• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : وليمة النعمة! .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

وليمة النعمة!


هوذا طاغيةٌ، شلاّلُ ظلمٍ وحقد. إقطاعيُّ منطقةٍ شكله، يخشى الناس ذكرَ اسمه! أمّارُ شرٍّ، يبني مجدًا دعاه بنفسه يومًا "الجحيمُ في قلبي".
مملكة جهنّم إذًا! ماذا لم تزرع؟ وتحصد القتل عرفيًّا. تمنع الخير في نبعه أن يخرج. حتى الكاهن منعه الطاغية من مباركة زواج حبيبين! ويبان الخوف في تبعيّة الكاهن المهدَّد، الذي يُنشد الهدوء والعيش الهانئ!
وفي المقابل، وجه حَبرٍ يناقض الصورة. قيل: "إذا صرّح البابا فرنسيس أنّه يريد أن يكون بابا الرحمة، فإنّه يتصوّر أمامه وجهَ هذا الحَبر الجليل". الكاردينال فريدريك بورومّيه، "في استقباله المميّز لهذا الخاطئ الكبير"، لوحةٌ إنجيليّة ولا أروع. مشهدٌ إنسانيّ لا يمكنكَ إلاّ التأثّر لذكره. موقفٌ ينزاح إلى النور، يصدمَ القابعين في رتابة الواقع، وتسطع بإشراقته الضمائر.
خبَرُه أنّ الطاغية أعلاه، قصده في زيارةٍ، أقلّ ما يُقال فيها إنّها غير مرحَّبة في أوساط الأسقف. إلى أن تَواجَها! لحظاتُ رهبةٍ فرضها الكاردينال، بصَمتِه الكاشف هدأةَ نفسه الماخرة في الداخل، يقطعها ترحيبٌ غير عاديّ. فتحة يديه الداعيةُ ضيفَه برحابةٍ غير منتظَرة، تتبعها كلماتٌ ليست كالكلمات. قال:
- يا لَهذه الزيارة، ما أغلاها! كم أنا مدينٌ لكَ تلطّفكَ، في الوقت الذي يُشعرني بالملامة!
- بالملامة؟ أجاب الرجل.
- أجل! ألوم نفسي لتنازلكَ هذا. إذ سبقتَني بالزيارة التي كان يجب أن أقوم بها قبلك!
- تزورني؟ هل تعرف من أنا؟ هل سمعتَ جيّدًا باسمي؟
- وهل تظنّني أتمتّع بالعزاء والفرح اللذين تراهما على وجهي، من جرّاء زيارة رجل غريب؟
مسحورًا، لم يستطع الطاغية التلفُّظ بكلمة. وتابع الكاردينال:
- أخبرْني يا سيّد، أيَّ خبرٍ سارّ تحمله إليّ؟
عند هذا السؤال، طفح بالرجل التعجّبُ، قال:
- وأيّ خبرٍ سارّ يمكن إنسانٌ مثلي أن يحمله؟ أنا الحامل الجحيمَ في نفسي، قلْ لي بربّكَ: أيّ خبرٍ سارّ تنتظر منّي؟
- أنتظر بكلّ بساطة، أن تخبرَني أنّ الله لمس قلبك. وأنّه جعل من نفسكَ مسكنه! ألا يختلج قلبك بالحضور الإلهيّ؟
في الحقيقة، مسّ الله قلب الطاغية بكلمات الأسقف، باستقباله الحارّ له وتجسّم محبّته التي غمرته. ففاضت عيون الرجل بدموعٍ ساخنة لم تزُرْ حدقتيه منذ اليفاع. وتكمل الرواية تقول: غطّى المجرم وجهه بيديه وغاص في البكاء، ليهتف الحبر: "ما أكبرَ الله وما أروعه! وتابع رافعًا يديه نحو العلى:
- ماذا فعلتُ يا ربّ، أنا الخادم المسكين والراعي البسيط، لتدعوني إلى وليمة نعمتكَ الفائضة هذه؟ لتجعلَني مستحقًّا أن أشهد هذه العودة الفرِحة إلى أحضانك!
هذا كلّه، مشهديّة في كتاب على طاولة الحبر الأعظم! قد تكون مؤلَّفةَ الكاتب! ولكن، ألا تعود بنا إلى لوحاتٍ كتابيّة بطلُها يسوع؟! أمَا زكّا العشّار طاغيةُ مالٍ دعاه الربّ باسمه إلى وليمة حبٍّ في بيته؟ أمَا الزانية باعت جسدَها "هيكل الله"، فاشتراه يسوع بردّ الرجم عنها، محوِّلاً التهمة إلى مُلقيها؟! وفرنسيس البابا، أما قابل خطيئة كهنته، بالتماس بركتهم له، كونهم كهنة المسيح وحسْب؟
وبعد، أمَا إنسانيّةٌ موقف الكاردينال؟ هوذا استقبالٌ لم ينتظرْه هذا الرجل االذي جرّد نفسه من الإنسان فيه! هي ذي محبّةٌ غمره بها، فشعر باهتمامٍ ألقاه عنه منذ زمن!
أهداه الكاردينال ما يُنشده في طبيعيّته: الاحترام العفويّ بدَل الخوف الذي يفرضه. المحبّة الظاهرة بدل الرعب الذي يلقيه. الترحيب الصادق بدل المثول الخانع! فاكتشف المجرمُ الله واتّكأ على كتف رجل الله بنفسٍ بنويّة طائعة، وعاد إلى حظيرة الخراف، راجيًا فقط عفو الله وخلاص نفسه. تبارك الله!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=51980
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19