• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ربيع الشهادة .
                          • الكاتب : محمد المبارك .

ربيع الشهادة

ما إن تقبل على ربوع الاحساء حتى تنحني لك سعيفات نخيلاتها مرحبةً بقدومك ويخيل لك أنها تصافحك يد بيد وتسمع خرير مياه عيونها العذبة النقية الدالة على نقاوة قلوب أهلها الطيبين المسالمين.
 
فكل من عرف الاحساء ويعرفها عبر تاريخها الطويل عرفها مسالمة آمنة لم يعرف أهلها العنف حتى قبل أن يعرفوا أخلاق الإسلام فدخلوا فيه طواعية بسلمٍ دون معارك أو قتال.
 
ومن ذلك الحين لم تعتد الاحساء وأهلها على الحروب وحمل السلاح أو إطلاق الرصاص بدون سبب مقاوم وذلك بكل أطيافها وتوجهاتها بكل مدنها وقراها.
 
ولهذا كانت الحادثة المأساوية في قرية الدالوة حادثة غريبة على المجتمع الاحسائي الذي لم تمر عليه شبيهة لها في تاريخه.
 
هذه القرية الآمنة المطمئنة الوادعة التي تقع شامخة في شرق الاحساء والتي أبت إلا أن تبرّ أمها الاحساء في طيبتها التي امتدت وتدلت كتدلي عناقيد العنب في مزارعها الخضراء.
 
هذه القرية فُجعت في ليلة العاشر من المحرم الحرام باستشهاد كوكبة من ابنائها أثر عمل إرهابي جبان طالهم وهم يزفون أنفسهم خارجين من تعزية سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) من مكان يعبد فيه الله ويذكر فيه اسمه ويصلى فيه على رسوله وآله ( عليه وعليهم السلام) إلا وهو حسينية المصطفى (ص).
 
فهنيئا لهذه الكوكبة الشهادة والتي مثّل الأشبال فيها والشباب الشريحة الكبرى فجلّهم في ربيع العمر وكأنهم أبَوُ إلا أن تتفتح أزهار سنيهم بعروج أرواحهم  إلى ربهم ، وهكذا هم الشهداء وهذه هي الشهادة ، كيف لا وقد وعدهم الحق سبحانه الحياة الدائمة الأبدية والسرمدية عنده ، (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل احياءً عند ربهم يرزقون))(1).
 
وكيف لا وقطرة من دمهم هي أفضل قطرة تراق ، يقول الإمام السجاد ( عليه السلام) ( ما من قطرة أحب إلى الله من قطرتين ، قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها العبد إلا الله )(2).
 
ولا يفوتنا في بيان فضل الشهادة قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم )( فوق كل ذي بِرّ بِرّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله فإذا قُتِل في سبيل الله فليس فوقه بِرّ)(3).
 
فحقا لهؤلاء الشهداء بهذا الفضل وبهذه الشهادة الجنة ، وحقا لذويهم الفخر والعزة ، وحقا لقاتليهم الذل والعار ، وما عند الله تعالى أعز وأبقى للشهداء وأذل وأخزى لهؤلاء القتلة المجرمين.
 
وقبل الختام أقدم كلمة شكر لهؤلاء الشهداء الذين وحّدوا الكلمة ورصوا الصف ضد الارهاب وأعلنوها مدوية أن لا مجال لبث الفتنة وزرعها بين أبناء الوطن الواحد.
 
ولا يسعني بعد الدعاء لهؤلاء الشهداء بالرحمة والمغفرة  إلا أن أسأل المولى الكريم أن يحفظ المسلمين وبلادهم من كيد أعدائهم وأن يرد كيدهم إلى نحورهم أنه سميع مجيب.
 
 
 
(1)- سورة آل عمران : الآية ( 169)
 
(2) – الريشهري ، الشيخ محمد – ميزان الحكمة ج 5 ص 2004 – ط\1- 1422هـ - دار الحديث – قم المقدسة ، الجمهورية الاسلامية الايرانية.
 
(3)- نفس المصدر والصفحة السابقين.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=53560
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20