• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : الانحياز للسلم في رواية .
                          • الكاتب : خيري القروي .

الانحياز للسلم في رواية

الحرب ليست لعبة او هواية او نزهة.. انها نار مستعرة لا تحرق اليابس من الاغصان فقط.. بل وتحرق الاخضر ايضا وتحرق الايدي التي اشعلتها في بداية الامر.ولكن ضحايا الحرب من الابرياء كثر.. احلام الاطفال البريئة.. تطلعات الشباب واشواقهم الملتهبة الى كل ما هو جميل في الحياة.. كل الاشياء الممتعة في الحياة تصبح مهددة في اثناء الحرب ومعرضة للزوال.سعادة الانسان هي المستهدفة في اثناء الحرب.. لان بذرة السعادة تحتاج الى تربة صالحة والى مناخ ملائم لكي تنمو وتزدهر.. السعادة تحتاج الى الشعور بالامن والاستقرار وفي اجواء الحرب ينعدم هدا الشعور.بكل دقة وواقعية وبالتفاصيل الصغيرة يرسم لنا الكاتب الالماني(ريماك) في روايته الممتعة (للحب وقت وللموت وقت) الصورة الحقيقية لمعاناة الشعب الالماني في اثناء الحرب.. الصورة الحقيقية بلا رتوش ولا محسنات.. الصورة كما هي في الواقع.. لا كما يصورها اعلام الدعاية الالمانية.لم يرسم لنا الكاتب الصورة الوردية للانتصارات الالمانية على الجبهات الحربية بل رسم لنا صورة الانكسارات النفسية والخسائر الروحية على جبهة اخرى ممنوع على اي انسان كشفها او الاشارة اليها لئلا يوصم بالخيانة العظمى التي عقوبتها الاعدام.. رسم لنا صورة الصحراء الخالية المنتجة للخواء الروحي والظمأ الانساني التي زحفت على حياة الجندي والمواطن الالماني فصيرت حياتيهما جحيما لا يطاق.
اجواء الحرب غيرت حتى نظرة الانسان الى الطبيعة.. حينما تكون السماء صافية لا يبتهج الانسان لصفائها وخلوها من الغيوم وهي مشاعر طبيعية.. بل يحزن ويكتئب لانه حينما تكون السماء صافية يكون الجو ملائما للغارات الجوية من قبل الحلفاء وما يتبع ذلك من اشاعة الموت والخراب والدمار.. فصفاء الجو ليس فرصة جميلة لنزهة في الهواء الطلق مع الحبيبة او الاسرة.. او الاصدقاء.. بل هي مخاطرة في الحياة بعد ان اصبحت السماء ليست حبلى بالمطر بل حبلى بالقنابل والمتفجرات.هذا هو الوجه الحقيقي للحرب كما رسمتها ريشة فنان عاش ظروف الحرب واكتوى بنارها فرسم لنا بالكلمات الوجه الاخر الذي يحاول دعاة الحروب اخفاءه عن الناس ولكنهم دائما يفشلون في محاولاتهم البائسة لان الحقيقة لا يمكن اخفاؤها ببرقع مزيف.
هذه هي الحرب التي تشوه اجمل المشاعر في حياة الانسان حتى انها تحول زرقة السماء الموحية بكتابة قصيدة جميلة الى لون اخر.. لون احمر.. لون اشتعال النار او لون انفجار الدم.. او لون انهيار الحلم.
حتى مشاعر الحب التي هي من اوضح المشاعر في حياة الانسان تتعرض للتشويه في اجواء الصراعات والحروب فيكون الحقد على الآخر وتعذيبه ضرورة من الضرورات..
(في معسكرات التعذيب قادة يتمتعون بخفة ظل. وكذلك بين رجال العاصفة حرس يتمتعون بالطيبة والامانة في تعاملهم مع زملائهم. واخرون يطمحون الى ما يسمونه الخير, وينظرون الى الاحداث البشعة وكانها امر عابر, ويفسرونها كضرورة من ضرورات الزمن.. هؤلاء قوم ضمائرهم مطاطة..)يسأل (جريبر) بطل الرواية احد اليهود المختفي عن الانظار خوفا على حياته من القتل:
اليس لك اقارب؟
- كان لي اقارب اخ واختان واب وزوجة وطفل وقد ماتوا جميعا.. اثنان ضربا حتى الموت,وواحد مات ميتة طبيعية, والباقون, قتلوا بالغاز..
