• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : عاشوراء (٩) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

عاشوراء (٩)

 
 {فَاَسْأَلُ اللهَ الَّذي أكْرَمَني بِمَعْرِفَتِكُمْ وَمَعْرِفَةِ اَوْلِيائِكُمْ وَرَزَقَنِى الْبَراءَةَ مِنْ اَعْدائِكُمْ}.
   أنْ تعرفَ أهل الحق فتلكَ كرامةٌ من الله تعالى، ونعمةٌ عظيمةٌ، لا تعادلها في القيمة الا البراءة من العدو، اذ لا يكفي ان تعرف الحق للتولاّه، فلابدّ من تشخيص الباطل لتتجنبه وتتبرأ منه.
   إنّ اتّباع الحق يصون كرامة الانسان، والعكس هو الصحيح، فاذا تبنّى المرء الباطل فانه يطعن بكرامته، كيف؟.
   أولاً: ان اتّباع الحق يعني انك ملكتَ حرّيّتكَ، والا ما اخترته أبداً اذا كنت عبداً سواء لهواك او للدنيا او لحاكمٍ او لسلطانٍ او لجاهٍ او لمال، فعندما نُطالع سِيَر من قاتل الى جانب الحزب الأموي في كربلاء فسنُلاحظ انّهم عبيدٌ كما هو حال عمر بن سعد قائد الجيش الأموي، والذي ظلّ يُصارع هواه بين ان يقتلَ الحسين (ع) فيظفر بمُلك الرّي وبين ان يمتنع عن ذلك فيخسر المُلك الذي وعدهُ به الدعيّ بن الدعيّ عُبيد الله بن زياد، ولأنّه كان عبداً، لذلك آثر الباطل على الحق، ولكنه في نهاية المطاف لم يظفر بشيء فخسر الدنيا والآخرة.
   لقد ظلّ يعيش الصراع العنيف داخلياً بين الحريّة والعبوديّة، حتى غلبت عبوديّته حرّيته فقتل سبط رسول الله (ص) بثمنٍ بخسٍ وُعد به ولكنّه لم يظفر به، فظلّ يُردد مع نفسه:
فـوالله لا أدري وإنّـي لحائرٌ   
 أُفـكّر في أمري على خطرين
أأترك ملكَ الريِّ والريُّ مُنيتي     
أم ارجـعُ مأثوماً بقتل حسينِ
حسينُ ابنُ عمّي والحوادثُ جمّةٌ    
 لَعَمري ولي في الريّ قرّةُ عينِ
وإنّ إلـهَ الـعرشِ يغفر زلّتي     
ولـو كـنتُ فيها أظلمَ الثقلينِ
ألا إنّـما الـدنيا لَـخيرُ مُعجَّلٍ     
ومـا عـاقلٌ باع الوجودَ بدَينِ
يـقولون إنّ اللهَ خـالقُ جنّةٍ     
ونـارٍ وتـعذيبٍ وغلِّ يدينِ
فإنْ صدقوا فيما يقولون إنّني    
 أتوب إلى الرحمن من سنتينِ
وإنْ كذبوا فُزنا بدنيا عظيمةٍ    
 ومـلكٍ عـقيمٍ دائمِ الحجلين  
   على العكس من هذه السيرة نطالع سيرة احد أحرار التاريخ الذي ظّل هو الاخر يصارع هواه الا انه لم يمنحْه فرصة التغلّب على حريّته فاختار الحق على الباطل، ذلك هو الحر بن يزيد الرياحي، فعلى الرغم من انّه كان قائداً عسكرياً ذا مكانة ووجاهةٍ الا انّه تغلّب على كلِّ ما يشدُّه الى دنيا الأمويين ليختارَ الآخرة التي وعده بها سيد الشهداء عليه السلام.
   انّ الحريّة هي مصدر المعرفة، معرفة الحق، ولهذا السبب خاطب الامام الحسين (ع) معسكر الباطل بقوله {ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم} فالحرية تُغلب العقل على الهوى وهي تصفّي الرؤية ليرى بها المرء الامور بوضوح بلا تضليلٍ او تشبيه.
   وفي قصة الامام الكاظم (ع) مع أَمَة بِشْر الحافي إشارة عظيمة بهذا الصّدد، تقول القصة:
   انّ الامام موسى بن جعفر الكاظم (ع) مرّ يوماً على قصر لشخص يعرف بـ (بِشْر) وكانت اصوات الطبول والغناء عالياً فنظرَ الى القصر واذا بجارية تخرج منه لتلقي بالقُمامة فسألها لمن يكون القصر؟ قالت: لسيّدي بشر قال: وهل سيدك حرّ ام عبد؟ فتعجّبت من سؤال الامام لانها قالت له ان القصر لسيدي فما معنى انه حرٌ أَمْ عبد؟ لكنها مع ذلك اجابته بانه حر، فقال (ع): صدقتِ لو كان سيدك عبداً لله لاستحى من الله.
   وعندما رجعت الى القصرِ سألها سيدها بِشر عن سبب تأخّرها فقالت: سالني شخصٌ عن القصر فاجبته فقال وهل سيّدكِ حرٌ ام عبد؟ فقلت بل هو حرٌّ، فقال؛ صدقت لو كان عبداً لله لاستحى من الله، فقال لها بِشر؛ صفيه لي، قالت رجلٌ نحيفٌ تكادُ الرّيحُ تهزّه اذا اهتزّت، فركضَ بِشر الى الامام ووقع على قدميه وقال: انّي تائبٌ الى الله، ومنذ ذلك الحين تركَ قصرَهُ وظلّ يمشي حافياً فعُرف ببِشر الحافي.
   ثانياً: كما ان اتباعك للحق ولأهله يعني انك ملكت إرادتك، إرادة الاختيار، والتي تعتقلها عادة المصالح الخاصة والضيقة.
   لقد خلق الله تعالى عبادَه ومنحهم حرّية الاختيار، ليحاسبهم، فقال عز وجل {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} و {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ} بعد أن حرّرهم برسله وانبيائه من كل ما يحول بينهم وبين الإرادة، فقال تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
   ولذلك، فنحن ضد نظرية (القدر) الأمويّة التي تذهب الى ان اعمال العباد مفروضة عليهم بشرّها وخيرها، في مسعى منهم لتبرير سلطتهم الظالمة، واسكات المعارضة.
   انها نظرية تعود بجذورها الى فكرة (التقميص) التي أشاعها الخليفة الثالث، عندما رفض التنازل عن الخلافة امام ثورة المسلمين بحجّة ان الخلافة (قميص الهي) لا يجوز له خلعه!.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=53198
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20