• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حادثة الغدير كانت تُشكِل دليلاً على التنصيب والاختيار معاً .
                          • الكاتب : الشيخ راضي حبيب .

حادثة الغدير كانت تُشكِل دليلاً على التنصيب والاختيار معاً

 سؤال يطرح نفسه: هل كانت حادثة الغدير تشكل دليلاً على اختيار الأمة للخليفة الالهي ، أم أنها تشكل دليلاَ حصرياً على تنصيب الخليفة عن طريق السماء ؟
ومن هذا المنطلق لقد اختلفت الأمة الاسلامية على عدة مذاهب ومن أبرز هذه المذاهب مذهب الامامية ومذهب اهل السنة والجماعة حيث ذهب الامامية بالقول على مبنى التنصيب الالهي ، وذهب اهل السنة والجماعة بالقول على مبنى الاختيار من قبل الأمة ومن خلال هذه المقالة بتأييد من الله جل جلاله سوف نبين ما هو محل الاشكال والخلاف وأن الرأي الذي نتبناه هو على أساس المبنيين معاً كما سيأتي بيانه:

في بادئ ذي بدء ينبغي أن نتناول بعض المداخل التعريفية حتى نفرق بين لفظ التنصيب و لفظ الاختيار من حيث المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي حتى يتضح لنا ما هو الفرق بالضبط ، وبعده يأتي التعريف بحادثة الغدير من حيثيتين (الجغرافية والدلالية) .

مدخل التعريف:
التنصيب لغةً: جاء في (الصّحّاح في اللغة) مادة نصب: النَصب: مصدر نَصَبْتُ الشيء، إذا أقمته.
وجاء معنى نصب في (معجم اللغة العربية المعاصرة) • نصب الرئيس فلانا : ولاه منصبا.

التنصيب اصطلاحاً: يأتي بمعنى تعيين الخليفة الاسلامي بنص الهي وهذا القول ما ذهب إليه مذهب الامامية .

الاختيار لغةً: جاء في (لسان العرب) في مادة خير: وخار الشيءَ واختاره: انتقاه؛واخْتَرْتُ فلاناً على فلان: عُدِّيَ بعلى لأَنه في معنى فَضَّلْتُ.

الاختيار اصطلاحاً: هو يأتي بمعنى تعيين للخليفة الاسلامي من قبل بيعة الناس له وهذا القول ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة.

المدخل إلى حادثة الغدير: تعتبر حادثة غدير خمّ من أهمّ القضايا الاسلامية ؛ فهي الواقعة التي تحدد اتجاه مسير الخلافة في الأمة الاسلامية و مستقبلها ، بل و مستقبل العالم وهي من الأحداث التاريخية الهامة و المصيرية التي أدلى بها رسول الله في المرحلة الأخيرة من حياته الطاهرة.



 

(جبل غدير)

معنى كلمة الغدير:
وتعني كلمة الغدير في اللغة: مسيل ينزل منه الماء ، وكان مكان غدير خم فيه جبل حيث يَسْفَحُ فيه ماء المطر و لذلك اشتهر بغدير خم.

موقع غدير خم الجغرافي:
يقع غدير خم بمسافة 3-4 كيلومترات تقريباً شمال شرق من ميقات الجحفة، ويقع ميقات الجحفة في سهل منبسط شرق مدينة رابغ، ويبعد عن المدينة المنورة حوالي 183 كيلومتر في غرب شبه الجزيرة العربية .

 


المدخل إلى أدلة حادثة الغدير:

الدليل القرآني: جاء في التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[المائدة:67]. نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب ، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده ، وقال : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " فلقيه عمر بن الخطاب فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، وهو قول ابن عباس ، والبراء بن عازب ، ومحمد بن علي. [راجع محل تفسيرالآية]

الدليل الروائي:جاء في صحيح مسلم : " وعن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوما فينا خطيبا بماء يدعى " خما " بين مكة والمدينة فحمد الله ووعظ وذكر ، ثم قال : أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله . . . ثم قال وأهل بيتي . . . " [1]
وقال ابن حجر في شرحه على حديث الغدير أنه: "صحيح لا مرية فيه ، ولا يلتفت لمن قدح في صحته ولا لمن رده ". [2]

اقول: نكتفي بإيراد هذا المقدار بما يتناسب مع قوة الدليل، والأدلة في هذا المجال مستفيضة جداً لمن أراد الاطلاع في مصادر اهل السنة وقد رواها الكثيرون من علماء الفريقين ومن حفاظ أهل السنة وأئمتهم.

اشكالات وردود:
الاشكال الاول:يشكل بعض المخالفين لحادثة الغدير بأن كلمة المولى لم تأت لمعنى الخليفة وانما جاءت لمعنى المحبة أو النصرة.

رد الاشكال الأول: حيث جاء في مقدمة الحديث قوله صلى الله عليه وآله : (ألست أولى بكم من أنفسكم). ثم أعقب على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله: (فمن كنت مولاه فعلي مولاه) ثم فرّع على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله: (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه) .