وسأل اليهودي الجندي الالماني الكاره للحرب:
- هل ستعود الى الجبهة؟
-نعم.. ساعود لاكافح كي يبقى المجرمون الذين يطاردونك مدة اطول في الحكم, ربما تكفي للقبض عليك وشنقك.
فاتى يوسف بحركة خفيفة يؤيد بها كلامه ثم صمت
 قال جريبر:
- اذا هربت من الجيش سيقبضون على والدي وزوجتي ويرسلونهما الى معسكرات التعذيب وقد يقتلونهما.
واستمر يوسف في صمته.
- ساذهب وانا ادرك ان هذه الاسباب ليست اسبابا مقنعة الا انها الاسباب التي دفعت الملايين للذهاب. كم يجب عليك ان تحتقرنا!
في اثناء اجازته يتعرف على فتاة فيحبها ويقرر الزواج منها ويكتشف ان والدها طبيب الماني مغيب في احد معسكرات التعذيب.. وتتستلم ابنته رسالة بريدية تدعوها الى الحضور.. ويحضر الشاب بدلا عنها.. ويسلمونه لفافة اشبه بلفافة التبغ ويطلبون منه التوقيع على تسلم رماد والد زوجته الذي احرقت جثته:
وقال الموظف وهو ينظر اليه نظرة نصف نائمة:ها هو الرماد!.. ولست بحاجة لان اخبرك.. فانت جندي المطلوب منك هو الصمت التام. وممنوع عليك ان تعلن موته, لا في الجرائد ولا في اي اعلان بريدي! ولا تنظم اي جنازة! بل الصمت.. مفهوم؟
لم تكن النهاية سعيدة لبطل رواية (للحب وقت وللموت وقت) كان الجيش الالماني يتقهقر متراجعا الى الوراء باستمرار لقد تحولت انتصارات الجيش الالماني الى انكسارات.. وكانت مجموعة من الروس اسرى عند الالمان فاوكلوا امر حراستهم اليه وغالبا ما يتم التخلص من الاسرى باعدامهم.واحيانا يتم اطلاق سراحهم حتى ادا ما فروا ظانين انهم تحرروا
من الاسر يطلقون النار عليهم كنوع من التسلية او التدريب على التصويب والقتل.ولكن هده المرة كان (جريبر) صادقا في عملية اطلاق سراح الاسرى خلافا لما كان يفعله الاخرون من الالمان, وحينما طلب منه زميله المبادرة بالاعدام رفض ذلك واصر على رفضه فالقى عليه زميله نظرة لها معنى مذكرا اياه بانه يرتكب الخيانة العظمى بتعاطفه مع العدو.. وكانت يده على قبضة المسدس.. لكن (جريبر) كان اسرع منه ففاجأه بضربة اردته قتيلا.وفتح بوابة السجن مطلقا سراح السجناء الروس..(وراى الروس يجرون متجمعين ومنحنين, تتقدمهم النساء.. والتفت احدهم الى الخلف وشاهد جريبر فرفع سلاحه فجاة.. وراى جريبر فوهة السلاح السواد تتسع فاراد ان يصيح عاليا, اذ كانت لديه امور كثيرة يرغب في الافصاح عنها بسرعة وبصوت عال.لم يحس جريبر بالطلقة, وانما راى الحشائش امامه كنبات قريب جدا من عينيه لم يذبل بعد من وطأة الاقدام, بل يحمل زهورا عشبية حمراء, واوراقه الرقيقة تكبر..)ابدع الكاتب الالماني الشهير في رسم رواية جميلة لابشع حرب عرفها التاريخ الحديث واضعا اصبعه على الجروح الانسانية النازفة والخسائر الروحية الفادحة في أي صراع يحدث في اي مكان في العالم لان روح الانسان واحدة ومتشابهة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54909
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18