتوسطة بدلا من أن يشجعوا طلابهم على إلقاء كلمات باللغة الفصحى ،أو
إلقاء شعرا فصيحا ،نراهم ألان يشجعون (المواليد) التي تجول وتصول في ساحات المدارس
وخصوصا في الأعياد والمناسبات .أنا اعتقد إن سبب تدهور حال الثقافة والأدب والفن الرفيع
والنبيل،راجع إلى المدارس والجامعات ،فهي المحرض الأساسي للمتلقين (الطلاب)وهم شريحة
كبيرة في المجتمع ،فإما أن نحاسب أنفسنا ونرجع إلى وعينا ونتصالح مع ثقافتنا ،وإما كل
عام والجميع بألف (ابوذية) .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=5608
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 05 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28