فيستفاد من كلمتي (أوْلى [الأولوية]) و(مولا) اللتان جاءتا في نص الحديث النبوي سالف الذكر، ان كل ما كان للنبي صلى الله عليه وآله من مقامات ومناصب فهي على الأولوية المولوية أوالولائية لعلي بن أبي طالب ولا يخفى أن من مقامات النبوة مقام الخلافة، إلاّ أنه صلى الله عليه وآله قد استثنى منه مقام النبوة وحصره في مقام الخلافة بدليل ما جاء في نص حديث المنزلة الصحيح أنه صلى الله عليه وآله قال للامام علي(ع) :" ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي " والحديث قد ورد في صحيحي البخاري ومسلم : 6 / 309 ، حديث : 857 ، طبعة دار القلم / بيروت . [3]

وأبرز منزلة لهارون من موسى كانت هي منزلة (الخلافة) بدليل قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) [4].

وعلاوةً على ذلك أيضاً فإن كلمة (المولى) مشترك لفظي جامع لكثير من المعاني التي تصل إلى حد سبعة وعشرين معناً ، كما ذكره وبينه علماء اللغة فهو يأتي لمعنى (الخلافة) و (السلطان) و (المدبر) و (المحبة) و (النصرة) والخ . فتبقى كل هذه المعاني المطابقة لحال البيان مطلوب الامتثال بها. 
وتقريب الاستدلال: على اساس أن حمل كل هذه المعاني قائم على الاطلاق المقامي في دائرة بيان الخطاب النبوي، فتكون موضوعا للامتثال بها.
ومفاد قاعدة الاطلاق المقامي: انه يقتضي انتفاء القيود المضيقة لدائرة موضوع الحكم وذلك لو قدر لموضوع ما وذكر في الكلام، لما أضاف شيئا زائداً أو قيدا على الحكم المذكور، ولما استقل بالحكم دون بقية موضوعات الحكم، وانما تكون فائدة ذكره انه أحد موضوعات الحكم المذكور.

الاشكال الثاني:وايضا يُشكل البعض على أن حادثة الغدير كانت دليلاً على مبدأ الاختيار وليس مبدأ التعيين الالهي .

رد الاشكال الثاني:الأمر الذي لم يتطرق إليه أحد من العلماء هو أن الحديث النبوي الشريف قد أشار إلى كلا المبدأين (التعيين والاختيار) ، وجمع بين التعيين والاختيار، وهو أمر بين أمرين فلا هو بالتعيين الالهي منفردا فقط ، ولا هو بالاختيار منفردا فقط كما سنوضحه كالتالي:

أولا: أن الحديث في بداية نصه وترتيباً على ما ذكرناه في رد الاشكال الأول فانه قد أشار إلى مبدأ التعيين في قوله صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فكانت هذه الفقرة عبارة عن التعيين الالهي بلا شك ولا ريب ، لانه لم يفتح باب الاختيار للأمة بين أكثر من واحد وهذا أمر واضح وجلي للأعمى فضلا عن البصير .

وما دل أكثر على هذا الأمر نص قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) [5]، فكلمة (إِنِّي) تفيد صيغة الافراد وتعني أن الله قد تفرد بهذا الأمر ولم يسمح لأحد بالتدخل فيه حتى الملائكة بدليل ما جاء في سياق الاية الكريمة سالفة الذكر: (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فاختيار الخليفة بيد الله وحده وهو أعلم بمن هو الأصلح ، فان الله قد نفى أعلمية الملائكة به لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، فبالتالي من قرر ان الاختيار بيد الخلق فضلا عن الملائكة الكرام وليس بيد الخالق فقد نسب الى الله النقص وعدم علمه بالأصلح نعوذ بالله وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
فبعد هذا التصريح فمن أين يبقى مجال لاختيار الخلق لخليفة الله؟!!

ثانيا: فأردف قوله هذا بعبارة (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه) فجاء أفراد الأمة ليبايعوه على أمر الطاعة للخليفة الذي تم تعيينه من قبل الله ، ولم تكن البيعة على اساس اختيار من يكون الخليفة لانه لا يوجد محيص ولا مندوحة لأحد عن الأمر المتعين.
فكان مجال الاختيار الموكول للأمة هو البيعة بالطاعة للخليفة المتعين سابقاً بنص الهي ، وهذا أمر متروك لاختيار الأمة فلا جبر ولا تفويض بدليل قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [6]، ولذلك أردف فقرة التعيين بفقرة الاختيار فقال : (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه) ، أي اللهم تابع بالجنة على من أقر له بالطاعة ، وعذب بالنار من رفض طاعته.

النتيجة النهائية:فكان التعيين والتنصيب للخليفة من قبل السماء والأمة مخيرة بين تفضيل السمع والطاعة أوعدمها فقط لاغير، أما مسألة اختيار خليفة غير الخليفة المتعين بالنص الالهي فلا يوجد أي مجال لأنها (سالبة بانتفاء الموضوع) وقد اغلق باب الخلافة ومنع في وجه كل طامع ، وهذا أمر واضح جدا.



________________________________________
[1]صحيح مسلم : ج 7 - ص 122 - 123 .
[2]الصواعق المحرقة،ابن حجر الهيثمي/ ص 57 ـ طبعة مكتبة الحقيقة، تركيا استانبول عام 2003.
[3]حديث المنزلة :
رواية البخاري:
روي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه في صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، الحديث 3503:حديث المنزلة قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى  
رواية مسلم:
روي عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، الحديث 2404:حديث المنزلة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان، فقال: أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي .
أورده الترمذي بروايات مختلفة في سننه، الأحاديث 3724 و3730 و،3731 كتاب المناقب. ووصفه بالحسن.
[4]الاعراف:142 .
[5]البقرة:30.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=52250
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29